بيان
تتضمن الآيات أحكاما متفرقة بعضها خاصة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أزواجه و بعضها عامة.
قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن و سرحوهن سراحا جميلا» المراد بنكاحهن العقد عليهن بالنكاح، و بالمس الدخول، و بالتمتيع إعطاؤهن شيئا من المال يناسب شأنهن و حالهن و التسريح بالجميل إطلاقهن من غير خصومة و خشونة.
و المعنى: إذا طلقتم النساء بعد النكاح و قبل الدخول فلا عدة لهن للطلاق و يجب تمتيعهن بشيء من المال و السراح الجميل.
و الآية مطلقة تشمل ما إذا فرض لهن فريضة المهر و ما إذا لم يفرض فيقيدها قوله: «و إن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن و قد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم»: البقرة: 273، و تبقى حجة فيما لم يفرض لهن فريضة.
قوله تعالى: «يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن» إلى آخر الآية، يذكر سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإحلال سبعة أصناف من النساء: الصنف الأول ما في قوله: «أزواجك اللاتي آتيت أجورهن» و المراد بالأجور المهور، و الثاني ما في قوله: «و ما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك» أي من يملكه من الإماء الراجعة إليه من الغنائم و الأنفال، و تقييد ملك اليمين بكونه مما أفاء الله عليه كتقييد الأزواج بقوله: «اللاتي آتيت أجورهن» للتوضيح لا للاحتراز.
و الثالث و الرابع ما في قوله: «و بنات عمك و بنات عماتك» قيل: يعني نساء قريش، و الخامس و السادس ما في قوله: «و بنات خالك و بنات خالاتك» قيل: يعني نساء بني زهرة، و قوله: «اللاتي هاجرن معك» قال في المجمع:، هذا إنما كان قبل تحليل غير المهاجرات ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل.
و السابع ما في قوله: «و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها» و هي المرأة المسلمة التي بذلت نفسها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمعنى أن ترضى أن يتزوج بها من غير صداق و مهر فإن الله أحلها له إن أراد أن يستنكحها، و قوله: «خالصة لك من دون المؤمنين» إيذان بأن هذا الحكم - أي حلية المرأة للرجل ببذل النفس - من خصائصه لا يجري في المؤمنين، و قوله بعده: «قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم و ما ملكت أيمانهم» تقرير لحكم الاختصاص.
و قوله: «لكيلا يكون عليك حرج» تعليل لقوله في صدر الآية: «إنا أحللنا لك» أو لما في ذيلها من حكم الاختصاص و الأول أظهر و قد ختمت الآية بالمغفرة و الرحمة.
قوله تعالى: «ترجي من تشاء منهن و تؤوي إليك من تشاء» إلخ، الإرجاء التأخير و التبعيد، و هو كناية عن الرد، و الإيواء: الإسكان في المكان و هو كناية عن القبول و الضم إليه.
و السياق يدل على أن المراد به أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) على خيرة من قبول من وهبت نفسها له أو رده.
و قوله: «و من ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك»، الابتغاء هو الطلب أي و من طلبتها من اللاتي عزلتها و لم تقبلها فلا إثم عليك و لا لؤم أي يجوز لك أن تضم إليك من عزلتها و رددتها من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لك بعد العزل و الرد.
و يمكن أن يكون إشارة إلى أن له (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقسم بين نسائه و أن يترك القسم فيؤخر من يشاء منهن و يقدم من يشاء و يعزل بعضهن من القسم فلا يقسم لها أو يبتغيها فيقسم لها بعد العزل و هو أوفق لقوله بعده: «و من ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى - أي أقرب - أن تقر أعينهن - أي يسررن - و لا يحزن و يرضين بما آتيتهن كلهن و الله يعلم ما في قلوبكم» و ذلك لسرور المتقدمة بما قسمت له و رجاء المتأخرة أن تتقدم بعد.
و قوله: «و كان الله عليما حليما» أي يعلم مصالح عباده و لا يعاجل في العقوبة.
