بيان
الآيات مرتبطة بآيات غزوة أحد، و يشعر بذلك قوله: من بعد ما أصابهم القرح و قد قال فيها: إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله.
قوله تعالى: «الذين استجابوا لله و الرسول» الآية الاستجابة و الإجابة بمعنى واحد - كما قيل - و هي أن تسأل شيئا فتجاب بالقبول.
و لعل ذكر الله و الرسول مع جواز الاكتفاء في المقام بذكر أحد اللفظين إنما هو لكونهم في وقعة أحد عصوا الله و الرسول، فأما هو تعالى فقد عصوه بالفرار و التولي و قد نهاهم الله عنه و أمر بالجهاد، و أما الرسول فقد عصوه بمخالفة أمره الذي أصدره على الرماة بلزوم مراكزهم و حين كانوا يصعدون و هو يدعوهم في أخراهم فلم يجيبوا دعوته، فلما استجابوا في هذه الوقعة وضع فيها بحذاء تلك الوقعة استجابتهم لله و الرسول و قوله: «للذين أحسنوا منهم و اتقوا أجر عظيم»، قصر الوعد على بعض أفراد المستجيبين لأن الاستجابة فعل ظاهري لا يلازم حقيقة الإحسان و التقوى اللذين عليهما مدار الأجر العظيم، و هذا من عجيب مراقبة القرآن في بيانه حيث لا يشغله شأن عن شأن، و من هنا يتبين أن هؤلاء الجماعة ما كانوا خالصين لله في أمره بل كان فيهم من لم يكن محسنا متقيا يستحق عظيم الأجر من الله سبحانه، و ربما يقال: إن «من» في قوله: «منهم» بيانية كما قيل مثله في قوله تعالى: محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار - إلى أن قال -: وعد الله الذين ءامنوا و عملوا الصالحات منهم مغفرة و أجرا عظيما: «الفتح: 29»، و هو تأول بما يدفعه السياق.
و يتبين أيضا أن ما يمدحهم به الله سبحانه في قوله: الذين قال لهم الناس إلى آخر الآيات من قبيل وصف البعض المنسوب إلى الكل بعناية لفظية.
قوله تعالى: «الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم» الآية، الناس هو الأفراد من الإنسان من حيث عدم أخذ ما يتميز به بعضهم من بعض، و الناس الأول غير الثاني، فإن الثاني هو العدو الذي كان يجمع الجموع، و أما الأول فهم الخاذلون المثبطون الذين كانوا يقولون ما يقولون ليخذلوا المؤمنين عن الخروج إلى قتال المشركين، فالناس الثاني أريد به المشركون، و الناس الأول أيديهم على المؤمنين و عيونهم فيهم، و ظاهر الآية كونهم عدة و جماعة لا واحدا، و هذا يؤيد كون الآيات نازلة في قصة خروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيمن بقي من أصحابه بعد أحد في أثر المشركين دون قصة بدر الصغرى، و سيجيء القصتان في البحث الروائي الآتي.
و قوله: قد جمعوا لكم، أي جمعوا جموعهم لقتالكم ثانيا و الله أعلم.
و قوله: فزادهم إيمانا، و ذلك لما في طبع الإنسان أنه إذا نهي عما يريده و يعزم عليه، فإن لم يحسن الظن بمن ينهاه كان ذلك إغراء فأوجب انتباه قواه و اشتدت بذلك عزيمته، و كلما أصر عليه بالمنع أصر على المضي على ما يريده و يقصده، و هذا إذا كان الممنوع يرى نفسه محقا معذورا في فعاله أشد تأثيرا من غيره، و لذا كان المؤمنون كلما لامهم في أمر الله لائم أو منعهم مانع زادوا قوة في إيمانهم و شدة في عزمهم و بأسهم.
و يمكن أن يكون زيادة إيمانهم لتأييد أمثال هذه الأخبار ما عندهم من خبر الوحي أنهم سيؤذون في جنب الله حتى يتم أمرهم بإذن الله و قد وعدهم النصر و لا يكون نصر إلا في نزال و قتال.
و قوله: و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل أي كافينا الله و أصل الحسب من الحساب لأن الكفاية بحساب الحاجة، و هذا اكتفاء بالله بحسب الإيمان دون الأسباب الخارجية الجارية في السنة الإلهية و الوكيل هو الذي يدبر الأمر عن الإنسان، فمضمون الآية يرجع إلى معنى قوله: «و من يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره»: الطلاق - 3، و لذلك عقب قوله: و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل بقوله: فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء «إلخ» ليكون تصديقا لوعده تعالى، ثم حمدهم إذ اتبعوا رضوانه فقال: و اتبعوا رضوان الله و الله ذو فضل عظيم.
