بيان
تشير الآيات إلى ما هو كالنتيجة المستخرجة من القصص السبع السابقة و يتضمن التوبيخ و التهديد لكفار الأمة.
و فيها دفاع عن نبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالاحتجاج عليه بذكره في زبر الأولين و علم علماء بني إسرائيل به، و دفاع عن كتابه بالاحتجاج على أنه ليس من إلقاءات الشياطين و لا من أقاويل الشعراء.
قوله تعالى: «و إنه لتنزيل رب العالمين» الضمير للقرآن، و فيه رجوع إلى ما في صدر السورة من قوله: «تلك آيات الكتاب المبين» و تعقيب لحديث كفرهم به كما في قوله بعد ذلك: «و ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين، فقد كذبوا به» الآية.
و التنزيل و الإنزال بمعنى واحد، غير أن الغالب على باب الإفعال الدفعة و على باب التفعيل التدريج، و أصل النزول في الأجسام انتقال الجسم من مكان عال إلى ما هو دونه و في غير الأجسام بما يناسبه.
و تنزيله تعالى إخراجه الشيء من عنده إلى موطن الخلق و التقدير و قد سمى نفسه بالعلي العظيم و الكبير المتعال و رفيع الدرجات و القاهر فوق عباده فيكون خروج الشيء بإيجاده من عنده إلى عالم الخلق و التقدير - و إن شئت فقل: إخراجه من عالم الغيب إلى عالم الشهادة - تنزيلا منه تعالى له.
و قد استعمل الإنزال و التنزيل في كلامه تعالى في أشياء بهذه العناية كقوله تعالى: «يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم»: الأعراف: 26، و قوله: «و أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج»: الزمر: 6، و قوله: «و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد»: الحديد: 25، و قوله: «ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب و لا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم»: البقرة: 105، و قد أطلق القول في قوله: «و إن من شيء إلا عندنا خزائنه و ما ننزله إلا بقدر معلوم»: الحجر: 21.
و من الآيات الدالة على اعتبار هذا المعنى في خصوص القرآن قوله تعالى: «إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون و إنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم»: الزخرف: 4.
و قد أضيف التنزيل إلى رب العالمين للدلالة على توحيد الرب تعالى لما تكرر مرارا أن المشركين إنما كانوا يعترفون به تعالى بما أنه رب الأرباب و لا يرون أنه رب العالمين.
قوله تعالى: «نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين» المراد بالروح الأمين هو جبرئيل ملك الوحي بدليل قوله: «من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله»: البقرة: 97 و قد سماه في موضع آخر بروح القدس: «قل نزله روح القدس من ربك بالحق»: النحل: 102، و قد تقدم في تفسير سورتي النحل و الإسراء ما يتعلق بمعنى الروح من الكلام.
و قد وصف الروح بالأمين للدلالة على أنه مأمون في رسالته منه تعالى إلى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يغير شيئا من كلامه تعالى بتبديل أو تحريف بعمد أو سهو أو نسيان كما أن توصيفه في آية أخرى بالقدس يشير إلى ذلك.
و قوله: «نزل به الروح» الباء للتعدية أي نزله الروح الأمين و أما قول من قال: إن الباء للمصاحبة و المعنى نزل معه الروح فلا يلتفت إليه لأن العناية في المقام بنزول القرآن لا بنزول الروح مع القرآن.
و الضمير في «نزل به» للقرآن بما أنه كلام مؤلف من ألفاظ لها معانيها الحقة فإن ألفاظ القرآن نازلة من عنده تعالى كما أن معانيها نازلة من عنده على ما هو ظاهر قوله: «فإذا قرأناه فاتبع قرآنه»: القيامة: 18، و قوله: «تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق»: آل عمران: 108، الجاثية: 6، إلى غير ذلك.
فلا يعبأ بقول من قال: إن الذي نزل به الروح الأمين إنما هو معاني القرآن الكريم ثم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعبر عنها بما يطابقها و يحكيها من الألفاظ بلسان عربي.
و أسخف منه قول من قال: إن القرآن بلفظه و معناه من منشئات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ألقته مرتبة من نفسه الشريفة تسمى الروح الأمين إلى مرتبة منها تسمى القلب.
و المراد بالقلب المنسوب إليه الإدراك و الشعور في كلامه تعالى هو النفس الإنسانية التي لها الإدراك و إليها تنتهي أنواع الشعور و الإرادة دون اللحم الصنوبري المعلق عن يسار الصدر الذي هو أحد الأعضاء الرئيسة كما يستفاد من مواضع في كلامه تعالى، كقوله: «و بلغت القلوب الحناجر»: الأحزاب: 10، أي الأرواح، و قوله: «فإنه آثم قلبه»: البقرة: 283، أي نفسه إذ لا معنى لنسبة الإثم إلى العضو الخاص.
و لعل الوجه في قوله: «نزل به الروح الأمين على قلبك» دون أن يقول: عليك هو الإشارة إلى كيفية تلقيه (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن النازل عليه، و أن الذي كان يتلقاه من الروح هو نفسه الشريفة من غير مشاركة الحواس الظاهرة التي هي الأدوات المستعملة في إدراك الأمور الجزئية.
فكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يرى و يسمع حينما كان يوحى إليه من غير أن يستعمل حاستي البصر و السمع كما روي أنه كان يأخذه شبه إغماء يسمى برجاء الوحي.
فكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يرى الشخص و يسمع الصوت مثل ما نرى الشخص و نسمع الصوت غير أنه ما كان يستخدم حاستي بصره و سمعه الماديتين في ذلك كما نستخدمهما.
و لو كان رؤيته و سمعه بالبصر و السمع الماديين لكان ما يجده مشتركا بينه و بين غيره فكان سائر الناس يرون ما يراه و يسمعون ما يسمعه و النقل القطعي يكذب ذلك فكثيرا ما كان يأخذه برجاء الوحي و هو بين الناس فيوحى إليه و من حوله لا يشعرون بشيء و لا يشاهدون شخصا يكلمه و لا كلاما يلقى إليه.
و القول بأن من الجائز أن يصرف الله تعالى حواس غيره (صلى الله عليه وآله وسلم) من الناس عن بعض ما كانت تناله حواسه و هي الأمور الغيبية المستورة عنا.
هدم لبنيان التصديق العلمي إذ لو جاز مثل هذا الخطإ العظيم على الحواس و هي مفتاح العلوم الضرورية و التصديقات البديهية و غيرها لم يبق وثوق على شيء من العلوم و التصديقات.
على أن هذا الكلام مبني على أصالة الحس و أن لا وجود إلا لمحسوس و هو من أفحش الخطإ و قد تقدم في تفسير سورة مريم كلام في معنى تمثل الملك نافع في المقام.
