بيان
خلاصة قصة لوط (عليه السلام) ثم قصة يونس (عليه السلام) و ابتلاء الله تعالى له بالحوت مأخوذا بما أعرض عن قومه عند ارتفاع العذاب عنهم بعد نزوله و إشرافه عليهم.
قوله تعالى: «و إن لوطا لمن المرسلين إذ نجيناه و أهله أجمعين» و إنما نجاه و أهله من العذاب النازل على قومه و هو الخسف و أمطار حجارة من سجيل على ما ذكره الله تعالى في سائر كلامه.
قوله تعالى: «إلا عجوزا في الغابرين» أي في الباقين في العذاب المهلكين به و هي امرأة لوط.
قوله تعالى: «ثم دمرنا الآخرين» التدمير الإهلاك، و الآخرين قومه الذين أرسل إليهم.
قوله تعالى: «و إنكم لتمرون عليهم مصبحين و بالليل أ فلا تعقلون» فإنهم على طريق الحجاز إلى الشام، و المراد بالمرور عليهم المرور على ديارهم الخربة و هي اليوم مستورة بالماء على ما قيل.
قوله تعالى: «و إن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون» أي السفينة المملوءة من الناس و الإباق هرب العبد من مولاه.
و المراد بإباقه إلى الفلك خروجه من قومه معرضا عنهم و هو (عليه السلام) و إن لم يعص في خروجه ذلك ربه و لا كان هناك نهي من ربه عن الخروج لكن خروجه إذ ذاك كان ممثلا لإباق العبد من خدمة مولاه فأخذه الله بذلك، و قد تقدم بعض الكلام في ذلك في تفسير قوله تعالى: «و ذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه:» الأنبياء: - 87.
قوله تعالى: «فساهم فكان من المدحضين» المساهمة المقارعة و الإدحاض الغلبة أي فقارع من في السفينة فكان من المغلوبين، و قد كان عرض لسفينتهم الحوت فاضطروا إلى أن يلقوا واحدا منهم في البحر ليبتلعه و يخلي السفينة فقارعوا فأصابت يونس (عليه السلام).
قوله تعالى: «فالتقمه الحوت و هو مليم» الالتقام الابتلاع، و مليم من ألام أي دخل في اللوم كأحرم إذا دخل في الحرم أو بمعنى صار ذا ملامة.
قوله تعالى: «فلو لا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون» عده من المسبحين و هم الذين تكرر منهم التسبيح و تمكن منهم حتى صار وصفا لهم يدل على دوام تلبسه زمانا بالتسبيح.
قيل: أي من المسبحين قبل التقام الحوت إياه، و قيل: بل في بطن الحوت، و قيل: أي كان من المسبحين قبل التقام الحوت و في بطنه.
و الذي حكي من تسبيحه في كلامه تعالى قوله في سورة الأنبياء: «فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين:» الأنبياء: - 87 و لازم ذلك أن يكون من المسبحين في بطن الحوت خاصة أو فيه و فيما قبله فاحتمال كون المراد تسبيحه قبل التقام الحوت مرجوح لا ينبغي أن يصار إليه.
على أن تسبيحه مع اعترافه بالظلم في قوله: «سبحانك إني كنت من الظالمين» - على ما سيجيء - تسبيح له تعالى عما كان يشعر به 1 فعله من ترك قومه و ذهابه على وجهه، و قوله: «فلو لا أنه كان من المسبحين» إلخ يدل على أن تسبيحه كان هو السبب المستدعي لنجاته، و لازم ذلك أن يكون إنما ابتلي بما ابتلي به لينزهه تعالى فينجو بذلك من الغم الذي ساقه إليه فعله إلى ساحة العافية.
و بذلك يظهر أن العناية في الكلام إنما هي بتسبيحه في بطن الحوت خاصة فخير الأقوال الثلاثة أوسطها.