كلام في التوكل
و حقيقة الأمر أن مضي الإرادة و الظفر بالمراد في نشأة المادة يحتاج إلى أسباب طبيعية و أخرى روحية و الإنسان إذا أراد الورود في أمر يهمه و هيأ من الأسباب الطبيعية ما يحتاج إليه لم يحل بينه و بين ما يبتغيه إلا اختلال الأسباب الروحية كوهن الإرادة و الخوف و الحزن و الطيش و الشره و السفه و سوء الظن و غير ذلك و هي أمور هامة عامة، و إذا توكل على الله سبحانه و فيه اتصال بسبب غير مغلوب البتة و هو السبب الذي فوق كل سبب قويت إرادته قوة لا يغلبها شيء من الأسباب الروحية المضادة المنافية فكان نيلا و سعادة.
و في التوكل على الله جهة أخرى يلحقه أثرا بخوارق العادة كما هو ظاهر قوله: «و من يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره» الآية، و قد تقدم شطر من البحث المتعلق بالمقام في الكلام على الإعجاز.
قوله تعالى: «ذلكم الشيطان يخوف أولياءه» الآية، ظاهر الآية أن الإشارة إلى الناس الذين قالوا لهم ما قالوا، فيكون هذا من الموارد التي أطلق فيها القرآن الشيطان على الإنسان كما يظهر ذلك من قوله: «من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس»: الناس - 6، و يؤيده قوله تعالى بعد ذلك: فلا تخافوهم أي الناس القائلين لكم ما قالوا لأن ذلكم الشيطان، و سنبحث في هذا المعنى بما يكشف القناع عن وجه حقيقته إن شاء الله تعالى.
بحث روائي
الروايات الواردة في غزوة أحد كثيرة في الغاية، و هي مختلفة اختلافا شديدا في جهات القصة ربما أدت إلى سوء الظن بها، و أكثرها اختلافا ما ورد منها في
نزول كثير من آيات القصة و هي تقرب من ستين آية فإن أمرها عجيب، و لا يلبث الناظر المتأمل فيها دون أن يقضي بأن المذاهب المختلفة أودعت فيها أرواحها لتنطق بلسانها بما تنتفع به، و هذا هو العذر في تركنا إيرادها في هذا البحث فمن أرادها فعليه بجوامع الحديث و مطولات التفاسير.
و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي حاتم عن أبي الضحى قال: نزلت «و يتخذ منكم شهداء» فقتل منهم يومئذ سبعون منهم أربعة من المهاجرين منهم حمزة بن عبد المطلب، و مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار، و الشماس بن عثمان المخزومي، و عبد الله بن جحش الأسدي، و سائرهم من الأنصار.
أقول: و ظاهر الرواية أن أبا الضحى أخذ الشهداء في الآية بمعنى المقتولين في المعركة، و على ذلك جرى جمهور المفسرين، و قد مر في البيان السابق أن لا دليل عليه من ظاهر الكتاب بل الظاهر أن المراد بالشهداء شهداء الأعمال.
و في تفسير العياشي،: في قوله تعالى: «أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يعلم الله» الآية، عن الصادق (عليه السلام) قال: إن الله علم بما هو مكونه قبل أن يكونه و هم ذر و علم من يجاهد ممن لا يجاهد كما علم أنه يميت خلقه قبل أن يميتهم، و لم ير موتهم و هم أحياء.
أقول: إشارة إلى ما تقدم أنه فرق بين العلم قبل الإيجاد و العلم الفعلي الذي هو الفعل و أن المراد ليس هو العلم قبل الإيجاد.
و في تفسير القمي، عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: «و لقد كنتم تمنون الموت» الآية: أن المؤمنين لما أخبرهم الله تعالى بالذي فعل بشهدائهم يوم بدر في منازلهم في الجنة رغبوا في ذلك فقالوا: اللهم أرنا قتالا نستشهد فيه فأراهم الله يوم أحد إياه فلم يثبتوا إلا من شاء الله منهم فذلك قوله: و لقد كنتم تمنون الموت الآية: أقول: و روي هذا المعنى في الدر المنثور عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و الحسن و السدي.
