بيان
تشير الآيات بعد الفراغ عن قصة موسى إلى نبإ إبراهيم (عليه السلام) و هو خبره الخطير إذ انتهض لتوحيد الله سبحانه بفطرته الزاكية الطاهرة من بين قومه المطبقين على عبادة الأصنام فتبرأ منهم و دافع عن الحق ثم كان من أمره ما قد كان ففي ذلك آية و لم يؤمن به أكثر قومه كما سيشير إلى ذلك في آخر الآيات.
قوله تعالى: «و اتل عليهم نبأ إبراهيم» غير السياق عما كان عليه أول القصة «و إذ نادى ربك موسى» إلخ، لمكان قوله: «عليهم» فإن المطلوب تلاوته على مشركي العرب و عمدتهم قريش و إبراهيم هذا أبوهم و قد قام لنشر التوحيد و إقامة الدين الحق و لم يكن بينهم يومئذ من يقول: لا إله إلا الله، فنصر الله و نصره حتى ثبتت كلمة التوحيد في الأرض المقدسة و في الحجاز.
فلم يكن ذلك كله إلا عن دعوة من الفطرة و بعث من الله سبحانه ففي ذلك آية لله فليعتبروا به و ليتبرءوا من دين الوثنية كما تبرأ منه و من أبيه و قومه المنتحلين به أبوهم إبراهيم (عليه السلام).
قوله تعالى: «إذ قال لأبيه و قومه ما تعبدون» مخاصمته و مناظرته (عليه السلام) مع أبيه غير مخاصمته مع قومه و احتجاجه عليهم كما حكاه الله تعالى في سورة الأنعام و غيرها لكن البناء هاهنا على الإيجاز و الاختصار و لذا جمع بين المحاجتين و سبكهما محاجة واحدة أورد فيها ما هو القدر المشترك بينهما.
و قوله: «ما تعبدون» سؤال عن الحقيقة بوضع نفسه موضع من لا يعرف شيئا من حقيقتها و سائر شئونها و هذا من طرق المناظرة سبيل من يريد أن يبين الخصم حقيقة مدعاه و سائر شئونه حتى يأخذه بما سمع من اعترافه.
على أن هذه المحاجة كانت من إبراهيم أول ما خرج من كهفه و دخل في مجتمع أبيه و قومه و لم يكن شهد شيئا من ذلك قبل اليوم فحاجهم عن فطرة ساذجة طاهرة كما تقدم تفصيل القول فيه في تفسير سورة الأنعام.
قوله تعالى: «قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين» ظل بمعنى دام، و العكوف على الشيء ملازمته و الإقامة عنده، و اللام في «لها» للتعليل أي ندوم عاكفين عليها لأجلها و هو تفريع على عبادة الأصنام.
و الصنم جثة مأخوذة من فلز أو خشب أو غير ذلك على هيئة خاصة يمثل بها ما في المعبود من الصفات، و هؤلاء كانوا يعبدون الملائكة و الجن و هم يرون أنها روحانيات خارجة عن عالم الأجسام منزهة عن خواص المادة و آثارها، و لما كان من الصعب عليهم التوجه العبادي إلى هذه الروحانيات باستحضارها للإدراك توسلوا إلى ذلك باتخاذ صور و تماثيل جسمانية تمثل بأشكالها و هيئاتها ما هناك من المعنويات.
و كذلك الحال في عبادة عباد الكواكب لها فإن المعبود الأصلي هناك روحانيات الكواكب ثم اتخذ أجرام الكواكب أصناما لروحانياتها ثم لما اختلفت أحوال الكواكب بالحضور و الغيبة و الطلوع و الغروب اتخذوا لها أصناما تمثل ما للكواكب من القوى الفعالة فيما دونها من عالم العناصر كالقوة الفاعلة للطرب و السرور و النشاط في الزهرة فيصورونها في صورة فتاة، و لسفك الدماء في المريخ، و للعلم و المعرفة في عطارد و على هذا القياس الأمر في أصنام القديسين من الإنسان.
فالأصنام إنما اتخذت ليكون الواحد منها مرآة لرب الصنم من ملك أو جن أو إنسان غير أنهم يعبدون الصنم نفسه بتوجيه العبادة إليه و التقرب منه و لو تعدوا عن الصنم إلى ربه عبدوه دون الله سبحانه.
