بيان
تذكر الآيات عذرا آخر مما اعتذر به مشركو مكة عن الإيمان بكتاب الله بعد ما ذكرت عذرهم السابق: «لو لا أوتي مثل ما أوتي موسى» و ردته و هو قولهم: إن آمنا بما جاء به كتابك من الهدى و هو دين التوحيد تخطفنا مشركو العرب من أرضنا بالقتل و السبي و النهب و سلب الأمن و السلام.
فرده تعالى بأنا جعلنا لهم حرما آمنا يحترمه العرب و يجبى إليه ثمرات كل شيء فلا موجب لخوفهم من تخطفهم.
على أن تنعمهم بالأموال و الأولاد و بطر معيشتهم لا يضمن لهم الأمن من الهلاك حتى يرجحوه على اتباع الهدى فكم من قرية بطرت معيشتها أهلكها الله و استأصلها و ورثها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا.
على أن الذي يؤثرونه على اتباع الهدى إنما هو متاع الحياة الدنيا العاجلة و لا يختاره عاقل على الحياة الآخرة الخالدة التي عند الله سبحانه.
على أن الخلق و الأمر لله فإذا اختار شيئا و أمر به فليس لأحد أن يخالفه إلى ما يشتهيه لنفسه فيختار ما يميل إليه طبعه ثم استشهد تعالى بقصة قارون و خسفه به و بداره الأرض.
قوله تعالى: «و قالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا» إلى آخر الآية.
التخطف الاختلاس بسرعة، و قيل الخطف و التخطف الاستلاب من كل وجه، و كان تخطفهم من أرضهم استعارة أريد به القتل و السبي و نهب الأموال كأنهم و ما يتعلق بهم من أهل و مال يؤخذون فتخلو منهم أرضهم، و المراد بالأرض أرض مكة و الحرم بدليل قوله بعد: «أ و لم نمكن لهم حرما آمنا» و القائل بعض مشركي مكة.
و الجملة مسوقة للاعتذار عن الإيمان بأنهم إن آمنوا تخطفتهم العرب من أرضهم أرض مكة لأنهم مشركون لا يرضون بإيمانهم و رفض أوثانهم فهو من قبيل إبداء المانع ففيه اعتراف بحقية أصل الدعوة و أن الكتاب بما يشتمل عليه حق لكن خطر التخطف مانع من قبوله و الإيمان به، و لهذا عبر بقوله: «إن نتبع الهدى معك» و لم يقل: إن نتبع كتابك أو دينك أو ما يقرب من ذلك.
و قوله: «أ و لم نمكن لهم حرما آمنا» قيل: التمكين مضمن معنى الجعل و المعنى أ و لم نجعل لهم حرما آمنا ممكنين إياهم، و قيل: حرما منصوبا على الظرفية و المعنى: أ و لم نمكن لهم في حرم، و «آمنا» صفة «حرما» أي حرما ذا أمن، و عد الحرم ذا أمن - و المتلبس بالأمن أهله - من المجاز في النسبة، و الجملة معطوفة على محذوف و التقدير أ و لم نعصمهم و نجعل لهم حرما آمنا ممكنين إياهم.
و هذا جواب أول منه تعالى لقولهم: «إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا» و محصله: أنا مكناهم في أرض جعلناها حرما ذا أمن تحترمه العرب فلا موجب لخوفهم أن يتخطفوا منها أن آمنوا.
و قوله: «يجبى إليه ثمرات كل شيء» الجباية الجمع، و الكل للتكثير لا للعموم لعدم إرادة العموم قطعا، و المعنى: يجمع إلى الحرم ثمرات كثير من الأشياء، و الجملة صفة لحرما جيء بها لما عسى أن يتوهم أنهم يتضررون إن آمنوا بانقطاع الميرة.
و قوله: «رزقا من لدنا» مفعول مطلق أو حال من ثمرات، و قوله: «و لكن أكثرهم لا يعلمون» استدراك عن جميع ما تقدم أي إنا نحن حفظناهم في أمن و رزقناهم من كل الثمرات لكن أكثرهم جاهلون بذلك فيحسبون أن الذي يحفظهم من تخطف العرب هو شركهم و عبادتهم الأصنام.
قوله تعالى: «و كم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها» إلى آخر الآية البطر الطغيان عند النعمة، و «معيشتها» منصوب بنزع الخافض أي و كم أهلكنا من قرية طغت في معيشتها.
و قوله: «فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا» أي إن مساكنهم الخربة الخاوية على عروشها مشهودة لكم نصب أعينكم باقية على خرابها لم تعمر و لم تسكن بعد هلاكهم إلا قليلا منها.
