بيان
في الآيات أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدعوهم إلى الإسلام و اتباع ما أنزل الله و يحذرهم عما يستعقبه إسرافهم على أنفسهم من الحسرة و الندامة يوم لا ينفعهم ذلك مع استكبارهم في الدنيا على الحق و الفوز و النجاة يومئذ للمتقين و النار و الخسران للكافرين، و في لسان الآيات من الرأفة و الرحمة ما لا يخفى.
قوله تعالى: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله» إلخ أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدعوهم من قبله و يناديهم بلفظة يا عبادي و فيه تذكير بحجة الله سبحانه على دعوتهم إلى عبادتهم و ترغيب لهم إلى استجابة الدعوة أما التذكير بالحجة فلأنه يشير إلى أنهم عباده و هو مولاهم و من حق المولى على عبده أن يطيعه و يعبده فله أن يدعوه إلى طاعته و عبادته، و أما ترغيبهم إلى استجابة الدعوة فلما فيه من الإضافة إليه تعالى الباعث لهم إلى التمسك بذيل رحمته و مغفرته.
و قوله: «الذين أسرفوا على أنفسهم» الإسراف - على ما ذكره الراغب - تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان و إن كان ذلك في الإنفاق أشهر، و كان الفعل مضمن معنى الجناية أو ما يقرب منها و لذا عدي بعلى و الإسراف على النفس هو التعدي عليها باقتراف الذنب أعم من الشرك و سائر الذنوب الكبيرة و الصغيرة على ما يعطيه السياق.
و قال جمع: إن المراد بالعباد المؤمنون و قد غلب استعماله فيهم مضافا إليه تعالى في القرآن فمعنى يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم أيها المؤمنون المذنبون.
و يدفعه أن قوله: «يا عبادي الذين أسرفوا» إلى تمام سبع آيات ذو سياق واحد متصل يفصح عن دعوتهم و قوله في ذيل الآيات: «بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها و استكبرت» إلخ كالصريح أو هو صريح في شمول العباد للمشركين.
و ما ورد في كلامه تعالى من لفظ «عبادي» و المراد به المؤمنون بضعة عشر موردا جميعها محفوفة بالقرينة و ليس بحيث ينصرف عند الإطلاق إلى المؤمنين كما أن الموارد التي أطلق فيها و أريد به الأعم من المشرك و المؤمن في كلامه كذلك.
و بالجملة شمول «عبادي» في الآية للمشركين لا ينبغي أن يرتاب فيه، و القول بأن المراد به المشركون خاصة نظرا إلى سياق الآيات كما نقل عن ابن عباس أقرب إلى القبول من تخصيصه بالمؤمنين.
و قوله: «لا تقنطوا من رحمة الله» القنوط اليأس، و المراد بالرحمة بقرينة خطاب المذنبين و دعوتهم هو الرحمة المتعلقة بالآخرة دون ما هي أعم الشاملة للدنيا و الآخرة و من المعلوم أن الذي يفتقر إليه المذنبون من شئون رحمة الآخرة بلا واسطة هو المغفرة فالمراد بالرحمة المغفرة و لذا علل النهي عن القنوط من الرحمة بقوله: «إن الله يغفر الذنوب جميعا».
و في الآية التفات من التكلم إلى الغيبة حيث قيل: «إن الله يغفر» و لم يقل: إني أغفر و ذلك للإشارة إلى أنه الله الذي له الأسماء الحسنى و منها أنه غفور رحيم كأنه يقول لا تقنطوا من رحمتي فإني أنا الله أغفر الذنوب جميعا لأن الله هو الغفور الرحيم.
و قوله: «إن الله يغفر الذنوب جميعا تعليل للنهي عن القنوط و إعلام بأن جميع الذنوب قابلة للمغفرة فالمغفرة عامة لكنها تحتاج إلى سبب مخصص و لا تكون جزافا، و الذي عده القرآن سببا للمغفرة أمران: الشفاعة 1 و التوبة لكن ليس المراد في قوله: «إن الله يغفر الذنوب جميعا» المغفرة الحاصلة بالشفاعة لأن الشفاعة لا تنال الشرك بنص القرآن في آيات كثيرة و قد مر أيضا أن قوله: «إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء:» النساء: - 48 ناظر إلى الشفاعة و الآية أعني قوله: «إن الله يغفر الذنوب جميعا» موردها الشرك و سائر الذنوب.
فلا يبقى إلا أن يكون المراد المغفرة الحاصلة بالتوبة و كلامه تعالى صريح في مغفرة الذنوب جميعا حتى الشرك بالتوبة.