و في الآية أقوال مختلفة أخر و الذي أوردناه هو الأوفق لوقوعها في سياق سابقتها متصلة بها و به وردت الأخبار عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كما سيجيء.
قوله تعالى: «لا يحل لك النساء من بعد و لا أن تبدل بهن من أزواج و لو أعجبك حسنهن» إلخ، ظاهر الآية لو فرضت مستقلة في نفسها غير متصلة بما قبلها تحريم النساء له (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا من خيرهن فاخترن الله و نفي جواز التبدل بهن يؤيد ذلك.
لكن لو فرضت متصلة بما قبلها و هو قوله: «إنا أحللنا لك» إلخ، كان مدلولها تحريم ما عدا المعدودات و هي الأصناف الستة التي تقدمت.
و في بعض الروايات عن بعض أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن المراد بالآية محرمات النساء المعدودة في قوله: «حرمت عليكم أمهاتكم و بناتكم» الآية: النساء: 23.
فقوله: «لا يحل لك النساء من بعد» أي من بعد اللاتي اخترن الله و رسوله و هي التسعة على المعنى الأول أو من بعد من عددناه في قولنا: «إنا أحللنا لك» على المعنى الثاني أو من بعد المحللات و هي المحرمات على المعنى الثالث.
و قوله: «و لا أن تبدل بهن من أزواج» أي أن تطلق بعضهن و تزوج مكانها من غيرهن، و قوله: «إلا ما ملكت يمينك» يعني الإماء و هو استثناء من قوله في صدر الآية «لا يحل لك النساء».
و قوله: «و كان الله على كل شيء رقيبا» معناه ظاهر و فيه تحذير عن المخالفة.
قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم - إلى قوله - من الحق» بيان لأدب الدخول في بيوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و قوله: «إلا أن يؤذن لكم» استثناء من النهي، و قوله: «إلى طعام» متعلق بالإذن، و قوله: «غير ناظرين إناه» أي غير منتظرين لورود إناء الطعام بأن تدخلوا من قبل فتطيلوا المكث في انتظار الطعام و يبينه قوله: «و لكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم - أي أكلتم - فانتشروا»، و قوله: «و لا مستأنسين لحديث» عطف على قوله: «غير ناظرين إناه» و هو حال بعد حال، أي غير ماكثين في حال انتظار الإناء قبل الطعام و لا في حال الاستئناس لحديث بعد الطعام.
و قوله: «إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم» تعليل للنهي أي لا تمكثوا كذلك لأن مكثكم ذلك كان يتأذى منه النبي فيستحيي منكم أن يسألكم الخروج و قوله: «و الله لا يستحيي من الحق» أي من بيان الحق لكم و هو ذكر تأذيه و التأديب بالأدب اللائق.
قوله تعالى: «و إذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم و قلوبهن»، ضمير «هن» لأزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و سؤالهن متاعا كناية عن تكليمهن لحاجة أي إذا مست الحاجة إلى تكليمكم أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكلموهن من وراء حجاب، و قوله: «ذلكم أطهر لقلوبكم و قلوبهن» بيان لمصلحة الحكم.
قوله تعالى: «و ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله و لا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا» إلخ، أي ليس لكم إيذاؤه بمخالفة ما أمرتم في نسائه و في غير ذلك و ليس لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم أي نكاحكم أزواجه من بعده كان عند الله عظيما، و في الآية إشعار بأن بعضهم ذكر ما يشير إلى نكاحهم أزواجه بعده و هو كذلك كما سيأتي في البحث الروائي الآتي.
قوله تعالى: «إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما» معناه ظاهر و هو في الحقيقة تنبيه تهديدي لمن كان يؤذي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو يذكر نكاح أزواجه من بعده.