و بذلك يظهر أن الأنسب كون «إلا قليلا» استثناء من «مساكنهم» لا من قوله: «من بعدهم» بأن يكون المعنى لم تسكن من بعدهم إلا زمانا قليلا إذ لا يسكنها إلا المارة يوما أو بعض يوم في الأسفار.
و قوله: «و كنا نحن الوارثين» حيث ملكوها ثم تركوها فلم يخلفهم غيرنا فنحن ورثناهم مساكنهم، و في الجملة أعني قوله: «كنا نحن الوارثين» عناية لطيفة فإنه تعالى هو المالك لكل شيء ملكا حقيقيا مطلقا فهو المالك لمساكنهم و قد ملكها إياهم بتسليطهم عليها ثم نزعها من أيديهم بإهلاكهم و بقيت بعدهم لا مالك لها إلا هو فسمى نفسه وارثا لهم بعناية أنه الباقي بعدهم و هو المالك لما كان بأيديهم كان ملكهم الاعتباري انتقل إليه و لا انتقال هناك بالحقيقة و إنما ظهر ملكه الحقيقي بزوال ملكهم الاعتباري.
و الآية جواب ثان منه تعالى لقولهم: «إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا» و محصله أن مجرد عدم تخطف العرب لكم من أرضكم لا يضمن لكم البقاء و لا يحفظ لكم أرضكم و التنعم فيها كما تشاءون فكم من قرية بالغة في التنعم ذات أشر و بطر أهلكنا أهلها و بقيت مساكنهم خالية غير مسكونة لا وارث لها إلا الله.
قوله تعالى: «و ما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا» أم القرى هي أصلها و كبيرتها التي ترجع إليها و في الآية بيان السنة الإلهية في عذاب القرى بالاستئصال و هو أن عذاب الاستئصال لا يقع منه تعالى إلا بعد إتمام الحجة عليهم بإرسال رسول يتلو عليهم آيات الله، و إلا بعد كون المعذبين ظالمين بالكفر بآيات الله و تكذيب رسوله.
و في تعقيب الآية السابقة بهذه الآية الشارحة لسنته تعالى في إهلاك القرى تخويف لأهل مكة المشركين بالإيماء إلى أنهم لو أصروا على كفرهم كانوا في معرض نزول العذاب لأن الله قد بعث في أم قراهم و هي مكة رسولا يتلو عليهم آياته و هم مع ذلك ظالمون بتكذيب رسولهم.
و بذلك يظهر النكتة في الالتفات من التكلم بالغير إلى الغيبة في قوله: «و ما كان ربك مهلك القرى» فإن في الإيماء إلى حصول شرائط العذاب فيهم لو كذبوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تقوية لنفسه و تأكيدا لحجته، و أما العدول بعده إلى سياق التكلم بالغير في قوله: «و ما كنا مهلكي القرى» فهو رجوع إلى السياق السابق بعد قضاء الوطر.
قوله تعالى: «و ما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا» إلخ الإيتاء: الإعطاء و «من شيء» بيان لما لإفادة العموم أي كل شيء أوتيتموه، و المتاع ما يتمتع به و الزينة ما ينضم إلى الشيء ليفيده جمالا و حسنا، و الحياة الدنيا الحياة المؤجلة المقطوعة التي هي أقرب الحياتين منا و تقابلها الحياة الآخرة التي هي خالدة مؤبدة، و المراد بما عند الله الحياة الآخرة السعيدة التي عند الله و جواره و لذا عد خيرا و أبقى.
و المعنى: أن جميع النعم الدنيوية التي أعطاكم الله إياها متاع و زينة زينت بها هذه الحياة الدنيا التي هي أقرب الحياتين منكم و هي بائدة فانية و ما عند الله من ثوابه في الدار الآخرة المترتب على اتباع الهدى و الإيمان بآيات الله خير و أبقى فينبغي أن تؤثروه على متاع الدنيا و زينتها أ فلا تعقلون.
و الآية جواب ثالث عن قولهم: «إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا» محصله لنسلم أنكم إن اتبعتم الهدى تخطفكم العرب من أرضكم لكن الذي تفقدونه هو متاع الحياة الدنيا و زينتها الفانية فما بالكم تؤثرونه على ما عند الله من ثواب اتباع الهدى و سعادة الحياة الآخرة و هي خير و أبقى.
