بيان
بقية الأحكام المذكورة في السورة و تختتم السورة بآخر الآيات و فيها إشارة إلى أن الله سبحانه إنما يشرع ما يشرع بعلمه و سيظهر و سينكشف لهم حقيقته حين يرجعون إليه.
قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم» إلى آخر الآية.
وضع الثياب خلعها و هو كناية عن كونهم على حال ربما لا يحبون أن يراهم عليها الأجنبي.
و الظهيرة وقت الظهر، و العورة السوأة سميت بها لما يلحق الإنسان من انكشافها من العار و كان المراد بها في الآية ما ينبغي ستره.
فقوله: «يا أيها الذين آمنوا» إلخ، تعقيب لقوله سابقا: «يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا» إلخ، القاضي بتوقف دخول البيت على الإذن و هو كالاستثناء من عمومه في العبيد و الأطفال بأنه يكفيهم الاستيذان ثلاث مرات في اليوم.
و قوله: «ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم» أي مروهم أن يستأذنوكم للدخول، و ظاهر الذين ملكت أيمانكم العبيد دون الإماء و إن كان اللفظ لا يأبى عن العموم بعناية التغليب، و به وردت الرواية كما سيجيء.
و قوله: «و الذين لم يبلغوا الحلم منكم» يعني المميزين من الأطفال قبل البلوغ، و الدليل على تقيدهم بالتمييز قوله بعد: «ثلاث عورات لكم».
و قوله: «ثلاث مرات» أي كل يوم بدليل تفصيله بقوله: «من قبل صلاة الفجر و حين تضعون ثيابكم من الظهيرة - أي وقت الظهر - و من بعد صلاة العشاء»، و قد أشار إلى وجه الحكم بقوله: «ثلاث عورات لكم» أي الأوقات الثلاثة ثلاث عورات لكم لا ينبغي بالطبع أن يطلع عليكم فيها غيركم.
و قوله: «ليس عليكم و لا عليهم جناح بعدهن» أي لا مانع لكم من أن لا تأمروهم بالاستيذان و لا لهم من أن لا يستأذنوكم في غير هذه الأوقات، و قد أشار إلى جهة نفي الجناح بقوله: «طوافون عليكم بعضكم على بعض» أي هم كثير الطوف عليكم بعضكم يطوف على بعض للخدمة فالاستيذان كلما دخل حرج عادة فليكتفوا فيه بالعورات الثلاث.
ثم قال: «كذلك يبين الله لكم الآيات» أي أحكام دينه التي هي آيات دالة عليه «و الله عليم» يعلم أحوالكم و ما تستدعيه من الحكم «حكيم» يراعي مصالحكم في أحكامه.
قوله تعالى: «و إذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا» إلخ، بيان أن حكم
الاستيذان ثلاث مرات في الأطفال مغيى بالبلوغ فإذا بلغ الأطفال منكم الحلم بأن بلغوا فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم و هم البالغون من الرجال و النساء الأحرار «كذلك يبين الله لكم آياته و الله عليم حكيم».
قوله تعالى: «و القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا» إلى آخر الآية.
القواعد جمع قاعدة و هي المرأة التي قعدت عن النكاح فلا ترجوه لعدم الرغبة في مباشرتها لكبرها، فقوله: «اللاتي لا يرجون نكاحا» وصف توضيحي، و قيل: هي التي يئست من الحيض، و الوصف احترازي.
و في المجمع:، التبرج إظهار المرأة من محاسنها ما يجب عليها ستره، و أصله الظهور و منه البرج البناء العالي لظهوره.
و الآية في معنى الاستثناء من عموم حكم الحجاب، و المعنى: و الكبائر المسنة من النساء فلا بأس عليهن أن لا يحتجبن حال كونهن غير متبرجات بزينة.
و قوله: «و أن يستعففن خير لهن» كناية عن الاحتجاب أي الاحتجاب خير لهن من وضع الثياب، و قوله: «و الله سميع عليم» تعليل لما شرع بالاسمين أي هو تعالى سميع يسمع ما يسألنه بفطرتهن عليم يعلم ما يحتجن إليه من الأحكام.
