بيان
الآيات متعرضة لحال أهل الكتاب و هم آخر الفرق الثلاث التي تقدم أنها عرضة للكلام في هذه السورة، و أهمهم بحسب قصد الكلام أهل الكتاب من اليهود و النصارى، ففيهم و في أمرهم نزل معظم السورة و إليهم يعود.
قوله تعالى: إن الدين عند الله الإسلام، قد مر معنى الإسلام بحسب اللغة و كان هذا المعنى هو المراد هاهنا بقرينة ما يذكره من اختلاف أهل الكتاب بعد العلم بغيا بينهم فيكون المعنى: أن الدين عند الله سبحانه واحد لا اختلاف فيه لم يأمر عباده إلا به، و لم يبين لهم فيما أنزله من الكتاب على أنبيائه إلا إياه، و لم ينصب الآيات الدالة إلا له و هو الإسلام الذي هو التسليم للحق الذي هو حق الاعتقاد و حق العمل، و بعبارة أخرى هو التسليم للبيان الصادر عن مقام الربوبية في المعارف و الأحكام، و هو و إن اختلف كما و كيفا في شرائع أنبيائه و رسله على ما يحكيه الله سبحانه في كتابه غير أنه ليس في الحقيقة إلا أمرا واحدا و إنما اختلاف الشرائع بالكمال و النقص دون التضاد و التنافي، و التفاضل بينها بالدرجات، و يجمع الجميع أنها تسليم و إطاعة لله سبحانه فيما يريده من عباده على لسان رسله.
فهذا هو الدين الذي أراده الله من عباده و بينه لهم، و لازمه أن يأخذ الإنسان بما تبين له من معارفه حق التبين، و يقف عند الشبهات وقوف التسليم من غير تصرف فيها من عند نفسه و أما اختلاف أهل الكتاب من اليهود و النصارى في الدين مع نزول الكتاب الإلهي عليهم، و بيانه تعالى لما هو عنده دين و هو الإسلام له فلم يكن عن جهل منهم بحقيقة الأمر و كون الدين واحدا بل كانوا عالمين بذلك، و إنما حملهم على ذلك بغيهم و ظلمهم من غير عذر و ذلك كفر منهم بآيات الله المبينة لهم حق الأمر و حقيقته لا بالله فإنهم يعترفون به، و من يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب، يحاسبه سريعا في دنياه و آخرته: أما في الدنيا فبالخزي و سلب سعادة الحيوة عنه، و أما في الآخرة فبأليم عذاب النار.
و الدليل على عموم سرعة الحساب للدنيا و الآخرة قوله تعالى بعد آيتين: أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة و ما لهم من ناصرين.
و مما تقدم يظهر أولا: أن المراد بكون الدين عند الله و حضوره لديه سبحانه هو الحضور التشريعي بمعنى كونه شرعا واحدا لا يختلف إلا بالدرجات و بحسب استعدادات الأمم المختلفة دون كونه واحدا بحسب التكوين بمعنى كونه واحدا مودعا في الفطرة الإنسانية على وتيرة واحدة.
و ثانيا: أن المراد بالآيات هو آيات الوحي، و البيانات الإلهية التي ألقاها إلى أنبيائه دون الآيات التكوينية الدالة على الوحدانية و ما يزاملها من المعارف الإلهية.
و الآية تشتمل على تهديد أهل الكتاب بما يستدل عليه بالبغي و هو الانتقام، كما يشتمل قوله تعالى في الآيات السابقة: قل للذين كفروا ستغلبون و تحشرون إلى جهنم الآية على تهديد المشركين و الكفار، و لعل هذا هو السبب في أنه جمع أهل الكتاب و المشركين معا في الآية التالية في الخطاب بقوله: قل للذين أوتوا الكتاب و الأميين أ أسلمتم «الخ»، و فيه إشعار بالتهديد أيضا.