قوله تعالى: «أ فمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين» الآية إلى تمام سبع آيات إيضاح لمضمون الآية السابقة - و هو أن إيثار اتباع الهدى أولى من تركه و التمتع بمتاع الحياة الدنيا - ببيان آخر فيه مقايسة حال من اتبع الهدى و ما يلقاه من الوعد الحسن الذي وعده الله، من حال من لم يتبعه و اقتصر على التمتع من متاع الحياة الدنيا و سيستقبله يوم القيامة الإحضار و تبري آلهته منه و عدم استجابتهم لدعوته و مشاهدة العذاب و السؤال عن إجابتهم الرسل.
فقوله: «أ فمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه» الاستفهام إنكاري، و الوعد الحسن هو وعده تعالى بالمغفرة و الجنة كما قال تعالى: «وعد الله الذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم مغفرة و أجر عظيم»: المائدة: 9، و لا يكذب وعده تعالى قال: «ألا إن وعد الله حق:» يونس: 55.
و قوله: «كمن متعناه متاع الحياة الدنيا» أي و هو محروم من ذلك الوعد الحسن لاقتصاره على التمتع بمتاعها، و الدليل على هذا التقييد المقابلة بين الوعد و التمتيع.
و قوله: «ثم هو يوم القيامة من المحضرين» أي للعذاب، أو للسؤال و المؤاخذة و «ثم» للترتيب الكلامي و إتيان الجملة اسمية كما فيما يقابلها من قوله: «فهو لاقيه» للدلالة على التحقق.
قوله تعالى: «و يوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون» الشركاء هم الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا و كونهم شركاء عندهم لكونهم يعطونهم أو ينسبون إليهم بعض ما هو من شئونه تعالى كالعبادة و التدبير، و في قوله: «يناديهم» إشارة إلى بعدهم و خذلانهم يومئذ.
قوله تعالى: «قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا» آلهتهم الذين يرونهم شركاء لله سبحانه صنفان صنف منهم عباد لله مكرمون كالملائكة المقربين و عيسى بن مريم (عليهما السلام)، و صنف منهم كعتاة الجن و مدعي الألوهية من الإنس كفرعون و نمرود و غيرهما و قد ألحق الله سبحانه بهم كل مطاع في باطل كإبليس و قرناء الشياطين و أئمة الضلال كما قال: أ لم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان - إلى أن قال - و لقد أضل منكم جبلا كثيرا»: يس: 62، و قال: «أ فرأيت من اتخذ إلهه هواه:» الجاثية: 23، و قال: «اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله»: التوبة: 31.
و الذين يشير إليهم قوله: «قال الذين حق عليهم القول» هم من الصنف الثاني بدليل ذكرهم إغواءهم و تبريهم من عبادتهم و هؤلاء المشركون و إن كانوا أنفسهم أيضا ممن حق عليهم القول كما يشير إليه قوله: «حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة و الناس أجمعين»: الم السجدة: 13، و لكن المراد بهم في الآية المبحوث عنها المتبوعون منهم الذين ينتهي إليهم الشرك و الضلال.
و إيراد قول هؤلاء الشركاء مع عدم ذكر أن المسئولين أشاروا إليهم لعله للإشارة إلى أنهم ضلوا عنهم في هذا الموقف كما في قوله تعالى: «و يوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد و ضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل:» حم السجدة: 48.
و قوله: «ربنا هؤلاء الذين أغوينا» أي هؤلاء - يشيرون إلى المشركين - هم الذين أغويناهم و الجملة توطئة للجملة التالية.
و قوله: «أغويناهم كما غوينا» أي كانت غوايتهم بإغوائنا لغوايتنا أنفسنا فكما كنا غوينا باختيارنا من غير إلجاء كذلك هم غووا باختيار منهم من غير إلجاء، و الدليل على هذا المعنى ما حكاه الله عن إبليس يومئذ إذ قال: «و ما كان لي عليكم من سلطان. إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني و لوموا أنفسكم»: إبراهيم: 22، و قال حاكيا لتساؤل الظالمين و قرنائهم: «و أقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين قالوا بل لم تكونوا مؤمنين و ما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون فأغويناكم إنا كنا غاوين»: الصافات: 32، أي ما كان ليصل إليكم منا و نحن غاون غير الغواية.
و من هنا يظهر أن لقولهم: «أغويناهم كما غوينا» معنى آخر، و هو أنهم اكتسبوا نظير الوصف الذي كان فينا غير أنا نتبرأ منهم حيث لم نلجئهم إلى الغواية ما كانوا يعبدوننا بإلجاء.
