بيان
قوله تعالى: و استعينوا بالصبر و الصلوة، الاستعانة و هي طلب العون إنما يتم فيما لا يقوى الإنسان عليه وحده من المهمات و النوازل، و إذ لا معين في الحقيقة إلا الله سبحانه فالعون على المهمات مقاومة الإنسان لها بالثبات و الاستقامة و الاتصال به تعالى بالانصراف إليه، و الإقبال عليه بنفسه، و هذا هو الصبر و الصلاة، و هما أحسن سبب على ذلك، فالصبر يصغر كل عظيمة نازلة، و بالإقبال على الله و الالتجاء إليه تستيقظ روح الإيمان، و تتنبه: أن الإنسان متك على ركن لا ينهدم، و سبب لا ينفصم.
قوله تعالى: و إنها لكبيرة إلا على الخاشعين، الضمير راجع إلى الصلاة، و أما إرجاعه إلى الاستعانة لتضمن قوله: استعينوا ذلك فينافيه ظاهرا قوله: إلا على الخاشعين، فإن الخشوع لا يلائم الصبر كثير ملائمة، و الفرق بين الخشوع و الخضوع مع أن في كليهما معنى التذلل و الانكسار أن الخضوع مختص بالجوارح و الخشوع بالقلب.
قوله تعالى: الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم.
هذا المورد، أعني مورد الاعتقاد بالآخرة على أنه مورد اليقين لا يفيد فيه الظن و الحسبان الذي لا يمنع النقيض، قال تعالى: «و بالآخرة هم يوقنون: البقرة - 4، و يمكن أن يكون الوجه فيه الأخذ بتحقق الخشوع فإن العلوم التدريجية الحصول من أسباب تدريجية تتدرج فيها النفس المدركة من تنبه و شك ثم ترجح أحد طرفي النقيض ثم انعدام الاحتمالات المخالفة شيئا فشيئا حتى يتم الإدراك الجازم و هو العلم، و هذا النوع من العلم إذا تعلق بأمر هائل موجب لاضطراب النفس و قلقها و خشوعها إنما تبتدي الخشوع الذي معه من حين شروع الرجحان قبل حصول الإدراك العلمي و تمامه، ففي وضع الظن موضع العلم إشارة إلى أن الإنسان لا يتوقف على زيادة مئونة على العلم إن تنبه بأن له ربا يمكن أن يلاقيه و يرجع إليه و ذلك كقول الشاعر: فقلت لهم ظنوا بألفي مذحج.
سراتهم في الفارسي المسرد.
و إنما يخوف العدو باليقين لا بالشك و لكنه أمرهم بالظن لأن الظن يكفيهم في الانقلاع عن المخالفة، بلا حاجة إلى اليقين حتى يتكلف المهدد إلى إيجاد اليقين فيهم بالتفهيم من غير اعتناء منه بشأنهم، و على هذا فالآية قريبة المضمون من قوله تعالى: «فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا»: الكهف - 110، و هذا كله لو كان المراد باللقاء في قوله تعالى: ملاقوا ربهم، يوم البعث و لو كان المراد به ما سيأتي تصويره في سورة الأعراف إن شاء الله فلا محذور فيه أصلا.
بحث روائي
في الكافي،: عن الصادق (عليه السلام) قال: كان علي إذا أهاله أمر فزع قام إلى الصلاة ثم تلا هذه الآية: و استعينوا بالصبر و الصلوة.
و في الكافي، أيضا: عنه (عليه السلام): في الآية، قال: الصبر الصيام، و قال: إذا نزلت بالرجل النازلة الشديدة فليصم. إن الله عز و جل يقول: و استعينوا بالصبر يعني الصيام. أقول: و روى مضمون الحديثين العياشي في تفسيره.
و تفسير الصبر بالصيام من باب المصداق و الجري.
و في تفسير العياشي،: عن أبي الحسن (عليه السلام): في الآية قال: الصبر الصوم، إذا نزلت بالرجل الشدة أو النازلة فليصم، إن الله يقول: و استعينوا بالصبر و الصلوة و إنها لكبيرة إلا على الخاشعين. و الخاشع الذليل في صلاته المقبل عليها، يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أمير المؤمنين (عليه السلام).
أقول: قد استفاد (عليه السلام) استحباب الصوم و الصلاة عند نزول الملمات و الشدائد، و كذا التوسل بالنبي و الولي عندها، و هو تأويل الصوم و الصلاة برسول الله و أمير المؤمنين.
و في تفسير العياشي، أيضا: عن علي (عليه السلام): في قوله تعالى: «الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم» الآية يقول: يوقنون أنهم مبعوثون، و الظن منهم يقين.
أقول: و رواه الصدوق أيضا.
و روى ابن شهر آشوب عن الباقر (عليه السلام): أن الآية نازلة في علي و عثمان بن مظعون و عمار بن ياسر و أصحاب لهم.
|