فالظاهر أن المراد بتسبيحه نداؤه في الظلمات بقوله: «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» و قد قدم التهليل ليكون كالعلة المبينة لتسبيحه كأنه يقول: لا معبود بالحق يتوجه إليه غيرك فأنت منزه مما كان يشعر به فعلى أني آبق منك معرض عن عبوديتك متوجه إلى سواك إني كنت ظالما لنفسي في فعلي فها أنا متوجه إليك متبرىء مما كان يشعر به فعلى من التوجه عنك إلى غيرك.
فهذا معنى تسبيحه و لو لا ذلك منه لم ينج أبدا إذ كان سبب نجاته منحصرا في التسبيح و التنزيه بالمعنى الذي ذكر.
و بذلك يظهر أن المراد بقوله: «للبث في بطنه إلى يوم يبعثون» تأبيد مكثه في بطنه إلى أن يبعث فيخرج منه كالقبر الذي يقبر فيه الإنسان و يلبث فيه حتى يبعث فيخرج منه قال تعالى: «منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى:» طه: - 55.
و لا دلالة في الآية على كونه (عليه السلام) على تقدير اللبث حيا في بطن الحوت إلى يوم يبعثون أو ميتا و بطنه قبره مع بقاء بدنه و بقاء جسد الحوت على حالهما أو بنحو آخر فلا مساغ لاختلافهم في كونه (عليه السلام) حيا على هذا التقدير أو ميتا و بطنه قبره، و أن المراد بيوم يبعثون النفخة الأولى التي فيها يموت الخلائق أو النفخة الثانية أو التأجيل بيوم القيامة كناية عن طول اللبث.
قوله تعالى: «فنبذناه بالعراء و هو سقيم» النبذ طرح الشيء و الرمي به، و العراء المكان الذي لا سترة فيه يستظل بها من سقف أو خباء أو شجر.
و المعنى على ما يعطيه السياق أنه صار من المسبحين فأخرجناه من بطن الحوت و طرحناه خارج الماء في أرض لا ظل فيها يستظل به و هو سقيم.
قوله تعالى: «و أنبتنا عليه شجرة من يقطين» اليقطين من نوع القرع و يكون ورقه عريضا مستديرا و قد أنبتها الله عليه ليستظل بورقها.
قوله تعالى: «و أرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون» أو في مورد الترقي و تفيد معنى بل، و المراد بهذه الجماعة أهل نينوى.
قوله تعالى: «فآمنوا فمتعناهم إلى حين» أي آمنوا به فلم نعذبهم و لم نهلكهم بما أشرف عليهم من العذاب فمتعناهم بالحياة و البقاء إلى أجلهم المقدر لهم.
و الآية في إشعارها برفع العذاب عنهم و تمتيعهم تشير إلى قوله تعالى: «فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا و متعناهم إلى حين:» يونس: - 98.
و لا يخلو السياق من إشعار - بل دلالة - على أن المراد من إرساله في قوله: «و أرسلناه» أمره بالذهاب ثانيا إلى القوم، و بإيمانهم في قوله: «فآمنوا» إلخ إيمانهم بتصديقه و اتباعه بعد ما آمنوا و تابوا حين رأوا العذاب.
و من هنا يظهر ضعف ما استدل بعضهم بالآيتين أن إرساله إلى القوم كان بعد خروجه من بطن الحوت و أنه أمر أولا بالذهاب إلى أهل نينوى و دعوتهم إلى الله و كانوا يعبدون الأصنام فاستعظم الأمر و خرج من بيته يسير في الأرض لعل الله يصرف عنه هذا التكليف و ركب البحر فابتلاه الله بالحوت ثم لما نبذ بالعراء كلف ثانيا فأجاب و أطاع و دعاهم فاستجابوا فدفع الله عذابا كان يهددهم إن لم يؤمنوا.
و ذلك أن السياق كما سمعت يدل على كون إرساله بأمر ثان و أن إيمانهم كان إيمانا ثانيا بعد الإيمان و التوبة و أن تمتيعهم إلى حين كان مترتبا على إيمانهم به لا على كشف العذاب عنهم فلم يكن الله سبحانه ليتركهم لو لم يؤمنوا برسوله ثانيا كما آمنوا به و تابوا إليه أولا في غيبته فافهم ذلك.