و قوله: «تبرأنا إليك» تبر منهم مطلقا حيث لم يكن لهم أن يلجئوهم و يسلبوا منهم الاختيار، و قوله «ما كانوا إيانا يعبدون» أي بإلجاء منا، أو لتبرينا من أعمالهم فإن من تبرأ من عمل لم ينتسب إليه و إلى هذا المعنى يئول قوله تعالى في مواضع من كلامه في وصف هذا الموقف: «و ضل عنهم ما كانوا يفترون»: الأنعام: 24 «و ضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل»: حم السجدة: 48 «و يوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم و شركاؤكم فزيلنا بينهم و قال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون»: يونس: 28، إلى غير ذلك من الآيات فافهم.
و قيل: المعنى تبرأنا إليك من أعمالهم ما كانوا إيانا يعبدون بل كانوا يعبدون أهواءهم أو كانوا يعبدون الشياطين.
و لا يخلو من سخافة.
و لكون كل من قوليه: «تبرأنا إليك» «ما كانوا إيانا يعبدون» في معنى قوله: «أغويناهم كما غوينا» جيء بالفصل من غير عطف.
قوله تعالى: «و قيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم و رأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون» المراد بشركائهم الآلهة التي كانوا شركاء لله بزعمهم و لذا أضافهم إليهم.
و المراد بدعوتهم دعوتهم إياهم لينصروهم و يدفعوا عنهم العذاب و لذا قال: «و رأوا العذاب» بعد قوله: «فلم يستجيبوا لهم».
و قوله: «لو أنهم كانوا يهتدون» قيل: جواب لو محذوف لدلالة الكلام عليه و التقدير لو أنهم كانوا يهتدون لرأوا العذاب أي اعتقدوا أن العذاب حق، و يمكن أن يكون لو للتمني أي ليتهم كانوا يهتدون.
قوله تعالى: «و يوم يناديهم فيقول ما ذا أجبتم المرسلين» معطوف على قوله السابق: «و يوم يناديهم» إلخ، سئلوا أولا: عن شركائهم و أمروا أن يستنصروهم، و ثانيا: عن جوابهم للمرسلين إليهم من عند الله.
و المعنى: ما ذا قلتم في جواب من أرسل إليكم من رسل الله فدعوكم إلى الإيمان و العمل الصالح؟.
قوله تعالى: «فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون» العمى استعارة عن جعل الإنسان بحيث لا يهتدي إلى خبر، و كان مقتضى الظاهر أن ينسب العمى إليهم لا إلى الأنباء لكن عكس الأمر فقيل: «فعميت عليهم الأنباء» للدلالة على أخذهم من كل جانب و سد جميع الطرق و تقطع الأسباب بهم كما قال: «و تقطعت بهم الأسباب»: البقرة: 166، فلسقوط الأسباب عن التأثير يومئذ لا تهتدي إليهم الأخبار و لا يجدون شيئا يعتذرون به للتخلص من العذاب.
و قوله: «فهم لا يتساءلون» تفريع على عمى الأنباء من قبيل تفرع بعض أفراد العام عليه أي لا يسأل بعضهم بعضا ليعدوا به عذرا يعتذرون به عن تكذيبهم الرسل و ردهم الدعوة.
و قد فسر صدر الآية و ذيلها بتفاسير كثيرة مختلفة لا جدوى في التعرض لها فرأينا الصفح عنها أولى.
قوله تعالى: «فأما من تاب و آمن و عمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين» أي هذه حال من كفر و لم يرجع إلى الله سبحانه فأما من رجع و آمن و عمل صالحا فمن المرجو أن يكون من المفلحين، و عسى - كما قيل - للتحقيق على عادة الكرام أو للترجي من قبل التائب، و المعنى: فليتوقع الفلاح.
قوله تعالى: «و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله و تعالى عما يشركون» الخيرة بمعنى التخير كالطيرة بمعنى التطير.
و الآية جواب رابع عن قولهم: «إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا» و الذي يتضمنه حجة قاطعة.
بيان ذلك: أن الخلق و هو الصنع و الإيجاد ينتهي إليه تعالى كما قال: «الله خالق كل شيء»: الزمر: 62 فلا مؤثر في الوجود بحقيقة معنى التأثير غيره تعالى فلا شيء هناك يلجئه تعالى على فعل من الأفعال فإن هذا الشيء المفروض إما مخلوق له منته في وجوده إليه فوجوده و آثار وجوده ينتهي إليه تعالى و لا معنى لتأثير الشيء و لا لتأثير أثره في نفسه و إما غير مخلوق له و لا منته في وجوده إليه يؤثر فيه بالإلجاء و القهر و لا مؤثر في الوجود غيره و لا أن هناك شيئا لا ينتهي في وجوده إليه تعالى فلا يعطيه شيء أثرا و لا يمنعه شيء من أثر كما قال: «و الله يحكم لا معقب لحكمه»: الرعد: 41، و قال: و الله غالب على أمره»: يوسف: 21.