قوله تعالى: فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله و من اتبعن، الضمير في حاجوك راجع إلى أهل الكتاب و هو ظاهر و المراد به محاجتهم في أمر الاختلاف بأن يقولوا: إن اختلافنا ليس لبغي منا بعد البيان بل إنما هو شيء ساقنا إليه عقولنا و أفهامنا و اجتهادنا في تحصيل العلم بحقائق الدين من غير أن ندع التسليم لجانب الحق سبحانه و أن ما تراه و تدعو إليه يا محمد من هذا القبيل، أو يقولوا ما يشابه ذلك، و الدليل على ذلك قوله: فقل: أسلمت وجهي لله، و قوله: و قل للذين أوتوا الكتاب و الأميين أ أسلمتم، فإن الجملتين حجة سيقت لقطع خصامهم و حجاجهم لا إعراض عن المحاجة معهم.
و معناها مع حفظ ارتباطها بما قبلها: إن الدين عند الله الإسلام لا يختلف فيه كتب الله و لا يرتاب فيه سليم العقل، و يتفرع عليه أن لا حجة عليك في إسلامك و أنت مسلم، فإن حاجوك في أمر الدين فقل: أسلمت وجهي لله و من اتبعن فهذا هو الدين و لا حجة بعد الدين في أمر الدين ثم سلهم: أ أسلموا فإن أسلموا فقد اهتدوا و ليقبلوا ما أنزل الله عليك و على من قبلك و لا حجة عليهم و لا مخاصمة بعد ذلك بينكم، و إن تولوا فلا تخاصمهم و لا تحاجهم فلا ينبغي الخصام في أمر ضروري، و هو أن الدين هو التسليم لله سبحانه، و ما عليك إلا البلاغ.
و قد أشرك سبحانه في الآية بين أهل الكتاب و الأميين بقوله: و قل للذين أوتوا الكتاب و الأميين أ أسلمتم، لكون الدين مشتركا بينهم و إن اختلفوا في التوحيد و التشريك.
و قد علق الإسلام على الوجه - و هو ما يستقبلك من الشيء أو الوجه بالمعنى الأخص لكون إسلام الوجه لاشتماله على معظم الحواس و المشاعر إسلاما لجميع البدن - ليدل على معنى الإقبال و الخضوع لأمر الرب تعالى، و عطف قوله: و من اتبعن حفظا لمقام التبعية و تشريفا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
قوله تعالى: و قل للذين أوتوا الكتاب و الأميين أ أسلمتم إلى آخر الآية، المراد بالأميين المشركين سموا بذلك لتسمية من وضع في مقابلهم بأهل الكتاب، و كذا كان أهل الكتاب يسمونهم كما حكاه تعالى من قوله: «ليس علينا في الأميين سبيل»: آل عمران - 75 و الأمي هو الذي لا يكتب و لا يقرأ.
و في قوله تعالى: و إن تولوا فإنما عليك البلاغ و الله بصير بالعباد دلالة أولا: على النهي عن المراء و الإلحاح في المحاجة فإن المحاجة مع من ينكر الضروري لا تكون إلا مراء و لجاجا في البحث.
و ثانيا: على أن الحكم في حق الناس و الأمر مطلقا إلى الله سبحانه، و ليس للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أنه رسول مبلغ لا حاكم مسيطر كما قال تعالى: «ليس لك من الأمر شيء»: آل عمران - 128، و قال تعالى: «لست عليهم بمصيطر: الغاشية - 23.
و ثالثا: على تهديد أهل الكتاب و المشركين فإن ختم الكلام بقوله: و الله بصير بالعباد، بعد قوله: فإنما عليك البلاغ لا يخلو من ذلك و يدل على ذلك ما وقع من التهديد في نظير الآية، و هو قوله تعالى: «قولوا آمنا بالله إلى أن قال: و نحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا و إن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله و هو السميع العليم»: البقرة - 137، تذكر الآية أن أهل الكتاب إن تولوا عن الإسلام فهم مصرون على الخلاف ثم يهددهم بما يسلي به النبي و يطيب نفسه، فالآية أعني قوله: «و إن تولوا فإنما عليك البلاغ، كناية عن الأمر بتخلية ما بينهم و بين ربهم، و إرجاع أمرهم إليه، و هو بصير بعباده يحكم فيهم بما تقتضيه حالهم و يسأله لسان استعدادهم.