و ربما قيل في وجه تخصيص القلب بالإنزال إنه لكونه هو المدرك المكلف دون الجسد و إن كان يتلقى الوحي بتوسيط الأدوات البدنية من السمع و البصر، و قد عرفت ما فيه.
و ربما قيل: لما كان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جهتان: جهة ملكية يستفيض بها، و جهة بشرية يفيض بها، جعل الإنزال على روحه لأنها المتصفة بالصفات الملكية التي يستفيض بها من الروح الأمين، و للإشارة إلى ذلك قيل.
«على قلبك» و لم يقل: عليك مع كونه أخصر.
انتهى.
و هذا أيضا مبني على مشاركة الحواس و القوى البدنية في تلقي الوحي فيرد عليه ما قدمناه.
و ذكر جمع من المفسرين أن المراد بالقلب هو العضو الخاص البدني و أن الإدراك كيفما كان من خواصه.
فمنهم من قال: إن جعل القلب متعلق الإنزال مبني على التوسع لأن الله تعالى يسمع القرآن جبرئيل بخلق الصوت فيحفظه و ينزل به على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و يقرؤه عليه فيعيه و يحفظه بقلبه فكأنه نزل به على قلبه.
و منهم من قال: إن تخصيص القلب بالإنزال لأن المعاني الروحانية تنزل أولا على الروح ثم تنتقل منها إلى القلب لما بينهما من التعلق ثم تنتقل منه إلى الدماغ فينتقش بها لوح المتخيلة.
و منهم من قال: إن تخصيصه به للإشارة إلى كمال تعقله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث لم يعتبر الوسائط من سمع و بصر و غيرهما.
و منهم من قال: إن ذلك للإشارة إلى صلاح قلبه (صلى الله عليه وآله وسلم) و تقدسه حيث كان منزلا لكلامه تعالى ليعلم به صلاح سائر أجزائه و أعضائه فإن القلب رئيس سائر الأعضاء و ملكها و إذا صلح الملك صلحت رعيته.
و منهم من قال: إن ذلك لأن الله تعالى جعل لقلب رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) سمعا و بصرا مخصوصين يسمع و يبصر بهما تمييزا لشأنه من غيره كما يشعر به قوله تعالى: «ما كذب الفؤاد ما رأى»: النجم: 11.
و هذه الوجوه مضافا على اشتمال أكثرها على المجازفة مبنية على قياس هذه الأمور الغيبية على ما عندنا من الحوادث المادية و إجراء حكمها فيها و قد بلغ من تعسف بعضهم أن قال: إن معنى إنزال الملك القرآن أن الله ألهمه كلامه و هو في السماء و علمه قراءته ثم الملك أداه في الأرض و هو يهبط في المكان و في ذلك طريقتان: إحداهما أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انخلع من صورة البشرية إلى صورة الملكية فأخذه من الملك، و ثانيتهما أن الملك انخلع إلى صورة البشرية حتى يأخذه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و الأولى أصعب الحالين.
انتهى.
و ليت شعري ما الذي تصوره من انخلاع الإنسان من صورته إلى صورة الملكية و صيرورته ملكا ثم عوده إنسانا و من انخلاع الملك إلى صورة الإنسانية و قد فرض لكل منهما هوية مغايرة للآخر لا رابطة بين أحدهما و الآخر ذاتا و أثرا و في كلامه مواضع أخرى للنظر غير خفية على من تأمل فيه.
و للبحث تتمة لعل الله سبحانه يوفقنا لاستيفائها بإيراد كلام جامع في الملك و آخر في الوحي.
و قوله: «لتكون من المنذرين» أي من الداعين إلى الله سبحانه بالتخويف من عذابه و هو المراد بالإنذار في عرف القرآن دون النبي أو الرسول بالخصوص، قال تعالى في مؤمني الجن: «و إذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين»: الأحقاف: 29، و قال في المتفقهين من المؤمنين: «ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم»: براءة: 122.
و إنما ذكر إنذاره (صلى الله عليه وآله وسلم) غاية لإنزال القرآن دون نبوته أو رسالته لأن سياق آيات السورة سياق التخويف و التهديد.
و قوله «بلسان عربي مبين» أي ظاهر في عربيته أو مبين للمقاصد تمام البيان و الجار و المجرور متعلق بنزل أي أنزله بلسان عربي مبين.
و جوز بعضهم أن يكون متعلقا بقوله: «منذرين» و المعنى أنزله على قلبك لتدخل في زمرة الأنبياء من العرب و قد ذكر منهم في القرآن هود و صالح و إسماعيل و شعيب (عليهما السلام) و أول الوجهين أحسنهما.
قوله تعالى: «و إنه لفي زبر الأولين» الضمير للقرآن أو نزوله على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و الزبر جمع زبور و هو الكتاب و المعنى و إن خبر القرآن أو خبر نزوله عليك في كتب الماضين من الأنبياء.
و قيل: الضمير لما في القرآن من المعارف الكلية أي إن المعارف القرآنية موجودة مذكورة في كتب الأنبياء الماضين.
و فيه أولا: أن المشركين ما كانوا يؤمنون بالأنبياء و كتبهم حتى يحتج عليهم بما فيها من التوحيد و المعاد و غيرهما، و هذا بخلاف ذكر خبر القرآن و نزوله على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتب الأولين فإنه حينئذ يكون ملحمة تضطر النفوس إلى قبولها.
و ثانيا: أنه لا يلائم الآية التالية.
قوله تعالى: «أ و لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل» ضمير «أن يعلمه» لخبر القرآن أو خبر نزوله على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أي أ و لم يكن علم علماء بني إسرائيل بخبر القرآن أو نزوله عليك على سبيل البشارة في كتب الأنبياء الماضين آية للمشركين على صحة نبوتك و كانت اليهود تبشر بذلك و تستفتح على العرب به كما مر في قوله تعالى: «و كانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا»: البقرة: 89.
و قد أسلم عدة من علماء اليهود في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و اعترفوا بأنه مبشر به في كتبهم و السورة من أوائل السور المكية النازلة قبل الهجرة و لم تبلغ عداوة اليهود للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مبلغها بعد الهجرة و كان من المرجو أن ينطقوا ببعض ما عندهم من الحق و لو بوجه كلي.
قوله تعالى: «و لو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين» قال في المفردات:، العجمة خلاف الإبانة و الإعجام الإبهام - إلى أن قال - و العجم خلاف العرب و العجمي منسوب إليهم، و الأعجم من في لسانه عجمة عربيا كان أو غير عربي اعتبارا بقلة فهمهم عن العجم، و منه قيل للبهيمة عجماء و الأعجمي منسوب إليه قوله تعالى: «و لو نزلناه على بعض الأعجمين» على حذف الياءات انتهى.