على أن الآيات السبع - كما عرفت - كلام واحد ذو سياق واحد متصل ينهى عن القنوط - و هو تمهيد لما يتلوه - و يأمر بالتوبة و الإسلام و العمل الصالح و ليست الآية الأولى كلاما مستقلا منقطعا عما يتلوه حتى يحتمل عدم تقييد عموم المغفرة فيها بالتوبة و أي سبب آخر مفروض للمغفرة.
و الآية أعني قوله: «إن الله يغفر الذنوب جميعا» من معارك الآراء بينهم فقد ذهب قوم إلى تقييد عموم المغفرة فيها بالشرك و سائر الكبائر التي وعد الله عليها النار مع عدم تقييد العموم بالتوبة فالمغفرة لا تنال إلا الصغائر من الذنوب.
و ذهب آخرون إلى إطلاق المغفرة و عدم تقيدها بالتوبة و لا بسبب آخر من أسباب المغفرة غير أنهم قيدوها بالشرك لصراحة قوله: «إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء» الآية فاستنتجوا عموم المغفرة و إن لم يكن هناك سبب مخصص يرجح المذنب المغفور له على غيره في مغفرته كالتوبة و الشفاعة و هي المغفرة الجزافية و قد استدلوا على 1 ذلك بوجوه غير سديدة.
و أنت خبير بأن مورد الآية هو الشرك و سائر الذنوب، و من المعلوم من كلامه تعالى أن الشرك لا يغفر إلا بالتوبة فتقيد إطلاق المغفرة في الآية بالتوبة مما لا مفر منه.
قوله تعالى: «و أنيبوا إلى ربكم و أسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون» عطف على قوله: «لا تقنطوا»، و الإنابة إلى الله الرجوع إليه و هو التوبة، و قوله: «إلى ربكم» من وضع الظاهر موضع المضمر و كان مقتضى الظاهر أن يقال: و أنيبوا إليه و الوجه فيه الإشارة إلى التعليل فإن الملاك في عبادة الله سبحانه صفة ربوبية.
و المراد بالإسلام التسليم لله و الانقياد له فيما يريد، و إنما قال: «و أسلموا له» و لم يقل: و آمنوا به لأن المذكور قبل الآية و بعدها استكبارهم على الحق و المقابل له الإسلام.
و قوله: «من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون» متعلق بقوله: «أنيبوا و أسلموا» و المراد بالعذاب عذاب الآخرة بقرينة الآيات التالية، و يمكن على بعد أن يراد مطلق العذاب الذي لا تقبل معه التوبة و منه عذاب الاستئصال قال تعالى: «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده:» المؤمن: - 85.
و المراد بقوله: «ثم لا تنصرون» أن المغفرة لا تدرككم بوجه لعدم تحقق سببها فالتوبة مفروضة العدم و الشفاعة لا تشمل الشرك.
قوله تعالى: «و اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و أنتم لا تشعرون» الخطاب عام للمؤمن و الكافر كالخطابات السابقة و القرآن قد أنزل إلى الفريقين جميعا.
و في الآية أمر باتباع أحسن ما أنزل من الله قيل: المراد به اتباع الأحكام من الحلال و الحرام دون القصص، و قيل: اتباع ما أمر به و نهي عنه كإتيان الواجب و المستحب و اجتناب الحرام و المكروه دون المباح، و قيل: الاتباع في العزائم و هي الواجبات و المحرمات، و قيل: اتباع الناسخ دون المنسوخ، و قيل: ما أنزل هو جنس الكتب السماوية و أحسنها القرآن فاتباع أحسن ما أنزل و هو اتباع القرآن.
و الإنصاف أن قوله في الآية السابقة: «و أسلموا له» يشمل مضمون كل من هذه الأقوال فحمل قوله: «و اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم» على شيء منها لا يخلو عن تكرار من غير موجب.
و لعل المراد من أحسن ما أنزل الخطابات التي تشير إلى طريق استعمال حق العبودية في امتثال الخطابات الإلهية الاعتقادية و العملية و ذلك كالخطابات الداعية إلى ذكر الله تعالى بالاستغراق و إلى حبه و إلى تقواه حق تقاته و إلى إخلاص الدين له فإن اتباع هذه الخطابات يحيي الإنسان حياة طيبة و ينفخ فيه روح الإيمان و يصلح أعماله و يدخله في ولاية الله تعالى و هي الكرامة ليست فوقها كرامة.
