بيان
هذا هو الفصل الثالث مما نقل عنهم و هو شركهم بالله باتخاذ الآلهة و قولهم: «اتخذ الرحمن ولدا» سبحانه و الجواب عن ذلك.
قوله تعالى: «و اتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا» هؤلاء الآلهة هم الملائكة و الجن و القديسون من الإنس و جبابرة الملوك فإن أكثرهم كانوا يرون الملك قداسة سماوية.
و معنى كونهم لهم عزا كونهم شفعاء لهم يقربونهم إلى الله بالشفاعة فينالون بذلك العزة في الدنيا ينجر إليهم الخير و لا يمسهم الشر، و من فسر كونهم لهم عزا بشفاعتهم لهم في الآخرة خفي عليه أن المشركين لا يقولون بالبعث.
قوله تعالى: «كلا سيكفرون بعبادتهم و يكونون عليهم ضدا» الضد بحسب اللغة المنافي الذي لا يجتمع مع الشيء، و عن الأخفش أن الضد يطلق على الواحد و الجمع كالرسول و العدو و أنكر ذلك بعضهم و وجه إطلاق الضد في الآية و هو مفرد على الآلهة و هي جمع بأنها لما كانت متفقة في عداوة هؤلاء و الكفر بعبادتهم كانت في حكم الواحد و صح بذلك إطلاق المفرد عليها.
و ظاهر السياق أن ضميري «سيكفرون» و «يكونون» للآلهة و ضميري «بعبادتهم» و «عليهم» للمشركين المتخذين للآلهة و المعنى: سيكفر الآلهة بعبادة هؤلاء المشركين و يكون الآلهة حال كونهم على المشركين لا لهم، ضدا لهم يعادونهم و لو كانوا لهم عزا لثبتوا على ذلك دائما و قد وقع ذلك في قوله تعالى: «و إذا رءا الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون:» النحل: 86.
و أوضح منه قوله: «و الذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم و لو سمعوا ما استجابوا لكم و يوم القيامة يكفرون بشرككم:» فاطر: 14.
و ربما احتمل أن يكون بالعكس من ذلك أي سيكفر المشركون بعبادة الآلهة و يكونون على الآلهة ضدا كما في قوله: «ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا و الله ربنا ما كنا مشركين»: الأنعام: 23، و يبعده أن ظاهر السياق أن يكون «ضدا» و قد قوبل به «عزا» في الآية السابقة، وصفا للآلهة دون المشركين و لازم ذلك أن يكون الآلهة الذين هم الضد هم الكافرين بعبادة المشركين نظرا إلى خصوص ترتب الضمائر.
على أن التعبير المناسب لهذا المعنى أن يقال: سيكفرون بهم على حد ما يقال: كفر بالله، و لا يقال: كفر بعبادة الله.
و المراد بكفر الآلهة يوم القيامة بعبادتهم و كونهم عليهم ضدا هو ظهور حقيقة الأمر يومئذ فإن شأن يوم القيامة ظهور الحقائق فيه لأهل الجمع لا حدوثها و لو لم تكن الآلهة كافرين بعبادتهم في الدنيا و لا عليهم ضدا بل بدا لهم ذلك يوم القيامة لم تتم حجة الآية فافهم ذلك، و على هذا المعنى يترتب قوله: «أ لم تر» «على قوله: «كلا سيكفرون بعبادتهم» إلخ.
قوله تعالى: «أ لم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا» الأز و الهز بمعنى واحد و هو التحريك بشدة و إزعاج و المراد تهييج الشياطين إياهم إلى الشر و الفساد و تحريضهم على اتباع الباطل و إضلالهم بالتزلزل عن الثبات و الاستقامة على الحق.
و لا ضير في نسبة إرسال الشياطين إليه تعالى بعد ما كان على طريق المجازاة فإنهم كفروا بالحق فجازاهم الله بزيادة الكفر و الضلال و يشهد بذلك قوله: «على الكافرين» و لو كان إضلالا ابتدائيا لقيل: «عليهم» من غير أن يوضع الظاهر موضع المضمر.