و في تفسير القمي، قال (عليه السلام) إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج يوم أحد، و عهد العاهد به على تلك الحال فجعل الرجل يقول لمن لقيه: إن رسول الله قد قتل، النجا، فلما رجعوا إلى المدينة أنزل الله: و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل إلى قوله: انقلبتم على أعقابكم يقول: إلى الكفر و من ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا.
و في الدر المنثور، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال: ذلك يوم أحد حين أصابهم ما أصابهم من القتل و القرح و تداعوا نبي الله قالوا: قد قتل و قال أناس منهم: لو كان نبيا ما قتل، و قال أناس من علية أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): قاتلوا على ما قاتل عليه نبيكم حتى يفتح الله عليكم أو تلحقوا به، و ذكر لنا أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار و هو يتشحط في دمه فقال: يا فلان أ شعرت أن محمدا قد قتل؟ فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل فقد بلغ، فقاتلوا عن دينكم، فأنزل الله: و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل - أ فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم يقول: ارتددتم كفارا بعد إيمانكم.
و فيه أخرج ابن جرير عن السدي قال: فشا في الناس يوم أحد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قتل فقال بعض أصحاب الصخرة: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمانا من أبي سفيان يا قوم إن محمدا قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم قال أنس بن النضر: يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد، اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، و أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء فشد بسيفه فقاتل حتى قتل فأنزل الله: و ما محمد إلا رسول الآية: أقول: و روي هذه المعاني بطرق أخر كثيرة.
و في الكافي عن الباقر (عليه السلام) أنه أصاب عليا يوم أحد ستون جراحة و أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر أم سليم و أم عطية أن تداوياه فقالتا إنا لا نعالج منه مكانا إلا انفتق مكان و قد خفنا عليه، و دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و المسلمون يعودونه و هو قرحة واحدة، و جعل يمسحه بيده و يقول: إن رجلا لقي هذا في الله فقد أبلى و أعذر، فكان القرح الذي يمسحه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يلتئم فقال علي: الحمد لله إذ لم أفر و لم أول الدبر فشكر الله له ذلك في موضعين من القرآن و هو قوله: و سيجزي الله الشاكرين، و سنجزي الشاكرين.
أقول: يعني شكر الله له ثباته لا قوله: الحمد لله الذي.
و في تفسير العياشي، عن الصادق (عليه السلام) أنه قرأ: و كأين من نبي قتل معه ربيون كثير، قال: ألوف و ألوف ثم قال: إي و الله يقتلون.
أقول: و روي هذه القراءة و المعنى في الدر المنثور عن ابن مسعود و غيره، و روي عن ابن عباس أنه سئل عن قوله ربيون قال: جموع.
و في الدر المنثور، أخرج عبد بن حميد و ابن أبي حاتم عن مجاهد «من بعد ما أراكم ما تحبون» قال: نصر الله المؤمنين على المشركين حتى ركب نساء المشركين على كل صعب و ذلول ثم أديل عليهم المشركون بمعصيتهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
و فيه أخرج ابن إسحاق و ابن راهويه و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و البيهقي في الدلائل عن الزبير قال لقد رأيتني مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين اشتد الخوف علينا أرسل الله علينا النوم فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره فوالله إني لأسمع قول معتب بن قشير ما أسمعه إلا كالحلم: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا فحفظتها منه، و في ذلك أنزل الله: «ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا» إلى قوله:، ما قتلنا هاهنا» لقول معتب بن قشير: أقول: و قد روي هذا المعنى عن الزبير بن العوام بطرق كثيرة.
و فيه أخرج ابن مندة في معرفة الصحابة عن ابن عباس في قوله: إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان الآية، قال: نزلت في عثمان و رافع بن المعلى و حارثة بن زيد: أقول: و روي ما يقرب منه في عدة طرق عن عبد الرحمن بن عوف و عكرمة و ابن إسحاق و أضيف إليهم في بعضها أبو حذيفة بن عقبة و الوليد بن عقبة و سعد بن عثمان و عقبة بن عثمان.
و على أي حال ذكر عثمان و من عد منهم بأسمائهم من باب ذكر المصداق و إلا فالآية نزلت في جميع من تولى من الأصحاب و عصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، و الذي يخص عثمان هو أنه و من معه فروا حتى بلغوا الجلعب جبل بناحية المدينة مما يلي الأغوص فأقاموا به ثلاثا ثم رجعوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لهم: لقد ذهبتم فيها عريضة.
