بيان
قوله تعالى: أم تريدون أن تسئلوا رسولكم، سياق الآية يدل على أن بعض المسلمين - ممن آمن بالنبي - سأل النبي أمورا على حد سؤال اليهود نبيهم موسى (عليه السلام) و الله سبحانه وبخهم على ذلك في ضمن ما يوبخ اليهود بما فعلوا مع موسى و النبيين من بعده، و النقل يدل على ذلك.
قوله تعالى: سواء السبيل أي مستوى الطريق.
قوله تعالى: ود كثير من أهل الكتاب، نقل أنه حي بن الأخطب و بعض من معه من متعصبي اليهود.
قوله تعالى: فاعفوا و اصفحوا، قالوا: إنها آية منسوخة بآية القتال.
قوله تعالى: حتى يأتي الله بأمره، فيه كما مر إيماء إلى حكم سيشرعه الله تعالى في حقهم، و نظيره قوله تعالى: في الآية الآتية «أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين»، مع قوله تعالى: «إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا»: التوبة - 29، و سيأتي الكلام في معنى الأمر في قوله تعالى: «يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي»: إسراء - 85.
قوله تعالى: و قالوا: لن يدخل الجنة، شروع في إلحاق النصارى باليهود تصريحا و سوق الكلام في بيان جرائمهم معا.
قوله تعالى: بلى من أسلم وجهه لله، هذه كرة ثالثة عليهم في بيان أن السعادة لا تدور مدار الاسم و لا كرامة لأحد على الله إلا بحقيقة الإيمان و العبودية، أولاها قوله: «إن الذين آمنوا و الذين هادوا»:، البقرة - 62، و ثانيتها، قوله تعالى: «بلى من كسب سيئة و أحاطت به خطيئته»: البقرة - 81، و ثالثتها، هذه الآية و يستفاد من تطبيق الآيات تفسير الإيمان بإسلام الوجه إلى الله و تفسير الإحسان بالعمل الصالح.
قوله تعالى: و هم يتلون الكتاب، أي و هم يعملون بما أوتوا من كتاب الله لا ينبغي لهم أن يقولوا ذلك و الكتاب يبين لهم الحق و الدليل على ذلك قوله: «كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم» فالمراد بالذين لا يعلمون غير أهل الكتاب من الكفار و مشركي العرب قالوا: إن المسلمين ليسوا على شيء أو إن أهل الكتاب ليسوا على شيء.
قوله تعالى: و من أظلم ممن منع، ظاهر السياق أن هؤلاء كفار مكة قبل الهجرة فإن هذه الآيات نزلت في أوائل ورود رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة.
قوله تعالى: أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين، يدل على مضي الواقعة و انقضائها لمكان قوله كان، فينطبق على كفار قريش و فعالهم بمكة كما ورد به النقل أن المانعين كفار، مكة كانوا يمنعون المسلمين عن الصلاة في المسجد الحرام و المساجد التي اتخذوها بفناء الكعبة.
قوله تعالى: و لله المشرق و المغرب فأينما تولوا فثم وجه الله، المشرق و المغرب و كل جهة من الجهات حيث كانت فهي لله بحقيقة الملك التي لا تقبل التبدل و الانتقال، لا كالملك الذي بيننا معاشر أهل الاجتماع، و حيث إن ملكه تعالى مستقر على ذات الشيء محيط بنفسه و أثره، لا كملكنا المستقر على أثر الأشياء و منافعها، لا على ذاتها، و الملك لا يقوم من جهة أنه ملك إلا بمالكه فالله سبحانه قائم على هذه الجهات محيط بها و هو معها، فالمتوجه إلى شيء من الجهات متوجه إليه تعالى.