قوله تعالى: «لا جناح عليهن في آبائهن» إلى آخر الآية ضمير «عليهن» لنساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و الآية في معنى الاستثناء من عموم حكم الحجاب و قد استثنى الآباء و الأبناء و الإخوان و أبناء الإخوان و أبناء الأخوات و هؤلاء محارم، قيل: و لم يذكر الأعمام و الأخوال لأنهم من الممكن أن يصفوهن لأبنائهم.
و استثنى أيضا نساءهن و إضافة النساء إلى ضمير هن يلوح إلى أن المراد النساء المؤمنات دون الكوافر كما مر في قوله تعالى: «أو نسائهن»: النور: 31، و استثنى أيضا ما ملكت أيمانهن من العبيد و الإماء.
و قوله: «و اتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا» فيه تأكيد الحكم و خاصة من جهة الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في «اتقين الله».
قوله تعالى: «إن الله و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما» قد تقدم أن أصل الصلاة الانعطاف فصلاته تعالى انعطافه عليه بالرحمة انعطافا مطلقا لم يقيد في الآية بشيء دون شيء و كذلك صلاة الملائكة عليه انعطاف عليه بالتزكية و الاستغفار و هي من المؤمنين الدعاء بالرحمة.
و في ذكر صلاته تعالى و صلاة ملائكته عليه قبل أمر المؤمنين بالصلاة عليه دلالة على أن في صلاة المؤمنين له اتباعا لله سبحانه و ملائكته و تأكيدا للنهي الآتي.
و قد استفاضت الروايات من طرق الشيعة و أهل السنة أن طريق صلاة المؤمنين أن يسألوا الله تعالى أن يصلي عليه و آله.
قوله تعالى: «إن الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا و الآخرة و أعد لهم عذابا مهينا» من المعلوم أن الله سبحانه منزه من أن يناله الأذى و كل ما فيه وصمة النقص و الهوان فذكره مع الرسول و تشريكه في إيذائه تشريف للرسول و إشارة إلى أن من قصد رسوله بسوء فقد قصده أيضا بالسوء إذ ليس للرسول بما أنه رسول إلا ربه فمن قصده فقد قصد ربه.
و قد أوعدهم باللعن في الدنيا و الآخرة و اللعن هو الإبعاد من الرحمة و الرحمة الخاصة بالمؤمنين هي الهداية إلى الاعتقاد الحق و حقيقة الإيمان، و يتبعه العمل الصالح فالإبعاد من الرحمة في الدنيا تحريمه عليه جزاء لعمله فيرجع إلى طبع القلوب كما قال: «لعناهم و جعلنا قلوبهم قاسية»: المائدة: 13، و قال: «و لكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا»: النساء: 46، و قال: «أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم و أعمى أبصارهم»: سورة محمد: 23.
و أما اللعن في الآخرة فهو الإبعاد من رحمة القرب فيها و قد قال تعالى: «كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون»: المطففين: 15.
ثم أوعدهم بأنه أعد لهم - أي في الآخرة - عذابا مهينا و وصف العذاب بالمهين لأنهم يقصدون باستكبارهم في الدنيا إهانة الله و رسوله فقوبلوا في الآخرة بعذاب يهينهم.
قوله تعالى: «و الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا و إثما مبينا» تقييد إيذائهم بغير ما اكتسبوا لأن إيذاءهم بما اكتسبوا كما في القصاص و الحد و التعزير لا إثم فيه.
و أما إيذاؤهم بغير ما اكتسبوا و من دون استحقاق فيعده سبحانه احتمالا للبهتان و الإثم المبين، و البهتان هو الكذب على الغير يواجهه به، و وجه كون الإيذاء من غير اكتساب بهتانا أن المؤذي إنما يؤذي لسبب عنده يعده جرما له يقول: لم قال كذا؟ لم فعل كذا؟ و ليس بجرم فيبهته عند الإيذاء بنسبة الجرم إليه مواجهة و ليس بجرم.
و كونه إثما مبينا لأن الافتراء و البهتان مما يدرك العقل كونه إثما من غير حاجة إلى ورود النهي عنهما شرعا.