و من هنا يظهر: أن ما ذكره بعض المفسرين، أن في الآية دليلا على حرية الاعتقاد في أمر الدين و أن لا إكراه فيه ليس بوجيه فإن الآية كما عرفت مسوقة لغير ذلك.
و في قوله: بصير بالعباد حيث أخذ عنوان العبودية و لم يقل: بصير بهم أو بصير بالناس و نحو ذلك إشعار بأن حكمه نافذ فيهم ماض عليهم فإنهم عباده و مربوبون له أسلموا أو تولوا.
قوله تعالى: إن الذين يكفرون بآيات الله إلى آخر الآية، الكلام في الآية و إن كان مسوقا سوق الاستيناف لكنه مع ذلك لا يخلو عن إشعار و بيان للتهديد الذي يشعر به آخر الآية السابقة فإن مضمونها منطبق على أهل الكتاب و خاصة اليهود.
و قوله: يكفرون، و يقتلون، في موضعين للاستمرار و يدلان على كون الكفر بآيات الله و هو الكفر بعد البيان بغيا، و قتل الأنبياء و هو قتل من غير حق، و قتل الذين يدعون إلى القسط و العدل و ينهون عن الظلم و البغي دأبا و عادة جارية فيما بينهم كما يشتمل عليه تاريخ اليهود، فقد قتلوا جمعا كثيرا و جما غفيرا من أنبيائهم و عبادهم الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر و كذا النصارى جروا مجراهم.
و قوله: فبشرهم بعذاب أليم تصريح بشمول الغضب و نزول السخط، و ليس هو العذاب الأخروي فحسب بدليل قوله تعالى عقيب الآية: أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة «الخ» فهم مبشرون بالعذاب الدنيوي و الأخروي معا، أما الأخروي فأليم عذاب النار، و أما الدنيوي فهو ما لقوه من التقتيل و الإجلاء و ذهاب الأموال و الأنفس، و ما سخط الله عليهم بإلقاء العداوة و البغضاء بينهم إلى يوم القيامة على ما تصرح به آيات الكتاب العزيز.
و في قوله تعالى: أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة و ما لهم من ناصرين، دلالة أولا: على حبط عمل من قتل رجلا من جهة أمره بالمعروف أو نهيه عن المنكر.
و ثانيا على عدم شمول الشفاعة له يوم القيامة لقوله: و ما لهم من ناصرين.
قوله تعالى: أ لم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب إلى آخر الآية يومىء إلى تسجيل البغي على أهل الكتاب حسب ما نسبه الله تعالى إليهم و أنهم يبغون باتخاذ الخلاف و إيجاد اختلاف الكلمة في الدين فإنها إذا دعوا إلى حكم الكتاب كتاب الله بينهم لم يسلموا له و تولوا و أعرضوا عنه و ليس ذلك إلا باغترارهم بقولهم لن تمسنا «الخ» و بما افتروه على الله في دينهم.
و المراد بالذين أوتوا نصيبا من الكتاب أهل الكتاب و إنما لم يقل: أوتوا الكتاب، و قيل: أوتوا نصيبا من الكتاب ليدل على أن الذي في أيديهم من الكتاب ليس إلا نصيبا منه دون جميعه لأن تحريفهم له و تغييرهم و تصرفهم في كتاب الله أذهب كثيرا من أجزائه كما يومىء إليه قوله في آخر الآية التالية: و غرهم في دينهم ما كانوا يفترون، و كيف كان فالمراد - و الله أعلم - أنهم يتولون عن حكم كتاب الله اعتزازا بما قالوا و اغترارا بما وضعوه من عند أنفسهم و استغناء به عن الكتاب.
