بيان
إجمال من قصة صالح النبي (عليه السلام) و قومه، و جانب الإنذار في الآيات يغلب على جانب التبشير كما تقدمت الإشارة إليه.
قوله تعالى: «و لقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا» - إلى قوله - - يختصمون» الاختصام و التخاصم التنازع و توصيف التثنية بالجمع أعني قوله: «فريقان» بقوله: «يختصمون» لكون المراد بالفريقين مجموع الأمة و «إذا» فجائية.
و المعنى: و أقسم لقد أرسلنا إلى قوم ثمود أخاهم و نسيبهم صالحا و كان المرجو أن يجتمعوا على الإيمان لكن فاجأهم أن تفرقوا فريقين مؤمن و كافر يختصمون و يتنازعون في الحق كل يقول: الحق معي، و لعل المراد باختصامهم ما حكاه الله عنهم في موضع آخر بقوله: «قال الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أ تعلمون
أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون»: الأعراف: 76.
و من هنا يظهر أن أحد الفريقين جمع من المستضعفين آمنوا به و الآخر المستكبرون و باقي المستضعفين ممن اتبعوا كبارهم.
قوله تعالى: «قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة» إلخ الاستعجال بالسيئة قبل الحسنة المبادرة إلى سؤال العذاب قبل الرحمة التي سببها الإيمان و الاستغفار.
و به يظهر أن صالحا (عليه السلام) إنما وبخهم بقوله هذا بعد ما عقروا الناقة و قالوا له: يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين فيكون قوله: «لو لا تستغفرون الله لعلكم ترحمون» تحضيضا إلى الإيمان و التوبة لعل الله يرحمهم فيرفع عنهم ما وعدهم من العذاب وعدا غير مكذوب.
قوله تعالى: «قالوا اطيرنا بك و بمن معك قال طائركم عند الله» إلخ التطير هو التشؤم، و كانوا يتشأمون كثيرا بالطير و لذا سموا التشؤم تطيرا و نصيب الإنسان من الشر طائرا كما قيل.
فقولهم خطابا لصالح: «اطيرنا بك و بمن معك» أي تشأمنا بك و بمن معك ممن آمن بك و لزمك لما أن قيامك بالدعوة و إيمانهم بك قارن ما ابتلينا به من المحن و البلايا فلسنا نؤمن بك.
و قوله خطابا للقوم: «طائركم عند الله» أي نصيبكم من الشر و هو الذي تستوجبه أعمالكم من العذاب عند الله سبحانه.
و لذا أضرب عن قوله: «طائركم عند الله» بقوله: «بل أنتم قوم تفتنون» أي تختبرون بالخير و الشر ليمتاز مؤمنكم من كافركم و مطيعكم من عاصيكم.
و معنى الآية: قال القوم: تطيرنا بك يا صالح و بمن معك فلن نؤمن و لن نستغفر قال صالح: طائركم الذي فيه نصيبكم من الشر عند الله و هو كتاب أعمالكم و لست أنا و من معي ذوي أثر فيكم حتى نسوق إليكم هذه الابتلاءات بل أنتم قوم تختبرون و تمتحنون بهذه الأمور ليمتاز مؤمنكم من كافركم و مطيعكم من عاصيكم.
و ربما قيل: إن الطائر هو السبب الذي منه يصيب الإنسان ما يصيبه من الخير
و الشر، فإنهم كما كانوا يتشأمون بالطير كانوا أيضا يتيمنون به و الطائر عندهم الأمر الذي يستقبل الإنسان بالخير و الشر كما في قوله تعالى: «و كل إنسان ألزمناه طائره في عنقه و نخرج له يوم القيامة كتابا»: إسراء: 13، و إذ كان ما يستقبل الإنسان من خير أو شر هو بقضاء من الله سبحانه مكتوب في كتاب فالطائر هو الكتاب المحفوظ فيه ما قدر للإنسان.
و فيه أن ظاهر ذيل آية الإسراء أن المراد بالطائر هو كتاب الأعمال دون كتاب القضاء كما يدل عليه قوله: «اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا».
و قيل: معنى «بل أنتم قوم تفتنون» أي تعذبون، و ما ذكرناه أولا أنسب.
قوله تعالى: «و كان في المدينة تسعة رهط» إلخ قال الراغب: الرهط العصابة دون العشرة و قيل إلى الأربعين انتهى، و قيل: الفرق بين الرهط و النفر أن الرهط من الثلاثة أو السبعة إلى العشرة و النفر من الثلاثة إلى التسعة انتهى.
قيل: المراد بالرهط الأشخاص و لذا وقع تمييزا للتسعة لكونه في معنى الجمع فقد كان المتقاسمون تسعة رجال.
قوله تعالى: «قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه و أهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله و إنا لصادقون» التقاسم المشاركة في القسم، و التبييت القصد بالسوء ليلا، و أهل الرجل من يجمعه و إياهم بيت أو نسب أو دين، و لعل المراد بأهله زوجه و ولده بقرينة قوله بعد: «ثم لنقولن لوليه ما شهدنا»، و قوله: «و إنا لصادقون» معطوف على قوله: «ما شهدنا» فيكون من مقول القول.
و المعنى: قال الرهط المفسدون و قد تقاسموا بالله: لنقتلنه و أهله بالليل ثم نقول لوليه إذا عقبنا و طلب الثأر ما شهدنا هلاك أهله و إنا لصادقون في هذا القول، و نفي مشاهدة مهلك أهله نفي لمشاهدة مهلك نفسه بالملازمة أو الأولوية، على ما قيل.
و ربما قيل: إن قوله: «و إنا لصادقون» حال من فاعل نقول أي نقول لوليه كذا و الحال أنا صادقون في هذا القول لأنا شهدنا مهلكه و أهله جميعا لا مهلك أهله فقط.
و لا يخفى ما فيه من التكلف و قد وجه بوجوه أخر أشد تكلفا منه و لا ملزم لأصل الحالية.
قوله تعالى: «و مكروا مكرا و مكرنا مكرا و هم لا يشعرون» أما مكرهم فهو التواطىء على تبييته و أهله و التقاسم بشهادة السياق السابق و أما مكره تعالى فهو تقديره هلاكهم جميعا بشهادة السياق اللاحق.
قوله تعالى: «فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم و قومهم أجمعين» التدمير الإهلاك، و ضمائر الجمع للرهط، و كون عاقبة مكرهم هو إهلاكهم و قومهم من جهة أن مكرهم استدعى المكر الإلهي على سبيل المجازاة، و استوجب ذلك إهلاكهم و قومهم.
قوله تعالى: «فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا» إلخ، الخاوية الخالية من الخواء بمعنى الخلاء، و الباقي ظاهر.
قوله تعالى: «و أنجينا الذين آمنوا و كانوا يتقون» فيه تبشير للمؤمنين بالإنجاء، و قد أردفه بقوله: «و كانوا يتقون» إذ التقوى كالمجن للإيمان و قد قال تعالى: «و العاقبة للمتقين»: الأعراف: 128، و قال: «و العاقبة للتقوى»: طه: 132.
|