و إذ لا قاهر يقهره على فعل و لا مانع يمنعه عن فعل فهو مختار بحقيقة معنى الاختيار هذا بحسب التكوين و التشريع يتبعه فإن حقيقة التشريع هي أنه فطر الناس على فطرة لا تستقيم إلا بإتيان أمور هي الواجبات و ما في حكمها و ترك أمور هي المحرمات و ما في حكمها فما ينتفع به الإنسان في كماله و سعادته هو الذي أمر به و ندب إليه و ما يتضرر به هو الذي نهى عنه و حذر منه.
فله تعالى أن يختار في مرحلة التشريع من الأحكام و القوانين ما يشاء كما أن له أن يختار في مرحلة التكوين من الخلق و التدبير ما يشاء، و هذا معنى قوله: «و ربك يخلق ما يشاء و يختار» و قد أطلق إطلاقا.
و الظاهر أن قوله: «يخلق ما يشاء» إشارة إلى اختياره التكويني فإن معنى إطلاقه أنه لا تقصر قدرته عن خلق شيء و لا يمنعه شيء عما يشاؤه و بعبارة أخرى لا يمتنع عن مشيته شيء لا بنفسه و لا بمانع يمنع و هذا هو الاختيار بحقيقة معناه، و قوله: «و يختار» إشارة إلى اختياره التشريعي الاعتباري و يكون عطفه على قوله: «يخلق ما يشاء» من عطف المسبب على سببه لكون التشريع و الاعتبار متفرعا على التكوين و الحقيقة.
و يمكن حمل قوله: «يخلق ما يشاء» على الاختيار التكويني و قوله: «و يختار» على الأعم من الحقيقة و الاعتبار لكن الوجه السابق أوجه، و من الدليل عليه كون المنفي في قوله الآتي: «ما كان لهم الخيرة» هو الاختيار التشريعي الاعتباري، و الاختيار المثبت في قوله «و يختار» يقابله فالمراد إثبات الاختيار التشريعي الاعتباري.
ثم لا ريب في أن الإنسان له اختيار تكويني بالنسبة إلى الأفعال الصادرة عنه بالعلم و الإرادة و إن لم يكن اختيارا مطلقا فإن للأسباب و العلل الخارجية دخلا في أفعاله إذ أكله لقمة من الطعام مثلا متوقف على تحقق مادة الطعام خارجا و قابليته و ملائمته و قربه منه و مساعدة أدوات الأخذ و القبض و الالتقام و المضغ و البلع و غير ذلك مما لا يحصى.
فصدور الفعل الاختياري عنه مشروط بموافقة الأسباب الخارجية الداخلية في تحقق فعله، و الله سبحانه في رأس تلك الأسباب جميعا و إليه ينتهي الكل و هو الذي خلق الإنسان منعوتا بنعت الاختيار و أعطاه خيرته كما أعطاه خلقه.
ثم إن الإنسان يرى بالطبع لنفسه اختيارا تشريعيا اعتباريا فيما يشاؤه من فعل أو ترك بحذاء اختياره التكويني فله أن يفعل ما يشاء و يترك ما يشاء من غير أن يكون لأحد من بني نوعه أن يحمله على شيء أو يمنعه عن شيء لكونهم أمثالا له لا يزيدون عليه بشيء في معنى الإنسانية و لا يملكون منه شيئا، و هذا هو المراد بكون الإنسان حرا بالطبع.
فالإنسان مختار في نفسه حر بالطبع إلا أن يملك غيره من نفسه شيئا فيسلب بنفسه عن نفسه الحرية كما أن الإنسان الاجتماعي يسلب عن نفسه الحرية بالنسبة إلى موارد السنن و القوانين الجارية في مجتمعه بدخوله في المجتمع و إمضائه ما يجري فيه من سنن و قوانين سواء كانت دينية أو اجتماعية، و كما أن المتقاتلين يملك كل منهما الآخر من نفسه ما يغلب عليه فللغالب منهما أن يفعل بأسيره ما يشاء، و كما أن الأجير إذا ابتاع عمله و آجر نفسه فليس بحر في عمله إذ المملوكية لا تجامع الحرية.