و مقتضى ما ذكره - كما ترى - أن أصل الأعجمين الأعجميين ثم حذفت ياء النسبة و به صرح بعض آخر، و ذكر بعضهم أن الوجه أن أعجم مؤنثه عجماء و أفعل فعلاء لا يجمع جمع السلامة لكن الكوفيين من النحاة يجوزون ذلك و ظاهر اللفظ يؤيد قولهم فلا موجب للقول بالحذف.
و كيف كان فظاهر السياق اتصال الآيتين بقوله: «بلسان عربي مبين» فتكونان في مقام التعليل له و يكون المعنى: نزلناه عليك بلسان عربي ظاهر العربية واضح الدلالة ليؤمنوا به و لا يتعللوا بعدم فهمهم مقاصده و لو نزلناه على بعض الأعجمين بلسان أعجمي ما كانوا به مؤمنين و ردوه بعدم فهم مقاصده.
فيكون المراد بنزوله على بعض الأعجمين نزوله أعجميا و بلسانه، و الآيتان و التي بعدهما في معنى قوله تعالى: «و لو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لو لا فصلت آياته أعجمي و عربي قل هو للذين آمنوا هدى و شفاء و الذين لا يؤمنون في آذانهم وقر و هو عليهم عمى»: حم السجدة: 44.
و قال بعضهم: إن المعنى و لو نزلناه قرآنا عربيا كما هو بنظمه الرائق المعجز على بعض الأعجمين الذين لا يقدرون على التكلم بالعربية فقرأه عليهم قراءة صحيحة خارقة للعادات ما كانوا به مؤمنين مع انضمام إعجاز القراءة إلى إعجاز المقروء لفرط عنادهم و شدة شكيمتهم في المكابرة.
قال: و أما قول بعضهم: إن المعنى و لو نزلناه على بعض الأعجمين بلغة العجم فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين فليس بذاك فإنه بمعزل من المناسبة لمقام بيان تماديهم في المكابرة و العناد.
انتهى ملخصا.
و فيه أن اتصال الآيتين بقوله: «بلسان عربي مبين» أقرب إليهما من اتصالهما بسياق تمادي الكفار في كفرهم و جحودهم و قد عرفت توضيحه.
و يمكن أن يورد على الوجه السابق أن الضمير في قوله: «و لو نزلناه على بعض الأعجمين» راجع إلى هذا القرآن الذي هو عربي فلو كان المراد تنزيله بلسان أعجمي لكان المعنى و لو نزلنا العربي غير عربي و لا محصل له.
و يرده أنه من قبيل قوله تعالى: «إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون»: الزخرف: 3، و لا معنى لقولنا: إنا جعلنا العربي عربيا فالمراد بالقرآن على أي حال الكتاب المقروء.
قوله تعالى: «كذلك سلكناه في قلوب المجرمين» الإشارة بقوله: «كذلك» إلى الحال التي عليها القرآن عند المشركين و قد ذكرت في الآيات السابقة و هي أنهم معرضون عنه لا يؤمنون به و إن كان تنزيلا من رب العالمين و كان عربيا مبينا غير أعجمي و كان مذكورا في زبر الأولين يعلمه علماء بني إسرائيل.
و السلوك الإدخال في الطريق و الإمرار، و المراد بالمجرمين هم الكفار و المشركون و ذكرهم بوصف الإجرام للإشارة إلى علة الحكم و هو سلوكه في قلوبهم على هذه الحال المبغوضة و المنفورة و أن ذلك مجازاة إلهية جازاهم بها عن إجرامهم و ليعم الحكم بعموم العلة.
و المعنى على هذه الحال - و هي أن يكون بحيث يعرض عنه و لا يؤمن به - ندخل القرآن في قلوب هؤلاء المشركين و نمره في نفوسهم جزاء لإجرامهم و كذلك كل مجرم.
و قيل: الإشارة إلى ما ذكر من أوصاف القرآن الكريمة و المعنى: ندخل القرآن و نمره في قلوب المجرمين بمثل ما بينا له الأوصاف فيرون أنه كتاب سماوي ذو نظم معجز خارج عن طوق البشر و أنه مبشر به في زبر الأولين يعلمه علماء بني إسرائيل و تتم الحجة به عليهم و هو بعيد من السياق.
و قيل: الضمير في «سلكناه» للتكذيب بالقرآن و الكفر به المدلول عليه بقوله: «ما كانوا به مؤمنين» هذا و هو قريب من الوجه الأول لكن الوجه الأول ألطف و أدق، و قد ذكره في الكشاف،.
و قد تبين بما تقدم أن المراد بالمجرمين مشركو مكة غير أن عموم وصف الإجرام يعمم الحكم، و قال بعضهم: إن المراد بالمجرمين غير مشركي مكة من معاصريهم و من يأتي بعدهم، و المعنى: كما سلكناه في قلوب مشركي مكة نسلكه في قلوب غيرهم من المجرمين.
و لعل الذي دعاه إلى اختيار هذا الوجه إشكال اتحاد المشبه و المشبه به على الوجه الأول مع لزوم المغايرة بينهما فاعتبر المشار إليه بقوله: «كذلك» السلوك في قلوب مشركي مكة و هو المشبه به و جعل المشبه غيرهم من المجرمين و فيه أن تشبيه الكلي ببعض أفراده للدلالة على سراية حكمه في جميع الأفراد طريقة شائعة.
و من هنا يظهر أن هناك وجها آخر و هو أن يكون المراد بالمجرمين ما يعم مشركي مكة و غيرهم بجعل اللام فيه لغير العهد و لعل الوجه الأول أقرب من السياق.
قوله تعالى: «لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم - إلى قوله - منظرون» تفسير و بيان لقوله: «كذلك سلكناه» إلخ هذا على الوجه الأول و الثالث من الوجوه المذكورة في الآية السابقة و أما على الوجه الثاني فهو استئناف غير مرتبط بما قبله.
و قوله: «حتى يروا العذاب الأليم» أي حتى يشاهدوا العذاب الأليم فيلجئهم إلى الإيمان الاضطراري الذي لا ينفعهم، و الظاهر أن المراد بالعذاب الأليم ما يشاهدونه عند الموت و احتمل بعضهم أن يكون المراد به ما أصابهم يوم بدر من القتل، لكن عموم الحكم في الآية السابقة لمشركي مكة و غيرهم لا يلائم ذلك.
و قوله: «فيأتيهم بغتة و هم لا يشعرون» كالتفسير لقوله: «حتى يروا العذاب الأليم» إذ لو لم يأتهم بغتة و علموا به قبل موعده لاستعدوا له و آمنوا باختيار منهم غير ملجئين إليه.
و قوله: «فيقولوا هل نحن منظرون» كلمة تحسر منهم.
قوله تعالى: «أ فبعذابنا يستعجلون» توبيخ و تهديد.
