بيان
لما ذكر سبحانه في صدر السورة أن الفتنة سنة إلهية لا معدل عنها و قد جرت في الأمم السابقة عقب ذلك بالإشارة إلى قصص سبعة من الأنبياء الماضين و أممهم و هم: نوح و إبراهيم و لوط و شعيب و هود و صالح و موسى (عليه السلام) فتنهم الله و امتحنهم فنجا منهم من نجا و هلك، منهم من هلك و قد ذكر سبحانه في الثلاثة الأول النجاة و الهلاك معا و في الأربعة الأخيرة الهلاك فحسب.
قوله تعالى: «و لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان و هم ظالمون»، في المجمع:، الطوفان الماء الكثير الغامر لأنه يطوف بكثرته في نواحي الأرض، انتهى.
و قيل: هو كل ما يطوف بالشيء على كثرة و شدة من السيل و الريح و الظلام و الغالب استعماله في طوفان الماء.
و التعبير بألف سنة إلا خمسين عاما دون أن يقال: تسعمائة و خمسين سنة للتكثير و الآية ظاهرة في أن الألف إلا خمسين مدة دعوة نوح (عليه السلام) ما بين بعثته إلى أخذ الطوفان فيغاير ما في التوراة الحاضرة أنها مدة عمره (عليه السلام) و قد تقدمت الإشارة إلى ذلك في قصصه (عليه السلام) في تفسير سورة هود، و الباقي ظاهر.
قوله تعالى: «فأنجيناه و أصحاب السفينة و جعلناها آية للعالمين» أي فأنجينا نوحا و أصحاب السفينة الراكبين معه فيها و هم أهله و عدة قليلة من المؤمنين به و لم يكونوا ظالمين.
و قوله: «و جعلناها آية للعالمين» الظاهر أن الضمير للواقعة أو للنجاة و أما رجوعه إلى السفينة فلا يخلو من بعد، و العالمين الجماعات الكثيرة المختلفة من الأجيال اللاحقة بهم.
قوله تعالى: «و إبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله و اتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون» معطوف على قوله: «نوحا» أي و أرسلنا إبراهيم إلى قومه.
و قوله لقومه: «اعبدوا الله و اتقوه» دعوة إلى التوحيد و إنذار بقرينة الآيات التالية فتفيد الجملة فائدة الحصر.
على أن الوثنية لا يعبدون الله سبحانه و إنما يعبدون غيره زعما منهم أنه تعالى لا يمكن أن يعبد إلا من طريق الأسباب الفعالة في العالم المقربة عنده كالملائكة و الجن و لو عبد لكان معبودا وحده من غير شريك فدعوتهم إلى عبادة الله بقوله: «اعبدوا الله» تفيد الدعوة إليه وحده و إن لم تقيد بأداة الحصر.
قوله تعالى: «إنما تعبدون من دون الله أوثانا و تخلقون إفكا» إلى آخر الآية، الأوثان جمع وثن بفتحتين و هو الصنم، و الإفك الأمر المصروف عن وجهه قولا أو فعلا.
و قوله: «إنما تعبدون من دون الله أوثانا» بيان لبطلان عبادة الأوثان و يظهر به كون عبادة الله هي العبادة الحقة و بالجملة انحصار العبادة الحقة فيه تعالى «أوثانا» منكر للدلالة على وهن أمرها و كون ألوهيتها دعوى مجردة لا حقيقة وراءها، أي لا تعبدون من دون الله إلا أوثانا من أمرها كذا و كذا.
و لذا عقب الجملة بقوله: «و تخلقون إفكا» أي و تفتعلون كذبا بتسميتها آلهة و عبادتها بعد ذلك فهناك إله تجب عبادته لكنه هو الله الواحد دون الأوثان.
و قوله: «إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا» تعليل لما ذكر من افتعالهم الكذب بتسمية الأوثان آلهة و عبادتها و محصله أن هؤلاء الذين تعبدون من دون الله و هم الأوثان بما هم تماثيل المقربين من الملائكة و الجن إنما تعبدونهم لجلب النفع و هو أن يرضوا عنكم فيرزقوكم و يدروا عليكم الرزق لكنهم ليسوا يملكون لكم رزقا فإن الله هو الذي يملك رزقكم الذي هو السبب الممد لبقائكم لأنه الذي خلقكم و خلق رزقكم فجعله ممدا لبقائكم و الملك تابع للخلق و الإيجاد.
و لذلك عقبه بقوله: «فابتغوا عند الله الرزق و اعبدوه و اشكروا له» أي فاطلبوا الرزق من عند الله لأنه هو الذي يملكه فلا تعبدوهم بل اعبدوا الله و اشكروا له على ما رزقكم و أنعم عليكم بألوان النعم فمن الواجب شكر المنعم على ما أنعم.