و لما كان المشرق و المغرب جهتين إضافيتين شملتا سائر الجهات تقريبا إذ لا يبقى خارجا منهما إلا نقطتا الجنوب و الشمال الحقيقتان و لذلك لم يقيد إطلاق قوله فأينما، بهما بأن يقال: أينما تولوا منهما فكأن الإنسان أينما ولى وجهه فهناك إما مشرق أو مغرب، فقوله: و لله المشرق و المغرب بمنزلة قولنا: و لله الجهات جميعا و إنما أخذ بهما لأن الجهات التي يقصدها الإنسان بوجهه إنما تتعين بشروق الشمس و غروبها و سائر الأجرام العلوية المنيرة.
قوله تعالى: فثم وجه الله، فيه وضع علة الحكم في الجزاء موضع الجزاء، و التقدير - و الله - أعلم فأينما تولوا جاز لكم ذلك فإن وجه الله هناك، و يدل على هذا التقدير تعليل الحكم بقوله تعالى: إن الله واسع عليم، أي إن الله واسع الملك و الإحاطة عليم بقصودكم أينما توجهت، لا كالواحد من الإنسان أو سائر الخلق الجسماني لا يتوجه إليه إلا إذا كان في جهة خاصة، و لا أنه يعلم توجه القاصد إليه إلا من جهة خاصة كقدامه فقط، فالتوجه إلى كل جهة توجه إلى الله، معلوم له سبحانه.
و اعلم أن هذا توسعة في القبلة من حيث الجهة لا من حيث المكان، و الدليل عليه قوله: و لله المشرق و المغرب.
بحث روائي
في التهذيب، عن محمد بن الحصين قال: كتب إلى عبد صالح الرجل يصلي في يوم غيم في فلات من الأرض و لا يعرف القبلة فيصلي حتى فرغ من صلاته بدت له الشمس فإذا هو صلى لغير القبلة يعتد بصلاته أم يعيدها؟ فكتب يعيد ما لم يفت الوقت، أ و لم يعلم أن الله يقول: و قوله الحق فأينما تولوا فثم وجه الله.
و في تفسير العياشي، عن الباقر (عليه السلام): في قوله تعالى: و لله المشرق و المغرب إلخ، قال (عليه السلام): أنزل الله هذه الآية في التطوع خاصة فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم، و صلى رسول الله إيماء على راحلته أينما توجهت به حين خرج إلى خيبر، و حين رجع من مكة، و جعل الكعبة خلف ظهره.
أقول: و روى العياشي أيضا قريبا من ذلك عن زرارة عن الصادق (عليه السلام)، و كذا القمي و الشيخ عن أبي الحسن (عليه السلام)، و كذا الصدوق عن الصادق (عليه السلام).
و اعلم أنك إذا تصفحت أخبار أئمة أهل البيت حق التصفح، في موارد العام و الخاص و المطلق و المقيد من القرآن وجدتها كثيرا ما تستفيد من العام حكما، و من الخاص أعني العام مع المخصص حكما آخر، فمن العام مثلا الاستحباب كما هو الغالب و من الخاص الوجوب، و كذلك الحال في الكراهة و الحرمة، و على هذا القياس.
و هذا أحد أصول مفاتيح التفسير في الأخبار المنقولة عنهم، و عليه مدار جم غفير من أحاديثهم.
و من هنا يمكنك أن تستخرج منها في المعارف القرآنية قاعدتين: إحداهما: أن كل جملة وحدها، و هي مع كل قيد من قيودها تحكي عن حقيقة ثابتة من الحقائق أو حكم ثابت من الأحكام كقوله تعالى: «قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون»: الأنعام - 91، ففيه معان أربع: الأول: قل الله، و الثاني: قل الله ثم ذرهم، و الثالث: قل الله ثم ذرهم في خوضهم، و الرابع: قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون.
و اعتبر نظير ذلك في كل ما يمكن.
و الثانية: أن القصتين أو المعنيين إذا اشتركا في جملة أو نحوها، فهما راجعان إلى مرجع واحد.
و هذان سران تحتهما أسرار و الله الهادي.
|