بيان
قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله» القسط هو العدل، و القيام بالقسط العمل به و التحفظ له، فالمراد بالقوامين بالقسط القائمون به أتم قيام و أكمله، من غير انعطاف و عدول عنه إلى خلافه لعامل من هوى و عاطفة أو خوف أو طمع أو غير ذلك. و هذه الصفة أقرب العوامل و أتم الأسباب لاتباع الحق و حفظه عن الضيعة، و من فروعها ملازمة الصدق في أداء الشهادة و القيام بها.
و من هنا يظهر أن الابتداء بهذه الصفة في هذه الآية المسوقة لبيان حكم الشهادة ثم ذكر صفة الشهادة من قبيل التدرج من الوصف العام إلى بعض ما هو متفرع عليه كأنه قيل.
كونوا شهداء لله، و لا يتيسر لكم ذلك إلا بعد أن تكونوا قوامين بالقسط فكونوا قوامين بالقسط حتى تكونوا شهداء لله.
و قوله «شهداء لله» اللام فيه للغاية أي كونوا شهداء تكون شهادتكم لله كما قال تعالى: «و أقيموا الشهادة لله»: الطلاق: 2 و معنى كون الشهادة لله كونها اتباعا للحق و لأجل إظهاره و إحيائه كما يوضحه قوله «فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا». قوله تعالى.
«و لو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين» أي و لو كانت على خلاف نفع أنفسكم أو والديكم أو أقربائكم فلا يحملنكم حب منافع أنفسكم أو حب الوالدين و الأقربين أن تحرفوها أو تتركوها، فالمراد بكون الشهادة على النفس أو على الوالدين و الأقربين أن يكون ما تحمله من الشهادة لو أدى مضرا بحاله أو بحال والديه و أقربيه سواء كان المتضرر هو المشهود عليه بلا واسطة كما إذا تخاصم أبوه و إنسان آخر فشهد له على أبيه، أو يكون التضرر مع الواسطة كما إذا تخاصم اثنان و كان الشاهد متحملا لأحدهما ما لو أداه لتضرر به نفس الشاهد أيضا - كالمتخاصم الآخر -.
قوله تعالى: «إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما» إرجاع ضمير التثنية إلى الغني و الفقير مع وجود «أو» الترديدية لكون المراد بالغني و الفقير هو المفروض المجهول الذي يتكرر بحسب وقوع الوقائع و تكررها فيكون غنيا في واقعة، و فقيرا في أخرى، فالترديد بحسب فرض البيان و ما في الخارج تعدد، كذا ذكره بعضهم، فالمعنى أن الله أولى بالغني في غناه، و بالفقير في فقره: و المراد - و الله أعلم -: لا يحملنكم غنى الغني أن تميلوا عن الحق إليه، و لا فقر الفقير أن تراعوا حاله بالعدول عن الحق بل أقيموا الشهادة لله سبحانه ثم خلوا بينه و بين الغني و الفقير فهو أولى بهما و أرحم بحالهما، و من رحمته أن جعل الحق هو المتبع واجب الاتباع، و القسط هو المندوب إلى إقامته، و في قيام القسط و ظهور الحق سعادة النوع التي يقوم بها صلب الغني، و يصلح بها حال الفقير.
و الواحد منهما و إن انتفع بشهادة محرفة أو متروكة في شخص واقعة أو وقائع لكن ذلك لا يلبث دون أن يضعف الحق و يميت العدل، و في ذلك قوة الباطل و حياة الجور و الظلم، و في ذلك الداء العضال و هلاك الإنسانية.
قوله تعالى: «و لا تتبعوا الهوى أن تعدلوا»، أي مخافة أن تعدلوا عن الحق و القسط باتباع الهوى و ترك الشهادة لله فقوله «إن تعدلوا» مفعول لأجله و يمكن أن يكون مجرورا بتقدير اللام متعلقا بالاتباع أي لأن تعدلوا.
قوله تعالى: «و إن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا» اللي بالشهادة كناية عن تحريفها من لي اللسان.
و الإعراض ترك الشهادة من رأس.
و قرىء «و إن تلوا» بضم اللام و إسكان الواو من ولي يلي ولاية، و المعنى: و إن وليتم أمر الشهادة و أتيتم بها أو أعرضتم فإن الله خبير بأعمالكم يجازيكم بها.
بحث روائي
في تفسير القمي، قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن للمؤمن على المؤمن سبع حقوق، فأوجبها أن يقول الرجل حقا و لو كان على نفسه أو على والديه فلا يميل لهم عن الحق، ثم قال: «فلا تتبعوا الهوى - أن تعدلوا و إن تلووا أو تعرضوا» يعني عن الحق.
أقول: و فيه تعميم معنى الشهادة لقول الحق مطلقا بمعرفة عموم قوله «كونوا قوامين بالقسط». و في المجمع:، قيل: معناه إن تلووا أي تبدلوا الشهادة أو تعرضوا أي تكتموها: قال: و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام)
|