و أما أصحابه عامة فقد تكاثرت الروايات أنهم تولوا عن آخرهم، و لم يبق مع رسول الله منهم إلا رجلان من المهاجرين و سبعة من الأنصار ثم إن المشركين هجموا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقتل دون الدفاع عنه الأنصار واحدا بعد واحد حتى لم يبق معه منهم أحد.
و روي أن الذين ثبتوا معه أحد عشر، و روي ثمانية عشر حتى روي ثلاثون، و هو أضعف الروايات.
و لعل هذا الاختلاف بحسب اختلاف اطلاعات الرواة و غير ذلك، و الذي تدل عليه روايات دفاع نسيبة المازنية عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه لم يكن عنده ساعتئذ أحد، و كان من ثبت منهم و لم ينهزم مشغولا بالقتال، و لم يتفق كلمة الرواة في ذلك على أحد إلا علي (عليه السلام) و لعل أبا دجانة الأنصاري سماك بن خرشة كذلك إلا أنه قاتل بسيف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أولا ثم وقى بنفسه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين جلى عنه أصحابه يدفع عنه النبال بمجنه و بظهره حتى أثخن رضي الله عنه.
و أما بقية أصحابه فمن ملحق به حين ما عرف (صلى الله عليه وآله وسلم) و علم أنه لم يقتل، و ملحق به بعد حين، و هؤلاء هم الذين أنزل الله عليهم النعاس غير أن الله تعالى عفا عن الجميع و قد عرفت فيما تقدم من البيان معنى العفو، و ذكر بعض المفسرين أن معنى العفو في هذه الآية صرفه تعالى المشركين عنهم حيث لم يبيدوهم و لم يقتلوهم عن آخرهم.
و في الدر المنثور، أخرج ابن عدي و البيهقي في الشعب بسند حسن عن ابن عباس قال: لما نزلت: و شاورهم في الأمر قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أما إن الله و رسوله لغنيان عنها و لكن جعلها الله رحمة لأمتي فمن استشار منهم لم يعدم رشدا، و من تركها لم يعدم غيا.
و فيه أخرج الطبراني في الأوسط، عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما خاب من استخار، و لا ندم من استشار.
و في نهج البلاغة،: من استبد برأيه هلك، و من شاور الرجال شاركها في عقولها.
و فيه،: الاستشارة عين الهداية، و قد خاطر من استبد برأيه.
و في الصافي، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لا وحدة أوحش من العجب، و لا مظاهرة أوثق من المشاورة.
أقول: و الروايات في المشاورة كثيرة جدا، و موردها ما يجوز للمستشير فعله و تركه بحسب المرجحات، و أما الأحكام الإلهية الثابتة فلا مورد للاستشارة فيها كما لا رخصة في تغييرها لأحد و إلا كان اختلاف الحوادث الجارية ناسخا لكلام الله تعالى.
و في المجالس، عن الصادق (عليه السلام): أن رضا الناس لا يملك، و ألسنتهم لا تضبط أ لم ينسبوه يوم بدر أنه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء؟ حتى أظهره الله على القطيفة، و برأ نبيه من الخيانة، و أنزل في كتابه: و ما كان لنبي أن يغل، الآية.
أقول: و ذكر ذلك القمي في تفسيره، و فيه: فجاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إن فلانا غل قطيفة حمراء فاحفرها هنالك فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحفر ذلك الموضع فأخرج القطيفة: و قد روي هذا المعنى و ما يقرب منه في الدر المنثور بطرق كثيرة و لعل المراد بكون الآية نزلت فيها كون الآية مشيرة إليها و إلا فسياق الآيات أنها نزلت بعد غزوة أحد كما تقدم بيانه.
و في تفسير القمي، عن الباقر (عليه السلام): من غل شيئا رآه يوم القيامة في النار ثم يكلف أن يدخل إليه فيخرجه من النار.
أقول: و هو استفادة لطيفة من قوله تعالى: و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة.
و في تفسير العياشي،: في قوله تعالى: هم درجات عند الله عن الصادق (عليه السلام): الذين اتبعوا رضوان الله هم الأئمة، و هم و الله درجات عند الله للمؤمنين، و بولايتهم و مودتهم إيانا يضاعف الله لهم أعمالهم، و يرفع الله لهم الدرجات العلى، و الذين باءوا بسخط من الله هم الذين جحدوا حق علي و حق الأئمة منا أهل البيت فباءوا لذلك بسخط من الله.