على أن قوله تعالى: «و ذا النون إذ ذهب مغاضبا:» الأنبياء: - 87 و قوله: «و لا تكن كصاحب الحوت إذ نادى و هو مكظوم:» ن: - 48 لا يلائم ما ذكروه، و كذا قوله: «إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا:» يونس: - 98 إذ لا يطلق الكشف إلا في عذاب واقع حال أو مشرف.
كلام في قصة يونس (عليه السلام)
في فصول
1 -
لم يتعرض القرآن الكريم إلا لطرف من قصته و قصة قومه فقد تعرض في سورة الصافات لإرساله ثم إباقه و ركوبه الفلك و التقام الحوت له ثم نجاته و إرساله إلى القوم و إيمانهم قال تعالى: «و إن يونس لمن المرسلين. إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين. فالتقمه الحوت و هو مليم. فلو لا أنه كان من المسبحين. للبث في بطنه إلى يوم يبعثون. فنبذناه بالعراء و هو سقيم. و أنبتنا عليه شجرة من يقطين. و أرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون. فآمنوا فمتعناهم إلى حين».
و في سورة الأنبياء: لتسبيحه في بطن الحوت و تنجيته قال تعالى: «و ذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له و نجيناه من الغم و كذلك ننجي المؤمنين:» الأنبياء: - 87 88.
و في سورة ن: لندائه مكظوما و خروجه من بطنه و اجتبائه قال تعالى: «فاصبر لحكم ربك و لا تكن كصاحب الحوت إذ نادى و هو مكظوم. فلو لا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء و هو مذموم. فاجتباه ربه فجعله من الصالحين:» ن: - 50.
و في سورة يونس: لإيمان قومه و كشف العذاب عنهم قال تعالى: «فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا و متعناهم إلى حين:» يونس: - 98.
و خلاصة ما يستفاد من الآيات بضم بعضها إلى بعض و اعتبار القرائن الحافة بها أن يونس (عليه السلام) كان من الرسل أرسله الله تعالى إلى قومه و هم جمع كثير يزيدون على مائة ألف فدعاهم فلم يجيبوه إلا بالتكذيب و الرد حتى جاءهم عذاب أوعدهم به يونس ثم خرج من بينهم.
فلما أشرف عليهم العذاب و شاهدوه مشاهدة عيان أجمعوا على الإيمان و التوبة إلى الله سبحانه فكشف الله عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا.
ثم إن يونس (عليه السلام) استخبر عن حالهم فوجد العذاب انكشف عنهم - و كأنه لم يعلم بإيمانهم و توبتهم - فلم يعد إليهم و ذهب لوجهه على ما به من الغضب و السخط عليهم فكان ظاهر حاله حال من يأبق من ربه مغاضبا عليه ظانا أن لا يقدر عليه و ركب البحر في فلك مشحون.
فعرض لهم حوت عظيم لم يجدوا بدا من أن يلقوا إليه واحدا منهم يبتلعه و ينجو الفلك بذلك فساهموا و قارعوا فيما بينهم فأصابت يونس (عليه السلام) فألقوه في البحر فابتلعه الحوت و نجت السفينة.
ثم إن الله سبحانه حفظه حيا سويا في بطنه أياما و ليالي و يونس (عليه السلام) يعلم أنها بلية ابتلاه الله بها مؤاخذة بما فعل و هو ينادي في بطنه أن «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين».
فاستجاب الله له فأمر الحوت أن يلفظه فنبذه بالعراء و هو سقيم فأنبت الله سبحانه عليه شجرة من يقطين يستظل بأوراقها ثم لما استقامت حاله أرسله إلى قومه فلبوا دعوته و آمنوا به فمتعهم الله إلى حين.
و الأخبار الواردة من طرق أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على كثرتها و بعض الأخبار من طرق أهل السنة مشتركة المتون في قصة يونس (عليه السلام) على النحو الذي يستفاد من الآيات و إن اختلفت في بعض الخصوصيات الخارجة عن ذلك 1.