و قوله: «إليه ترجعون» في مقام التعليل لقوله: «و اعبدوه و اشكروا له» و لذا جيء بالفصل من غير عطف، و في هذا التعليل صرفهم عن عبادة الإله ابتغاء للرزق إلى عبادته للرجوع و الحساب إذ لو لا المعاد لم يكن لعبادة الإله سبب محصل لأن الرزق و ما يجري مجراه له أسباب خاصة كونية غير العبادات و القربات و لا يزيد و لا ينقص بإيمان أو كفر لكن سعادة يوم الحساب تختلف بالإيمان و الكفر و العبادة و الشكر و خلافهما فليكن الرجوع إلى الله هو الباعث إلى العبادة و الشكر دون ابتغاء الرزق.
قوله تعالى: «و إن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم و ما على الرسول إلا البلاغ المبين» الظاهر أنه من تمام كلام إبراهيم (عليه السلام)، و ذكر بعضهم أنه خطاب منه تعالى لمشركي قريش و لا يخلو من بعد.
و معنى الشرط و الجزاء في صدر الآية أن التكذيب هو المتوقع منكم لأنه كالسنة الجارية في الأمم المشركة و قد كذب من قبلكم و أنتم منهم و في آخرهم و ليس علي بما أنا رسول إلا البلاغ المبين.
و يمكن أن يكون المراد أن حالكم في تكذيبكم كحال الأمم من قبلكم لم ينفعهم تكذيبهم شيئا حل بهم عذاب الله و لم يكونوا بمعجزين في الأرض و لا في السماء و لم يكن لهم من دون الله من ولي و لا نصير، فكذلكم أنتم، و قوله: «و ما على الرسول» يناسب الوجهين جميعا.
قوله تعالى: «أ و لم يروا كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير» هذه الآية إلى تمام خمس آيات من كلامه تعالى واقعة في خلال القصة تقيم الحجة على المعاد و ترفع استبعادهم له متعلقه بما تقدم من حيث إن العمدة في تكذيبهم الرسل إنكارهم للمعاد كما يشير إليه قول إبراهيم: «إليه ترجعون و إن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم».
فقوله: «أ و لم يروا» إلخ الضمير فيه للمكذبين من جميع الأمم من سابق و لاحق و المراد بالرؤية النظر العلمي دون الرؤية البصرية، و قوله: «كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده» في موضع المفعول لقوله: «يروا» بعطف «يعيده» على موضع «يبدىء» خلافا لمن يرى عطفه على «أ و لم يروا» و الاستفهام للتوبيخ.
و المعنى: أ و لم يعلموا كيفية الإبداء ثم الإعادة أي إنهما من سنخ واحد هو إنشاء ما لم يكن، و قوله: «إن ذلك على الله يسير» الإشارة فيه إلى الإعادة بعد الإبداء و فيه رفع الاستبعاد لأنه إنشاء بعد إنشاء و إذ كانت القدرة المطلقة تتعلق بالإيجاد فهي جائزة التعلق بالإنشاء بعد الإنشاء و هي في الحقيقة نقل للخلق من دار إلى دار و إنزال للسائرين إليه في دار القرار.
و قول بعضهم: إن المراد بالإبداء ثم الإعادة إنشاء الخلق ثم إعادة أمثالهم بعد إفنائهم غير سديد لعدم ملائمة الاحتجاج على المعاد الذي هو إعادة عين ما فنى دون مثله.
قوله تعالى: «قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشىء النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير» الآية إلى تمام ثلاث آيات أمر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يخاطبهم بما يتم به الحجة عليهم فيرشدهم إلى السير في الأرض لينظروا إلى كيفية بدء الخلق و إنشائهم على اختلاف طبائعهم و تفاوت ألوانهم و أشكالهم من غير مثال سابق و حصر أو تحديد في عدتهم و عدتهم ففيه دلالة على عدم التحديد في القدرة الإلهية فهو ينشىء النشأة الآخرة كما أنشأ النشأة الأولى فالآية في معنى قوله: «و لقد علمتم النشأة الأولى فلو لا تذكرون»: الواقعة: 62.
قوله تعالى: «يعذب من يشاء و يرحم من يشاء و إليه تقلبون» من مقول القول، و الظاهر أنه بيان لقوله: «ينشىء النشأة الآخرة» و قلب الشيء تحويله عن وجهه أو حاله كجعل أسفله أعلاه و جعل باطنه ظاهره و هذا المعنى الأخير يناسب قوله تعالى: «يوم تبلى السرائر»: الطارق: 9.