و هذا هو الذي يكذب قول القائل منهم: إن الصنم إنما هي قبلة لم تتخذ إلا جهة للتوجه العبادي لا مقصودة بالذات كالكعبة عند المسلمين و ذلك أن القبلة هي ما يستقبل في العبادة و لا يستقبل بالعبادة و هم يستقبلون الصنم في العبادة و بالعبادة، و بعبارة أخرى التوجه إلى القبلة و العبادة لرب القبلة و هو الله عز اسمه و أما الصنم فالتوجه إليه و العبادة له لا لربه و لو فرض أن العبادة لربه و هو شيء من الروحانيات كانت له لا لله فالله سبحانه غير معبود في ذلك على أي حال.
و بالجملة فجوابهم عن سؤال إبراهيم: «ما تعبدون» بقولهم: «نعبد أصناما» إبانة أن هذه الأجسام المعبودة ممثلات مقصودة لغيرها لا لنفسها، و قد أخذ إبراهيم قولهم: «نعبد» و خاصمهم به فإن استقلال الأصنام بالمعبودية لا يجامع كونها أصناما ممثلة للغير فإذ كانت مقصودة بالعبادة فمن الواجب أن يشتمل على ما هو الغرض المقصود منها من جلب نفع أو دفع ضر بالتوجه العبادي و الدعاء و المسألة و الأصنام بمعزل من أن تعلم بمسألة أو تجيب مضطرا بإيصال نفع أو صرف ضر و لذلك سألهم إبراهيم بقوله: «هل يسمعونكم» إلخ.
قوله تعالى: «قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون» اعترض (عليه السلام) عليهم في عبادتهم الأصنام من جهتين: إحداهما: أن العبادة تمثيل لذلة العابد و حاجته إلى المعبود فلا يخلو من دعاء من العابد للمعبود، و الدعاء يتوقف على علم المعبود بذلك و سمعه ما يدعوه به، و الأصنام أجسام جمادية لا سمع لها فلا معنى لعبادتها.
و الثانية: أن الناس إنما يعبدون الإله إما طمعا في خيره و نفعه و إما اتقاء من شره و ضره و الأصنام جمادات لا قدرة لها على إيصال نفع أو دفع ضرر.
فكل من الآيتين يتضمن جهة من جهتي الاعتراض، و قد أوردهما في صورة الاستفهام ليضطرهم على الاعتراف.
قوله تعالى: «قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون» كان مقتضى المقام أن يجيبوا عن سؤاله (عليه السلام) بالنفي لكنه لما كان ينتج خلاف ما هم عليه من الانتحال بالوثنية أضربوا عنه إلى التشبث بذيل التقليد فذكروا أنهم لا مستند لهم في عبادتها إلا تقليد الآباء محضا.
و قوله: «وجدنا آباءنا كذلك يفعلون» أي ففعلنا كما كانوا يفعلون و عبدناهم كما كانوا يعبدون، و لم يعدل عن قوله: «كذلك يفعلون» إلى مثل قولنا: يعبدونها ليكون أصرح في التقليد كأنهم لا يفهمون من هذه العبادات إلا أنها أفعال كأفعال آبائهم من غير أن يفقهوا منها شيئا أزيد من أشكالها و صورها.
قوله تعالى: «قال أ فرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم و آباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين» لما انتهت محاجته مع أبيه و قومه إلى أن لا حجة لهم في عبادتهم الأصنام إلا تقليد آبائهم محضا تبرأ (عليه السلام) من آلهتهم و من أنفسهم و آبائهم بقوله «أ فرأيتم» إلخ.
فقوله: «أ فرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم و آباؤكم الأقدمون» تفريع على ما ظهر مما تقدم من عدم الدليل على عبادة الأصنام إلا التقليد بل بطلانها من أصلها أي فإذا كانت باطلة لا حجة لكم عليها إلا تقليد آبائكم فهذه الأصنام التي رأيتموها أي هذه بأعيانها التي تعبدونها أنتم و آباؤكم الأقدمون فإنها عدو لي لأن عبادتها ضارة لديني مهلكة لنفسي فليست إلا عدوا لي.
و ذكر آبائهم الأقدمين للدلالة على أنه لا يأخذ بالتقليد كما أخذوا و أن لا وقع عنده (عليه السلام) لتقدم العهد، و لا أثر للسبق الزماني في إبطال حق أو إحقاق باطل، و إرجاع ضمير أولي العقل إلى الأصنام لمكان نسبة العبادة إليها و هي تستلزم الشعور و العقل، و هو كثير الوقوع في القرآن.
و قوله: «إلا رب العالمين» استثناء منقطع من قوله: «فإنهم عدو لي» أي لكن رب العالمين ليس كذلك.
