بيان
غرض السورة ما ينبىء عنه مفتتحها «سورة أنزلناها و فرضناها و أنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون» فهي تذكرة نبذة من الأحكام المفروضة المشرعة ثم جملة من المعارف الإلهية تناسبها و يتذكر بها المؤمنون.
و هي سورة مدنية بلا خلاف و سياق آياتها يشهد بذلك و من غرر الآيات فيها آية النور.
قوله تعالى: «سورة أنزلناها و فرضناها و أنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون» السورة طائفة من الكلام يجمعها غرض واحد سيقت لأجله و لذا اعتبرت تارة نفس الآيات بما لها من المعاني فقيل: «فرضناها»، و تارة ظرفا لبعض الآيات ظرفية المجموع للبعض فقيل: «أنزلنا فيها آيات بينات» و هي مما وضعه القرآن و سمي به طائفة خاصة من آياته و تكرر استعمالها في كلامه تعالى، و كأنه مأخوذ من سور البلد و هو الحائط الذي يحيط به سميت به سورة القرآن لإحاطتها بما فيها من الآيات أو بالغرض الذي سيقت له.
و قال الراغب: الفرض قطع الشيء الصلب و التأثير فيه كفرض الحديد و فرض الزند و القوس.
قال: و الفرض كالإيجاب لكن الإيجاب يقال اعتبارا بوقوعه و ثباته، و الفرض بقطع الحكم فيه، قال تعالى: «سورة أنزلناها و فرضناها» أي أوجبنا العمل بها عليك.
قال: و كل موضع ورد «فرض الله عليه» ففي الإيجاب الذي أدخله الله فيه، و ما ورد «فرض الله له» فهو في أن لا يحظره على نفسه نحو «ما كان على النبي» من حرج فيما فرض الله له».
انتهى.
فقوله: «سورة أنزلناها و فرضناها» أي هذه سورة أنزلناها و أوجبنا العمل بما فيها من الأحكام فالعمل بالحكم الإيجابي هو الإتيان به و بالحكم التحريمي الانتهاء عنه.
و قوله: «و أنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون» المراد بها - بشهادة السياق - آية النور و ما يتلوها من الآيات المبينة لحقيقة الإيمان و الكفر و التوحيد و الشرك المذكرة لهذه المعارف الإلهية.
قوله تعالى: «الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة» الآية، الزنا
المواقعة من غير عقد أو شبهة عقد أو ملك يمين، و الجلد هو الضرب بالسوط و الرأفة التحنن و التعطف و قيل: هي رحمة في توجع، و الطائفة في الأصل هي الجماعة كانوا يطوفون بالارتحال من مكان إلى مكان قيل: و ربما تطلق على الاثنين و على الواحد.
و قوله: «الزانية و الزاني» إلخ، أي المرأة و الرجل اللذان تحقق منهما الزنا فاضربوا كل واحد منهما مائة سوط، و هو حد الزنا بنص الآية غير أنها مخصصة بصور: منها أن يكونا محصنين ذوي زوج أو يكون أحدهما محصنا فالرجم و منها أن يكونا غير حرين أو أحدهما رقا فنصف الحد.
قيل: و قدمت الزانية في الذكر على الزاني لأن الزنا منهن أشنع و لكون الشهوة فيهن أقوى و أكثر، و الخطاب في الأمر بالجلد متوجه إلى عامة المسلمين فيقوم بمن قام بأمرهم من ذوي الولاية من النبي و الإمام و من ينوب منابه.
و قوله: «و لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله» إلخ، النهي عن الرأفة من قبيل النهي عن المسبب بالنهي عن سببه إذ الرأفة بمن يستحق نوعا من العذاب توجب التساهل في إذاقته ما يستحقه من العذاب بالتخفيف فيه و ربما أدى إلى تركه، و لذا قيده بقوله: «في دين الله» أي حال كون الرأفة أي المساهلة من جهتها في دين الله و شريعته.
و قيل: المراد بدين الله حكم الله كما في قوله تعالى: «ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك»: يوسف: 76 أي في حكمه أي لا تأخذكم بهما رأفة في إنفاذ حكم الله و إقامة حده.
و قوله: «إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر» أي إن كنتم كذا و كذا فلا تأخذكم بهما رأفة و لا تساهلوا في أمرهما و فيه تأكيد للنهي.
و قوله: «و ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين» أي و ليحضر و لينظر إلى ذلك جماعة منهم ليعتبروا بذلك فلا يقتربوا الفاحشة.