قوله تعالى: «أ فرأيت إن متعناهم سنين - إلى قوله - يمتعون» متصل بقوله: «فيقولوا هل نحن منظرون» و محصل المعنى أن تمني الإمهال و الإنظار تمني أمر لا ينفعهم لو وقع على ما يتمنونه و لم يغن عنهم شيئا لو أجيبوا إلى ما سألوه فإن تمتيعهم أمدا محدودا طال أو قصر لا يرفع العذاب الخالد الذي قضي في حقهم.
و هو قوله: «أ فرأيت إن متعناهم سنين» معدودة ستنقضي: «ثم جاءهم ما كانوا يوعدون» من العذاب بعد انقضاء سني الإنظار و الإمهال «ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون» أي تمتيعهم أمدا محدودا.
قوله تعالى: «و ما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ذكرى» إلخ، الأقرب أن يكون قوله: «لها منذرون» حالا من «قرية» و قوله: «ذكرى» حالا من ضمير الجمع في «منذرون» أو مفعولا مطلقا عامله «منذرون» لكونه في معنى مذكرون و المعنى ظاهر، و قيل غير ذلك مما لا جدوى في ذكره و إطالة البحث عنه.
و قوله: «و ما كنا ظالمين» ورود النفي على الكون دون أن يقال: و ما ظلمناهم و نحو ذلك يفيد نفي الشأنية أي و ما كان من شأننا و لا المترقب منا أن نظلمهم.
و الجملة في مقام التعليل للحصر السابق و المعنى: ما أهلكنا من قرية إلا في حال لها منذرون مذكرون تتم بهم الحجة عليهم لأنا لو أهلكناهم في غير هذه الحال لكنا ظالمين لهم و ليس من شأننا أن نظلم أحدا فالآية في معنى قوله تعالى: «و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا»: إسراء: 15.
كلام في معنى نفي الظلم عنه تعالى
من لوازم معنى الظلم المتساوية له فعل الفاعل و تصرفه ما لا يملكه من الفعل و التصرف، و يقابله العدل و لازمه أنه فعل الفاعل و تصرفه ما يملكه.
و من هنا يظهر أن أفعال الفواعل التكوينية من حيث هي مملوكة لها تكوينا لا يتحقق فيها معنى الظلم لأن فرض صدور الفعل عن فاعله تكوينا مساوق لكونه مملوكا له بمعنى قيام وجوده به قياما لا يستقل دونه.
و لله سبحانه ملك مطلق منبسط على الأشياء من جميع جهات وجودها لقيامها به تعالى من غير غنى عنه و استقلال دونه فأي تصرف تصرف به فيها مما يسرها أو يسوؤها أو ينفعها أو يضرها ليس من الظلم في شيء و إن شئت فقل: عدل بمعنى ما ليس بظلم فله أن يفعل ما يشاء و له أن يحكم ما يريد كل ذلك بحسب التكوين.
فله تعالى ملك مطلق بذاته، و لغيره من الفواعل التكوينية ملك تكويني بالنسبة إلى فعله حسب الإعطاء و الموهبة الإلهية و هو ملك في طول ملكه تعالى و هو المالك لما ملكها و المهيمن على ما عليه سلطها.
و من جملة هذه الفواعل النوع الإنساني بالنسبة إلى أفعاله و خاصة ما نسميها بالأفعال الاختيارية و الاختيار الذي يتعين به هذه الأفعال، فالواحد منا يجد من نفسه عيانا أنه يملك الاختيار بمعنى إمكان الفعل و الترك معا، فإن شاء فعل و إن لم يشأ ترك فهو يرى نفسه حرا يملك الفعل و الترك، أي فعل و ترك كانا، بمعنى إمكان صدور كل منهما عنه.
ثم إن اضطرار الإنسان إلى الحياة الاجتماعية المدنية اضطر العقل أن يغمض عن بعض ما للإنسان من حرية العمل و يرفع اليد عن بعض الأفعال التي كان يرى أنه يملكها و هي التي يختل بإتيانها أمر المجتمع فيختل نظم حياته نفسه و هذه هي المحرمات و المعاصي التي تنهى عنها القوانين المدنية أو السنن القومية أو الأحكام الملوكية الدائرة في المجتمعات.
و من الضروري لتحكيم هذه القوانين و السنن أن يجعل نوع من الجزاء السيىء على المتخلف عنها - بشرط العلم و تمام الحجة لأنه شرط تحقق التكليف - من ذم أو عقاب، و نوع من الأجر الجميل للمطيع الذي يحترمها من مدح أو ثواب.
و من الضروري أن ينتصب على المجتمع و القوانين الجارية فيها من يجريها على ما هي عليه و هو مسئول عما نصب له و خاصة بالنسبة إلى أحكام الجزاء، فلو لم يكن مسئولا و جاز له أن يجازي و أن لا يجازي و يأخذ المحسن و يترك المسيء لغا وضع القوانين و السنن من رأس.
هذه أصول عقلائية جارية في الجملة في المجتمعات الإنسانية منذ استقر هذا النوع على الأرض منبعثة عن فطرتهم الإنسانية.
و قد دلت البراهين العقلية و أيدها تواتر الأنبياء و الرسل من قبله تعالى على أن القوانين الاجتماعية و سنن الحياة يجب أن تكون من عنده تعالى و هي أحكام و وظائف إنسانية تهدي إليها الفطرة الإنسانية و تضمن سعادة حياته و تحفظ مصالح مجتمعه.
و هذه الشريعة السماوية الفطرية واضعها هو الله سبحانه و مجريها من حيث الثواب و العقاب - و موطنهما موطن الرجوع إليه تعالى - هو الله سبحانه.
و مقتضى تشريعه تعالى هذه الشرائع السماوية و اعتباره نفسه مجريا لها أنه أوجب على نفسه إيجابا تشريعيا - و ليس بالتكويني - أن لا يناقض نفسه و لا يتخلف بإهمال أو إلغاء جزاء يستوجبه خلاف أو إعمال جزاء لا يستحقه عمل كتعذيب الغافل الجاهل بعذاب المتعمد المعاند، و أخذ المظلوم بإثم الظالم و إلا كان ظلما منه، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
و لعل هذا معنى ما يقال: إن الظلم مقدور له تعالى لكنه ليس بواقع البتة لأنه نقص كمال يتنزه تعالى عنه ففرض الظلم منه تعالى من فرض المحال و ليس بفرض محال، و هو المستفاد من ظاهر قوله تعالى: «و ما كنا ظالمين»: الآية 209 من السورة، و قوله: «إن الله لا يظلم الناس شيئا»: يونس: 44، و قوله: «و ما ربك بظلام للعبيد»: فصلت: 46، و قوله: «لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل»: النساء: 165، فظاهرها أنها ليست من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع كما يومىء إليه تفسير من فسرها بأن المعنى أن الله لا يفعل فعلا لو فعله غيره لكان ظالما.