فالإنسان بالنسبة إلى سائر بني نوعه حر في عمله مختار في فعله إلا أن يسلب باختيار منه شيئا من اختياره فيملك غيره، و الله سبحانه يملك الإنسان في نفسه و في فعله الصادر منه ملكا مطلقا بالملك التكويني و بالملك الوضعي الاعتباري فلا خيرة له و لا حرية بالنسبة إلى ما يريده منه تشريعا بأمر أو نهي تشريعيين كما لا خيرة و لا حرية له بالنسبة إلى ما يشاؤه بمشيته التكوينية.
و هذا هو المراد بقوله: «ما كان لهم الخيرة» أي لا اختيار لهم إذا اختار الله سبحانه لهم شيئا من فعل أو ترك حتى يختاروا لأنفسهم ما يشاءون و إن خالف ما اختاره الله و الآية قريبة المعنى من قوله تعالى: «و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم»: الأحزاب: 36، و للقوم في تفسير الآية أقاويل مختلفة غير مجدية أغمضنا عنها من أراد الوقوف عليها فعليه بالرجوع إلى المطولات.
و قوله: «سبحان الله و تعالى عما يشركون» أي عن شركهم باختيارهم أصناما آلهة يعبدونها من دون الله.
و هاهنا معنى آخر أدق أي تنزه و تعالى عن شركهم بادعاء أن لهم خيرة بالنسبة إلى ما يختاره تعالى بقبوله أو رده فإن الخيرة بهذا المعنى لا تتم إلا بدعوى الاستقلال في الوجود و الاستغناء عنه تعالى و لا تتم إلا مع الاشتراك معه تعالى في صفة الألوهية.
و في قوله: «و ربك يخلق» التفات من التكلم بالغير إلى الغيبة و النكتة فيه تأييد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و تقويته و تطييب نفسه بإضافة صفة الرب إليه فإن معناه أن ما أرسله به من الحكم ماض غير مردود فلا خيرة لهم في قبوله و رده، و لأنهم لا يقبلون ربوبيته.
و في قوله: «سبحان الله» وضع الظاهر موضع المضمر و النكتة فيه إرجاع الأمر إلى الذات المتعالية التي هي المبدأ للتنزه و التعالي عن كل ما لا يليق بساحة قدسه فإنه تعالى يتصف بكل كمال و يتنزه عن كل نقص لأنه هو الله عز اسمه.
قوله تعالى: «و ربك يعلم ما تكن صدورهم و ما يعلنون» الإكنان الإخفاء و الإعلان الإظهار، و لكون الصدر يعد مخزنا للأسرار نسب الإكنان إلى الصدور و الإعلان إليهم أنفسهم.
و لعل تعقيب الآية السابقة بهذه الآية للإشارة إلى أنه تعالى إنما اختار لهم ما اختار لعلمه بما في ظاهرهم و باطنهم من أوساخ الشرك و المعصية فطهرهم بذلك بحكمته.
قوله تعالى: «و هو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى و الآخرة و له الحكم و إليه ترجعون» ظاهر السياق أن الضمير في صدر الآية راجع إلى «ربك» في الآية السابقة، و الظاهر على هذا أن اللام في اسم الجلالة للتلميح إلى معنى الوصف، و قوله: «لا إله إلا هو» تأكيد للحصر المستفاد من قوله: «هو الله» كأنه قيل: و هو الإله - المتصف وحده بالألوهية - لا إله إلا هو.
و على ذلك فالآية كالمتمم لبيان الآية السابقة كأنه قيل: هو سبحانه مختار له أن يختار عليهم أن يعبدوه وحده، و هو يعلم ظاهرهم و باطنهم فله أن يقضي عليهم أن يعبدوه وحده و هو الإله المستحق للعبادة وحده فيجب عليهم أن يعبدوه وحده.
و يكون ما في ذيل الآية من قوله: «له الحمد» إلخ، وجوها ثلاثة توجه كونه تعالى معبودا مستحقا للعبادة وحده.
أما قوله: «له الحمد في الأولى و الآخرة» فلأن كل كمال موجود في الدنيا و الآخرة نعمة نازلة منه تعالى يستحق بها جميل الثناء، و كل جميل من هذه النعم الموهوبة مترشحة من كمال ذاتي من صفاته الذاتية يستحق بها الثناء فله كل الثناء و لا يستقل شيء غيره بشيء من الثناء يثنى عليه به إلا و ينتهي إليه و العبادة ثناء بقول أو فعل فهو المعبود المستحق للعبادة وحده.
و أما قوله: «و له الحكم» فلأنه سبحانه هو المالك على الإطلاق لا يملك غيره إلا ما ملكه إياه و هو المالك لما ملكه و هو سبحانه مالك في مرحلة التشريع و الاعتبار كما أنه مالك في مرحلة التكوين و الحقيقة، و من آثار ملكه أن يقضي على عبيده و مملوكيه أن لا يعبدوا إلا إياه.