و فسروا القلب بالرد قال في المجمع:، و القلب هو الرجوع و الرد فمعناه أنكم تردون إلى حال الحياة في الآخرة حيث لا يملك فيه النفع و الضر إلا الله.
انتهى و هذا معنى لطيف يفسر به معنى الرجوع إلى الله و الرد إليه و هو وقوفهم موقفا تنقطع فيه عنهم الأسباب و لا يحكم فيه إلا الله سبحانه فالآية في معنى قوله: «و ردوا إلى الله مولاهم الحق و ضل عنهم ما كانوا يفترون»: يونس: 30.
و محصل المعنى: أن النشأة الآخرة هي نشأة يعذب الله فيها من يشاء و هم المجرمون و يرحم من يشاء و هم غيرهم و إليه تردون فلا يحكم فيكم غيره.
قوله تعالى: «و ما أنتم بمعجزين في الأرض و لا في السماء و ما لكم من دون الله من ولي و لا نصير» من مقول القول و توصيف لشأنهم يوم القيامة كما أن الآية السابقة توصيف لشأنه تعالى يومئذ.
فقوله: «و ما أنتم بمعجزين في الأرض و لا في السماء أي أنكم لا تقدرون أن تعجزوه تعالى يومئذ بالفوت منه و الخروج من حكمه و سلطانه بالفرار و الخروج من ملكه و النفوذ من أقطار الأرض و السماء، فالآية تجري مجرى قوله: «يا معشر الجن و الإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات و الأرض فانفذوا»: الرحمن: 33.
و قيل: الكلام في معنى «من في السماء» فحذف من لدلالة الكلام عليه و التقدير و ما أنتم بمعجزين في الأرض و لا من في السماء بمعجزين في السماء.
و هو بعيد و دلالة الكلام عليه غير مسلمة و لو بني عليه لكفى فيه أن الخطاب للأعم من البشر بتغليب جانب البشر المخاطبين على غيرهم من الجن و الملك و المعنى: و ما أنتم معاشر الخلق بمعجزين في الأرض و لا في السماء.
و قوله: «و ما لكم من دون الله من ولي و لا نصير» أي ليس لكم اليوم ولي من دون الله يتولى أمركم فيغنيكم من الله و لا نصير ينصركم فيقوي جانبكم و يتمم ناقص قوتكم فيظهركم عليه سبحانه.
فالآية - كما ترى - تنفي ظهورهم على الله و تعجيزهم له بالخروج و الامتناع عن حكمه بأقسامه فلا هم يستقلون بذلك و هو قوله: «و ما أنتم بمعجزين» إلخ و لا غيرهم يستقل بذلك و هو قوله: «و ما لكم من دون الله من ولي» و لا المجموع منهم و من غيرهم يعجزه تعالى و هو قوله: «و لا نصير».
قوله تعالى: «و الذين كفروا بآيات الله و لقائه أولئك يئسوا من رحمتي و أولئك لهم عذاب أليم» خطاب مصروف إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خارج من مقول القول السابق «قل سيروا في الأرض» إلخ و المطلوب فيه أن ينبئه (صلى الله عليه وآله وسلم) صريح الحق فيمن يشقى و يهلك يوم القيامة فإنه أبهم ذلك في قوله أولا: «يعذب من يشاء و يرحم من يشاء».
و من الدليل عليه الخطاب في «أولئك» مرتين و لو كان من كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لقيل: أولئكم».
و يؤيد ذلك أيضا قوله: «من رحمتي» فإن الانتقال من مثل قولنا: أولئك يئسوا من رحمة الله أو من رحمته بسياق الغيبة على ما يقتضيه المقام إلى قوله: «أولئك يئسوا من رحمتي» يفيد التصديق و الاعتراف مضافا إلى أصل الإخبار فيفيد صريح التعيين لأهل العذاب، و يؤيد ذلك أيضا تكرار الإشارة و ما في السياق من التأكيد.
و كان في تخصيص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الإخبار تقوية لنفسه الشريفة و عزلا لهم عن صلاحية السمع لمثله و هم لا يؤمنون.
و المراد بآيات الله - على ما يفيده إطلاق اللفظ - جميع الأدلة الدالة على الوحدانية و النبوة و المعاد من الآيات الكونية و المعجزات النبوية و منها القرآن فالكفر بآيات الله يشمل بعمومه الكفر بالمعاد فذكر الكفر باللقاء و هو المعاد بعد الكفر بالآيات من ذكر الخاص بعد العام و الوجه فيه الإشارة إلى أهمية الإيمان بالمعاد إذ مع إنكار المعاد يلغو أمر الدين الحق من أصله و هو ظاهر.