فإن قلت: ما ذكر من وجوب إجراء الجزاء ثوابا أو عقابا يخالف ما هو المسلم عندهم أن ترك عقاب العاصي جائز لأنه من حق المعاقب و من الجائز على صاحب الحق تركه و عدم المطالبة به بخلاف ثواب المطيع لأنه من حق الغير و هو المطيع فلا يجوز تركه و إبطاله.
على أنه قيل: إن الإثابة على الطاعات من الفضل دون الاستحقاق لأن العبد و عمله لمولاه فلا يملك شيئا حتى يعاوضه بشيء.
قلت: ترك عقاب العاصي في الجملة مما لا كلام فيه لأنه من الفضل و أما بالجملة فلا لاستلزامه لغوية التشريع و التقنين و ترتيب الجزاء على العمل.
و أما كون ثواب الأعمال من الفضل بالنظر إلى كون عمل العبد كنفسه لله فلا ينافي فضلا آخر منه تعالى على عبده باعتبار عمله ملكا له، ثم جعل ما يثيبه عليه أجرا لعمله، و القرآن مليء بحديث الأجر على الأعمال الصالحة، و قد قال تعالى: «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة»: براءة: 111.
قوله تعالى: «و ما تنزلت به الشياطين - إلى قوله - لمعزولون» شروع في الجواب عن قول المشركين: إن لمحمد جنا يأتيه بهذا الكلام، و قولهم: إنه شاعر، و قدم الجواب عن الأول و قد وجه الكلام أولا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فبين له أن القرآن ليس من تنزيل الشياطين و طيب بذلك نفسه ثم وجه القول إلى القوم فبينه لهم بما في وسعهم أن يفقهوه.
فقوله: «و ما تنزلت به الشياطين» أي ما نزلته و الآية متصلة بقوله: «و إنه لتنزيل رب العالمين» و وجه الكلام كما سمعت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدليل قوله تلوا: «فلا تدع مع الله إلها آخر» إلى آخر الخطابات المختصة به (صلى الله عليه وآله وسلم) المتفرعة على قوله: «و ما تنزلت به» إلخ، على ما سيجيء بيانه.
و إنما وجه الكلام إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دون القوم لأنه معلل بما لا يقبلونه بكفرهم أعني قوله: «إنهم عن السمع لمعزولون» و الشيطان الشرير و جمعه الشياطين و المراد بهم أشرار الجن.
و قوله: «و ما ينبغي لهم» أي للشياطين.
قال في مجمع البيان:، و معنى قول العرب: ينبغي لك أن تفعل كذا أنه يطلب منك فعله في مقتضى العقل من البغية التي هي الطلب.
انتهى.
و الوجه في أنه لا ينبغي لهم أن يتنزلوا به أنهم خلق شرير لا هم لهم إلا الشر و الفساد و الأخذ بالباطل و تصويره في صورة الحق ليضلوا به عن سبيل الله، و القرآن كلام حق لا سبيل للباطل إليه فلا يناسب جبلتهم الشيطانية أن يلقوه إلى أحد.
و قوله: «و ما يستطيعون» أي و ما يقدرون على التنزل به لأنه كلام سماوي تتلقاه الملائكة من رب العزة فينزلونه بأمره في حفظ و حراسة منه تعالى كما قال: «فإنه يسلك من بين يديه و من خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم و أحاط بما لديهم»: الجن: 28، و إلى ذلك يشير قوله: «إنهم عن السمع» إلخ.
و قوله: «إنهم عن السمع لمعزولون» أي إن الشياطين عن سمع الأخبار السماوية و الاطلاع على ما يجري في الملإ الأعلى معزولون حيث يقذفون بالشهب الثاقبة لو تسمعوا كما ذكره الله في مواضع من كلامه.
قوله تعالى: «فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين» خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ينهاه عن الشرك بالله متفرع على قوله: «و ما تنزلت به الشياطين» إلخ، أي إذا كان هذا القرآن تنزيلا من رب العالمين و لم تنزل به الشياطين و هو ينهى عن الشرك و يوعد عليه العذاب فلا تشرك بالله فينالك العذاب الموعود عليه و تدخل في زمرة المعذبين.
و كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) معصوما بعصمة إلهية يستحيل معها صدور المعصية منه لا ينافي نهيه عن الشرك فإن العصمة لا توجب بطلان تعلق الأمر و النهي بالمعصوم و ارتفاع التكليف عنه بما أنه بشر مختار في الفعل و الترك متصور في حقه الطاعة و المعصية بالنظر إلى نفسه، و قد تكاثرت الآيات في تكليف الأنبياء (عليهم السلام) في القرآن الكريم كقوله في الأنبياء (عليهم السلام): «و لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون»: الأنعام: 88، و قوله في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «لئن أشركت ليحبطن عملك»: الزمر: 65، و الآيتان في معنى النهي.
و قول بعضهم: إن التكليف للتكميل فيرتفع عند حصول الكمال و تحققه لاستحالة تحصيل الحاصل خطأ فإن الأعمال الصالحة التي يتعلق بها التكاليف من آثار الكمال المطلوب و الكمال النفساني كما يجب أن يكتسب بالإتيان بآثاره و مزاولة الأعمال التي تناسبه و الارتياض بها كذلك يجب أن يستبقى بذلك فما دام الإنسان بشرا له تعلق بالحياة الأرضية لا مناص له عن تحمل أعباء التكليف، و قد تقدم كلام في هذا المعنى في بعض الأبحاث.
قوله تعالى: «و أنذر عشيرتك الأقربين» في مجمع البيان:، عشيرة الرجل قرابته سموا بذلك لأنه يعاشرهم و هم يعاشرونه انتهى.
و خص عشيرته و قرابته الأقربين بالذكر بعد نهي نفسه عن الشرك و إنذاره تنبيها على أنه لا استثناء في الدعوة الدينية و لا مداهنة و لا مساهلة كما هو معهود في السنن الملوكية فلا فرق في تعلق الإنذار بين النبي و أمته و لا بين الأقارب و الأجانب، فالجميع عبيد و الله مولاهم.
قوله تعالى: «و اخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين أي اشتغل بالمؤمنين بك و اجمعهم و ضمهم إليك بالرأفة و الرحمة كما يجمع الطير أفراخه إليه بخفض جناحه لها، و هذا من الاستعارة بالكناية تقدم نظيره في قوله: «و اخفض جناحك للمؤمنين»: الحجر: 88.
و المراد بالاتباع الطاعة بقرينة قوله في الآية التالية: فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون» فملخص معنى الآيتين: إن آمنوا بك و اتبعوك فاجمعهم إليك بالرأفة و اشتغل بهم بالتربية و إن عصوك فتبرأ من عملهم.