أقول: و هو من الجري و الانطباق.
و فيه، عن الرضا (عليه السلام): الدرجة ما بين السماء و الأرض.
و في تفسير العياشي، أيضا: في قوله تعالى: أ و لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها عن الصادق (عليه السلام): كان المسلمون قد أصابوا ببدر مائة و أربعين رجلا: قتلوا سبعين رجلا و أسروا سبعين فلما كان يوم أحد أصيب من المسلمين سبعون رجلا فاغتموا بذلك فنزلت.
و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و الترمذي و حسنه و ابن جرير و ابن مردويه عن علي قال: جاء جبرئيل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمد إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى، و قد أمرك أن تخيرهم بين أمرين: إما أن يقدموا فتضرب أعناقهم و بين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس فذكر ذلك لهم فقالوا: يا رسول الله عشائرنا و أقوامنا نأخذ فداءهم فنقوى به على قتال عدونا، و يستشهد منا بعدتهم فليس في ذلك ما نكره فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا عدة أسارى أهل بدر: أقول: و رواه في المجمع عن علي (عليه السلام)، و أورده القمي في تفسيره.
و في المجمع، في قوله تعالى: و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله الآيات عن الباقر (عليه السلام) نزلت في شهداء بدر و أحد معا.
أقول: و على ذلك روايات كثيرة رواها في الدر المنثور و غيره و قد عرفت أن معنى الآيات عام شامل لكل من قتل في سبيل الله حقيقة أو حكما و ربما قيل: إن الآيات نازلة في شهداء بئر معونة، و هم سبعون رجلا أو أربعون من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسلهم لدعوة عامر بن الطفيل و قومه و كانوا على ذلك الماء فقدموا أبا ملحان الأنصاري إليهم بالرسالة فقتلوه أولا ثم تتابعوا على أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقاتلوهم فقتلوهم جميعا رضي الله عنهم.
و في تفسير العياشي، عن الصادق قال: هم و الله شيعتنا حين صارت أرواحهم في الجنة، و استقبلوا الكرامة من الله عز و جل علموا و استيقنوا أنهم كانوا على الحق و على دين الله عز و جل فاستبشروا بمن لم يلحقوا بهم من إخوانهم من خلفهم من المؤمنين.
أقول: و هو من الجري، و معنى علمهم و استيقانهم بأنهم كانوا على الحق أنهم ينالون ذلك بعين اليقين بعد ما نالوه في الدنيا بعلم اليقين لا أنهم كانوا في الدنيا شاكين مرتابين.
و في الدر المنثور، أخرج أحمد و هناد و عبد بن حميد و أبو داود و ابن جرير و ابن المنذر و الحاكم و صححه و البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، و تأكل من ثمارها و تأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش. فلما وجدوا طيب مأكلهم و مشربهم و حسن مقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا، و في لفظ: قالوا: إنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد و لا ينكلوا عن الحرب فقال الله: أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله هؤلاء الآيات: و لا تحسبن الذين قتلوا الآية و ما بعدها.
أقول: و في هذا المعنى روايات كثيرة رووها عن أبي سعيد الخدري و عبد الله بن مسعود و أبي العالية و ابن عباس و غيرهم، و في بعضها: في صور طير خضر كرواية أبي العالية، و في بعضها: في طير خضر كرواية أبي سعيد، و في بعضها: كطير خضر كرواية ابن مسعود، و الألفاظ متقاربة.
و قد ورد من طرق أئمة أهل البيت: أن الرواية عرضت عليهم فأنكروها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و في بعضها: أنهم أولوها، و لا شك - بالنظر إلى الأصول الثابتة المسلمة - في لزوم تأويل الرواية لو لم تطرح.
و الروايات مع ذلك ليست في مقام بيان حالهم في جنة الآخرة بل المراد بها جنة البرزخ و الدليل عليه ما في رواية ابن جرير عن مجاهد قال: يرزقون من ثمر الجنة و يجدون ريحها و ليسوا فيها، و ما في رواية ابن جرير عن السدي: أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر في قناديل من ذهب معلقة بالعرش فهي ترعى بكرة و عشية في الجنة، و تبيت في القناديل.