و المراد بالرحمة ما يقابل العذاب و يلازم الجنة و قد تكرر في كلامه تعالى إطلاق الرحمة عليها بالملازمة كقوله: «فأما الذين آمنوا و عملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته»: الجاثية: 30، و قوله: «يدخل من يشاء في رحمته و الظالمين أعد لهم عذابا أليما»: الإنسان: 31.
و المراد بإسناد اليأس إليهم إما تلبسهم به حقيقة فإنهم لجحدهم الحياة الآخرة آيسون من السعادة المؤبدة و الجنة الخالدة و إما أنه كناية عن قضائه تعالى المحتوم أن الجنة لا يدخلها كافر.
و المعنى: و الذين جحدوا آيات الله الدالة على الدين الحق و خاصة المعاد أولئك يئسوا من الرحمة و الجنة و أولئك لهم عذاب أليم.
قوله تعالى: «فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار» إلخ، تفريع على قوله في صدر القصة: «و إبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله و اتقوه.
و ظاهر قوله: «قالوا اقتلوه أو حرقوه» أن كلا من طرفي الترديد قول طائفة منهم و المراد بالقتل القتل بالسيف و نحوه فهو قولهم أول ما ائتمروا ليجازوه و إن اتفقوا بعد ذلك على إحراقه كما قال «قالوا حرقوه و انصروا آلهتكم»: الأنبياء: 68، و يمكن أن يكون الترديد من الجميع لترددهم في أمره أولا ثم اتفاقهم على إحراقه.
و قوله: «فأنجاه الله من النار» فيه حذف و إيجاز و تقديره ثم اتفقوا على إحراقه فأضرموا نارا فألقوه فيها فأنجاه الله منها، و قد فصلت القصة في مواضع من كلامه تعالى.
قوله تعالى: «و قال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا» إلى آخر الآية إذ كان لا حجة عقلية لهم على اتخاذ الأوثان لم يبق لهم مما يستنون به إلا الاستنان بسنة من يعظمونه و يحترمون جانبه كالآباء للأبناء و الرؤساء المعظمين لأتباعهم و الأصدقاء لأصدقائهم و بالأخرة الأمة لأفرادها فهذا السبب الرابط هو عمدة ما يحفظ السنن القومية معمولا بها قائمة على ساقها.
فالاستنان بسنة الوثنية بالحقيقة من آثار الموت الاجتماعية يرى العامة ذلك بعضهم من بعض فتبعثه المودة القومية على تقليده و الاستنان به مثله ثم هذا الاستنان نفسه يحفظ المودة القومية و يقيم الاتحاد و الاتفاق على ساقه.
هذه حال العامة منهم و أما الخاصة فربما ركنوا في ذلك إلى ما يحسبونه حجة و ما هو بحجة كقولهم إن الله سبحانه أجل من أن يحيط به حس أو وهم أو عقل فلا يتعلق به توجهنا العبادي فمن الواجب أن نتقرب إلى بعض من له به عناية كالملائكة و الجن ليقربونا إليه زلفى و يشفعوا لنا عنده.
فقوله: «إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا» خطاب منه (عليه السلام) لعامة قومه في أمر اتخاذهم الأوثان للمودة القومية ليصلحوا به شأن حياتهم الدنيا الاجتماعية، و قد أجابوه بذلك حيث سألهم عن شأنهم «إذ قال لأبيه و قومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون، قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين»: الأنبياء: 53، «قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون»: الشعراء: 74.
و من هنا يظهر أن قوله: «مودة بينكم» صالح لأن يكون منصوبا بنزع الخافض بتقدير لام التعليل و المودة على هذا سبب مؤد إلى اتخاذ الأوثان، و أن يكون مفعولا له، و المودة غاية مقصودة من اتخاذ الأوثان، لكن ذيل الآية إنما تلائم الوجه الثاني على ما سيظهر.
ثم عقب (عليه السلام) بقوله: «إنما اتخذتم» إلخ، بقوله: «ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض و يلعن بعضكم بعضا» يبين لهم عاقبة اتخاذهم الأوثان للمودة و هو باطن هذه المودة المقصودة الذي سيظهر يوم تبلى السرائر فإنهم توسلوا إلى هذا المتاع القليل بالشرك الذي هو أعظم الظلم و أكبر الكبائر الموبقة و اجتمعوا عليه و توافقوا لكنهم سيبدو لهم حقيقة عملهم و يلحق بهم وباله فيتبرأ بعضهم من بعض و ينكره بعضهم على بعض.