قوله تعالى: «ليس على الأعمى حرج و لا على الأعرج حرج و لا على المريض حرج و لا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم - إلى قوله - أو صديقكم» ظاهر الآية أن فيها جعل حق للمؤمنين أن يأكلوا من بيوت قراباتهم أو التي اؤتمنوا عليها أو بيوت أصدقائهم فهم مأذونون في أن يأكلوا منها بمقدار حاجتهم من غير إسراف و إفساد.
فقوله: «ليس على الأعمى حرج - إلى قوله - و لا على أنفسكم» في عطف على أنفسكم» على ما تقدمه دلالة على أن عد المذكورين ليس لاختصاص الحق بهم بل لكونهم أرباب عاهات يشكل عليهم أن يكتسبوا الرزق بعمل أنفسهم أحيانا و إلا فلا فرق بين الأعمى و الأعرج و المريض و غيرهم في ذلك.
و قوله: «من بيوتكم أو بيوت آبائكم» إلخ، في عد «بيوتكم» مع بيوت الأقرباء و غيرهم إشارة إلى نفي الفرق في هذا الدين المبني على كون المؤمنين بعضهم
أولياء بعض بين بيوتهم أنفسهم و بيوت أقربائهم و ما ملكوا مفاتحه و بيوت أصدقائهم.
على أن «بيوتكم» يشمل بيت الابن و الزوج كما وردت به الرواية، و قوله: «أو ما ملكتم مفاتحه» المفاتح جمع مفتح و هو المخزن، و المعنى: أو البيت الذي ملكتم أي تسلطتم على مخازنه التي فيها الرزق كما يكون الرجل قيما على بيت أو وكيلا أو سلم إليه مفتاحه.
و قوله: «أو صديقكم» معطوف على ما تقدمه بتقدير بيت على ما يعلم من سياقه، و التقدير أو بيت صديقكم.
قوله تعالى: «ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا» الأشتات جمع شت و هو مصدر بمعنى التفرق استعمل بمعنى المتفرق مبالغة ثم جمع أو صفة بمعنى المتفرق كالحق، و المعنى لا إثم عليكم أن تأكلوا مجتمعين و بعضكم مع بعض أو متفرقين، و الآية عامة و إن كان نزولها لسبب خاص كما روي.
و للمفسرين في هذا الفصل من الآية و في الفصل الذي قبلها اختلافات شديدة رأينا الصفح عن إيرادها و الغور في البحث عنها أولى، و ما أوردناه من المعنى في الفصلين هو الذي يعطيه سياقهما.
قوله تعالى: «فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة» إلخ، لما تقدم ذكر البيوت فرع عليه ذكر أدب الدخول فيها فقال: «فإذا دخلتم بيوتا».
فقوله: «فسلموا على أنفسكم» المراد فسلموا على من كان فيها من أهلها و قد بدل من قوله: «على أنفسكم» للدلالة على أن بعضهم من بعض فإن الجميع إنسان و قد خلقهم الله من ذكر و أنثى على أنهم مؤمنون و الإيمان يجمعهم و يوحدهم أقوى من الرحم و أي شيء آخر.
و ليس ببعيد أن يكون المراد بقوله: فسلموا على أنفسكم» أن يسلم الداخل على أهل البيت و يرد السلام عليه.
و قوله: «تحية من عند الله مباركة طيبة» أي حال كون السلام تحية من عند الله شرعها الله و أنزل حكمها ليحيي بها المسلمون و هو مبارك ذو خير كثير باق و طيب
يلائم النفس فإن حقيقة هذه التحية بسط الأمن و السلامة على المسلم عليه و هو أطيب أمر يشترك فيه المجتمعان.
ثم ختم سبحانه الآية بقوله: «كذلك يبين الله لكم الآيات» و قد مر تفسيره «لعلكم تعقلون» أي تعلموا معالم دينكم فتعملوا بها كما قيل.