و قوله: «من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و أنتم لا تشعرون» أنسب لهذا المعنى فإن الدعوة إلى عمل بالتخويف من مفاجأة الحرمان و مباغتة المانع إنما تكون غالبا فيما يساهل المدعو في أمره و يطيب نفسه بسوف و لعل، و هذا المعنى أمس بإصلاح الباطن منه بإصلاح الظاهر و الإتيان بأجساد الأعمال، و يقرب منه قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم و اعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه:» الأنفال: - 24.
قوله تعالى: «أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله» إلخ قال في المجمع،: التفريط إهمال ما يجب أن يتقدم فيه حتى يفوت وقته، و قال: التحسر الاغتمام مما فات وقته لانحساره عنه بما لا يمكن استدراكه.
انتهى.
و قال الراغب: الجنب الجارحة.
قال: ثم يستعار في الناحية التي تليها لعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك نحو اليمين و الشمال.
انتهى.
فجنب الله جانبه و ناحيته و هي ما يرجع إليه تعالى مما يجب على العبد أن يعامله و مصداق ذلك أن يعبده وحده و لا يعصيه و التفريط في جنب الله التقصير في ذلك.
و قوله: «و إن كنت لمن الساخرين» «إن» مخففة من الثقيلة، و الساخرين اسم فاعل من سخر بمعنى استهزأ.
و معنى الآية إنما نخاطبكم بهذا الخطاب حذر أن تقول أو لئلا تقول نفس منكم يا حسرتا على ما قصرت في جانب الله و إني كنت من المستهزءين، و موطن القول يوم القيامة.
قوله تعالى: «أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين» ضمير تقول للنفس، و المراد بالهداية الإرشاد و إراءة الطريق، و المعنى ظاهر و هو قطع للعذر.
قوله تعالى: «أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين» لو للتمني و الكرة الرجعة، و المعنى أو تقول نفس متمنية حين ترى العذاب يوم القيامة: ليت لي رجعة إلى الدنيا فأكون من المحسنين.
قوله تعالى: «بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها و استكبرت و كنت من الكافرين» رد لها و جواب لخصوص قولها ثانيا: «لو أن الله هداني لكنت من المتقين» و مواطن الجواب يوم القيامة كما أن موطن القول ذلك و لسياق الجواب شهادة عليه.
و قد فصل بين قولها و جوابه بقوله: «أو تقول حين ترى» إلخ و لم يجب إلا عن قولها: «لو أن الله هداني» إلخ.
و الوجه في الفصل أن الأقوال الثلاثة المنقولة عنها مرتبة على ترتيب صدورها عن المجرمين يوم القيامة فإذا قامت القيامة و رأى المجرمون أن اليوم يوم الجزاء بالأعمال و قد فرطوا فيها و فاتهم وقتها تحسروا على ما فرطوا و نادوا بالحسرة على تفريطهم «يا حسرتا على ما فرطت» قال تعالى: «حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها:» الأنعام: - 31.
ثم إذا حوسبوا و أمر المتقون بدخول الجنة و قيل: «و امتازوا اليوم أيها المجرمون:» يس: - 59 تعللوا بقولهم: «لو أن الله هداني لكنت من المتقين».
ثم إذا أمروا بدخول النار فأوقفوا عليها ثم أدخلوا فيها تمنوا الرجوع إلى الدنيا ليحسنوا فيها فيسعدوا «أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة» قال تعالى: «و لو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد و لا نكذب بآيات ربنا و نكون من المؤمنين:» الأنعام: - 27، و قال حاكيا عنهم: «ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون:» المؤمنون: - 107.
ثم لما نقل الأقوال على ما بينها من الترتيب أخذ في الجواب و لو أخر القول المجاب عنه حتى يتصل بالجواب أو قدم الجواب حتى يتصل به اختل النظم 1.
و قد خص قولهم الثاني: «لو أن الله هداني» إلخ بالجواب و أمسك عن جواب قولهم الأول و الثالث لأن في الأول حديث استهزائهم بالحق و أهله و في الثالث تمنيهم للرجوع إلى الدنيا و الله سبحانه يزجر هؤلاء يوم القيامة و يمنعهم أن يكلموه و لا يجيب عن كلامهم كما يشير إلى ذلك قوله: «قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا و كنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها و لا تكلمون إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا و ارحمنا و أنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري و كنتم منهم تضحكون إني جزيتهم اليوم بما صبروا إنهم هم الفائزون:» المؤمنون: - 111.