و المراد بكفر بعضهم ببعض كفر آلهتهم بهم و تبريهم منهم، كما قال تعالى: «سيكفرون بعبادتهم و يكونون عليهم ضدا»: مريم: 82، و قال: «و يوم القيامة يكفرون بشرككم»: فاطر: 14، و في معناه: تبري المتبوعين من تابعيهم، كما قال تعالى: «إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا و رأوا العذاب و تقطعت بهم الأسباب»: البقرة: 166، و المراد بلعن بعضهم بعضا لعن كل بعض صاحبه، قال تعالى: «كلما دخلت أمة لعنت أختها»: الأعراف: 38.
ثم عقب ذلك بقوله: «و مأواكم النار و ما لكم من ناصرين» إشارة إلى لحوق الوبال و وقوع الجزاء و هو النار التي فيها الهلاك المؤبد و لا ناصر ينصرهم و يدفع عنهم العذاب فهم إنما توسلوا إلى المودة ليتناصروا و يتعاونوا و يتعاضدوا في الحياة لكنها عادت يوم القيامة معاداة و مضادة و أورثت تبريا و خذلانا.
قوله تعالى: «فآمن له لوط و قال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم» أي آمن به لوط و الإيمان يتعدى باللام كما يتعدى بالباء و المعنى واحد.
و قوله: «و قال إني مهاجر إلى ربي» قيل الضمير راجع إلى لوط، و قيل: راجع إلى إبراهيم و يؤيده قوله تعالى حكاية عن إبراهيم «و قال إني ذاهب إلى ربي سيهدين»: الصافات: 99.
و كأن المراد بالمهاجرة إلى الله هجره وطنه و خروجه من بين قومه المشركين إلى أرض لا يعترضه فيها المشركون و لا يمنعونه من عبادة ربه فعد المهاجرة مهاجرة إلى الله من المجاز العقلي.
و قوله: «إنه هو العزيز الحكيم» أي عزيز لا يذل من نصره حكيم لا يضيع من حفظه.
قوله تعالى: «و وهبنا له إسحاق و يعقوب و جعلنا في ذريته النبوة و الكتاب» معناه ظاهر.
قوله تعالى: «و آتيناه أجره في الدنيا و إنه في الآخرة لمن الصالحين» الأجر هو الجزاء الذي يقابل العمل و يعود إلى عامله و الفرق بينه و بين الأجرة أن الأجرة تختص بالجزاء الدنيوي و الأجر يعم الدنيا و الآخرة، و الفرق بينه و بين الجزاء أن الأجر لا يقال إلا في الخير و النافع، و الجزاء يعم الخير و الشر و النافع و الضار.
و الغالب في كلامه تعالى استعمال لفظ الأجر في جزاء العمل العبودي الذي أعده الله سبحانه لعباده المؤمنين في الآخرة من مقامات القرب و درجات الولاية و منها الجنة، نعم وقع في قوله تعالى حكاية عن يوسف (عليه السلام): «أنه من يتق و يصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين»: يوسف: 90، و قوله: «و كذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء و لا نضيع أجر المحسنين»: يوسف: 56 إطلاق الأجر على الجزاء الدنيوي الحسن.
فقوله: «و آتيناه أجره في الدنيا» يمكن أن يكون المراد به إيتاء الأجر الدنيوي الحسن و الأنسب على هذا أن يكون «في الدنيا» متعلقا بالأجر لا بالإيتاء و ربما تأيد هذا المعنى بقوله تعالى فيه (عليه السلام) في موضع آخر: «و آتيناه في الدنيا حسنة و إنه في الآخرة لمن الصالحين»: النحل: 122، فإن الظاهر أن المراد بالحسنة الحياة الحسنة أو العيشة الحسنة و إيتاؤها فعلية إعطائها دون تقديرها و كتابتها.
و يمكن أن يكون المراد به تقديم ما أعد لعامة المؤمنين في الآخرة من مقامات القرب في حقه (عليه السلام) و إيتاؤه ذلك في الدنيا و قد تقدم إحصاء ما يذكره القرآن الكريم من مقاماته (عليه السلام) في قصصه من تفسير سورة الأنعام.
و قوله: «و إنه في الآخرة لمن الصالحين» تقدم الكلام فيه في تفسير قوله تعالى: «و لقد اصطفيناه في الدنيا و إنه في الآخرة لمن الصالحين»: البقرة: 130 في الجزء الأول من الكتاب.
قوله تعالى: «و لوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين» أي و أرسلنا لوطا أو و اذكر لوطا إذ قال لقومه، و قوله: «إنكم لتأتون الفاحشة» إخبار بداعي الاستعجاب و الإنكار، و المراد بالفاحشة إتيان الذكران.