و الآية و هي مصدرة بقوله: «أ لم تر» المفيد معنى الاستشهاد مسوقة لتأييد ما ذكر في الآية السابقة من كون آلهتهم عليهم ضدا، فإن تهييج الشياطين إياهم للشر و الفساد و اتباع الباطل معاداة و ضدية و الشياطين و هم من الجن من جملة آلهتهم و لو لم يكن هؤلاء الآلهة عليهم ضدا ما دعوهم إلى ما فيه هلاكهم و شقاؤهم.
فالآية بمنزلة أن يقال: هؤلاء الآلهة الذين يحسبونهم لأنفسهم عزا هم عليهم ضد و تصديق ذلك أن الشياطين و هم من آلهتهم يحركونهم بإزعاج نحو ما فيه شقاؤهم و ليسوا مع ذلك مطلقي العنان بل إنما هو بإذن من الله يسمى إرسالا و على هذا فالآية متصلة بسابقتها و هو ظاهر.
و جعل صاحب روح المعاني، هذه الآية مترتبة على مجموع الآيات من قوله: «و يقول الإنسان ء إذا ما مت لسوف أخرج حيا» إلى قوله: «و يكونون عليهم ضدا» و متصلة به و أطنب في بيان كيفية الاتصال بما لا يجدي نفعا و أفسد بذلك سياق الآيات و اتصال ما بعد هذه الآية بما قبلها.
قوله تعالى: «فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا» العد هو الإحصاء و العد يفني المعدود و ينفده و بهذه العناية قصد به إنفاد أعمارهم و الانتهاء إلى آخر أنفاسهم كأن أنفاسهم الممدة لأعمارهم مذخورة بعددها عند الله فينفدها بإرسالها واحدا بعد آخر حتى تنتهي و هو اليوم الموعود عليهم.
و إذ كان مدة بقاء الإنسان هي مدة بلائه و امتحانه كما ينبىء عنه قوله: «إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا»: الكهف: 7 كان العد بالحقيقة عدا للأعمال المثبتة في صحيفة العمر، ليتم بذلك بنية الحياة الأخروية الخالدة و يستقصى للإنسان ما يلتئم به عيشه هناك من نعم أو نقم فكما أن مكث الجنين في الرحم مدة يتم به خلقه جسمه كذلك مكث الإنسان في الدنيا لأن يتم به خلقة نفسه و إن يعد الله ما قدر له من العطية و يستقصيه.
و على هذا فلا ينبغي للإنسان أن يستعجل الموت لكافر طالح لأن مدة بقائه مدة عد سيئاته ليحاسب عليها و يعذب بها و لا لمؤمن صالح لأن مدة بقائه مدة عد حسناته ليثاب بها و يتنعم و الآية لا تقيد العد و إن فهم من ظاهرها في بادىء النظر عد الأنفاس أو الأيام.
و كيف كان فقوله: «فلا تعجل عليهم» تفريع على ما تقدم، و قوله: «إنما نعد» تعليل له و هو في الحقيقة علة التأخير و محصل المعنى إذ كان هؤلاء لا ينتفعون باتخاذ الآلهة و كانوا هم و آلهتهم منتهين إلينا غير خارجين من سلطاننا و لا مسيرهم في طريقهم بغير إذننا فلا تعجل عليهم بالقبض أو بالقضاء و لا يضيق صدرك عن تأخير ذلك إنما نعد لهم أنفاسهم أو أعمالهم عدا.
قوله تعالى: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» الوفد هم القوم الواردون لزيارة أو استنجاز حاجة أو نحو ذلك و لا يسمون وفدا إلا إذا كانوا ركبانا و هو جمع واحده وافد.
و ربما استفيد من مقابلة قوله في هذه الآية «إلى الرحمن» قوله في الآية التالية: «إلى جهنم» أن المراد بحشرهم إلى الرحمن حشرهم إلى الجنة و إنما سمي حشرا إلى الرحمن لأن الجنة مقام قربه تعالى فالحشر إليها حشر إليه.
و معنى الآية ظاهر.
قوله تعالى: «و نسوق المجرمين إلى جهنم وردا» فسر الورد بالعطاش و كأنه مأخوذ من ورود الماء أي قصده ليشرب و لا يكون ذلك إلا عن عطش فجعل بذلك الورد كناية عن العطاش، و في تعليق السوق إلى جهنم بوصف الإجرام إشعار بالعلية و نظيره تعليق الحشر إلى الرحمن في الآية السابقة بوصف التقوى.