قوله تعالى: ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار «الخ» معناه واضح، و اغترارهم بفريتهم التي افترتها أنفسهم مع أن الإنسان لا ينخدع عن نفسه مع العلم بأنها خدعة باطلة إنما هو لكون المغرورين غير المفترين، و على هذا فنسبة الافتراء الذي توسل إليها سابقوهم إلى هؤلاء المغرورين من اللاحقين لكونهم أمة واحدة يرضى بعضهم بفعال بعض.
و إما لأن الاغترار بغرور النفس و الغرور بالفرية الباطلة مع العلم بكونها فرية باطلة و ذكر المغرور أنه هو الذي افترى ما يغتر به من الفرية ليس من أهل الكتاب و من اليهود خاصة ببعيد و قد حكى الله عنهم مثله بل ما هو أعجب من ذلك حيث قال تعالى: «و إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا و إذا خلى بعضهم إلى بعض قالوا أ تحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أ فلا تعقلون أ و لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون و ما يعلنون»: البقرة - 77.
على أن الإنسان يجري في أعماله و أفعاله على ما تحصل عنده من الأحوال أو الملكات النفسانية، و الصور التي زينتها و نمقتها له نفسه دون الذي حصل له العلم به كما أن المعتاد باستعمال المضرات كالبنج و الدخان و أكل التراب و نحوها يستعملها و هو يعلم أنها مضرة، و أن استعمال المضر مما لا ينبغي إلا أن الهيئة الحاصلة في نفسه ملذة له جاذبة إياه إلى الاستعمال لا تدع له مجالا للتفكر و الاجتناب، و نظائر ذلك كثيرة.
فهم لاستحكام الكبر و البغي و حب الشهوات في أنفسهم يجرون على طبق ما تدعوهم إليه فريتهم فكانت فريتهم هي الغارة لهم في دينهم، و هم مع ذلك كرروا ذكر ما افتروه على الله سبحانه و لم يزالوا يكررونه و يلقنونه أنفسهم حتى أذعنوا به أي اطمأنوا و ركنوا إليه بالتلقين الذي يؤثر أثر العلم كما بينه علماء النفس فصارت الفرية الباطلة بالتكرار و التلقين تغرهم في دينهم و تمنعهم عن التسليم لله و الخضوع للحق الذي أنزله في كتابه.
قوله تعالى: فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه إلى آخر الآية، مدخول كيف مقدر يدل عليه الكلام مثل يصنعون و نحوه، و في الآية إيعاد لهؤلاء الذين تولوا إذا دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم و هم معرضون غير أنه لما أريد بيان أنهم غير معجزين لله سبحانه أخذ في الكلام من حالهم يوم القيامة و هم مستسلمون يومئذ ما يضاهي حالهم في الدنيا عند الدعوة إلى حكم كتاب الله و هم غير مسلمين له مستكبرون عنه، و لهذا أخذ بالمحاذاة بين الكلامين، و عبر عن ما يجري عليهم يوم القيامة بمثل قوله: إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه «الخ» دون أن يقال: إذا أحييناهم أو بعثناهم أو ما يماثل ذلك.
و المعنى - و الله أعلم - أنهم يتولون و يعرضون إذا دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم اغترارا بما افتروه في دينهم و استكبارا عن الحق فكيف يصنعون إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه و هو يوم القضاء الفصل، و الحكم الحق و وفيت كل نفس ما كسبت و الحكم حكم عدل و هم لا يظلمون، و إذا كان كذلك كان الواجب عليهم أن لا يتولوا و يعرضوا مظهرين بذلك أنهم معجزون لله غالبون على أمره فإن القدرة كله لله و ما هي إلا أيام مهلة و فتنة.
بحث روائي
في تفسير العياشي، عن محمد بن مسلم قال: سألته عن قوله إن الدين عند الله الإسلام فقال: الذي فيه الإيمان.