قوله تعالى: «الذي خلقني فهو يهدين - إلى قوله - يوم الدين» لما استثنى رب العالمين جل اسمه وصفه بأوصاف تتم بها الحجة على أنه تعالى ليس عدوا له بل رب رحيم ذو عناية بحاله منعم عليه بكل خير دافع عنه كل شر فقال: الذي خلقني» «إلخ» و أما قول القائل: إن قوله: «الذي خلقني» إلخ استيناف من الكلام لا يعبأ به.
فقوله: «الذي خلقني فهو يهدين» بدأ بالخلق لأن المطلوب بيان استناد تدبير أمره إليه تعالى بطريق إعطاء الحكم بالدليل، و البرهان على قيام التدبير به تعالى قيام الخلق و الإيجاد به لوضوح أن الخلق و التدبير لا ينفكان في هذه الموجودات الجسمانية التدريجية الوجود التي تستكمل الوجود على التدريج فليس من المعقول أن يقوم الخلق بشيء و التدبير بشيء و إذ كان الخلق و الإيجاد لله سبحانه فالتدبير له أيضا.
و لهذا عطف الهداية على الخلق بفاء التفريع فدل على أنه تعالى هو الهادي لأنه هو الخالق.
و ظاهر قوله: «فهو يهدين» - و هو مطلق - أن المراد به مطلق الهداية إلى المنافع دنيوية كانت أو أخروية و التعبير بلفظ المضارع لإفادة الاستمرار فالمعنى أنه الذي خلقني و لا يزال يهديني إلى ما فيه سعادة حياتي منذ خلقني و لن يزال كذلك.
فيكون الآية في معنى ما حكاه الله عن موسى إذ قال لفرعون: «ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى»: طه: 50، أي هداه إلى منافعه و هي الهداية العامة.
و هذا هو الذي أشير إليه في أول السورة بقوله: «أ و لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم إن في ذلك لآية» و قد مر تقرير الحجة فيه.
و على هذا فما سيأتي في قوله: «و الذي هو يطعمني» إلخ من الصفات المعدودة من قبيل ذكر الخاص بعد العام فإنها جميعا من مصاديق الهداية العامة بعضها هداية إلى منافع دنيوية و بعضها هداية إلى ما يرجع إلى الآخرة.
و لو كان المراد بالهداية الهداية الخاصة الدينية فالصفات المعدودة على رسلها و ذكر الهداية بعد الخلقة، و تقديمها على سائر النعم و المواهب لكونها أفضل النعم بعد الوجود.
و قوله: «و الذي هو يطعمني و يسقين و إذا مرضت فهو يشفين» هو كالكناية عن جملة النعم المادية التي يرزقه الله إياها لتتميم النواقص و رفع الحوائج الدنيوية، و قد خص بالذكر منها ما هو أهمها و هو الإطعام و السقي و الشفاء إذا مرض.
و من هنا يظهر أن قوله: «و إذا مرضت» توطئة و تمهيد لذكر الشفاء فالكلام في معنى يطعمني و يسقيني و يشفين، و لذا نسب المرض إلى نفسه لئلا يختل المراد بذكر ما هو سلب النعمة بين النعم، و أما قول القائل: إنه إنما نسب المرض إلى نفسه مع كونه من الله للتأدب فليس بذاك.
و إنما أعاد الموصول فقال: «الذي هو يطعمني» إلخ، و لم يعطف الصفات على ما في قوله: «الذي خلقني فهو يهدين» للدلالة على أن كلا من الصفات المذكورة في هذه الجمل المترتبة كان في إثبات كونه تعالى هو الرب المدبر لأمره و القائم على نفسه المجيب لدعوته.
و قوله: «و الذي هو يميتني ثم يحيين» يريد الموت المقضي لكل نفس المدلول عليه بقوله: «كل نفس ذائقة الموت»: الأنبياء: 35، و ليس بانعدام و فناء بل انتقال من دار إلى دار من جملة التدبير العام الجاري، و المراد بالإحياء إفاضة الحياة بعد الموت.
و قوله: «و الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين» أي يوم الجزاء و هو يوم القيامة، و لم يقطع بالمغفرة كما قطع في الأمور المذكورة قبلها لأن المغفرة ليست بالاستحقاق بل هي فضل من الله فليس يستحق أحد على الله سبحانه شيئا لكنه سبحانه قضى على نفسه الهداية و الرزق و الإماتة و الإحياء لكل ذي نفس و لم يقض المغفرة لكل ذي خطيئة فقال: «فورب السماء و الأرض إنه لحق»: الذاريات: 23، و قال: «كل نفس ذائقة الموت»: الأنبياء: 35، و قال: «إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا»: يونس: 4، و قال في المغفرة: «إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء: النساء: 48.
