بيان
ملخص قصة موسى و هارون و إشارة إلى قصة إلياس (عليه السلام).
و بيان ما أنعم الله عليهم و عذاب مكذبيهم و جانب الرحمة يربو فيها على جانب العذاب و التبشير يزيد على الإنذار.
قوله تعالى: «و لقد مننا على موسى و هارون» المن الإنعام و من المحتمل أن يكون المراد به ما سيعده مما أنعم عليهما و على قومهما من التنجية و النصر و إيتاء الكتاب و الهداية و غيرها فيكون قوله: «و نجيناهما» إلخ من عطف التفسير.
قوله تعالى: «و نجيناهما و قومهما من الكرب العظيم» و هو الغم الشديد من استضعاف فرعون لهم يسومهم سوء العذاب و يذبح أبناءهم و يستحيي نساءهم.
قوله تعالى: «و نصرناهم فكانوا هم الغالبين» و هو الذي أدى إلى خروجهم من مصر و جوازهم البحر و هلاك فرعون و جنوده.
و بذلك يندفع ما توهم أن مقتضى الظاهر أن يذكر النصر قبل التنجية لتوقفها عليه، و ذلك أن النصر إنما يكون فيما إذا كان للمنصور قوة ما لكنها لا تكفي لدفع الشر فتتم بالنصر و كان لبني إسرائيل عند الخروج من مصر بعض القوة فناسب إطلاق النصر على إعانتهم على ذلك بخلاف أصل تخليصهم من يد فرعون فإنهم كانوا أسراء مستعبدين لا قوة لهم فلا يناسب هذا الاعتبار إلا ذكر التنجية دون النصر.
قوله تعالى: «و آتيناهما الكتاب المستبين» أي يستبين المجهولات الخفية فيبينها و هي التي يحتاج إليها الناس في دنياهم و آخرتهم.
قوله تعالى: «و هديناهما الصراط المستقيم» المراد بها الهداية بتمام معنى الكلمة، و لذا خصها بهما و لم يشرك فيها معهما قومهما، و لقد تقدم كلام في معنى الهداية إلى الصراط المستقيم في سورة الفاتحة.
قوله تعالى: «و تركنا عليهما في الآخرين - إلى قوله - المؤمنين» تقدم تفسيرها.
قوله تعالى: «و إن إلياس لمن المرسلين» قيل: إنه (عليه السلام) من آل هارون كان مبعوثا إلى بعلبك 1 و لم يذكر في كلامه ما يستشهد به عليه.
قوله تعالى: «إذ قال لقومه أ لا تتقون أ تدعون بعلا و تذرون أحسن الخالقين - إلى قوله - الأولين» شطر من دعوته (عليه السلام) يدعو قومه فيها إلى التوحيد و يوبخهم على عبادة بعل - صنم كان لهم - و ترك عبادة الله سبحانه.
و كلامه (عليه السلام) على ما فيه من التوبيخ و اللوم يتضمن حجة تامة على توحيده تعالى فإن قوله: «و تذرون أحسن الخالقين الله ربكم و رب آبائكم الأولين» يوبخهم أولا على ترك عبادة أحسن الخالقين، و الخلق و الإيجاد كما يتعلق بذوات الأشياء يتعلق بالنظام الجاري فيها الذي يسمى تدبيرا فكما أن الخلق إليه تعالى فالتدبير أيضا إليه فهو المدبر كما أنه الخالق، و أشار إلى ذلك بقوله: «الله ربكم» بعد وصفه تعالى بأحسن الخالقين.
ثم أشار إلى أن ربوبيته تعالى لا تختص بقوم دون قوم كالأصنام التي يتخذ كل قوم بعضا منها دون بعض فيكون صنم ربا لقوم دون آخرين بل هو تعالى رب لهم و لآبائهم الأولين لا يختص ببعض دون بعض لعموم خلقه و تدبيره، و إليه أشار بقوله: «الله ربكم و رب آبائكم الأولين».
قوله تعالى: «فكذبوه فإنهم لمحضرون» أي مبعوثون ليحضروا العذاب، و قد تقدم أن الإحضار إذا أطلق أفاد معنى الشر.
قوله تعالى: «إلا عباد الله المخلصين» دليل على أنه كان في قومه جمع منهم.
قوله تعالى: «و تركنا عليه في الآخرين - إلى قوله - المؤمنين» تقدم الكلام في نظائرها.
- بحث روائي -
في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «أ تدعون بعلا» قال كان لهم صنم يسمونه بعلا.
و في المعاني، بإسناده إلى قادح عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي (عليه السلام): في قول الله عز و جل: «سلام على آل يس» قال: يس محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و نحن آل يس:. أقول: و عن العيون، عن الرضا (عليه السلام) مثله، و هو مبني على قراءة آل يس كما قرأه نافع و ابن عامر و يعقوب و زيد.
كلام في قصة إلياس (عليه السلام)
1 - قصته في القرآن:
لم يذكر اسمه (عليه السلام) في القرآن الكريم إلا في هذا الموضع و في سورة الأنعام عند ذكر هداية الأنبياء حيث قال: «و زكريا و يحيى و عيسى و إلياس و كل من الصالحين:» الأنعام: - 85.
و لم يذكر تعالى من قصته في هذه السورة إلا أنه كان يدعو إلى عبادة الله سبحانه قوما كانوا يعبدون بعلا فآمن به و أخلص الإيمان قوم منهم و كذبه آخرون و هم جل القوم و إنهم لمحضرون.