و قد عرفت فيما تقدم من البحث في البرزخ أن مضمون هاتين الروايتين إنما يستقيم في جنة الدنيا و هي البرزخ لا في جنة الآخرة.
و في الدر المنثور،: في قوله تعالى: الذين استجابوا لله الآية أخرج ابن إسحاق و ابن جرير و البيهقي في الدلائل عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لحمراء الأسد و قد أجمع أبو سفيان بالرجعة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أصحابه، و قالوا: رجعنا قبل أن نستأصلهم لنكرن على بقيتهم، فبلغه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج في أصحاب يطلبهم فثنى ذلك أبا سفيان و أصحابه، و مر ركب من عبد القيس فقال لهم أبو سفيان: بلغوا محمدا أنا قد أجمعنا الرجعة إلى أصحابه لنستأصلهم، فلما مر الركب برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحمراء الأسد أخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال رسول الله و المؤمنون معه: حسبنا الله و نعم الوكيل، فأنزل الله في ذلك: الذين استجابوا لله و الرسول الآيات.
أقول: و رواه القمي في تفسيره مفصلا و فيه أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أخرج معه إلى حمراء الأسد من أصحابه من كان به جراحة، و في بعض الروايات أنه إنما أخرج معه من كان في أحد، و المآل واحد.
و فيه أخرج موسى بن عقبة في مغازيه و البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استنفر المسلمين لموعد أبي سفيان بدرا فاحتمل الشيطان أولياءه من الناس فمشوا في الناس يخوفونهم، و قالوا: قد أخبرنا أن قد جمعوا لكم من الناس مثل الليل يرجون أن يواقعوكم فينتهبوكم فالحذر الحذر، فعصم الله المسلمين من تخويف الشيطان فاستجابوا لله و رسوله، و خرجوا ببضائع لهم، و قالوا: إن لقينا أبا سفيان فهو الذي خرجنا له، و إن لم نلقه ابتعنا بضائعنا، و كان بدر متجرا يوافى كل عام فانطلقوا حتى أتوا موسم بدر فقضوا منه حاجتهم، و أخلف أبو سفيان الموعد فلم يخرج هو و لا أصحابه، و مر عليهم ابن حمام فقال: من هؤلاء؟ قالوا: رسول الله و أصحابه ينتظرون أبا سفيان و من معه من قريش، فقدم على قريش فأخبرهم فأرعب أبو سفيان و رجع إلى مكة، و انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة بنعمة من الله و فضل، فكانت تلك الغزوة تعد غزوة جيش السويق و كانت في شعبان سنة ثلاث: أقول: و رواه من غير هذا الطريق، و رواه في المجمع مفصلا عن الباقر (عليه السلام).
و فيها: أن الآيات نزلت في غزوة بدر الصغرى، و المراد بجيش السويق جيش أبي سفيان فإنه خرج من مكة في جيش من قريش و قد حملوا معهم أحمالا من سويق فنزلوا خارج مكة فاقتاتوا بالسويق ثم رجعوا إلى مكة لما أخذهم الرعب من لقاء المسلمين ببدر، فسماهم الناس جيش السويق تهكما و استهزاء.
و فيه أيضا أخرج النسائي و ابن أبي حاتم و الطبراني بسند صحيح عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما رجع المشركون عن أحد قالوا: لا محمدا قتلتم و لا الكواعب أردفتم بئس ما صنعتم ارجعوا، فسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك فندب المسلمين فانتدبوا حتى بلغ حمراء الأسد أو بئر أبي عتبة شك سفيان فقال المشركون نرجع قابل فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكانت تعد غزوة فأنزل الله: الذين استجابوا لله و الرسول الآية، و قد كان أبو سفيان قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): موعدكم موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا فأما الجبان فرجع، و أما الشجاع فأخذ أهبة القتال و التجارة فأتوه فلم يجدوا به أحدا و تسوقوا فأنزل الله: فانقلبوا بنعمة من الله و فضل الآية.
أقول: و إنما أوردنا هذه الرواية مع مخالفته للاختصار و التلخيص المؤثر في المباحث الروائية بإيراد أنموذج جامع من كل باب ليتبصر الباحث المتأمل أن ما ذكروه من أسباب النزول كلها أو جلها نظرية بمعنى أنهم يروون غالبا الحوادث التاريخية ثم يشفعونها بما يقبل الانطباق عليها من الآيات الكريمة فيعدونها أسباب النزول و ربما أدى ذلك إلى تجزئة آية واحدة أو آيات ذات سياق واحد ثم نسبة كل جزء إلى تنزيل واحد مستقل و إن أوجب ذلك اختلال نظم الآيات و بطلان سياقها، و هذا أحد أسباب الوهن في نوع الروايات الواردة في أسباب النزول.