و نسبة الخطيئة إلى نفسه و هو (عليه السلام) نبي معصوم من المعصية دليل على أن المراد بالخطيئة غير المعصية بمعنى مخالفة الأمر المولوي فإن للخطيئة و الذنب مراتب تتقدر حسب حال العبد في عبوديته كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين و قد قال تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): «و استغفر لذنبك».
فالخطيئة من مثل إبراهيم (عليه السلام) اشتغاله عن ذكر الله محضا بما تقتضيه ضروريات الحياة كالنوم و الأكل و الشرب و نحوها و إن كانت بنظر آخر طاعة منه (عليه السلام) كيف؟ و قد نص تعالى على كونه (عليه السلام) مخلصا لله لا يشاركه تعالى فيه شيء إذ قال: «إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار»: ص: 46، و قد قدمنا كلاما له تعلق بهذا المقام في آخر الجزء السادس و في قصص إبراهيم في الجزء السابع من الكتاب.
قوله تعالى: «رب هب لي حكما و ألحقني بالصالحين» لما ذكر (عليه السلام) نعم ربه المستمرة المتوالية المتراكمة عليه منذ خلق إلى ما لا نهاية له من أمد البقاء و صور بذلك شمول اللطف و الحنان الإلهي أخذته جاذبة الرحمة الملتئمة بالفقر العبودي فدعته إلى إظهار الحاجة و بث المسألة فالتفت من الغيبة إلى الخطاب فسأل ما سأل.
فقوله: «رب» أضاف الرب إلى نفسه بعد ما كان يصفه بما أنه رب العالمين إثارة للرحمة الإلهية و تهييجا للعناية الربانية لاستجابة دعائه و مسألته.
و قوله: «هب لي حكما» يريد بالحكم ما تقدم في قول موسى (عليه السلام): «فوهب لي ربي حكما»: الآية 21 من السورة و هو - كما تقدم - إصابة النظر و الرأي في المعارف الاعتقادية و العملية الكلية و تطبيق العمل عليها كما يشير إليه قوله تعالى: «و ما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون»: الأنبياء: 25، و هو وحي المعارف الاعتقادية و العملية التي يجمعها التوحيد و التقوى، و قوله تعالى: «و أوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و كانوا لنا عابدين: الأنبياء: 73، و هو وحي التسديد و الهداية إلى الصلاح في مقام العمل، و تنكير الحكم لتفخيم أمره.
و قوله: «و ألحقني بالصالحين» الصلاح على ما ذكره الراغب - يقابل الفساد الذي هو تغير الشيء عن مقتضى طبعه الأصلي فصلاحه كونه على مقتضى الطبع الأصلي فيترتب عليه من الخير و النفع ما من شأنه أن يترتب عليه من غير أن يفسد فيحرم من آثاره الحسنة.
و إذ كان «الصالحين» غير مقيد بالعمل و نحوه فالمراد به الصالحون ذاتا لا عملا فحسب و إن كان صلاح الذات لا ينفك عنه صلاح العمل، قال تعالى: «البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه»: الأعراف: 58.
فصلاح الذات كونها تامة الاستعداد لقبول الرحمة الإلهية و إفاضة كل خير و سعادة من شأنها أن تتلبس به من غير أن يقارنها ما يفسدها من اعتقاد باطل أو عمل سيىء و بذلك يتبين أن الصلاح الذاتي من لوازم موهبة الحكم بالمعنى الذي تقدم و إن كان الحكم أخص موردا من الصلاح و هو ظاهر.
فمسألته الإلحاق بالصالحين من لوازم مسألة موهبة الحكم و فروعها المترتبة عليها فيعود معنى قوله: «رب هب لي حكما و ألحقني بالصالحين» إلى مثل قولنا: رب هب لي حكما و تمم أثره في و هو الصلاح الذاتي.
و قد تقدم في تفسير قوله تعالى: «و إنه في الآخرة لمن الصالحين»: البقرة: 130 في الجزء الأول من الكتاب كلام له تعلق بهذا المقام.