و أما قوله: «و إليه ترجعون» فلأن الرجوع للحساب و الجزاء و إذ كان هو المرجع فهو المحاسب المجازي و إذ كان هو المحاسب المجازي وحده فهو الذي يجب أن يعبد وحده و له دين يجب أن يتعبد به وحده.
قوله تعالى: «قل أ رأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة» إلى آخر الآية، السرمد على فعلل بمعنى الدائم، و قيل: هو من السرد و الميم زائدة و معناه المتتابع المطرد، و تقييده بيوم القيامة إذ لا ليل بعد يوم القيامة.
و قوله: «من إله غير الله يأتيكم بضياء» أي من الإله الذي ينقض حكمه تعالى و يأتيكم بضياء تستضيئون به و تسعون في طلب المعاش، هذا ما يشهد به السياق، و يجري نظيره في قوله الآتي: «من إله غير الله يأتيكم بليل» إلخ.
و بذلك يندفع ما استشكل على الآيتين من أنه لو فرض تحقق جعل الليل سرمدا إلى يوم القيامة لم يتصور معه الإتيان بضياء أصلا لأن الذي يأتي به إما هو الله تعالى و إما هو غيره أما غيره فعجزه عن ذلك ظاهر، و أما الله تعالى فإتيانه به يستلزم اجتماع الليل و النهار و هو محال و المحال لا يتعلق به القدرة و لا الإرادة، و كذا الكلام في جانب النهار.
و ربما أجيب عنه بأن المراد بقوله: «إن جعل الله عليكم» إن أراد الله أن يجعل عليكم.
و هو كما ترى.
و كان مقتضى الظاهر أن يقال: من إله غير الله يأتيكم بنهار، على ما يقتضيه سياق المقابلة بين الليل و النهار في الكلام لكن العدول إلى ذكر الضياء بدل النهار من قبيل الإلزام في الحجة بأهون ما يفرض و أيسره ليظهر بطلان مدعى الخصم أتم الظهور كأنه قيل: لو كان غيره تعالى إله يدبر أمر العالم فإن جعل الله الليل سرمدا فليقدر أن يأتي بالنهار، تنزلنا عن ذلك فليقدر أن يأتي بضياء ما تستضيئون به لكن لا قدرة لشيء على ذلك إن القدرة كلها لله سبحانه.
و لا يجري نظير هذا الوجه في الآية التالية في الليل حتى يصح أن يقال مثلا: من إله غير الله يأتيكم بظلمة لأن المأتي به إن كان ظلمة ما لم تكف للسكن و إن كان ظلمة ممتدة كانت هي الليل.
و تنكير «ضياء» يؤيد ما ذكر من الوجه، و قد أوردوا وجوها أخرى في ذلك لا تخلو من تعسف.
و قوله: «أ فلا تسمعون» أي سمع تفهم و تفكر حتى تتفكروا فتفهموا أن لا إله غيره تعالى.
قوله تعالى: «قل أ رأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه» أي تستريحون فيه مما أصابكم من تعب السعي للمعاش.
و قوله: «أ فلا تبصرون» أي إبصار تفهم و تذكر و إذ لم يبصروا و لم يسمعوا فهم عمي صم، و من اللطيف تذييل الآيتين بقوله: «أ فلا تسمعون» «أ فلا تبصرون» و لعل آية النهار خص بالإبصار لمناسبة ضوء النهار الإبصار و بقي السمع لآية الليل و هو لا يخلو من مناسبة معه.
قوله تعالى: «و من رحمته جعل لكم الليل و النهار لتسكنوا فيه و لتبتغوا من فضله و لعلكم تشكرون» الآية بمنزلة نتيجة الحجة المذكورة في الآيتين السابقتين سيقت بعد إبطال دعوى الخصم في صورة الإخبار الابتدائي لثبوته من غير معارض.
و قوله: «لتسكنوا فيه» اللام للتعليل و الضمير لليل، أي جعل لكم الليل لتستريحوا فيه، و قوله: «لتبتغوا من فضله» أي و جعل لكم النهار لتطلبوا من رزقه الذي هو عطيته فرجوع «لتسكنوا» و «لتبتغوا» إلى الليل و النهار بطريق اللف و النشر المرتب، و قوله: «و لعلكم تشكرون» راجع إليهما جميعا.
و قوله: «و من رحمته جعل لكم» في معنى قولنا: جعل لكم و ذلك رحمة منه و فيه إشارة إلى أن التكوين كالسكون و الابتغاء و التشريع و هو هدايتهم إلى الشكر من آثار صفة رحمته تعالى فافهم ذلك.