و قوله: «ما سبقكم بها من أحد من العالمين» استئناف يوضح معنى الفاحشة و يؤكده، و كأن المراد أن هذا العمل لم يشع في قوم قبلهم هذا الشيوع أو الجملة حال من فاعل «لتأتون».
قوله تعالى: «أ إنكم لتأتون الرجال و تقطعون السبيل و تأتون في ناديكم المنكر» إلى آخر الآية، استفهام من أمر من الحري أن لا يصدقه سامع و لا يقبله ذو لب و لذا أكد بالنون و اللام، و هذا السياق يشهد أن المراد بإتيان الرجل اللواط و بقطع السبيل إهمال طريق التناسل و إلغاؤها و هي إتيان النساء، فقطع السبيل كناية عن الإعراض عن النساء و ترك نكاحهن، و بإتيانهم المنكر في ناديهم - و النادي هو المجلس الذي يجتمعون فيه و لا يسمى نادية إلا إذا كان فيه أهله - الإتيان بالفحشاء أو بمقدماتها الشنيعة بمرأى من الجماعة.
و قيل: المراد بقطع السبيل قطع سبيل المارة بديارهم فإنهم كانوا يفعلون هذا الفعل بالمجتازين من ديارهم و كانوا يرمون ابن السبيل بالحجارة بالخذف فأيهم أصابه كان أولى به فيأخذون ماله و ينكحونه و يغرمونه ثلاثة دراهم و كان لهم قاض يقضي بذلك و قيل: بل كانوا يقطعون الطرق، و قد عرفت أن السياق يقضي بخلاف ذلك.
و قيل: المراد بإتيان المنكر في النادي أن مجالسهم كانت تشتمل على أنواع المنكرات و القبائح مثل الشتم و السخف و القمار و خذف الأحجار على من مر بهم و ضرب المعازف و المزامير و كشف العورات و اللواط و نحو ذلك و قد عرفت ما يقتضيه السياق.
و قوله: «فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين» استهزاء و سخرية منهم، و يظهر من جوابهم أنه كان ينذرهم بعذاب الله و قد قال الله في قصته في موضع آخر: «و لقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر»: القمر: 36.
قوله تعالى: «قال رب انصرني على القوم المفسدين» سؤال للفتح و دعاء منه عليهم، و قد عدهم مفسدين لعملهم الذي يفسد الأرض و يقطع النسل و يهدد الإنسانية بالفناء.
قوله تعالى: «و لما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين» إجمال قصة هلاك قوم لوط، و قد كان ذلك برسل من الملائكة أرسلهم الله أولا إلى إبراهيم (عليه السلام) فبشروه و بشروا امرأته بإسحاق و يعقوب ثم أخبروه بأنهم مرسلون لإهلاك قوم لوط، و القصة مفصلة في سورة هود و غيرها.
و قوله: «قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية» أي قالوا لإبراهيم، و في الإتيان بلفظ الإشارة القريبة - هذه القرية - دلالة على قربها من الأرض التي كان إبراهيم (عليه السلام) نازلا بها، و هي الأرض المقدسة.
و قوله: «إن أهلها كانوا ظالمين» تعليل لإهلاكهم بأنهم ظالمون قد استقرت فيهم رذيلة الظلم، و قد كان مقتضى الظاهر أن يقال: إنهم كانوا ظالمين فوضع المظهر موضع المضمر للإشارة إلى أن ظلمهم ظلم خاص بهم يستوجب الهلاك و ليس من مطلق الظلم الذي كان الناس مبتلين به يومئذ كأنه قيل: إن أهلها بما أنهم أهلها ظالمون.
قوله تعالى: «قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه و أهله إلا امرأته كانت من الغابرين» ظاهر السياق أنه (عليه السلام) كان يريد بقوله: «إن فيها لوطا» أن يصرف العذاب بأن فيها لوطا و إهلاك أهلها يشمله فأجابوه بأنهم لا يخفى عليهم ذلك بل معه غيره ممن لا يشمله العذاب و هم أهله إلا امرأته.
لكنه (عليه السلام) لم يكن ليجهل أن الله سبحانه لا يعذب لوطا و هو نبي مرسل، و إن شمل العذاب جميع من سواه من أهل قريته و لا أنه يخوفه و يزعره و يفزعه بقهره عليهم بل كان (عليه السلام) يريد بقوله: «إن فيها لوطا» أن يصرف العذاب عن أهل القرية كرامة للوط لا أن يدفعه عن لوط، فأجيب بأنهم مأمورون بإنجائه و إخراجه من بين أهل القرية و معه أهله إلا امرأته كانت من الغابرين.