قوله تعالى: «و يوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أ ليس في جهنم مثوى للمتكبرين» الكذب على الله هو القول بأن له شريكا و أن له ولدا و منه البدعة في الدين.
و سواد الوجه آية الذلة و هي جزاء تكبرهم و لذا قال: «أ ليس في جهنم مثوى للمتكبرين».
قوله تعالى: «و ينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء و لا هم يحزنون» الظاهر أن مفازة مصدر ميمي بمعنى الفوز و هو الظفر بالمراد، و الباء في «بمفازتهم» للملابسة أو السببية فالفوز الذي يقضيه الله لهم اليوم سبب تنجيتهم.
و قوله: «لا يمسهم» إلخ بيان لتنجيتهم كأنه قيل: ينجيهم لا يمسهم السوء من خارج و لا هم يحزنون في أنفسهم.
و للآية نظر إلى قوله تعالى في ذيل آيات سورة المؤمنون المنقولة آنفا: «إني جزيتهم اليوم بما صبروا إنهم هم الفائزون» فتدبر و لا تغفل.
بحث روائي
في المجمع، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: ما في القرآن آية أوسع من: «يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم» الآية:. أقول: و رواه في الدر المنثور، عن ابن جرير عن ابن سيرين عنه (عليه السلام)، و ستأتي إن شاء الله في تفسير سورة الليل الرواية عنه (عليه السلام) أن قوله تعالى: «و لسوف يعطيك ربك فترضى» أرجى من هذه الآية.
و في الدر المنثور، أخرج أحمد و ابن جرير و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و البيهقي في شعب الإيمان عن ثوبان قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ما أحب أن لي الدنيا و ما فيها بهذه الآية «يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم» إلى آخر. الآية فقال رجل: يا رسول الله فمن أشرك» فسكت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال: إلا من أشرك.
أقول: في الرواية شيء فقد تقدم أن مورد الآية هو الشرك و أن الآية مقيدة بالتوبة.
و فيه، أخرج ابن أبي شيبة و مسلم عن أبي أيوب الأنصاري قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لو لا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون فيغفر لهم.
أقول: ما في الحديث من المغفرة لا يأبى التقيد بأسباب المغفرة كالتوبة و الشفاعة.
و في الجميع،: قيل: هذه الآية يعني قوله: «يا عبادي الذين أسرفوا» إلخ نزلت في وحشي قاتل حمزة حين أراد أن يسلم و خاف أن لا تقبل توبته فلما نزلت الآية أسلم فقيل: يا رسول الله هذه له خاصة أم للمسلمين عامة؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): بل للمسلمين عامة.
و عن كتاب سعد السعود، لابن طاووس نقلا عن تفسير الكلبي: بعث وحشي و جماعة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه ما يمنعنا من دينك إلا أننا سمعناك تقرأ في كتابك أن من يدعو مع الله إلها آخر و يقتل النفس و يزني يلق أثاما و يخلد في العذاب و نحن قد فعلنا ذلك كله فبعث إليهم بقوله تعالى «إلا من تاب و آمن و عمل صالحا» فقالوا: نخاف أن لا نعمل صالحا. فبعث إليهم «إن الله لا يغفر أن يشرك به - و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء» فقالوا نخاف أن لا ندخل في المشية. فبعث إليهم «يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم - لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا» فجاءوا و أسلموا. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لوحشي قاتل حمزة: غيب وجهك عني فإني لا أستطيع النظر إليك. قال: فلحق بالشام فمات في الخمر.
أقول: و روي ما يقرب منه في الدر المنثور، بعدة طرق و في بعضها أن قوله: «يا عبادي الذين أسرفوا» إلخ نزل فيه كما في خبر المجمع، السابق، و يضعفه أن السورة مكية و قد أسلم وحشي بعد الهجرة.
على أن ظاهر الخبر عدم تقيد إطلاق المغفرة في الآية بالتوبة و قد عرفت أن السياق يأباه.
و قوله: فمات في الخمر لعله بفتح الخاء و تشديد الميم موضع من أعراض المدينة و لعله من غلط الناس و الصحيح الحمص، و لعل المراد به موته عن شرب الخمر فإنه كان مدمن الخمر و قد جلد في ذلك غير مرة ثم ترك.
و اعلم أن هناك روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في تطبيق هذه الآيات على شيعتهم و تطبيق جنب الله عليهم و هي جميعا من الجري دون التفسير و لذا تركنا إيرادها هاهنا.
|