و معنى الآية ظاهر.
قوله تعالى: «لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا» و هذا جواب ثان عن اتخاذهم الآلهة للشفاعة و هو أن ليس كل من يهوى الإنسان شفاعته فاتخذه إلها ليشفع له يكون شفيعا بل إنما يملك الشفاعة بعهد من الله و لا عهد إلا لآحاد من مقربي حضرته، قال تعالى: «و لا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق و هم يعلمون»: الزخرف: 86.
و قيل: المراد أن المشفع لهم لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا و العهد هو الإيمان بالله و التصديق بالنبوة، و قيل: وعده تعالى له بالشفاعة كما في الأنبياء و الأئمة و المؤمنين و الملائكة على ما في الأخبار، و قيل: هو شهادة أن لا إله إلا الله و أن يتبرأ من الحول و القوة و أن لا يرجو إلا الله، و الوجه الأول هو الأوجه و هو بالسياق أنسب.
قوله تعالى: «و قالوا اتخذ الرحمن ولدا» من قول الوثنيين و بعض خاصتهم، و إن قال ببنوة الآلهة أو بعضهم لله سبحانه تشريفا أو تجليلا لكن عامتهم و بعض خاصتهم - في مقام التعليم - قال بذلك تحقيقا بمعنى الاشتقاق من حقيقة اللاهوت و اشتمال الولد على جوهرة والده، و هذا هو المراد بالآية و الدليل عليه التعبير بالولد دون الابن، و كذا ما في قوله: «إن كل من في السماوات و الأرض» إلى تمام ثلاث آيات من الاحتجاج على نفيه.
قوله تعالى: «لقد جئتم شيئا إدا» إلى تمام ثلاث آيات، الإد بكسر الهمزة: الشيء المنكر الفظيع، و التفطر الانشقاق، و الخرور السقوط، و الهد الهدم.
و الآيات في مقام إعظام الذنب و إكبار تبعته بتمثيله بالمحسوس يقول: لقد أتيتم بقولكم هذا أمرا منكرا فظيعا تكاد السماوات يتفطرن و ينشققن منه و تنشق الأرض و تسقط الجبال على السهل سقوط انهدام إن دعوا للرحمن ولدا.
قوله تعالى: «و ما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات و الأرض إلا آتي الرحمن عبدا» إلى تمام أربع آيات.
المراد بإتيان كل منهم عبدا له توجه الكل إليه و مثوله بين يديه في صفة المملوكية المحضة فكل منهم مملوك له لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا و ذلك أمر بالفعل ملازم له ما دام موجودا، و لذا لم يقيد الإتيان في الآية بالقيامة بخلاف ما في الآية الرابعة.
و المراد بإحصائهم و عدهم تثبيت العبودية لهم فإن العبيد إنما تتعين لهم أرزاقهم و تتبين وظائفهم و الأمور التي يستعملون فيها بعد الإحصاء و عدهم و ثبتهم في ديوان العبيد و به تسجل عليهم العبودية.
و المراد بإتيانه له يوم القيامة فردا إتيانه يومئذ صفر الكف لا يملك شيئا مما كان يملكه بحسب ظاهر النظر في الدنيا و كان يقال: إن له حولا و قوة و مالا و ولدا و أنصارا و وسائل و أسبابا إلى غير ذلك فيظهر يومئذ إذ تتقطع بهم الأسباب أنه فرد ليس معه شيء يملكه و أنه كان عبدا بحقيقة معنى العبودية لم يملك قط و لن يملك أبدا فشأن يوم القيامة ظهور الحقائق فيه.
و يظهر بما تقدم أن الذي تتضمنه الآيات من الحجة على نفي الولد حجة واحدة و محصلها أن كل من في السماوات و الأرض عبد لله مطيع له في عبوديته ليس له من الوجود و آثار الوجود إلا ما آتاه الله فأخذه هو ممتثلا لأمره تابعا لإرادته من غير أن يملك من ذلك شيئا، و ليس من عبوديتها هذا فحسب بل الله أحصاهم و عدهم فسجل عليهم العبودية و أثبت كلا في موضعه و سخره مستعملا له فيما يريده منه فكان شاهدا لعبوديته، و ليس هذا المقدار فحسب بل سيأتيه كل منهم فردا لا يملك شيئا و لا يصاحبه شيء و يظهر بذلك حقيقة عبوديتهم للكل فيشهدون ذلك و إذا كان هذا حال كل من في السموات و الأرض فكيف يمكن أن يكون بعضهم ولدا لله واجدا لحقيقة اللاهوت مشتقا من جوهرتها، و كيف تجتمع الألوهية و الفقر؟.