قوله تعالى: «إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله و إذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه» ذكر قوله «الذين آمنوا بالله و رسوله» بيانا للمؤمنين على ظهور معناه للدلالة على اتصافهم بحقيقة المعنى أي إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله بحقيقة الإيمان و أيقنوا بتوحده تعالى و اطمأنت نفوسهم و تعلقت قلوبهم برسوله.
و لذلك عقبه بقوله: «و إذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه» و الأمر الجامع هو الذي يجمع الناس للتدبر في أطرافه و التشاور و العزم عليه كالحرب و نحوها.
و المعنى: و إذا كانوا مع الرسول بالاجتماع عنده على أمر من الأمور العامة لم يذهبوا و لم ينصرفوا من عند الرسول حتى يستأذنوه للذهاب.
و لذلك أيضا عقبه بقوله: «إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله و رسوله» و هو بمنزلة عكس صدر الآية للدلالة على الملازمة و عدم الانفكاك.
و قوله: «فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم» تخيير منه تعالى لرسوله في أن يأذن لمن شاء و لا يأذن لمن لم يشأ.
و قوله: «و استغفر لهم الله إن الله غفور رحيم» أمر له بالاستغفار لهم تطييبا لنفوسهم و رحمة بهم.
قوله تعالى: «لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا» إلى آخر الآية، دعاء الرسول هو دعوته الناس إلى أمر من الأمور كدعوتهم إلى الإيمان و العمل الصالح، و دعوتهم ليشاورهم في أمر جامع، و دعوتهم إلى الصلاة جامعة، و أمرهم بشيء في أمر دنياهم أو أخراهم فكل ذلك دعاء و دعوة منه (صلى الله عليه وآله وسلم).
و يشهد بهذا المعنى قوله ذيلا: «قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا» و ما
يتلوه من تهديد مخالفي أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) كما لا يخفى.
و هو أنسب لسياق الآية السابقة فإنها تمدح الذين يلبون دعوته و يحضرون عنده و لا يفارقونه حتى يستأذنوه و هذه تذم و تهدد الذين يدعوهم فيتسللون عنه لواذا غير مهتمين بدعائه و لا معتنين.
و من هنا يعلم عدم استقامة ما قيل إن المراد بدعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطابه فيجب أن يفخم و لا يساوى بينه و بين غيره من الناس فلا يقال له: يا محمد و يا ابن عبد الله، بل: يا رسول الله.
و كذا ما قيل: إن المراد بالدعاء دعاؤه عليهم لو أسخطوه فهو نهي عن التعرض لدعائه عليهم بإسخاطه فإن الله تعالى لا يرد دعاءه هذا، و ذلك لأن ذيل الآية لا يساعد على شيء من الوجهين.
و قوله: «قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا» التسلل: الخروج من البين برفق و احتيال من سل السيف من غمده، و - اللواذ: الملاوذة و هو أن يلوذ الإنسان و يلتجىء إلى غيره فيستتر به، و المعنى: أن الله يعلم منكم الذين يخرجون من بين الناس و الحال أنهم يلوذون بغيرهم و يستترون به فينصرفون فلا يهتمون بدعاء الرسول و لا يعتنون به.
و قوله: «فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم» ظاهر سياق الآية بما تقدم من المعنى أن ضمير «عن أمره» للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو دعاؤه، ففي الآية تحذير لمخالفي أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و دعوته من أن تصيبهم فتنة و هي البلية أو يصيبهم عذاب أليم.
و قيل: ضمير «عن أمره» راجع إلى الله سبحانه، و الآية و إن لم يقع فيها أمر منه تعالى لكن نهيه المذكور بقوله: «لا تجعلوا دعاء الرسول» إلخ، في معنى أجيبوا دعاء الرسول، و هو أمر، و أول الوجهين أوجه.
قوله تعالى: «ألا إن لله ما في السماوات و الأرض قد يعلم ما أنتم عليه» اختتام للسورة ناظر إلى قوله في مفتتحها: «سورة أنزلناها و فرضناها و أنزلنا فيها آيات بينات» فما في مختتمها كالتعليل لما في مفتتحها.