قوله تعالى: «و توكل على العزيز الرحيم» أي ليس لك من أمر طاعتهم و معصيتهم شيء وراء ما كلفناك فكل ما وراء ذلك إلى الله سبحانه فإنه لعزته سيعذب العاصين و برحمته سينجي المؤمنين المتبعين.
و في اختصاص اسمي العزيز و الرحيم إلفات للذهن إلى ما تقدم من القصص ختمت واحدة بعد واحدة بالاسمين الكريمين.
فهو في معنى أن يقال: توكل في أمر المتبعين و العاصين جميعا إلى الله فهو العزيز الرحيم الذي فعل بقوم نوح و هود و صالح و إبراهيم و لوط و شعيب و قوم فرعون ما فعل مما قصصناه فسنته أخذ العاصين و إنجاء المؤمنين.
قوله تعالى: «الذي يراك حين تقوم و تقلبك في الساجدين» ظاهر الآيتين - على ما يسبق إلى الذهن - أن المراد بالساجدين الساجدون في الصلاة من المؤمنين و فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في صلاته بهم جماعة، و المراد بقرينة المقابلة القيام في الصلاة فيكون المعنى: الذي يراك و أنت بعينه في حالتي قيامك و سجودك متقلبا في الساجدين و أنت تصلي مع المؤمنين.
و في معنى الآية روايات من طرق الشيعة و أهل السنة سنتعرض لها في البحث الروائي الآتي إن شاء الله.
قوله تعالى: «إنه هو السميع العليم» تعليل لقوله: «و توكل على العزيز الرحيم» و في الآيات - على ما تقدم من معناها - تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و بشرى للمؤمنين بالنجاة و إيعاد للكفار بالعذاب.
قوله تعالى: «هل أنبئكم على من تنزل الشياطين - إلى قوله - كاذبون»، تعريف لمن تتنزل عليه الشياطين بما يخصه من الصفة ليعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس منهم و لا أن القرآن من إلقاء الشياطين، و الخطاب متوجه إلى المشركين.
فقوله: «هل أنبئكم على من تنزل الشياطين» في معنى هل أعرفكم الذين تتنزل عليهم شياطين الجن بالأخبار؟ و قوله: «تنزل على كل أفاك أثيم» قال في مجمع البيان:، الأفاك الكذاب و أصل الإفك القلب و الأفاك الكثير القلب للخبر عن جهة الصدق إلى جهة الكذب، و الأثيم الفاعل للقبيح يقال: أثم يأثم إثما إذا ارتكب القبيح و تأثم إذا ترك الإثم انتهى.
و ذلك أن الشياطين لا شأن لهم إلا إظهار الباطل في صورة الحق و تزيين القبيح في زي الحسن فلا يتنزلون إلا على أفاك أثيم.
و قوله: «يلقون السمع و أكثرهم كاذبون» الظاهر أن ضميري الجمع في «يلقون» و «أكثرهم» معا للشياطين، و السمع مصدر بمعنى المسموع و المراد به ما سمعه الشياطين من أخبار السماء و لو ناقصا فإنهم ممنوعون من الاستماع مرميون بالشهب فما استرقوه لا يكون إلا ناقصا غير تام و لا كامل و لذا يتسرب إليه الكذب كثيرا.
و قوله: «و أكثرهم كاذبون» أي أكثر الشياطين كاذبون لا يخبرون بصدق أصلا و هذا هو الكثرة بحسب الأفراد و يمكن أن يكون المراد الكثرة من حيث التنزل أي أكثر المتنزلين منهم كاذبون أي أكثر أخبارهم كاذبة.
و محصل حجة الآيات الثلاث أن الشياطين لابتناء جبلتهم على الشر لا يتنزلون إلا على كل كذاب فاجر و أكثرهم كاذبون في أخبارهم، و النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس بأفاك أثيم و لا ما يوحى إليه من الكلام كذبا مختلقا فليس ممن تتنزل عليه الشياطين و لا الذي يتنزل عليه شيطانا، و لا القرآن النازل عليه من إلقاء الشياطين.
قوله تعالى: «و الشعراء يتبعهم الغاون» - إلى قوله - لا يفعلون» جواب عن رمي المشركين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه شاعر، نبه عليه بعد الجواب عن قولهم إن له شيطانا يوحي إليه القرآن.
و هذان أعني قولهم إن من الجن من يأتيه، و قولهم إنه شاعر، مما كانوا يكررونه في ألسنتهم بمكة قبل الهجرة يدفعون به الدعوة الحقة، و هذا مما يؤيد نزول هذه الآيات بمكة خلافا لما قيل إنها نزلت بالمدينة.
على أن الآيات مشتملة على ختام السورة أعني قوله: «و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» و لا معنى لبقاء سورة هي من أقدم السور المكية سنين على نعت النقص ثم تمامها بالمدينة، و لا دلالة في الاستثناء على أن المستثنين هم شعراء المؤمنين بعد الهجرة.
و كيف كان فالغي خلاف الرشد الذي هو إصابة الواقع فالرشيد هو الذي لا يهتم إلا بما هو حق واقع و الغوي هو السالك سبيل الباطل و المخطىء طريق الحق، و الغواية مما يختص به صناعة الشعر المبنية على التخييل و تصوير غير الواقع في صورة الواقع و لذلك لا يهتم به إلا الغوي المشعوف بالتزيينات الخيالية و التصويرات الوهمية الملهية عن الحق الصارفة عن الرشد، و لا يتبع الشعراء الذين يبتنى صناعتهم على الغي و الغواية إلا الغاوون و ذلك قوله تعالى: «و الشعراء يتبعهم الغاون».
و قوله: «أ لم تر أنهم في كل واد يهيمون و أنهم يقولون ما لا يفعلون» يقال: هام يهيم هيمانا إذا ذهب على وجهه و المراد بهيمانهم في كل واد استرسالهم في القول من غير أن يقفوا على حد فربما مدحوا الباطل المذموم كما يمدح الحق المحمود و ربما هجوا الجميل كما يهجى القبيح الدميم و ربما دعوا إلى الباطل و صرفوا عن الحق و في ذلك انحراف عن سبيل الفطرة الإنسانية المبنية على الرشد الداعية إلى الحق، و كذا قولهم ما لا يفعلون من العدول عن صراط الفطرة.
و ملخص حجة الآيات الثلاث أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس بشاعر لأن الشعراء يتبعهم الغاوون لابتناء صناعتهم على الغواية و خلاف الرشد لكن الذين يتبعونه إنما يتبعونه ابتغاء للرشد و إصابة الواقع و طلبا للحق لابتناء ما عنده من الكلام المشتمل على الدعوة على الحق و الرشد دون الباطل و الغي.