و أما انتهاء وجود الأشياء إليه تعالى وحده كما تضمنته الآية الأولى فمما لا يرتاب فيه مثبتو الصانع سواء في ذلك الموحدون و المشركون و إنما الاختلاف في كثرة المعبود و وحدته و كثرة الرب بمعنى المدبر و لو بالتفويض و عدمها.
قوله تعالى: «إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا» الود و المودة المحبة و في الآية وعد جميل منه تعالى أنه سيجعل للذين آمنوا و عملوا الصالحات مودة في القلوب و لم يقيده بما بينهم أنفسهم و لا بغيرهم و لا بدنيا و لا بآخره أو جنة فلا موجب لتقييد بعضهم ذلك بالجنة و آخرين بقلوب الناس في الدنيا إلى غير ذلك.
و قد ورد في أسباب النزول، من طرق الشيعة و أهل السنة أن الآية نزلت في علي (عليه السلام)، و في بعضها ما ورد من طرق أهل السنة أنها نزلت في مهاجري الحبشة و في بعضها غير ذلك و سيجيء في البحث الروائي الآتي.
و على أي حال فعموم لفظ الآية في محله، و الظاهر أن الآية متصلة بقوله السابق: سيكفرون بعبادتهم و يكونون عليهم ضدا».
بحث روائي
في تفسير القمي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قوله: «كلا سيكفرون بعبادتهم و يكونون عليهم ضدا» يوم القيامة أي يكون هؤلاء الذين اتخذوهم آلهة من دون الله ضدا يوم القيامة و يتبرءون منهم و من عبادتهم إلى يوم القيامة.
و في الكافي، بإسناده عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قول الله عز و جل: «إنما نعد لهم عدا» قال: ما هو عندك؟ قلت: عد الأيام قال الآباء و الأمهات يحصون ذلك و لكنه عدد الأنفاس.
و في نهج البلاغة، من كلامه (عليه السلام): نفس المرء خطاه إلى أجله.
و فيه، قال (عليه السلام): كل معدود متنقص و كل متوقع آت.
و في الدر المنثور، أخرج عبد بن حميد عن أبي جعفر محمد بن علي: في قوله: «إنما نعد لهم عدا» قال: كل شيء حتى النفس.
أقول: و هي أشمل الروايات و لا يبعد أن يستفاد منها أن ذكر النفس في الروايات من قبيل ذكر المثال.
و في محاسن البرقي، بإسناده عن حماد بن عثمان و غيره عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز و جل: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» قال يحشرون على النجائب.
و في تفسير القمي، بإسناده عن عبد الله بن شريك العامري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأل علي (عليه السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تفسير قوله عز و جل: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» قال: يا علي الوفد لا يكون إلا ركبانا أولئك رجال اتقوا الله عز و جل فأحبهم و اختصهم و رضي أعمالهم فسماهم الله متقين.
الحديث.
أقول: ثم روى القمي حديثا آخر طويلا يذكر (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه تفصيل خروجهم من قبورهم و ركوبهم من نوق الجنة و وفودهم إلى الجنة و دخولهم فيها و تنعمهم بما رزقوا من نعمها.
و في الدر المنثور، عن ابن مردويه عن علي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): في الآية قال: أما و الله ما يحشرون على أقدامهم و لا يساقون سوقا و لكنهم يؤتون بنوق من الجنة لم تنظر الخلائق إلى مثلها رحالها الذهب و أزمتها الزبرجد فيقعدون عليها حتى يقرعوا باب الجنة.
أقول: و روى أيضا هذا المعنى عن ابن أبي الدنيا و ابن أبي حاتم و ابن مردويه من طرق عن علي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث طويل يصف فيه ركوبهم و وفودهم و دخولهم الجنة.
و استقرارهم فيها و تنعمهم من نعمها.
و رواه فيه عن عدة من أرباب الجوامع عن علي (عليه السلام).