فقوله: «ألا إن لله ما في السماوات و الأرض» بيان لعموم الملك و أن كل شيء
مملوك لله سبحانه قائم به فهي معلومة له بجميع خصوصيات وجودها فيعلم ما تحتاج إليه، و الناس من جملة ما يعلم بحقيقة حاله و ما يحتاج إليه فالذي يشرعه لهم من الدين مما يحتاجون إليه في حياتهم كما أن ما يرزقهم من المعيشة مما يحتاجون إليه في بقائهم.
فقوله: «قد يعلم ما أنتم عليه» - أي من حقيقة الحال المنبئة عن الحاجة - بمنزلة النتيجة المترتبة على الحجة أي ملكه لكم و لكل شيء يستلزم علمه بحالكم و بما تحتاجون إليه من شرائع الدين فيشرعه لكم و يفرضه عليكم.
و قوله: «و يوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا و الله بكل شيء عليم» معطوف على قوله: «ما أنتم عليه» أي و يعلم يوما يرجعون إليه و هو يوم القيامة فيخبرهم بحقيقة ما عملوا و الله بكل شيء عليم.
و في هذا الذيل حث على الطاعة و الانقياد لما شرعه و فرضه من الأحكام و العمل به من جهة أنه سيخبرهم بحقيقة ما عملوا به كما أن في الصدر حثا على القبول من جهة أن الله إنما شرعها لعلمه بحاجتهم إليها و أنها التي ترفع بها حاجتهم.
بحث روائي
في الدر المنثور،: في قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم» الآية:، أخرج سعيد بن منصور و ابن أبي شيبة و أبو داود و ابن مردويه و البيهقي في سننه عن ابن عباس قال: آية لم يؤمن بها أكثر الناس آية الإذن، و إني لآمر جاريتي هذه لجارية قصيرة قائمة على رأسه أن تستأذن علي.
و في تفسير القمي،: في الآية قال: إن الله تبارك و تعالى نهى أن يدخل أحد في هذه الثلاثة الأوقات على أحد لا أب و لا أخت و لا أم و لا خادم إلا بإذن، و الأوقات بعد طلوع الفجر و نصف النهار و بعد العشاء الآخرة. ثم أطلق بعد هذه الثلاثة الأوقات فقال: «ليس عليكم و لا عليهم جناح بعدهن» يعني بعد هذه الثلاثة الأوقات «طوافون عليكم بعضكم على بعض».
و في الكافي، بإسناده عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز و جل:
«ملكت أيمانكم» قال: هي خاصة في الرجال دون النساء. قلت: فالنساء يستأذن في هذه الثلاث ساعات؟ قال: لا و لكن يدخلن و يخرجن «و الذين لم يبلغوا الحلم منكم» قال: من أنفسكم، قال عليكم استيذان كاستيذان من قد بلغ في هذه الثلاث ساعات.
أقول: و روي فيه روايات أخرى غيرها في كون المراد بالذين ملكت أيمانكم الذكور دون الإناث عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام).
و في المجمع،: في الآية: معناه مروا عبيدكم و إماءكم أن يستأذنوا عليكم إذا أرادوا الدخول إلى موضع خلواتكم عن ابن عباس و قيل: أراد العبيد خاصة عن ابن عمر: و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام).
أقول: و بهذه الأخبار و بظهور الآية يضعف ما رواه الحاكم عن علي (عليه السلام) في الآية قال: النساء فإن الرجال يستأذنون.
و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و ابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء فإنما هي في كتاب الله العشاء و إنما يعتم بحلاب الإبل.
أقول: و روي مثله عن عبد الرحمن بن عوف و لفظه: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم قال الله: «و من بعد صلاة العشاء» و إنما العتمة عتمة الإبل.
و في الكافي، بإسناده عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه قرأ «أن يضعن من ثيابهن» قال: الجلباب و الخمار إذا كانت المرأة مسنة.