2 - قصته عند أهل الكتاب:
هو (عليه السلام) مذكور باسم يوناه بن إمتاي في مواضع من العهد القديم و كذا في مواضع من العهد الجديد أشير في بعضها إلى قصة لبثه في بطن الحوت لكن لم تذكر قصته الكاملة في شيء منهما.
و نقل الآلوسي في روح المعاني، في قصته عند أهل الكتاب و يؤيده ما في بعض كتبهم من إجمال 2 القصة: أن الله أمره بالذهاب إلى دعوة أهل نينوى 3 و كانت إذ ذاك عظيمة جدا لا يقطع إلا في نحو ثلاثة أيام و كانوا قد عظم شرهم و كثر فسادهم، فاستعظم الأمر و هرب إلى ترسيس 4 فجاء يافا 5 فوجد سفينة يريد أهلها الذهاب بها إلى ترسيس فاستأجر و أعطى الأجرة و ركب السفينة فهاجت ريح عظيمة و كثرت الأمواج و أشرفت السفينة على الغرق.
ففزع الملاحون و رموا في البحر بعض الأمتعة لتخف السفينة و عند ذلك نزل يونس إلى بطن السفينة و نام حتى علا نفسه فتقدم إليه الرئيس فقال له: ما بالك نائما؟ قم و ادع إلهك لعله يخلصنا مما نحن فيه و لا يهلكنا.
و قال بعضهم لبعض: تعالوا نتقارع لنعرف من أصابنا هذا الشر بسببه فتقارعوا فوقعت القرعة على يونس فقالوا له: أخبرنا ما ذا عملت: و من أين جئت؟ و إلى أين تمضي؟ و من أي كورة أنت؟ و من أي شعب أنت؟ فقال لهم: أنا عبد الرب إله السماء خالق البر و البحر و أخبرهم خبره فخافوا خوفا عظيما و قالوا له: لم صنعت ما صنعت؟ يلومونه على ذلك.
ثم قالوا له: ما نصنع الآن بك؟ ليسكن البحر عنا؟ فقال: ألقوني في البحر يسكن فإنه من أجلي صار هذا الموج العظيم فجهد الرجال أن يردوه إلى البر فلم يستطيعوا فأخذوا يونس و ألقوه في البحر لنجاة جميع من في السفينة فسكن البحر و أمر الله حوتا عظيما فابتلعه فبقي في بطنه ثلاثة أيام و ثلاث ليال و صلى في بطنه إلى ربه و استغاث به فأمر سبحانه الحوت فألقاه إلى اليبس ثم قال له: قم و امض إلى نينوى و ناد في أهلها كما أمرتك من قبل.
فمضى (عليه السلام) و نادى و قال: يخسف نينوى بعد ثلاثة أيام فآمنت رجال نينوى بالله و نادوا بالصيام و لبسوا المسوح جميعا و وصل الخبر إلى الملك فقام عن كرسيه و نزع حلته و لبس مسحا و جلس على الرماد و نودي أن لا يذق أحد من الناس و البهائم طعاما و لا شرابا و جاروا إلى الله تعالى و رجعوا عن الشر و الظلم فرحمهم الله و لم ينزل بهم العذاب.
فحزن يونس و قال: إلهي من هذا هربت، فإني علمت أنك الرحيم الرءوف الصبور التواب.
يا رب خذ نفسي فالموت خير لي من الحياة فقال: يا يونس حزنت من هذا جدا؟ فقال: نعم يا رب.
و خرج يونس و جلس مقابل المدينة و صنع له هناك مظلة و جلس تحتها إلى أن يرى ما يكون في المدينة؟ فأمر الله يقطينا فصعد على رأسه ليكون ظلا له من كربه ففرح باليقطين فرحا عظيما و أمر الله تعالى دودة فضربت اليقطين فجف ثم هبت ريح سموم و أشرقت الشمس على رأس يونس فعظم الأمر عليه و استطاب الموت.