و في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: قوله: «لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا» قال: إلا من دان بولاية أمير المؤمنين و الأئمة من بعده فهو العهد عند الله.
أقول: و روى في الدر المنثور، عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أن من أدخل على مؤمن سرورا فقد سرني و من سرني فقد اتخذ عند الله عهدا.
الحديث، و روى عن أبي هريرة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): أن المحافظة على العهد هو المحافظة على الصلوات الخمس، و هنا روايات أخر من طرق الخاصة و العامة قريبة مما أوردناه و يستفاد من مجموعها أن العهد المأخوذ عند الله اعتقاد حق أو عمل صالح ينجي المؤمن يوم القيامة و أن ما ورد في الروايات من قبيل المصاديق المتفرقة.
و اعلم أيضا أن الروايات السابقة مبنية على كون المراد ممن يملك الشفاعة في الآية هو الذي ينال الشفاعة أو الأعم من الشفعاء و المشفوع لهم، و أما لو كان المراد هم الشفعاء فالأخبار أجنبية منها.
و في تفسير القمي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): قلت: قوله عز و جل: «و قالوا اتخذ الرحمن ولدا» قال هذا حيث قالت قريش: إن لله عز و جل ولدا و أن الملائكة إناث فقال الله تبارك و تعالى ردا عليهم «لقد جئتم شيئا إدا» أي عظيما «تكاد السماوات يتفطرن منه» يعني مما قالوه و مما رموه به و تنشق الأرض و تخر الجبال هدا» مما قالوه و مما رموه به «أن دعوا للرحمن ولدا فقال الله تبارك و تعالى: «و ما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات و الأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم و عدهم عدا و كلهم آتيه يوم القيامة فردا» واحدا واحدا.
في تفسير القمي، بإسناده عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): قلت: قوله عز و جل «إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات - سيجعل لهم الرحمن ودا» قال: ولاية أمير المؤمنين هي الود الذي ذكره الله:. أقول: و رواه في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عنه (عليه السلام).
و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه و الديلمي عن البراء قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي قل: اللهم اجعل لي عندك عهدا و اجعل لي عندك ودا و اجعل لي في صدور المؤمنين مودة فأنزل الله «إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات - سيجعل لهم الرحمن ودا» قال: فنزلت في علي.
و فيه، أخرج الطبراني و ابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت في علي بن أبي طالب «إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات - سيجعل لهم الرحمن ودا» قال: محبة في قلوب المؤمنين.
و في المجمع،: في الآية: قيل فيه أقوال: أحدها أنها خاصة في علي فما من مؤمن إلا و في قلبه محبة لعلي (عليه السلام). عن ابن عباس و في تفسير أبي حمزة الثمالي: حدثني أبو جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي: قل: اللهم اجعل لي عندك عهدا، و اجعل لي في قلوب المؤمنين ودا، فقالهما فنزلت هذه الآية: و روى نحوه عن جابر بن عبد الله:: أقول قال في روح المعاني،: الظاهر أن الآية على هذا مدنية، و أنت خبير بأن لا دلالة في شيء من الأحاديث على وقوع القصة في المدينة أصلا.
و في الدر المنثور، أخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن مردويه عن عبد الرحمن بن عوف: أنه لما هاجر إلى المدينة وجد في نفسه على فراق أصحابه بمكة منهم شيبة بن ربيعة و عتبة بن ربيعة و أمية بن خلف فأنزل الله «إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات - سيجعل لهم الرحمن ودا».
أقول: صريح الحديث كون الآية مدنية و يدفعه اتفاق الكل على كون السورة بجميع آياتها مكية و قد تقدم في أول السورة.
و فيه، أخرج الحكيم الترمذي و ابن مردويه عن علي قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قوله: «سيجعل لهم الرحمن ودا» ما هو؟ قال: المحبة في قلوب المؤمنين و الملائكة المقربين، يا علي إن الله أعطى المؤمن ثلاثا: المقة و المحبة و الحلاوة و المهابة في صدور الصالحين.
أقول: المقة المحبة و في معناه بعض روايات أخر من طرق أهل السنة مبنية على عموم لفظ الآية و هو لا ينافي خصوص مورد النزول.
|