قوله تعالى: «إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و ذكروا الله كثيرا» إلخ، استثناء من الشعراء المذمومين، و المستثنون هم شعراء المؤمنين فإن الإيمان و صالحات الأعمال تردع الإنسان بالطبع عن ترك الحق و اتباع الباطل ثم الذكر الكثير لله سبحانه يجعل الإنسان على ذكر منه تعالى مقبلا إلى الحق الذي يرتضيه مدبرا عن الباطل الذي لا يحب الاشتغال به فلا يعرض لهؤلاء ما كان يعرض لأولئك.
و بهذا البيان يظهر وجه تقييد المستثنى بالإيمان و عمل الصالحات ثم عطف قوله: «و ذكروا الله كثيرا» على ذلك.
و قوله: «و انتصروا من بعد ما ظلموا» الانتصار الانتقام، قيل: المراد به رد الشعراء من المؤمنين على المشركين أشعارهم التي هجوا بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو طعنوا فيها في الدين و قدحوا في الإسلام و المسلمين، و هو حسن يؤيده المقام.
و قوله: «و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» المنقلب اسم مكان أو مصدر ميمي، و المعنى: و سيعلم الذين ظلموا - و هم المشركون على ما يعطيه السياق - إلى أي مرجع و منصرف يرجعون و ينصرفون و هو النار أو ينقلبون أي انقلاب.
و فيه تهديد للمشركين و رجوع مختتم السورة إلى مفتتحها و قد وقع في أولها قوله: «فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون».
بحث روائي
في الكافي، بإسناده عن الحجال عمن ذكره عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن قول الله عز و جل: «بلسان عربي مبين» قال: يبين الألسن و لا تبينه الألسن.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و لو نزلناه على بعض الأعجمين» إلخ، قال الصادق (عليه السلام): لو نزلنا القرآن على العجم ما آمنت به العرب و قد نزل على العرب فآمنت به العجم فهذه فضيلة العجم.
و في الكافي، بإسناده عن علي بن عيسى القماط عن عمه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في منامه بني أمية يصعدون على منبره من بعده و يضلون الناس عن الصراط القهقرى فأصبح كئيبا حزينا. قال: فهبط جبرئيل فقال: يا رسول الله ما لي أراك كئيبا حزينا؟ قال: يا جبرئيل إني رأيت بني أمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلون الناس عن الصراط القهقرى، فقال: و الذي بعثك بالحق نبيا إني ما اطلعت عليه فعرج إلى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها. قال: «أ فرأيت إن متعناهم سنين - ثم جاءهم ما كانوا يوعدون - ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون» و أنزل عليه: «إنا أنزلناه في ليلة القدر - و ما أدراك ما ليلة القدر - ليلة القدر خير من ألف شهر» جعل الله ليلة القدر لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) خيرا من ألف شهر ملك بني أمية.
و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي حاتم عن أبي جهضم قال: رئي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كأنه متحير فسألوه عن ذلك فقال: و لم و رأيت عدوي يلون أمر أمتي من بعدي فنزلت «أ فرأيت إن متعناهم سنين - ثم جاءهم ما كانوا يوعدون - ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون» فطابت نفسه.
أقول: و قوله: و لم و رأيت إلخ، فيه حذف و التقدير و لم لا أكون كذلك و قد رأيت «إلخ».
و فيه، أخرج أحمد و عبد بن حميد و البخاري و مسلم و الترمذي و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و البيهقي في شعب الإيمان و في الدلائل عن أبي هريرة قال: لما نزلت هذه الآية: «و أنذر عشيرتك الأقربين» دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قريشا و عم و خص فقال: يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا و لا نفعا. يا معشر بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا و لا نفعا. يا معشر بني قصي أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا و لا نفعا. يا معشر بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا و لا نفعا. يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا و لا نفعا. يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لك ضرا و لا نفعا. ألا إن لكم رحما و سأبلها ببلالها.
و فيه، أخرج عبد بن حميد و ابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت «و أنذر عشيرتك الأقربين» جعل يدعوهم قبائل قبائل.
و فيه، أخرج سعيد بن منصور و البخاري و ابن مردويه و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما نزلت «و أنذر عشيرتك الأقربين و رهطك منهم المخلصين» خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى صعد على الصفا فنادى يا صباحاه فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد، فاجتمعوا إليه فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو؟ فجاء أبو لهب و قريش فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أ رأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أ كنتم مصدقي؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقا. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم أ لهذا جمعتنا؟ فنزلت: «تبت يدا أبي لهب و تب».
و فيه، أخرج الطبراني و ابن مردويه عن أبي أمامة قال: لما نزلت «و أنذر عشيرتك الأقربين» جمع رسول الله بني هاشم فأجلسهم على الباب و جمع نساءه و أهله فأجلسهم في البيت ثم اطلع عليهم فقال: يا بني هاشم اشتروا أنفسكم من النار و اسعوا في فكاك رقابكم و افتكوها بأنفسكم من الله فإني لا أملك لكم من الله شيئا. ثم أقبل على أهل بيته فقال: يا عائشة بنت أبي بكر و يا حفصة بنت عمر و يا أم سلمة و يا فاطمة بنت محمد و يا أم الزبير عمة رسول الله اشتروا 1 أنفسكم من الله و اسعوا في فكاك رقابكم فإني لا أملك لكم من الله شيئا و لا أغني، الحديث.
أقول: و في معنى هذه الروايات بعض روايات أخر و في بعضها أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) خص بني عبد مناف بالإنذار فيشمل بني أمية و بني هاشم جميعا.
و الروايات الثلاث الأول لا تنطبق عليها الآية فإنها تعمم الإنذار قريشا عامة و الآية تصرح بالعشيرة الأقربين و هم إما بنو عبد المطلب أو بنو هاشم و أبعد ما يكون من الآية الرواية الثانية حيث تقول: جعل يدعوهم قبائل قبائل.
على أن ما تقدم من معنى الآية و هو نفي أن تكون قرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تغنيهم من تقوى الله و في الروايات إشارة إلى ذلك - حيث تقول: لا أغني عنكم من الله شيئا - لا يناسب عمومه لغير الخاصة من قرابته (صلى الله عليه وآله وسلم).
و أما الرواية الرابعة فقوله تعالى: «و أنذر عشيرتك الأقربين» آية مكية في سورة مكية و لم يقل أحد بنزول الآية بالمدينة و أين كانت يوم نزولها عائشة و حفصة و أم سلمة و لم يتزوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهن إلا في المدينة فالمعتمد من الروايات ما يدل على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) خص بالإنذار يوم نزول الآية بني هاشم أو بني عبد المطلب، و من عجيب الكلام قول الآلوسي بعد نقل الروايات: و إذا صح الكل فطريق الجمع أن يقال بتعدد الإنذار.