قوله تعالى: «و يوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون» تقدم تفسيره و قد كررت الآية لحاجة مضمون الآية التالية إليها.
قوله تعالى: «و نزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم» إلى آخر الآية، إشارة إلى ظهور بطلان مزعمتهم لهم يوم القيامة، و المراد بالشهيد شهيد الأعمال - كما تقدمت الإشارة إليه مرارا - و لا ظهور للآية في كونه هو النبي المبعوث إلى الأمة نظرا إلى إفراد الشهيد و ذكر الأمة إذ الأمة هي الجماعة من الناس و لا ظهور و لا نصوصية له في الجماعة الذين أرسل إليهم نبي و إن كانت من مصاديقها.
و قوله: «فقلنا هاتوا برهانكم» أي طالبناهم بالحجة القاطعة على ما زعموا أن لله شركاء.
و قوله: «فعلموا أن الحق لله و ضل عنهم ما كانوا يفترون» أي غاب عنهم زعمهم الباطل أن لله سبحانه شركاء فعلموا عند ذلك أن الحق في الألوهية لله وحده فالمراد بالضلال الغيبة على طريق الاستعارة.
كذا فسروه، ففي الكلام تقديم و تأخير و الأصل فضل عنهم ما كانوا يفترون فعلموا أن الحق لله.
و على هذا فقوله: «إن الحق لله» نظير ما يقال في القضاء بين المتخاصمين إذا تداعيا في حق يدعيه كل لنفسه: أن الحق لفلان لا لفلان كأنه تعالى يخاصم المشركين حيث يدعون أن الألوهية بمعنى المعبودية حق لشركائهم فيدعي تعالى أنه حقه فيطالبهم البرهان على دعواهم فيضل عنهم البرهان فيعلمون عندئذ أن هذا الحق لله فالألوهية حق ثابت لا ريب فيه فإذا لم يكن حقا لغيره تعالى فهو حق له.
و هذا وجه بظاهره وجيه لا بأس به لكن الحقيقة التي يعطيها كلامه تعالى أن من خاصة يوم القيامة أن الحق يتمحض فيه للظهور ظهورا مشهودا لا ستر عليه فليرتفع به كل باطل يلتبس به الأمر و يتشبه بالحق، و لازمه أن يظهر أمر الألوهية ظهورا لا ستر عليه فيرتفع به افتراء الشركاء ارتفاعا مترتبا عليه لا أن يفتقد الدليل على الشركاء فيستنتج منه توحده تعالى بالألوهية على سبيل الاحتجاجات الفكرية فافهم ذلك.
و بذلك يندفع أولا ما يرد على الوجه السابق أن المستفاد من كلامه تعالى أنهم لا حجة عقلية لهم على مدعاهم و لا موجب على هذا لتأخر علمهم أن الحق لله إلى يوم القيامة، و يرتفع ثانيا حديث التقديم و التأخير المذكور الذي لا نكتة له ظاهرا إلا رعاية السجع.
و من الممكن أن يكون «الحق» في قوله: «فعلموا أن الحق لله» مصدرا فيرجع معنى الجملة إلى معنى قوله: «و يعلمون أن الله هو الحق المبين»: النور: 25، فكون الحق لله هو كونه تعالى حقا إن أريد به الحق في ذاته أو كونه منتهيا إليه قائما به إن أريد به غيره، كما قال تعالى: «الحق من ربك»: آل عمران: 60، و لم يقل: الحق مع ربك.
بحث روائي
في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و قالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا» الآية، قال: نزلت في قريش حين دعاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الإسلام و الهجرة و قالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا فقال الله عز و جل: «أ و لم نمكن لهم حرما آمنا - يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا - و لكن أكثرهم لا يعلمون». أقول: و روي هذا المعنى في كشف المحجة، و روضة الواعظين، للمفيد و رواه في الدر المنثور، عن ابن جرير و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن ابن عباس.
و في الدر المنثور، أخرج النسائي و ابن المنذر عن ابن عباس: أن الحارث بن عامر بن نوفل الذي قال: «إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا». و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة» الآية، قال: يختار الله عز و جل الإمام و ليس لهم أن يختاروا.
أقول: و هو من الجري مبنيا على وجوب نصب الإمام المعصوم من قبل الله تعالى كالنبي، و قد مر تفصيل الكلام فيه.
و فيه، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله تعالى: «و نزعنا من كل أمة شهيدا» يقول: من هذه الأمة إمامها.
أقول: و هو من الجري.
|