قوله تعالى: «و اجعل لي لسان صدق في الآخرين» إضافة اللسان إلى الصدق لامية تفيد اختصاصه بالصدق بحيث لا يتكلم إلا به، و ظاهر جعل هذا اللسان له أن يكون مختصا به كلسانه لا يتكلم إلا بما في ضميره مما يتكلم هو به فيئول المعنى إلى مسألة أن يبعث الله في الآخرين من يقوم بدعوته و يدعو الناس إلى ملته و هي دين التوحيد.
فتكون الآية في معنى قوله في سورة الصافات بعد ذكر إبراهيم (عليه السلام): «و تركنا عليه في الآخرين»: الصافات: 108، و قد ذكر هذه الجملة بعد ذكر عدة من الأنبياء غيره كنوح و موسى و هارون و إلياس، و كذا قال تعالى في سورة مريم بعد ذكر زكريا و يحيى و عيسى و إبراهيم و موسى و هارون: «و جعلنا لهم لسان صدق عليا»: مريم: 50 فالمراد على أي حال إبقاء دعوتهم بعدهم ببعث رسل أمثالهم.
و قيل: المراد به بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد روي عنه أنه قال: أنا دعوة أبي إبراهيم، و يؤيده تسمية دينه في مواضع من القرآن ملة إبراهيم، و يرجع معنى الآية حينئذ إلى معنى قوله حكاية عن إبراهيم و إسماعيل حين بناء الكعبة: «ربنا و اجعلنا مسلمين لك و من ذريتنا أمة مسلمة لك إلى أن قال ربنا و ابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك و يعلمهم الكتاب و الحكمة و يزكيهم: البقرة: 129.
و قيل: المراد به أن يجعل الله له ذكرا جميلا و ثناء حسنا بعده إلى يوم القيامة و قد استجاب الله دعاءه فأهل الأديان يثنون عليه و يذكرونه بالجميل.
و في صدق لسان الصدق على الذكر الجميل خفاء، و كذا كون هذا الدعاء و المحكي في سورة البقرة دعاء واحدا لا يخلو من خفاء.
قوله تعالى: «و اجعلني من ورثة جنة النعيم» تقدم معنى وراثة الجنة في تفسير قوله تعالى: «أولئك هم الوارثون»: المؤمنون: 10.
قوله تعالى: «و اغفر لأبي إنه كان من الضالين» استغفار لأبيه حسب ما وعده في قوله: «سلام عليك سأستغفر لك ربي»: مريم: 47، و ليس ببعيد أن يستفاد من قوله تعالى: «و ما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه»: التوبة: 114، أنه دعا لأبيه بهذا الدعاء و هو حي بعد، و على هذا فمعنى قوله: «إنه كان من الضالين» أنه كان قبل الدعاء بزمان من أهل الضلال.
قوله تعالى: «و لا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم» الخزي عدم النصر ممن يؤمل منه النصر، و الضمير في «يبعثون» للناس و لا يضره عدم سبق الذكر لكونه معلوما من خارج.
و يعلم من سؤاله عدم الإخزاء يوم القيامة أن الإنسان في حاجة إلى النصر الإلهي يومئذ فهذه البنية الضعيفة لا تقوم دون الأهوال التي تواجهها يوم القيامة إلا بنصر و تأييد منه تعالى.
و قوله: «يوم لا ينفع مال و لا بنون» الظرف بدل من قوله: «يوم يبعثون» و به يندفع قول من قال: إن قول إبراهيم قد انقطع في «يبعثون» و الآية إلى تمام خمس عشرة آية من كلام الله تعالى.
و الآية تنفي نفع المال و البنين يوم القيامة و ذلك أن رابطة المال و البنين التي هي المناط في التناصر و التعاضد في الدنيا هي رابطة وهمية اجتماعية لا تؤثر أثرا في الخارج من ظرف الاجتماع المدني و يوم القيامة يوم انكشاف الحقائق و تقطع الأسباب فلا ينفع فيه مال بماليته و لا بنون بنسبة بنوتهم و قرابتهم، قال تعالى: «و لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة و تركتم ما خولناكم وراء ظهوركم»: الأنعام: 94، و قال: «فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ و لا يتساءلون»: المؤمنون: 101.
فالمراد بنفي نفع المال و البنين يوم القيامة نفي سببيتهما الوضعية الاعتبارية في المجتمع الإنساني في الدنيا فإن المال نعم السبب و الوسيلة في المجتمع للظفر بالمقاصد الحيوية، و كذا البنون نعمت الوسيلة للقوة و العزة و الغلبة و الشوكة، فالمال و البنون عمدة ما يركن إليهما و يتعلق بهما الإنسان في الحياة الدنيا فنفي نفعهما يوم القيامة كالكناية عن نفي نفع كل سبب وضعي اعتباري في المجتمع الإنساني يتوسل به إلى جلب المنافع المادية كالعلم و الصنعة و الجمال و غيرها.