قوله تعالى: «الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة و الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك و حرم ذلك على المؤمنين» ظاهر الآية و خاصة بالنظر إلى سياق ذيلها المرتبط بصدرها أن الذي تشمل عليه حكم تشريعي تحريمي و إن كان صدرها واردا في صورة الخبر فإن المراد النهي تأكيدا للطلب و هو شائع.
و المحصل من معناها بتفسير من السنة من طرق أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن
الزاني إذا اشتهر منه الزنا و أقيم عليه الحد و لم تتبين منه التوبة يحرم عليه نكاح غير الزانية و المشركة، و الزانية إذا اشتهر منها الزنا و أقيم عليها الحد و لم يتبين منها التوبة يحرم أن ينكحها إلا زان أو مشرك.
فالآية محكمة باقية على إحكامها من غير نسخ و لا تأويل، و تقييدها بإقامة الحد و تبين التوبة مما يمكن أن يستفاد من السياق فإن وقوع الحكم بتحريم النكاح بعد الأمر بإقامة الحد يلوح إلى أن المراد به الزاني و الزانية المجلودان، و كذا إطلاق الزاني و الزانية على من ابتلي بذلك ثم تاب توبة نصوحا و تبين منه ذلك، بعيد من دأب القرآن و أدبه.
و للمفسرين في معنى الآية تشاجرات طويلة و أقوال شتى: منها: أن الكلام مسوق للإخبار عما من شأن مرتكبي هذه الفاحشة أن يقصدوه و ذلك أن من خبثت فطرته لا يميل إلا إلى من يشابهه في الخباثة و يجانسه في الفساد و الزاني لا يميل إلا إلى الزانية المشاركة لها في الفحشاء و من هو أفسد منها و هي المشركة، و الزانية كذلك لا تميل إلا إلى مثلها و هو الزاني و من هو أفسد منه و هو المشرك فالحكم وارد مورد الأعم الأغلب كما قيل في قوله تعالى: «الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات»: الآية: 26 من السورة.
و منها: أن المراد بالآية التقبيح، و المعنى: أن اللائق بحال الزاني أن لا ينكح إلا زانية أو من هي دونها و هي المشركة و اللائق بحال الزانية أن لا ينكحها إلا زان أو من هو دونه و هو المشرك، و المراد بالنكاح العقد، و قوله: «و حرم ذلك على المؤمنين» معطوف على أول الآية، و المراد و حرم الزنا على المؤمنين.
و فيه و في سابقه مخالفتهما لسياق الآية و خاصة اتصال ذيلها بصدرها كما تقدمت الإشارة إليه.
و منها: أن الآية منسوخة بقوله تعالى: «و أنكحوا الأيامى منكم و الصالحين من عبادكم و إمائكم».
و فيه أن النسبة بين الآيتين نسبة العموم و الخصوص و العام الوارد بعد الخاص لا ينسخه خلافا لمن قال به نعم ربما أمكن أن يستفاد النسخ من قوله تعالى: «و لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن و لأمة مؤمنة خير من مشركة و لو أعجبتكم و لا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا و لعبد مؤمن خير من مشرك و لو أعجبكم أولئك
يدعون إلى النار و الله يدعوا إلى الجنة و المغفرة بإذنه»: البقرة: 221، بدعوى أن الآية و إن كانت من العموم بعد الخصوص لكن لسانها آب عن التخصيص فتكون ناسخة بالنسبة إلى جواز النكاح بين المؤمن و المؤمنة و المشرك و المشركة، و قد ادعى بعضهم أن نكاح الكافر للمسلمة كان جائزا إلى سنة ست من الهجرة ثم نزل التحريم فلعل الآية التي نحن فيها نزلت قبل ذلك، و نزلت آية التحريم بعدها و في الآية أقوال أخر تركنا إيرادها لظهور فسادها.
قوله تعالى: «و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة» إلخ الرمي معروف ثم استعير لنسبة أمر غير مرضي إلى الإنسان كالزنا و السرقة و هو القذف، و السياق يشهد أن المراد به نسبة الزنا إلى المرأة المحصنة العفيفة، و المراد بالإتيان بأربعة شهداء و هم شهود الزنا إقامة الشهادة لإثبات ما قذف به، و قد أمر الله تعالى بإقامة الحد عليهم إن لم يقيموا الشهادة، و حكم بفسقهم و عدم قبول شهادتهم أبدا.
و المعنى: و الذين يقذفون المحصنات من النساء بالزنا ثم لم يقيموا أربعة من الشهود على صدقهم في قذفهم فاجلدوهم ثمانين جلدة على قذفهم و هم فاسقون لا تقبلوا شهادتهم على شيء أبدا.