قوله تعالى: «يا أيها النبي قل لأزواجك و بناتك و نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن» إلخ، الجلابيب جمع جلباب و هو ثوب تشتمل به المرأة فيغطي جميع بدنها أو الخمار الذي تغطي به رأسها و وجهها.
و قوله: «يدنين عليهن من جلابيبهن» أي يتسترن بها فلا تظهر جيوبهن و صدورهن للناظرين.
و قوله: «ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين» أي ستر جميع البدن أقرب إلى أن يعرفن أنهن أهل الستر و الصلاح فلا يؤذين أي لا يؤذيهن أهل الفسق بالتعرض لهن.
و قيل: المعنى ذلك أقرب من أن يعرفن أنهن مسلمات حرائر فلا يتعرض لهن بحسبان أنهن إماء أو من غير المسلمات من الكتابيات أو غيرهن و الأول أقرب.
قوله تعالى: «لئن لم ينته المنافقون و الذين في قلوبهم مرض و المرجفون في المدينة لنغرينك بهم» إلخ، الانتهاء عن الشيء الامتناع و الكف عنه، و الإرجاف إشاعة الباطل للاغتمام به و إلقاء الاضطراب بسببه، و الإغراء بالفعل التحريض عليه.
و المعنى: أقسم لئن لم يكف المنافقون و الذين في قلوبهم مرض عن الإفساد و الذين يشيعون الأخبار الكاذبة في المدينة لإلقاء الاضطراب بين المسلمين لنحرضنك عليهم ثم يجاورونك في المدينة بسبب نفيهم عنها إلا زمانا قليلا و هو ما بين صدور الأمر و فعلية إجرائه.
قوله تعالى: «ملعونين أينما ثقفوا أخذوا و قتلوا تقتيلا» الثقف إدراك الشيء و الظفر به، و الجملة حال من المنافقين و من عطف عليهم أي حال كونهم ملعونين أينما وجدوا أخذوا و بولغ في قتلهم فعمهم القتل.
قوله تعالى: «سنة الله في في الذين خلوا من قبل و لن تجد لسنة الله تبديلا» السنة هي الطريقة المعمولة التي تجري بطبعها غالبا أو دائما.
يقول سبحانه هذا النكال الذي أوعدنا به المنافقين و من يحذو حذوهم من النفي و القتل الذريع هي سنة الله التي جرت في الماضين فكلما بالغ قوم في الإفساد و إلقاء الاضطراب بين الناس و تمادوا و طغوا في ذلك أخذناهم كذلك و لن تجد لسنة الله تبديلا فتجري فيكم كما جرت في الأمم من قبلكم.
بحث روائي
في الفقيه، روى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام): في قول الله عز و جل: «ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن - فما لكم عليهن من عدة تعتدونها - فمتعوهن و سرحوهن سراحا جميلا» قال: متعوهن أي أجملوهن بما قدرتم عليه من معروف فإنهن يرجعن بكآبة و وحشة و هم عظيم و شماتة من أعدائهن فإن الله كريم يستحيي و يحب أهل الحياء إن أكرمكم أشدكم إكراما لحلائلهم.
و في الكافي، بإسناده عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها. قال: عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا و إن لم يكن فرض لها فليمتعها على نحو ما يمتع به مثلها من النساء.
أقول: و الروايات في هذا المعنى كثيرة و هي مبنية على تخصيص الآية بآية البقرة كما تقدم في تفسير الآية.
و في الدر المنثور، أخرج عبد بن حميد عن حبيب بن ثابت قال: جاء رجل إلى علي بن الحسين فسأله عن رجل قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق قال: ليس بشيء بدأ الله بالنكاح قبل الطلاق فقال: «يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن»: أقول: و رواه في المجمع، عن حبيب بن ثابت عنه (عليه السلام).
و فيه، أخرج ابن ماجة و ابن مردويه عن المسور بن مخرمة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا طلاق قبل نكاح و لا عتق قبل ملك: أقول: و روي مثله عن جابر و عائشة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم).