و الدليل على هذا الذي ذكرنا قوله تعالى في سورة هود في هذا الموضع من القصة: «فلما ذهب عن إبراهيم الروع و جاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط إن إبراهيم لحليم أواه منيب، يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك و إنهم آتيهم عذاب غير مردود»: هود: 76، فالآيات أظهر ما يكون في أن إبراهيم (عليه السلام) كان يدافع عن قوم لوط لا عن لوط نفسه.
فظاهر كلامه (عليه السلام) في الآية التي نحن فيها الدفاع عن لوط و على ذلك جاراه الرسل فأبقوا كلامه على ظاهره و أجابوا بأنهم ما كانوا ليجهلوا ذلك فهم أعلم بمن فيها و عالمون بأن فيها لوطا و معه أهله ممن لا ينبغي أن يعذب لكنهم سينجونه و أهله إلا امرأته، لكن الذي أراده إبراهيم (عليه السلام) بكلامه دفع العذاب عن أهل القرية فأجيب بأنه من الأمر المحتوم على ما تشير إليه آيات سورة هود.
و للقوم في قوله: «إن أهلها كانوا ظالمين»، و قوله: «قال إن فيها لوطا» مشاجرات طويلة أعرضنا عن التعرض لها لعدم الجدوى، من أراد الوقوف عليها فليراجع المطولات.
قوله تعالى: «و لما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم و ضاق بهم ذرعا و قالوا لا تخف و لا تحزن» إلى آخر الآية، ضميرا الجمع في «سيء بهم و ضاق بهم» للرسل و الباء للسببية أي أخذته المساءة و هي سوء الحال بسببهم و ضاقت طاقته بسببهم لكونهم في صور شبان حسان مرد يخاف عليهم من القوم ثم قصد القوم إياهم بالسوء و ضعف لوط من أن يدفعهم عنهم و هم ضيف له نازلون بداره.
و قوله: «و قالوا لا تخف و لا تحزن» أي لا خطر محتملا يهددك و لا مقطوعا يقع عليك فإن الخوف إنما هو في المكروه الممكن و الحزن في المكروه الواقع.
و قوله: «إنا منجوك و أهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين» أي الباقين في العذاب تعليل لنفي الخوف و الحزن.
قوله تعالى: «إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون» بيان لما يشير إليه قوله: «إنا منجوك و أهلك» من العذاب، و الرجز العذاب.
قوله تعالى: «و لقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون» ضمير التأنيث للقرية و الترك الإبقاء أي أبقينا من القرية علامة واضحة لقوم يعقلون ليعتبروا بها فيتقوا الله و هي الآثار الباقية منها بعد خرابها بنزول العذاب.
و هي اليوم مجهولة المحل لا أثر منها و ربما يقال: إن الماء غمرها بعد و هي بحر لوط، لكن الآية ظاهرة - كما ترى - أنها كانت ظاهرة معروفة في زمن نزول القرآن و أوضح منها قوله تعالى: «و إنها لبسبيل مقيم»: الحجر: 76، و قوله: «و إنكم لتمرون عليهم مصبحين و بالليل أ فلا تعقلون»: الصافات: 138.
قوله تعالى: «و إلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله و ارجوا اليوم الآخر و لا تعثوا في الأرض مفسدين» يدعوهم إلى عبادة الله و هو التوحيد و إلى رجاء اليوم الآخر و هو الاعتقاد بالمعاد و أن لا يفسدوا في الأرض و كانت عمدة إفسادهم فيها - على ما ذكر في قصتهم في مواضع أخر - نقص الميزان و المكيال.
قوله تعالى: «فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين» الرجفة الاضطراب الشديد على ما ذكره الراغب، و الجثم و الجثوم في المكان القعود فيه أو البروك على الأرض و هو كناية عن الموت و المعنى: فكذبوا شعيبا فأخذهم الاضطراب الشديد أو الزلزلة الشديدة فأصبحوا في دارهم ميتين لا حراك بهم.
و قال في قصتهم في موضع آخر: «و أخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين»: هود: 94، و يستظهر من ذلك أنهم أهلكوا بالصيحة و الرجفة.
قوله تعالى: «و عادا و ثمود و قد تبين لكم من مساكنهم» إلى آخر الآية غير السياق تفننا فبدأ بذكر عاد و ثمود و كذا في الآية التالية بدأ بذكر قارون و فرعون و هامان بخلاف قصص الأمم المذكورين سابقا حيث بدأ بذكر أنبيائهم كنوح و إبراهيم و لوط و شعيب.