و بعبارة أخرى نفي نفعهما في معنى الإخبار عن بطلان الاجتماع المدني بما يعمل فيه من الأسباب الوضعية الاعتبارية كما يشير إليه قوله تعالى: «ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون».
و قوله: «إلا من أتى الله بقلب سليم» قال الراغب: السلم و السلامة التعري من الآفات الظاهرة و الباطنة.
انتهى.
و السياق يعطي أنه (عليه السلام) في مقام ذكر معنى جامع يتميز به اليوم من غيره و قد سأل ربه أولا أن ينصره و لا يخزيه يوم لا ينفعه ما كان ينفعه في الدنيا من المال و البنين، و مقتضى هذه التوطئة أن يكون المطلوب بقوله: «إلا من أتى الله بقلب سليم» بيان ما هو النافع يومئذ و قد ذكر فيه الإتيان بالقلب السليم.
فالاستثناء منقطع، و المعنى: لكن من أتى الله بقلب سليم فإنه ينتفع به، و المحصل أن مدار السعادة يومئذ على سلامة القلب سواء كان صاحبه ذا مال و بنين في الدنيا أو لم يكن.
و قيل: الاستثناء متصل و المستثنى منه مفعول ينفع المحذوف و التقدير يوم لا ينفع مال و لا بنون أحدا إلا من أتى الله بقلب سليم.
و قيل: الاستثناء متصل و الكلام بتقدير مضاف، و التقدير لا ينفع مال و لا بنون إلا مال و بنو من أتى «إلخ».
و قيل: المال و البنون في معنى الغنى و الاستثناء منه بحذف مضاف من نوعه و التقدير يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم، و سلامة القلب من الغنى فالاستثناء متصل ادعاء لا حقيقة.
و قيل: الاستثناء منقطع و هناك مضاف محذوف، و التقدير لا ينفع مال و لا بنون إلا حال من أتى «إلخ».
و الأقوال الثلاثة الأول توجب اختصاص تميز اليوم بمن له مال و بنون فقط فإن الكلام عليها في معنى قولنا: يوم لا ينفع المال و البنون أصحابهما إلا ذا القلب السليم منهم و أما من لا مال له و لا ولد فمسكوت عنه و السياق لا يساعده، و أما القول الرابع فمبني على تقدير لا حاجة إليه.
و الآية قريبة المعنى من قوله تعالى: «المال و البنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا و خير أملا»: الكهف: 46، غير أنها تسند النفع إلى القلب السليم و هو النفس السالمة من وصمة الظلم و هو الشرك و المعصية كما قال تعالى في وصف اليوم: «و عنت الوجوه للحي القيوم و قد خاب من حمل ظلما»: طه: 111.
قال بعضهم: و في الآيتين تأييد لكون استغفاره (عليه السلام) لأبيه طلبا لهدايته إلى الإيمان لاستحالة طلب مغفرته بعد موته كافرا مع علمه بعدم نفعه لأنه من باب الشفاعة انتهى.
و هذا على تقدير أخذ الاستثناء متصلا كما ذهب إليه هذا القائل مبني على كون إبراهيم (عليه السلام) ابن آزر لصلبه و قد تقدم في قصته (عليه السلام) من سورة الأنعام فساد القول به و أن الآيات ناصة على خلافه.
و أما إذا أخذ الاستثناء منقطعا فقوله: «إلا من أتى الله بقلب سليم» بضميمة قوله تعالى: «و لا يشفعون إلا لمن ارتضى»: الأنبياء: 28.
دليل على كون الاستغفار قبل موته كما لا يخفى.
قوله تعالى: «و أزلفت الجنة للمتقين و برزت الجحيم للغاوين» الإزلاف التقريب و التبريز الإظهار، و في المقابلة بين المتقين و الغاوين و اختيار هذين الوصفين لهاتين الطائفتين إشارة إلى ما قضى به الله سبحانه يوم رجم إبليس عند إبائه أن يسجد لآدم كما ذكر في سورة الحجر «إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين و إن جهنم لموعدهم أجمعين إلى أن قال إن المتقين في جنات و عيون»: الحجر: 45.