و في الكافي، بإسناده عن الحضرمي عن أبي جعفر (عليه السلام) و بإسناده عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز و جل: «يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك» كم أحل له من النساء؟ قال: ما شاء من شيء.
و فيه، بإسناده عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: «لا يحل لك النساء من بعد و لا أن تبدل بهن من أزواج»؟ فقال: لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن ينكح ما شاء من بنات عمه و بنات عماته و بنات خاله و بنات خالاته و أزواجه اللاتي هاجرن معه. و أحل له أن ينكح من عرض المؤمنين بغير مهر و هي الهبة و لا تحل الهبة إلا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأما لغير رسول الله فلا يصلح نكاح إلا بمهر و ذلك معنى قوله تعالى: «و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي» و في الدر المنثور، أخرج ابن سعد و ابن أبي شيبة و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و الطبراني عن علي بن الحسين: في قوله: «و امرأة مؤمنة» هي أم شريك الأزدية التي وهبت نفسها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
أقول: و روي أنها خولة بنت الحكيم و أنها ليلى بنت الخطيم و أنها ميمونة، و الظاهر أن الواهبة نفسها عدة من النساء.
و في الكافي، مسندا عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: يا رسول الله إن المرأة لا تخطب الزوج و أنا امرأة أيم لا زوج لي منذ دهر و لا ولد فهل لك من حاجة؟ فإن تك فقد وهبت نفسي لك إن قبلتني. فقال لها رسول الله خيرا و دعا لها. ثم قال: يا أخت الأنصار جزاكم الله عن رسول الله خيرا فقد نصرني رجالكم و رغبت في نساؤكم. فقالت لها حفصة: ما أقل حياءك و أجرأك و أنهمك للرجال. فقال رسول الله: كفي عنها يا حفصة فإنها خير منك رغبت في رسول الله و لمتها و عبتها. ثم قال للمرأة: انصرفي رحمك الله فقد أوجب الله لك الجنة لرغبتك في و تعرضك لمحبتي و سروري و سيأتيك أمري إن شاء الله، فأنزل الله عز و جل «و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي - إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين» قال: فأحل الله عز و جل هبة المرأة نفسها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و لا يحل ذلك لغيره.
و في المجمع، و قيل: إنها لما وهبت نفسها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت عائشة: ما بال النساء يبذلن أنفسهن بلا مهر؟ فنزلت الآية، فقالت عائشة: ما أرى الله إلا يسارع في هواك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فإنك إن أطعت الله سارع في هواك.
و في المجمع،: في قوله تعالى: «ترجي من تشاء منهن و تؤوي إليك من تشاء» قال أبو جعفر و أبو عبد الله (عليه السلام). من أرجى لم ينكح و من آوى فقد نكح.
و في الكافي، بإسناده عن الحضرمي عن أبي جعفر (عليه السلام): في قول الله عز و جل: «لا يحل لك النساء من بعد» فقال: إنما عنى به لا يحل لك النساء التي حرم الله عليك في هذه الآية «حرمت عليكم أمهاتكم و بناتكم - و أخواتكم و عماتكم و خالاتكم» إلى آخرها. و لو كان الأمر كما يقولون كان قد أحل لكم ما لم يحل له لأن أحدكم يستبدل كلما أراد و لكن الأمر ليس كما يقولون إن الله عز و جل أحل لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن ينكح من النساء ما أراد إلا ما حرم في هذه الآية في سورة النساء.
و في الدر المنثور، أخرج عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن أبي حاتم من طريق علي بن زيد عن الحسن: في قوله: «و لا أن تبدل بهن من أزواج» قال: قصره الله على نسائه التسع اللاتي مات عنهن. قال علي فأخبرت علي بن الحسين فقال: لو شاء تزوج غيرهن. و لفظ عبد بن حميد فقال: بل كان له أيضا أن يتزوج غيرهن.