و عن ابن شهرآشوب عن الباقر (عليه السلام): في قوله تعالى: إن الدين عند الله الإسلام الآية قال التسليم: لعلي بن أبي طالب بالولاية.
أقول: و هو من الجري، و لعل ذلك هو المراد أيضا من الرواية السابقة.
و عنه أيضا عن علي (عليه السلام) قال: لأنسبن الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي، و لا ينسبها أحد بعدي الإسلام هو التسليم، و التسليم هو اليقين، و اليقين هو التصديق، و التصديق هو الإقرار، و الإقرار هو الأداء، و الأداء هو العمل، المؤمن أخذ دينه عن ربه، إن المؤمن يعرف إيمانه في عمله، و إن الكافر يعرف كفره بإنكاره. أيها الناس! دينكم دينكم فإن السيئة فيه خير من الحسنة في غيره إن السيئة فيه تغفر، و إن الحسنة في غيره لا تقبل.
أقول: قوله (عليه السلام): لأنسبن الإسلام نسبة، المراد بالنسبة التعريف كما سميت سورة التوحيد في الأخبار بنسبة الرب و الذي عرف به تعريف باللازم في غير الأول أعني قوله: الإسلام هو التسليم فإنه تعريف لفظي عرف فيه اللفظ بلفظ آخر أوضح منه، و يمكن أن يراد بالإسلام المعنى الاصطلاحي له و هو هذا الدين الذي أتى به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إشارة إلى قوله تعالى: إن الدين عند الله الإسلام، و بالتسليم الخضوع و الانقياد ذاتا و فعلا فيعود الجميع إلى التعريف باللازم.
و المعنى: أن هذا الدين المسمى بالإسلام يستتبع خضوع الإنسان لله سبحانه ذاتا و فعلا، و وضعه نفسه و أعماله تحت أمره و إرادته و هو التسليم و التسليم، لله يستتبع أو يلزم اليقين بالله و ارتفاع الريب فيه و اليقين يستتبع التصديق و إظهار صدق الدين، و التصديق يستتبع الإقرار و هو الإذعان بقراره و كونه ثابتا لا يتزلزل في مقره و لا يزول عن مكانه، و إقراره يستتبع أداءه و أداؤه يستتبع العمل.
و قوله (عليه السلام): و إن الحسنة في غيره لا تقبل المراد بعدم القبول عدم الثواب بإزائه في الآخرة، أو عدم الأثر الجميل المحمود عند الله في الدنيا بسعادة الحيوة و في الآخرة بنعيم الجنة فلا ينافي ما ورد أن الكفار يوجرون في مقابل حسناتهم بشيء من حسنات الدنيا، قال تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره»: الزلزال - 7.
و في المجمع، عن أبي عبيدة الجراح قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد عذابا يوم القيامة؟ قال رجل قتل نبيا أو رجلا أمر بمعروف أو نهى عن منكر ثم قرأ: الذين يقتلون النبيين بغير حق و يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ثم قال: يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة و أربعين نبيا في ساعة فقام مائة رجل و اثنا عشر رجلا من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف، و نهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا آخر النهار من ذلك اليوم و هو الذي ذكره الله.
أقول: و روي هذا المعنى في الدر المنثور، عن ابن جرير و ابن أبي حاتم عن أبي عبيدة.
و في الدر المنثور،: أخرج ابن إسحاق و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله فقال له النعمان بن عمرو و حرث بن زيد على أي دين أنت يا محمد قال: على ملة إبراهيم و دينه، قالا: فإن إبراهيم كان يهوديا، فقال لهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فهلما إلى التوراة فهي بيننا و بينكم فأبيا عليه فأنزل الله: أ لم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم إلى قوله: و غرهم في دينهم ما كانوا يفترون.
أقول: و روى بعضهم: أن قوله تعالى: أ لم تر نزل في قصة الرجم و سيجيء ذكرها في ذيل الكلام على قوله تعالى: «يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب الآية: المائدة - 15، و الروايتان من الآحاد و ليستا بتلك القوة.
|