و الآية كما ترى مطلقة تشمل من القاذف الذكر و الأنثى و الحر و العبد، و بذلك تفسرها روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
قوله تعالى: «إلا الذين تابوا من بعد ذلك و أصلحوا فإن الله غفور رحيم» الاستثناء راجع إلى الجملة الأخيرة و هي قوله: «و أولئك هم الفاسقون» لكنها لما كانت تفيد معنى التعليل بالنسبة إلى قوله: «و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا» - على ما يعطيه السياق - كان لازم ما تفيده من ارتفاع الحكم بالفسق ارتفاع الحكم بعدم قبول الشهادة أبدا، و لازم ذلك رجوع الاستثناء بحسب المعنى إلى الجملتين معا.
و المعنى: إلا الذين تابوا من بعد ذلك و أصلحوا أعمالهم فإن الله غفور رحيم يغفر ذنبهم و يرحمهم فيرتفع عنهم الحكم بالفسق و الحكم بعدم قبول شهادتهم أبدا.
و ذكر بعضهم: أن الاستثناء راجع إلى الجملة الأخيرة فحسب فلو تاب القاذف
و أصلح بعد إقامة الحد عليه غفر له ذنبه لكن لا تقبل شهادته أبدا خلافا لمن قال برجوع الاستثناء إلى الجملتين معا.
و الظاهر أن خلافهم هذا مبني على المسألة الأصولية المعنونة بأن الاستثناء الواقع بعد الجمل المتعددة هل يتعلق بالجميع أو بالجملة الأخيرة و الحق في المسألة أن الاستثناء في نفسه صالح للأمرين جميعا و تعين أحدهما منوط بما تقتضيه قرائن الكلام، و الذي يعطيه السياق في الآية التي نحن فيها تعلق الاستثناء بالجملة الأخيرة غير أن إفادتها للتعليل تستلزم تقيد الجملة السابقة أيضا بمعناه كالأخيرة على ما تقدم.
قوله تعالى: «و الذين يرمون أزواجهم و لم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم - إلى قوله - من الكاذبين» أي لم يكن لهم شهداء يشهدون ما شهدوا فيتحملوا الشهادة ثم يؤدوها إلا أنفسهم، و قوله: «فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله» أي شهادة أحدهم يعني القاذف و هو واحد أربع شهادات متعلقة بالله إنه لمن الصادقين فيما يخبر به من القذف.
و معنى الآيتين: و الذين يقذفون أزواجهم و لم يكن لهم أربعة من الشهداء يشهدون ما شهدوا - و من طبع الأمر ذلك على تقدير صدقهم إذ لو ذهبوا يطلبون الشهداء ليحضروهم على الواقعة فيشهدوهم عليها فات الغرض بتفرقهما - فالشهادة التي يجب على أحدهم أن يقيمها هي أن يشهد أربع شهادات أي يقول مرة بعد مرة: «أشهد الله على صدقي فيما أقذفه به» أربع مرات و خامستها أن يشهد و يقول: لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين.
قوله تعالى: «و يدرؤا عنها العذاب أن تشهد» إلى آخر الآيتين، الدرء الدفع و المراد بالعذاب حد الزنا، و المعنى أن المرأة إن شهدت خمس شهادات بإزاء شهادات الرجل دفع ذلك عنه حد الزنا، و شهاداتها أن تشهد أربع مرات تقول فيها: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين ثم تشهد خامسة فتقول: لعنة الله علي إن كان من الصادقين، و هذا هو اللعان الذي ينفصل به الزوجان.
قوله تعالى: «و لو لا فضل الله عليكم و رحمته و أن الله تواب حكيم» جواب لو لا محذوف يدل عليه ما أخذ في شرطه من القيود إذ معناه لو لا فضل الله و رحمته و توبته
و حكمته لحل بكم ما دفعته عنكم هذه الصفات و الأفعال فالتقدير على ما يعطيه ما في الشرط من القيود لو لا ما أنعم الله عليكم من نعمة الدين و توبته لمذنبيكم و تشريعه الشرائع لنظم أمور حياتكم لزمتكم الشقوة، و أهلكتكم المعصية و الخطيئة، و اختل نظام حياتكم بالجهالة.
و الله أعلم.