قوله تعالى: «و قيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون» أي هل يدفعون الشقاء و العذاب عنكم أو عن أنفسهم، و المحصل أنه يتبين لهم أنهم ضلوا في عبادتهم غير الله.
قوله تعالى: «فكبكبوا فيها هم و الغاون و جنود إبليس أجمعون» يقال: كبه فانكب أي ألقاه على وجهه و كبكبه أي ألقاه على وجهه مرة بعد أخرى فهو يفيد تكرار الكب كدب و دبدب و ذب و ذبذب و زل و زلزل و دك و دكدك.
و ضمير الجمع في قوله: «فكبكبوا فيها هم» للأصنام كما يدل عليه قوله: «إنكم و ما تعبدون من دون الله حصب جهنم»: الأنبياء: 98، و هؤلاء إحدى الطوائف الثلاث التي تذكر الآية أنها تكبكب في جهنم يوم القيامة، و الطائفة الثانية الغاوون المقضي عليهم ذلك كما في آية الحجر المنقولة آنفا، و الطائفة الثالثة جنود إبليس و هم قرناء الشياطين الذين يذكر القرآن أنهم لا يفارقون أهل الغواية حتى يدخلوا النار، قال تعالى: «و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين إلى أن قال و لن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون»: الزخرف: 39.
قوله تعالى: «قالوا و هم فيها يختصمون» - إلى قوله - إلا المجرمون» الظاهر أن القائلين هم الغاوون، و الاختصام واقع بينهم يخاصمون أنفسهم و الشياطين على ما ذكره الله سبحانه في مواضع من كلامه.
و قوله: «تالله إن كنا لفي ضلال مبين» اعتراف منهم بالضلال، و الخطاب في قوله: «إذ نسويكم برب العالمين» للآلهة من الأصنام و هم معهم في النار، أو لهم و للشياطين أو لهما و للمتبوعين و الرؤساء من الغاوين و خير الوجوه أولها.
و قوله: «و ما أضلنا إلا المجرمون» الظاهر أن كلا من القائلين يريد بالمجرمين غيره من إمام ضلال اقتدى به في الدنيا و داع دعاه إلى الشرك فاتبعه و آباء مشركين قلدهم فيه و خليل تشبه به، و المجرمون على ما يستفاد من آيات القيامة هم الذين ثبت فيهم الإجرام و قضي عليهم بدخول النار قال تعالى: «و امتازوا اليوم أيها المجرمون»: يس: 56.
قوله تعالى: «فما لنا من شافعين و لا صديق حميم» الحميم على ما ذكره الراغب القريب المشفق.
و هذا الكلام تحسر منهم على حرمانهم من شفاعة الشافعين و إغاثة الأصدقاء و في التعبير بقوله: «فما لنا من شافعين» إشارة إلى وجود شافعين هناك يشفعون بعض المذنبين، و لو لا ذلك لكان من حق الكلام أن يقال: فما لنا من شافع إذ لا نكتة تقتضي الجمع، و قد روي أنهم يقولون ذلك لما يرون الملائكة و الأنبياء و المؤمنين يشفعون.
قوله تعالى: «فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين» تمن منهم أن يرجعوا إلى الدنيا فيكونوا من المؤمنين حتى ينالوا ما ناله المؤمنون من السعادة.
قوله تعالى: «إن في ذلك لآية» إلى آخر الآيتين أي في قصة إبراهيم (عليه السلام) و لزومه عن فطرته الساذجة دين التوحيد و توجيه وجهه نحو رب العالمين و تبريه من الأصنام و احتجاجه على الوثنيين و عبدة الأصنام آية لمن تدبر فيها على أن في سائر قصصه من محنه و ابتلاءاته التي لم تذكر هاهنا كإلقائه في النار و نزول الضيف من الملائكة عليه و قصة إسكانه إسماعيل و أمه بوادي مكة و بناء الكعبة و ذبح إسماعيل آيات لأولي الألباب.
و قوله: «و ما كان أكثرهم مؤمنين» أي و ما كان أكثر قوم إبراهيم مؤمنين و الباقي ظاهر مما تقدم.
بحث روائي
في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و اجعل لي لسان صدق في الآخرين» قال: هو أمير المؤمنين (عليه السلام).
أقول: يحتمل التفسير و الجري.
و في الكافي، بإسناده عن يحيى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): و لسان الصدق للمرء يجعله الله في الناس خير من المال يأكله و يورثه.
الحديث.