و أضف إلى ذلك ما ذكرناه في أول هذا البحث أن لاختلاف المذاهب تأثيرا في لحن هذه الروايات و سوقها إلى ما يوجه به المذاهب الخاصة.
على أن للأجواء السياسية و البيئات الحاكمة في كل زمان أثرا قويا في الحقائق من حيث إخفاؤها أو إبهامها فيجب على الباحث المتأمل أن لا يهمل أمر هذه الأسباب الدخيلة في فهم الحقائق و الله الهادي.
بحث تاريخي
شهداء المسلمين يوم أحد سبعون رجلا و هاك فهرس أسمائهم: 1 - حمزة بن عبد المطلب بن هاشم.
2 - عبد الله بن جحش.
3 - مصعب بن عمير.
4 - شماس بن عثمان و هؤلاء الأربعة هم الشهداء من المهاجرين.
5 - عمرو بن معاذ بن النعمان.
6 - الحارث بن أنس بن رافع.
7 - عمارة بن زياد بن السكن.
8 - سلمة بن ثابت بن وقش.
9 - عمرو بن ثابت بن وقش.
10 - ثابت بن وقش.
11 - رفاعة بن وقش.
12 - حسيل بن جابر أبو حذيفة اليمان.
13 - صيفي بن قيظي.
14 - حباب بن قيظي.
15 - عباد بن سهل.
16 - الحارث بن أوس بن معاذ.
17 - إياس بن أوس.
18 - عبيد بن التيهان.
19 - حبيب بن يزيد بن تيم.
20 - يزيد بن حاطب بن أمية بن رافع.
21 - أبو سفيان بن الحارث بن قيس بن زيد.
22 - حنظلة بن أبي عامر و هو غسيل الملائكة.
23 - أنيس بن قتادة.
24 - أبو حبة بن عمر بن ثابت.
25 - عبد الله بن جبير بن النعمان و هو أمير الرماة.
26 - أبو سعد خيثمة بن خيثمة.
27 - عبد الله بن سلمة.
28 - سبيع بن حاطب بن الحارث.
29 - عمرو بن قيس.
30 - قيس بن عمرو بن قيس.
31 - ثابت بن عمرو بن يزيد.
32 - عامر بن مخلد.
33 - أبو هبيرة بن الحارث بن علقمة بن عمرو.
34 - عمرو بن مطرف بن علقمة بن عمرو.
35 - أوس بن ثابت بن المنذر أخو حسان بن ثابت.
36 - أنس بن النضر عم أنس بن مالك خادم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
37 - قيس بن مخلد.
38 - كيسان عبد لبني النجار.
39 - سليم بن الحارث.
40 - نعمان بن عبد عمرو.
41 - خارجة بن زيد بن أبي زهير.
42 - سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير.
43 - أوس بن الأرقم.
44 - مالك بن سنان من بني خدرة و هو والد أبي سعيد الخدري.
45 - سعيد بن سويد.
46 - عتبة بن ربيع.
47 - ثعلبة بن سعد بن مالك.
48 - سقف بن فروة بن البدي.
49 - عبد الله بن عمرو بن وهب.
50 - ضمرة حليف لبني طريف.
51 - نوفل بن عبد الله.
52 - عباس بن عبادة.
53 - نعمان بن مالك بن ثعلبة.
54 - المجدر بن زياد.
55 - عبادة بن الحسحاس و قد دفن نعمان و المجدر و عبادة في قبر واحد.
56 - رفاعة بن عمرو.
57 - عبد الله بن عمرو من بني حرام.
58 - عمرو بن الجموح من بني حرام دفنا في قبر واحد.
59 - خلاد بن عمرو بن الجموح.
60 - أبو أيمن مولى عمرو بن الجموح.
61 - سليم بن عمرو بن حديدة.
62 - عنترة مولى سليم.
63 - سهل بن قيس بن أبي كعب.
64 - ذكوان بن عبد قيس.
65 - عبيد بن المعلى.
66 - مالك بن تميلة.
67 - حارث بن عدي بن خرشة.
68 - مالك بن إياس.
69 - إياس بن عدي.
70 - عمرو بن إياس.
|