و قد أثنى الله سبحانه عليه في سورة الأنعام بما أثنى به على الأنبياء عامة و أثنى عليه في هذه السورة بأنه من عباده المؤمنين المحسنين و حياه بالسلام بناء على القراءة المشهورة «سلام على إل ياسين».
2 - الأحاديث فيه:
ورد فيه (عليه السلام) أخبار مختلفة متهافتة كغالب الأخبار الواردة في قصص الأنبياء، الحاكية للعجائب كالذي روي عن ابن مسعود: أن إلياس هو إدريس و ما عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أن الخضر هو إلياس، و ما عن وهب و كعب الأحبار و غيرهما: أن إلياس حي لا يموت إلى النفخة الأولى، و ما عن وهب: أن إلياس سأل الله أن يريحه من قومه فأرسل الله إليه دابة كهيئة الفرس في لون النار فوثب إليه فانطلق به فكساه الله الريش و النور و قطع عنه لذة المطعم و المشرب فصار في الملائكة، و ما عن كعب الأحبار: أن إلياس صاحب الجبال و البر و أنه الذي سماه الله بذي النون، و ما عن الحسن: أن إلياس موكل بالفيافي و الخضر موكل بالجبال، و ما عن أنس: أن إلياس لاقى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض أسفاره فقعدا يتحدثان ثم نزل عليهما مائدة من السماء فأكلا و أطعماني ثم ودعه و ودعني ثم رأيته مر على السحاب نحو السماء إلى غير ذلك 1.
و في بعض أخبار الشيعة أنه (عليه السلام) حي مخلد 2 لكنها ضعاف و ظاهر آيات القصة لا يساعد عليه.
و في البحار، في قصة إلياس (عليه السلام) عن قصص الأنبياء، بالإسناد عن الصدوق بإسناده إلى وهب بن منبه، و رواه الثعلبي في العرائس، عن ابن إسحاق و علماء الأخبار أبسط منه و الحديث طويل جدا، و ملخصه: أنه بعد انشعاب ملك بني إسرائيل و تقسمه بينهم سار سبط منهم إلى بعلبك و كان لهم ملك منهم يعبد صنما اسمه بعل و يحمل الناس على عبادته. و كانت له مرأة فاجرة قد تزوجت قبله بسبعة من الملوك و ولدت تسعين ولدا سوى أبناء الأبناء، و كان الملك يستخلفها إذ غاب فتقضي بين الناس، و كان له كاتب مؤمن حكيم قد خلص من يدها ثلاثمائة مؤمن تريد قتلهم، و كان في جوار قصر الملك رجل مؤمن له بستان و كان الملك يحترم جواره و يكرمه. ففي بعض ما غاب الملك قتلت المرأة الجار المؤمن و غصبت بستانه فلما رجع و علم به عاتبها فاعتذرت إليه و أرضته فآلى الله تعالى على نفسه أن ينتقم منهما إن لم يتوبا فأرسل إليهم إلياس (عليه السلام) يدعوهم إلى عبادة الله و أخبرهما بما آلى الله فاشتد غضبهم عليه و هموا بتعذيبه و قتله فهرب منهم إلى أصعب جبل هناك فلبث فيه سبع سنين يعيش بنبات الأرض و ثمار الشجر. فأمرض الله ابنا للملك يحبه حبا شديدا فاستشفع ببعل فلم ينفعه فقيل له: إنه غضبان عليك إن لم تقتل إلياس فأرسل إليه فئة من قومه ليخدعوه و يقبضوا عليه فأرسل الله إليهم نارا فأحرقتهم ثم أرسل إليه فئة أخرى من ذوي البأس مع كاتبه المؤمن فذهب معه إلياس صونا له من غضب الملك لكن الله سبحانه أمات ابنه فشغله حزنه عن إلياس فرجع سالما. ثم لما طال الأمر نزل إلياس من الجبل و استخفى عند أم يونس بن متى في بيتها و يونس طفل رضيع ثم خرج بعد ستة أشهر إلى الجبل ثانيا و اتفق أن مات بعده يونس ثم أحياه الله بدعاء إلياس بعد ما خرجت أمه في طلبه فوجدته فتضرعت إليه. ثم إنه سأل الله أن ينتقم له من بني إسرائيل و يمسك عنهم الأمطار فأجيب و سلط الله عليهم القحط فأجهدوا سنين فندموا فجاءوه فتابوا و أسلموا فدعا الله فأرسل عليهم المطر فسقاهم و أحيا بلادهم. فشكوا إليه هدم الجدران و عدم البذر من الحبوب فأوحى إليه أن يأمرهم أن يبذروا الملح فأنبت لهم الحمص و أن يبذروا الرمل فأنبت لهم منه الدخن. ثم لما كشف الله عنهم الضر نقضوا العهد و عادوا إلى أخبث ما كانوا عليه فأمل ذلك إلياس فدعا الله أن يريحه منهم فأرسل الله إليه فرسا من نار فوثب عليه إلياس فرفعه الله إلى السماء و كساه الريش و النور فكان مع الملائكة. ثم سلط الله على الملك و امرأته عدوا فقصدهما و ظهر عليهما فقتلهما و ألقى جيفتهما في بستان ذلك الرجل المؤمن الذي قتلاه و غصبوا بستانه.
و أنت بالتأمل فيما تقصه الرواية لا ترباب في ضعفها.
|