و في تفسير القمي،: و أما قوله عز و جل يا أيها الذين آمنوا - لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم» فإنه لما أن تزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بزينب بنت جحش و كان يحبها فأولم و دعا أصحابه فكان أصحابه إذا أكلوا يحبون أن يتحدثوا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، و كان يحب أن يخلو مع زينب فأنزل الله عز و جل. «يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم» و ذلك أنهم كانوا يدخلون بلا إذن فقال عز و جل: «إلا أن يؤذن لكم إلى قوله - من وراء حجاب»: أقول: و روي تفصيل القصة عن أنس بطرق مختلفة.
و في الدر المنثور، أخرج ابن سعد عن صالح بن كيسان قال: نزل حجاب رسول الله على نسائه في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة.
أقول: و رواها أيضا ابن سعد عن أنس و فيه: أن السنة كانت مبتنى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بزينب.
و فيه،: في قوله تعالى: «و ما كان لكم أن تؤذوا» الآية: أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: بلغنا أن طلحة بن عبيد الله قال: أ يحجبنا محمد عن بنات عمنا و يتزوج نساءنا من بعدنا؟ لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده فنزلت الآية.
أقول: و قد وردت بذلك عدة من الروايات و في بعضها أنه كان يريد عائشة و أم سلمة.
و في ثواب الأعمال، عن أبي المعزى عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديث قال: قلت: ما معنى صلاة الله و صلاة ملائكته و صلاة المؤمن؟ قال: صلاة الله رحمة من الله، و صلاة الملائكة تزكية منهم له، و صلاة المؤمنين دعاء منهم له.
و في الخصال، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث الأربعمائة قال: صلوا على محمد و آل محمد فإن الله تعالى يقبل دعاءكم عند ذكر محمد و دعاءكم و حفظكم إياه إذا قرأتم «إن الله و ملائكته يصلون على النبي» فصلوا عليه في الصلاة كنتم أو في غيرها.
و في الدر المنثور، أخرج عبد الرزاق و ابن أبي شيبة و أحمد و عبد بن حميد و البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و ابن مردويه عن كعب بن عجرة قال: قال رجل: يا رسول الله أما السلام عليك فقد علمناه فكيف الصلاة عليك؟ قال: قل: اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أقول: و قد أورد ثماني عشرة حديثا غير هذه الرواية تدل على تشريك آل النبي معه في الصلاة روتها أصحاب السنن و الجوامع عن عدة من الصحابة منهم ابن عباس و طلحة و أبو سعيد الخدري و أبو هريرة و أبو مسعود الأنصاري و بريدة و ابن مسعود و كعب بن عجرة و علي (عليه السلام) و أما روايات الشيعة فهي فوق حد الإحصاء.
و فيه، أخرج أحمد و الترمذي عن الحسن بن علي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «يا أيها النبي قل لأزواجك و بناتك و نساء المؤمنين - يدنين عليهن من جلابيبهن» فإنه كان سبب نزولها أن النساء كن يخرجن إلى المسجد و يصلين خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا كان الليل و خرجن إلى صلاة المغرب و العشاء الآخرة يقعد الشباب لهن في طريقهن فيؤذونهن و يتعرضون لهن فأنزل الله: «يا أيها النبي» الآية.
و في الدر المنثور، أخرج عبد الرزاق و عبد بن حميد و أبو داود و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن أم سلمة قالت: لما نزلت هذه الآية «يدنين عليهن من جلابيبهن» خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من أكسية سود يلبسنها.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «لئن لم ينته المنافقون» نزلت في قوم منافقين كانوا في المدينة يرجفون برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا خرج في بعض غزواته يقولون: قتل و أسر فيغتم المسلمون لذلك و يشكون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنزل الله عز و جل في ذلك «لئن لم ينته إلى قوله إلا قليلا» أي نأمرك بإخراجهم من المدينة إلا قليلا. «ملعونين أينما ثقفوا أخذوا و قتلوا تقتيلا» و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ملعونين» فوجبت عليهم اللعنة بعد اللعنة بقول الله.
|