فقال الرب: يا يونس أ حزنت جدا على اليقطين؟ فقال: نعم يا رب حزنت جدا فقال تعالى: حزنت عليه و أنت لم تتعب فيه و لم تربه بل صار من ليلته و هلك من ليلته فأنا لا أشفق على نينوى المدينة العظيمة التي فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس قوم لا يعلمون يمينهم و لا شمالهم و بهائمهم كثيرة انتهى.
و جهات اختلاف القصة مع ما يستفاد من القرآن الكريم ظاهرة كالفرار من الرسالة و عدم رضاه برفع العذاب عنهم مع علمه بإيمانهم و توبتهم.
فإن قلت: نظير ذلك وارد في القرآن الكريم كنسبة الإباق إليه في سورة الصافات و كذا مغاضبته و ظنه أن الله لن يقدر عليه على ما في سورة الأنبياء.
قلت: بين النسبتين فرق فكتبهم المقدسة أعني العهدين لا تأبى عن نسبة المعاصي حتى الكبائر الموبقة إلى الأنبياء (عليهم السلام) فلا موجب لتوجيه ما نسب من المعاصي إليه بما يخرج به عن كونه معصية بخلاف القرآن الكريم فإنه ينزه ساحتهم عن لوث المعاصي حتى الصغائر فما ورد فيه مما يوهم ذلك يحمل على أحسن الوجوه بهذه القرينة الموجبة و لذا حملنا قوله: «إذ أبق» و قوله: «مغاضبا فظن أن لن نقدر» على حكاية الحال و إيهام فعله.
3 - ثناؤه تعالى عليه:
أثنى الله سبحانه عليه بأنه من المؤمنين «سورة الأنبياء 88» و أنه اجتباه و قد عرفت أن اجتباءه إخلاصه العبد لنفسه خاصة، و أنه جعله من الصالحين «سورة ن: 50» و عده في سورة الأنعام فيمن عده من الأنبياء و ذكر أنه فضلهم على العالمين و أنه هداهم إلى صراط مستقيم «سورة الأنعام: 87».
بحث روائي
في الفقيه، و قال الصادق (عليه السلام): ما تقارع قوم ففوضوا أمرهم إلى الله عز و جل إلا خرج سهم الحق، و قال: أي قضية أعدل من القرعة إذا فوض الأمر إلى الله. أ ليس الله عز و جل يقول: «فساهم فكان من المدحضين».
و في البحار، عن البصائر بإسناده عن حبة العرني قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الله عرض ولايتي على أهل السماوات و على أهل الأرض أقر بها من أقر و أنكرها من أنكر أنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقر بها.
أقول: و في معناه روايات أخر، و المراد الولاية الكلية الإلهية التي هو (عليه السلام) أول من فتح بابها من هذه الأمة و هي قيامه تعالى مقام عبده في تدبير أمره فلا يتوجه العبد إلا إليه و لا يريد إلا ما أراده و ذلك بسلوك طريق العبودية التي تنتهي بالعبد إلى أن يخلصه الله لنفسه فلا يشاركه فيه غيره.
و كان ظاهر ما أتى به يونس (عليه السلام) مما لا يرتضيه الله تعالى فلم يكن قابلا للانتساب إلى إرادته فابتلاه الله بما ابتلاه ليعترف بظلمه على نفسه و أنه تعالى منزه عن إرادة مثله فالبلايا و المحن التي يبتلى بها الأولياء من التربية الإلهية التي يربيهم بها و يكملهم و يرفع درجاتهم بسببها و إن كان بعضها من جهة أخرى مؤاخذة ذات عتاب، و قد قيل البلاء للولاء.
و يؤيد ذلك ما عن العلل، بإسناده عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): لأي علة صرف الله العذاب عن قوم يونس و قد أظلهم و لم يفعل ذلك بغيرهم من الأمم؟ فقال: لأنه كان في علم الله أنه سيصرفه عنهم لتوبتهم و إنما ترك إخبار يونس بذلك لأنه أراد أن يفرغه لعبادته في بطن الحوت فيستوجب بذلك ثوابه و كرامته.
|