و في المجمع، عن تفسير الثعلبي بإسناده عن براء بن عازب قال: لما نزلت هذه الآية جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني عبد المطلب و هم يومئذ أربعون رجلا الرجل منهم يأكل المسنة و يشرب العس فأمر عليا برجل شاة فأدمها ثم قال: ادنوا بسم الله فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا. ثم دعا بعقب من لبن فجرع منه جرعا ثم قال لهم: اشربوا بسم الله فشربوا حتى رووا فبدرهم أبو لهب فقال: هذا ما سحركم به الرجل فسكت (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ و لم يتكلم. ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام و الشراب ثم أنذرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا بني عبد المطلب إني أنا النذير إليكم من الله عز و جل فأسلموا و أطيعوني تهتدوا. ثم قال: من يواخيني و يوازرني و يكون وليي و وصيي بعدي و خليفتي في أهلي و يقضي ديني؟ فسكت القوم فأعادها ثلاثا كل ذلك يسكت القوم و يقول علي أنا فقال في المرة الثالثة: أنت فقام القوم و هم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمر عليك.
قال الطبرسي،: و روي عن أبي رافع هذه القصة و أنه جمعهم في الشعب فصنع لهم رجل شاة فأكلوا حتى تضلعوا و سقاهم عسا فشربوا كلهم حتى رووا. ثم قال: إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي و رهطي، و إن الله لم يبعث نبيا إلا جعل له من أهله أخا و وزيرا و وارثا و وصيا و خليفة في أهله فأيكم يقوم فيبايعني على أنه أخي و وارثي و وزيري و وصيي و يكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ فقال علي: أنا فقال: ادن مني ففتح فاه و مج في فيه من ريقه و تفل بين كتفيه و ثدييه فقال أبو لهب: بئس ما حبوت به ابن عمك أن أجابك فملأت فاه و وجهه بزاقا فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ملأته حكمة و علما.
أقول: و روى السيوطي في الدر المنثور، ما في معنى حديث البراء عن ابن إسحاق و ابن جرير و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و أبي نعيم و البيهقي في الدلائل من طرق عن علي رضي الله عنه و فيه: ثم تكلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا بني عبد المطلب إني و الله ما أعلم أحدا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة و قد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني على أمري هذا؟ فقلت و أنا أحدثهم سنا: إنه أنا، فقام القوم يضحكون.
و في علل الشرائع، بإسناده عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: لما نزلت «و أنذر عشيرتك الأقربين» أي رهطك المخلصين دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني عبد المطلب و هم إذ ذاك أربعون رجلا يزيدون رجلا و ينقصون رجلا فقال: أيكم يكون أخي و وارثي و وزيري و وصيي و خليفتي فيكم بعدي، فعرض عليهم ذلك رجلا رجلا كلهم يأبى ذلك حتى أتى علي فقلت: أنا يا رسول الله. فقال: يا بني عبد المطلب هذا وارثي و وزيري و خليفتي فيكم بعدي فقام القوم يضحك بعضهم إلى بعض و يقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع و تطيع لهذا الغلام.
أقول: و من الممكن أن يستفاد من قوله (عليه السلام): أي رهطك المخلصين أن ما نسب إلى قراءة أهل البيت «و أنذر عشيرتك الأقربين رهطك منهم المخلصين» و نسب أيضا إلى قرآن أبي بن كعب كان من قبيل التفسير.
و في المجمع،: في قوله تعالى: «و تقلبك في الساجدين» قيل: معناه و تقلبك في الساجدين الموحدين من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبيا: عن ابن عباس في رواية عطاء و عكرمة و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) قالا: أصلاب النبيين نبي بعد نبي حتى أخرجه من صلب أبيه عن نكاح غير سفاح من لدن آدم:. أقول: و رواه غيره من رواة الشيعة، و رواه في الدر المنثور، عن ابن أبي حاتم و ابن مردويه و أبي نعيم و غيرهم عن ابن عباس و غيرهم.
و في المجمع، روى جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا ترفعوا قبلي و لا تضعوا قبلي فإني أراكم من خلفي كما أراكم من أمامي ثم تلا هذه الآية.
أقول: يريد (صلى الله عليه وآله وسلم) وضع الجبهة على الأرض و رفعها في السجدة و رواه في الدر المنثور، عن ابن عباس و غيره.
و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و أحمد عن أبي سعيد قال: بينما نحن نسير مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ عرض شاعر ينشد فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لئن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلىء شعرا:. أقول: و هو مروي من طرق الشيعة أيضا عن الصادق (عليه السلام) عنه (صلى الله عليه وآله وسلم).
و في تفسير القمي، قال: يعظون الناس و لا يتعظون و ينهون عن المنكر و لا ينتهون و يأمرون بالمعروف و لا يعملون و هم الذين قال الله فيهم: «أ لم تر أنهم في كل واد يهيمون» أي في كل مذهب يذهبون «و أنهم يقولون ما لا يفعلون» و هم الذين غصبوا آل محمد حقهم.
و في اعتقادات الصدوق،: سئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: «و الشعراء يتبعهم الغاون» قال: هم القصاص.
أقول: هم من المصاديق و المعنى الجامع ما تقدم في ذيل الآية.
و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إن من الشعر حكما و إن من البيان سحرا.
أقول: و روى الجملة الأولى أيضا عنه عن بريدة و ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أيضا عن ابن مردويه عن أبي هريرة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) و لفظه: إن من الشعر حكمة، و الممدوح من الشعر ما فيه نصرة الحق و لا تشمله الآية.
و في المجمع، عن الزهري قال: حدثني عبد الرحمن بن كعب بن مالك: أن كعب بن مالك قال: يا رسول الله ما ذا تقول في الشعراء؟ قال: إن المؤمن مجاهد بسيفه و لسانه و الذي نفسي بيده لكأنما تنضخونهم بالنبل.
قال الطبرسي،: و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لحسان بن ثابت: اهجهم أو هاجهم و روح القدس معك: رواه البخاري و مسلم في الصحيحين.
و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و عبد بن حميد و أبو داود في ناسخه و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن أبي الحسن سالم البراد قال: لما نزلت «و الشعراء» الآية جاء عبد الله بن رواحة و كعب بن مالك و حسان بن ثابت و هم يبكون فقالوا يا رسول الله لقد أنزل الله هذه الآية و هو يعلم أنا شعراء أهلكنا؟ فأنزل الله «إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات» فدعاهم رسول الله فتلاها عليهم.
أقول: هذه الرواية و ما في معناها هي التي دعا بعضهم إلى القول بكون الآيات الخمس من آخر السورة مدنيات و قد عرفت الكلام في ذلك عند تفسير الآيات.
و في الكافي، بإسناده عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أشد ما فرض الله على خلقه ذكر الله كثيرا. ثم قال: لا أعني سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر، و إن كان منه و لكن ذكر الله عند ما أحل و حرم فإن كان طاعة عمل بها و إن كان معصية تركها.
أقول: فيه تأييد لما تقدم في تفسير الآية.
|