و في الدر المنثور،: في قوله تعالى: «و اغفر لأبي»: أخرج عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن قتادة: في قوله: «و لا تخزني يوم يبعثون» قال: ذكر لنا أن نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ليجيئن رجل يوم القيامة من المؤمنين آخذا بيد أب له مشرك حتى يقطعه النار و يرجو أن يدخله الجنة فيناديه مناد أنه لا يدخل الجنة مشرك فيقول: ربي أبي و وعدت أن لا تخزيني. قال: فما يزال متشبثا به حتى يحوله الله في صورة سيئة و ريح منتنة في صورة ضبعان فإذا رآه كذلك تبرأ منه و قال: لست بأبي. قال: فكنا نرى أنه يعني إبراهيم و ما سمى به يومئذ.
و فيه، أخرج البخاري و النسائي عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة و على وجه آزر قترة و غبرة يقول له إبراهيم: أ لم أقل لك: لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله: إني حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال: يا إبراهيم ما تحت رجليك؟ فإذا هو بذيخ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار.
أقول: الخبران من أخبار بنوة إبراهيم لآزر لصلبه و قد مر في قصص إبراهيم من سورة الأنعام أنها مخالفة للكتاب و كلامه تعالى نص في خلافه.
و في الكافي، بإسناده عن سفيان بن عيينة قال: سألته عن قول الله عز و جل: «إلا من أتى الله بقلب سليم» قال: السليم الذي يلقى ربه و ليس فيه أحد سواه. قال: و كل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط و إنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم إلى الآخرة.
و في المجمع، و روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: هو القلب الذي سلم من حب الدنيا. و يؤيده قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): حب الدنيا رأس كل خطيئة.
و في الكافي، بإسناده عن محمد بن سالم عن أبي جعفر (عليه السلام): في حديث «و جنود إبليس أجمعون» جنود إبليس ذريته من الشياطين. قال: و قولهم: «و ما أضلنا إلا المجرمون» إذ دعونا إلى سبيلهم ذلك قول الله عز و جل فيهم إذ جمعهم إلى النار: و قالت أولاهم لأخراهم - ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار» و قوله: «كلما دخلت أمة لعنت أختها - حتى إذا اداركوا فيها جميعا» برىء بعضهم من بعض و لعن بعضهم بعضا يريد بعضهم أن يحج بعضا رجاء الفلج فيفلتوا جميعا من عظيم ما نزل بهم و ليس بأوان بلوى و لا اختبار و لا قبول معذرة و لا حين نجاة.
و في الكافي، أيضا بسندين عن أبي بصير عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز و جل: «فكبكبوا فيها هم و الغاون» هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثم خالفوه إلى غيره.
أقول: و روى هذا المعنى القمي في تفسيره، و البرقي في المحاسن، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و الظاهر أن الرواية كانت واردة في ذيل قوله تعالى: «و الشعراء يتبعهم الغاون» لما بعده من قوله تعالى: «و أنهم يقولون ما لا يفعلون» و قد وقع الخطأ في إيرادها في ذيل قوله: «فكبكبوا فيها» إلخ، و هو ظاهر للمتأمل.
و في المجمع، و في الخبر المأثور عن جابر بن عبد الله قال سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إن الرجل يقول في الجنة: ما فعل صديقي؟ و صديقه في الجحيم. فيقول الله: أخرجوا له صديقه إلى الجنة فيقول من بقي في النار: «فما لنا من شافعين و لا صديق حميم» و روي بالإسناد عن حمران بن أعين عن أبي عبد لله (عليه السلام) قال: و الله لنشفعن لشيعتنا ثلاث مرات حتى يقول الناس: «فما لنا من شافعين و لا صديق حميم» إلى قوله - فنكون من المؤمنين» و في رواية أخرى حتى يقول عدونا.
و في تفسير القمي،: «فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين» قال: من المهتدين قال: لأن الإيمان قد لزمهم بالإقرار.
أقول: مراده أنهم يؤمنون يومئذ إيمان إيقان لكنهم يرون أن الإيمان يومئذ لا ينفعهم بل الإيمان النافع هو الإيمان في الدنيا فيتمنون أن يرجعوا إلى الدنيا ليكون ما عنده من الإيمان من إيمان المهتدين و هم المؤمنون حقا المهتدون بإيمانهم يوم القيامة و هذا معنى لطيف، و إليه يشير قوله تعالى: «و لو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا و سمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون»: سجدة: 13 فلم يقولوا فارجعنا نؤمن و نعمل صالحا بل قالوا فارجعنا نعمل صالحا فافهم ذلك.
|