بحث روائي
في الكافي، بإسناده عن محمد بن سالم عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: و سورة النور أنزلت بعد سورة النساء، و تصديق ذلك أن الله عز و جل أنزل عليه في سورة النساء «و اللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم - فاستشهدوا عليهن أربعة منكم - فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت - حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا» و السبيل الذي قال الله عز و جل «سورة أنزلناها و فرضناها - و أنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة - و لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله - إن كنتم آمنتم بالله و اليوم الآخر - و ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين». و في تفسير القمي، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله: «و ليشهد عذابهما» يقول: ضربهما «طائفة من المؤمنين» يجمع لهما الناس إذا جلدوا.
و في التهذيب، بإسناده عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام): في قول الله عز و جل: «و لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله» قال: في إقامة الحدود، و في قوله تعالى: «و ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين» قال: الطائفة واحد. و في الكافي، بإسناده عن محمد بن سالم عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: و أنزل بالمدينة «الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة - و الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك - و حرم ذلك على المؤمنين» فلم يسم الله الزاني مؤمنا و لا الزانية مؤمنة، و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس يمتري فيه أهل العلم أنه قال لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن، و لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن فإنه إذا فعل ذلك خلع عنه الإيمان كخلع القميص. و فيه، بإسناده عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل:
«الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة» قال: هن نساء مشهورات و رجال مشهورون بالزنا شهروا به، و عرفوا به و الناس اليوم بذلك المنزل فمن أقيم عليه حد الزنا أو متهم بالزنا لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتى يعرف منه التوبة: أقول: و رواه أيضا بإسناده عن أبي الصباح عنه (عليه السلام) مثله، و بإسناده عن محمد بن سالم عن أبي جعفر (عليه السلام) و لفظه: هم رجال و نساء كانوا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مشهورين بالزنا فنهى الله عن أولئك الرجال و النساء، و الناس اليوم على تلك المنزلة من شهر شيئا من ذلك أقيم عليه الحد فلا تزوجوه حتى تعرفوا توبته. و فيه، بإسناده عن حكم بن حكيم عن أبي عبد الله (عليه السلام): في الآية قال: إنما ذلك في الجهر ثم قال: لو أن إنسانا زنى ثم تاب تزوج حيث شاء. و في الدر المنثور، أخرج أحمد و عبد بن حميد و النسائي و الحاكم و صححه و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و البيهقي في سننه و أبو داود في ناسخه عن عبد الله بن عمر قال: كانت امرأة يقال لها: أم مهزول، و كانت تسافح الرجل و تشرط أن تنفق عليه فأراد رجل من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يزوجها فأنزل الله: «الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك». أقول: و روي ما يقرب منه عن عدة من أصحاب الجوامع عن مجاهد.
و فيه، أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال: لما قدم المهاجرون المدينة قدموها و هم بجهد إلا قليل منهم، و المدينة غالية السعر شديدة الجهد، و في السوق زوان متعالنات من أهل الكتاب، و أما الأنصار منهن أمية وليدة عبد الله بن أبي و نسيكة بنت أمية لرجل من الأنصار في بغايا من ولائد الأنصار قد رفعت كل امرأة منهن علامة على بابها ليعرف أنها زانية و كن من أخصب أهل المدينة و أكثره خيرا. فرغب أناس من مهاجري المسلمين فيما يكتسبن للذي هم فيه من الجهد فأشار بعضهم على بعض لو تزوجنا بعض هؤلاء الزواني فنصيب من بعض أطعماتهن فقال بعضهم: نستأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأتوه فقالوا: يا رسول الله قد شق علينا الجهد و لا نجد ما نأكل، و في السوق بغايا نساء أهل الكتاب و ولائدهن و ولائد الأنصار يكتسبن لأنفسهن فيصلح لنا أن نتزوج منهن فنصيب من فضول ما يكتسبن فإذا وجدنا عنهن
غنى تركناهن فأنزل الله: «الزاني لا ينكح» الآية «فحرم على المؤمنين أن يتزوجوا الزواني المسافحات العالنات زناهن. أقول: و الروايتان إنما تذكران سبب نزول قوله: «الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك» دون قوله: «الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة».
و في المجمع،: في قوله تعالى: «إلا الذين تابوا اختلف في هذا الاستثناء إلى ما ذا يرجع على قولين: أحدهما أنه يرجع إلى الفسق خاصة دون قوله: «و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا» إلى أن قال و الآخر أن الاستثناء يرجع إلى الأمرين فإذا تاب قبلت شهادته حد أم لم يحد عن ابن عباس إلى أن قال و قول أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام). و في الدر المنثور، أخرج عبد الرزاق و عبد بن حميد و ابن المنذر عن سعيد بن المسيب قال: شهد على المغيرة بن شعبة ثلاثة بالزنا و نكل زياد فحد عمر الثلاثة، و قال لهم: توبوا تقبل شهادتكم فتاب رجلان و لم يتب أبو بكرة فكان لا تقبل شهادته، و كان أبو بكرة أخا زياد لأمه فلما كان من أمر زياد ما كان حلف أبو بكرة أن لا يكلمه أبدا فلم يكلمه حتى مات.