و قوله: «و عادا و ثمود» منصوبان بفعل مقدر تقديره و اذكر عادا و ثمود.
و قوله: «و زين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل و كانوا مستبصرين» تزيين الشيطان لهم أعمالهم كناية استعارية عن تحبيب أعمالهم السيئة إليهم و تأكيد تعلقهم بها و صده إياهم عن السبيل صرفهم عن سبيل الله التي هي سبيل الفطرة، و لذا قال بعضهم: إن المراد بكونهم مستبصرين أنهم كانوا قبل ذلك على الفطرة الساذجة.
لكن الظاهر كما تقدم في تفسير قوله: «كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين»: البقرة: 213 أن عهد الفطرة الساذجة كان قبل بعثة نوح (عليه السلام) و عاد و ثمود كانوا بعد نوح فكونهم مستبصرين قبل انصدادهم عن السبيل هو كونهم يعيشون على عبادة الله و دين التوحيد و هو دين الفطرة.
قوله تعالى: «و قارون و فرعون و هامان و لقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض و ما كانوا سابقين» السبق استعارة كنائية من الغلبة، و الباقي ظاهر.
قوله تعالى: «فكلا أخذنا بذنبه» إلى آخر الآية أي كل واحدة من الأمم المذكورين أخذناها بذنبها ثم أخذ في التفصيل فقال: «فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا» و الحاصب الحجارة و قيل: الريح التي ترمي بالحصى و على الأول فهم قوم لوط، و على الثاني قوم عاد «و منهم من أخذته الصيحة» و هم قوم ثمود و قوم شعيب «و منهم من خسفنا به الأرض» و هو قارون «و منهم من أغرقنا» و هم قوم نوح و فرعون و هامان و قومهما.
ثم عاد سبحانه إلى كافة القصص المذكورة و ما انتهى إليه أمر تلك الأمم من الأخذ و العذاب فبين ببيان عام أن الذي أوقعهم فيما وقعوا لم يكن بظلم منه سبحانه بل بظلم منهم لأنفسهم فقال: «و ما كان الله ليظلمهم و لكن كانوا أنفسهم يظلمون» أي فيجازيهم الله على ظلمهم لأن الدار دار الفتنة و الامتحان و هي السنة الإلهية التي لا معدل عنها فمن اهتدى فقد اهتدى لنفسه و من ضل فعليها.
بحث روائي
في الكافي، بإسناده عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله (عليه السلام): في حديث يذكر فيه معاني الكفر قال: و الوجه الخامس من الكفر كفر البراءة قال تعالى: «و قال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا - مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة - يكفر بعضكم ببعض و يلعن بعضكم بعضا» يعني يتبرأ بعضكم من بعض الحديث.
أقول: و روي هذا المعنى في التوحيد، عن علي (عليه السلام): في حديث طويل يجيب فيه عما سئل عنه من تهافت الآيات و فيه: و الكفر في هذه الآية البراءة يقول: يتبرأ بعضهم من بعض، و نظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان: «إني كفرت بما أشركتمون من قبل» و قول إبراهيم خليل الرحمن: «كفرنا بكم» أي تبرأنا».
و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن جابر: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن الخذف و هو قول الله: «و تأتون في ناديكم المنكر».
أقول: و روي هذا المعنى أيضا عن عدة من أصحاب الجوامع عن أم هاني بنت أبي طالب و لفظ الحديث: قالت: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قول الله: «و تأتون في ناديكم المنكر» قال: كانوا يجلسون بالطريق فيخذفون ابن السبيل و يسخرون منهم.
و في الكافي، بإسناده عن أبي زيد الحماد عن أبي عبد الله (عليه السلام): في حديث نزول الملائكة على إبراهيم بالبشرى قال: فقال لهم إبراهيم: لما ذا جئتم؟ قالوا: في إهلاك قوم لوط. فقال لهم: إن كان فيها مائة من المؤمنين أ تهلكونهم؟ فقال جبرئيل: لا. قال: فإن كان فيها خمسون؟ قال: لا. قال: فإن كان فيها ثلاثون؟ قال: لا. قال: فإن كان فيها عشرون؟ قال: لا. قال: فإن كان فيها عشرة؟ قال: لا. قال: فإن كان فيها خمسة؟ قال: لا. قال: فإن كان فيها واحد؟ قال: لا. قال: فإن فيها لوطا؟ قالوا: نحن أعلم بمن فيها لننجينه و أهله إلا امرأته كانت من الغابرين.
قال الحسن بن علي (عليهما السلام): لا أعلم هذا القول إلا و هو يستبقيهم و هو قول الله عز و جل: «يجادلنا في قوم لوط».
|