أقول: و في معناه أخبار أخر.
و في الدر المنثور، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: كان أهل المدينة قبل أن يبعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يخالطهم في طعامهم أعمى و لا مريض و لا أعرج لأن الأعمى لا يبصر طيب الطعام، و المريض لا يستوفي الطعام كما يستوفي الصحيح، و الأعرج لا يستطيع المزاحمة على الطعام فنزلت رخصة في مؤاكلتهم.
و فيه، أخرج الثعلبي عن ابن عباس قال: خرج الحارث غازيا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و خلف على أهله خالد بن زيد فحرج أن يأكل من طعامه و كان مجهودا فنزلت.
و فيه، أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن أبي حاتم عن قتادة قال: كان هذا الحي من بني كنانة بن خزيمة يرى أحدهم أن عليه مخزاة أن يأكل وحده في الجاهلية حتى أن كان الرجل يسوق الذود الحفل و هو جائع حتى يجد من يؤاكله و يشاربه فأنزل الله: «ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا».
أقول: و في معنى هذه الروايات روايات أخر.
و في الكافي، بإسناده عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز و جل: «أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم» قال: هؤلاء الذين سمى الله عز و جل في هذه الآية يأكل بغير إذنهم من التمر و المأدوم و كذلك تطعم المرأة من منزل زوجها بغير إذنه فأما ما خلا ذلك من الطعام فلا. و فيه، بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لرجل: أنت و مالك لأبيك، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): و ما أحب له أن يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج إليه مما لا بد له منه إن الله لا يحب الفساد. و فيه، بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل لابنه مال فيحتاج الأب قال: يأكل منه فأما الأم فلا تأكل منه إلا قرضا على نفسها.
و فيه، بإسناده عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: للمرأة أن تأكل و أن تصدق و للصديق أن يأكل من منزل أخيه و يتصدق.
و فيه، بإسناده عن ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز و جل: «أو ما ملكتم مفاتحه» قال: الرجل يكون له وكيل يقوم في ماله فيأكل بغير إذنه.
و في المجمع،: في قوله تعالى: «أن تأكلوا من بيوتكم»، و قيل معناه من بيوت أولادكم و يدل عليه قوله (عليه السلام) أنت و مالك لأبيك و قوله (عليه السلام): إن أطيب ما يأكل المرء من كسبه و إن ولده من كسبه.
أقول: و في هذه المعاني روايات كثيرة أخرى.
و في المعاني، بإسناده عن أبي الصباح قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: «فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم» الآية فقال: هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل ثم يردون عليه فهو سلامكم على أنفسكم.
أقول: و قد تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى في تفسير الآية.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «إنما المؤمنون الذين إلى قوله - حتى يستأذنوه» فإنها نزلت في قوم كانوا إذا جمعهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمر من الأمور في بعث يبعثه أو حرب قد حضرت يتفرقون بغير إذنه فنهاهم الله عز و جل عن ذلك.
و فيه،: في قوله تعالى: «فإذا استأذنوك لبعض شأنهم - فأذن لمن شئت منهم» قال: نزلت في حنظلة بن أبي عياش و ذلك أنه تزوج في الليلة التي كان في صبيحتها حرب أحد فاستأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقيم عند أهله فأنزل الله عز و جل هذه الآية «فأذن لمن شئت منهم» فأقام عند أهله ثم أصبح و هو جنب فحضر القتال فاستشهد، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): رأيت الملائكة تغسل حنظلة بماء المزن في صحائف فضة بين السماء و الأرض فكان يسمى غسيل الملائكة.
و فيه،: في قوله تعالى: «لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا» قال: لا تدعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يدعو بعضكم بعضا، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله عز و جل: «لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا»، يقول: لا تقولوا: يا محمد و لا يا أبا القاسم لكن قولوا: يا نبي الله و يا رسول الله: أقول: و روي مثله عن ابن عباس، و قد تقدم أن ذيل الآية لا يلائم هذا المعنى تلك الملائمة.
|