و في التهذيب، بإسناده عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قذف العبد الحر جلد ثمانين. و قال: هذا من حقوق الناس.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و الذين يرمون أزواجهم إلى قوله - إن كان من الصادقين» فإنها نزلت في اللعان فكان سبب ذلك أنه لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من غزوة تبوك جاء إليه عويمر بن ساعدة العجلاني و كان من الأنصار و قال: يا رسول الله إن امرأتي زنى بها شريك بن السمحاء و هي منه حامل فأعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعاد عليه القول فأعرض عنه حتى فعل ذلك أربع مرات. فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منزله فنزلت عليه آية اللعان فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و صلى بالناس العصر، و قال لعويمر: ائتني بأهلك فقد أنزل الله عز و جل فيكما قرآنا فجاء إليها و قال لها: رسول الله يدعوك و كانت في شرف من قومها فجاء معها جماعة فلما دخلت المسجد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعويمر: تقدم إلى المنبر و التعنا فقال: كيف
أصنع؟ فقال: تقدم و قل: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به فتقدم و قالها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أعدها فأعادها حتى فعل ذلك أربع مرات فقال له في الخامسة: عليك لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به فقال في الخامسة إن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن اللعنة موجبة إن كنت كاذبا. ثم قال له: تنح فتنحى ثم قال لزوجته: تشهدين كما شهد، و إلا أقمت عليك حد الله فنظرت في وجوه قومها فقالت: لا أسود هذه الوجوه في هذه العشية فتقدمت إلى المنبر و قالت: أشهد بالله أن عويمر بن ساعدة من الكاذبين فيما رماني، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أعيديها فأعادتها حتى أعادتها أربع مرات، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): العني نفسك في الخامسة إن كان من الصادقين فيما رماك به، فقالت في الخامسة إن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ويلك إنها موجبة إن كنت كاذبة. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لزوجها: اذهب فلا تحل لك أبدا. قال: يا رسول الله فمالي الذي أعطيتها. قال: إن كنت كاذبا فهو أبعد لك منه، و إن كنت صادقا فهو لها بما استحللت من فرجها.
الحديث.
و في المجمع، في رواية عكرمة عن ابن عباس: قال سعد بن عبادة لو أتيت لكاع و قد يفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء فوالله ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته و يذهب، و إن قلت ما رأيت إن في ظهري لثمانين جلدة. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا معشر الأنصار ما تسمعون إلى ما قال سيدكم؟ فقالوا: لا تلمه فإنه رجل غيور ما تزوج امرأة قط إلا بكرا، و لا طلق امرأة له فاجترأ رجل منا أن يتزوجها، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله بأبي أنت و أمي و الله إني لأعرف أنها من الله و أنها حق و لكن عجبت من ذلك لما أخبرتك، فقال: فإن الله يأبى إلا ذلك، فقال: صدق الله و رسوله. فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى جاء ابن عم له يقال له: هلال بن أمية من حديقة له قد رأى رجلا مع امرأته فلما أصبح غدا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إني جئت أهلي
عشاء فوجدت معها رجلا رأيته بعيني و سمعته بأذني، فكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى رئي الكراهة في وجهه فقال هلال: إني لأرى الكراهة في وجهك و الله يعلم إني لصادق، و إني لأرجو أن يجعل الله فرجا فهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بضربه. قال: و اجتمعت الأنصار و قالوا: ابتلينا بما قال سعد أ يجلد هلال و يبطل شهادته؟ فنزل الوحي و أمسكوا عن الكلام حين عرفوا أن الوحي قد نزل فأنزل الله تعالى: «و الذين يرمون أزواجهم» الآيات. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أبشر يا هلال فإن الله تعالى قد جعل فرجا فقال: قد كنت أرجو ذلك من الله تعالى، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أرسلوا إليها فجاءت فلاعن بينهما فلما انقضى اللعان فرق بينهما و قضى أن الولد لها و لا يدعى لأب و لا يرمى ولدها. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن جاءت به كذا و كذا فهو لزوجها و إن جاءت به كذا و كذا فهو للذي قيل فيه:. أقول: و رواه في الدر المنثور، عن عدة من أرباب الجوامع عن ابن عباس.
|