بيان
إجمال قصة شعيب (عليه السلام) و هو من أنبياء العرب، و هي آخر القصص السبع الموردة في السورة.
قوله تعالى: «كذب أصحاب الأيكة المرسلين - إلى قوله - رب العالمين» الأيكة الغيضة الملتف شجرها.
قيل: إنها كانت غيضة بقرب مدين يسكنها طائفة و كانوا ممن بعث إليهم شعيب (عليه السلام)، و كان أجنبيا منهم و لذلك قيل: «إذ قال لهم شعيب» و لم يقل: أخوهم شعيب بخلاف هود و صالح فقد كانا نسيبين إلى قومهما و كذا لوط فقد كان نسيبا إلى قومه بالمصاهرة و لذا عبر عنهم بقوله: «أخوهم هود» «أخوهم صالح» «أخوهم لوط».
و قد تقدم تفسير باقي الآيات.
قوله تعالى: «أوفوا الكيل و لا تكونوا من المخسرين و زنوا بالقسطاس المستقيم» الكيل ما يقدر به المتاع من جهة حجمه و إيفاؤه أن لا ينقص الحجم، و القسطاس الميزان الذي يقدر به من جهة وزنه و استقامته أن يزن بالعدل، و الآيتان تأمران بالعدل في الأخذ و الإعطاء بالكيل و الوزن.
قوله تعالى: «و لا تبخسوا الناس أشياءهم و لا تعثوا في الأرض مفسدين» البخس النقص في الوزن و التقدير كما أن الإخسار النقص في رأس المال.
و ظاهر السياق أن قوله: «و لا تبخسوا الناس أشياءهم» أي سلعهم و أمتعتهم قيد متمم لقوله: «و زنوا بالقسطاس المستقيم» كما أن قوله: «و لا تكونوا من المخسرين» قيد متمم لقوله: «أوفوا الكيل» و قوله: «و لا تعثوا في الأرض مفسدين» تأكيد للنهيين جميعا أعني قوله: «لا تكونوا من المخسرين» و قوله: «لا تبخسوا» و بيان لتبعة التطفيف السيئة المشئومة.
و قوله: «و لا تعثوا في الأرض مفسدين» العثي و العيث الإفساد، فقوله: «مفسدين» حال مؤكد و قد تقدم في قصة شعيب من سورة هود و في قوله: «و زنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير و أحسن تأويلا»: الآية - 35 من سورة الإسراء كلام في كيفية إفساد التطفيف المجتمع الإنساني، فراجع.
قوله تعالى: «و اتقوا الذي خلقكم و الجبلة الأولين» قال في المجمع:، الجبلة الخليقة التي طبع عليها الشيء.
انتهى.
فالمراد بالجبلة ذوو الجبلة أي اتقوا الله الذي خلقكم و آباءكم الأولين الذين فطرهم و قرر في جبلتهم تقبيح الفساد و الاعتراف بشؤمه.
و لعل هذا الذي أشرنا إليه من المعنى هو الموجب لتخصيص الجبلة بالذكر، و في الآية على أي حال دعوة إلى توحيد العبادة فإنهم لم يكونوا يتقون الخالق الذي هو رب العالمين.
قوله تعالى: «قالوا إنما أنت من المسحرين» - إلى قوله: و إن نظنك لمن الكاذبين» تقدم تفسير الصدر، و: «إن في قوله: «إن نظنك» مخففة من الثقيلة.
قوله تعالى: «فأسقط علينا كسفا من السماء» إلخ، الكسف بالكسر فالفتح - على ما قيل - جمع كسفة و هي القطعة، و الأمر مبني على التعجيز و الاستهزاء.
قوله تعالى: «قال ربي أعلم بما تعملون» جواب شعيب عن قولهم و اقتراحهم منه إتيان العذاب، و هو كناية عن أنه ليس له من الأمر شيء و إنما الأمر إلى الله لأنه أعلم بما يعملون و أن عملهم هل يستوجب عذابا؟ و ما هو العذاب الذي يستوجبه إذا استوجب؟ فهو كقول هود لقومه: «إنما العلم عند الله و أبلغكم ما أرسلت به»: الأحقاف: 23.
قوله تعالى: «فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة» إلخ، يوم الظلة يوم عذب فيه قوم شعيب بظلة من الغمام، و قد تقدم تفصيل قصتهم في سورة هود.
قوله تعالى: «إن في ذلك لآية - إلى قوله - العزيز الرحيم»: تقدم تفسيره.
بحث روائي
في جوامع الجامع،: في قوله تعالى: «إذ قال لهم شعيب» و في الحديث أن شعيبا أخا مدين أرسل إليهم و إلى أصحاب الأيكة.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و اتقوا الذي خلقكم و الجبلة الأولين» قال: الخلق الأولين، و قوله: «فكذبوه» قال: قوم شعيب «فأخذهم عذاب يوم الظلة» قال: يوم حر و سمائم.
|