بيان
لما ذكر سبحانه تكذيب الذين كفروا و جدالهم في آيات الله بالباطل و لوح إلى أنهم غير معجزين و لا مغفول عنهم بل معنيون في هذه الدعوة و العناية فيهم أن يتميزوا فيحق عليهم كلمة العذاب فيعاقبوا عاد إلى بدء الكلام الذي أشار فيه إلى أن تنزيل الكتاب و إقامة الدعوة لمغفرة جمع و قبول توبتهم و عقاب آخرين فذكر أن الناس قبال هذه الدعوة قبيلان: قبيل تستغفر لهم حملة العرش و الحافون به من الملائكة و هم التائبون إلى الله المتبعون سبيله و من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذرياتهم، و قبيل ممقوتون معذبون و هم الكافرون بالتوحيد.
قوله تعالى: «الذين يحملون العرش و من حوله يسبحون بحمد ربهم و يؤمنون به» إلى آخر الآية.
لم يعرف سبحانه هؤلاء الحاملين للعرش من هم؟ و لا في كلامه تصريح بأنهم من الملائكة لكن يشعر عطف قوله: «و من حوله عليهم و قد قال فيهم: «و ترى الملائكة حافين من حول العرش:» الزمر: - 75 أن حملة العرش أيضا من الملائكة.
و قد تقدم تفصيل الكلام في معنى العرش في الجزء الثامن من الكتاب.
فقوله: «الذين يحملون العرش و من حوله» أي الملائكة الذين يحملون العرش الذي منه تظهر الأوامر و تصدر الأحكام الإلهية التي بها يدبر العالم، و الذين حول العرش من الملائكة و هم المقربون منهم.
و قوله: «يسبحون بحمد ربهم» أي ينزهون الله سبحانه و الحال أن تنزيههم له يصاحب ثناؤهم لربهم فهم ينزهونه تعالى عن كل ما لا يليق بساحة قدسه و من ذلك وجود الشريك في ملكه و يثنون عليه على فعله و تدبيره.
و قوله: «و يؤمنون به» إيمانهم به - و الحال هذه الحال عرش الملك و التدبير لله و هم حاملوه أو مطيفون حوله لتلقي الأوامر و ينزهونه عن كل نقص و يحمدونه على أفعاله - معناه الإيمان بوحدانيته في ربوبيته و ألوهيته ففي ذكر العرش و نسبة التنزيه و التحميد و الإيمان إلى الملائكة رد للمشركين حيث يعدون الملائكة المقربين شركاء لله في ربوبيته و ألوهيته و يتخذونهم أربابا آلهة يعبدونهم.
و قوله: «و يستغفرون للذين آمنوا» أي يسألون الله سبحانه أن يغفر للذين آمنوا.
و قوله: «ربنا وسعت كل شيء رحمة و علما» إلخ حكاية متن استغفارهم و قد بدءوا فيه بالثناء عليه تعالى بسعة الرحمة و العلم، و إنما ذكروا الرحمة و شفعوها بالعلم لأنه برحمته ينعم على كل محتاج فالرحمة مبدأ إفاضة كل نعمة و بعلمه يعلم حاجة كل محتاج مستعد للرحمة.
و قوله: «فاغفر للذين تابوا و اتبعوا سبيلك و قهم عذاب الجحيم» تفريع على ما أثنوا به من سعة الرحمة و العلم، و المراد بالسبيل التي اتبعوها هو ما شرع لهم من الدين و هو الإسلام و اتباعهم له هو تطبيق عملهم عليه فالمراد بتوبتهم رجوعهم إليه تعالى بالإيمان و المعنى فاغفر للذين رجعوا إليك بالإيمان بوحدانيتك و سلوك سبيلك الذي هو الإسلام و قهم عذاب الجحيم و هو غاية المغفرة و غرضها.
قوله تعالى: «ربنا و أدخلهم جنات عدن التي وعدتهم» إلى آخر الآية تكرار النداء بلفظة ربنا لمزيد الاستعطاف و المراد بالوعد وعده تعالى لهم بلسان رسله و في كتبه.
و قوله: «و من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذرياتهم» عطف على موضع الضمير في قوله: «و أدخلهم» و المراد بالصلوح صلاحية دخول الجنة، و المعنى و أدخل من صلح لدخول الجنة من آبائهم و أزواجهم و ذرياتهم جنات عدن.
ثم من المعلوم من سياق الآيات أن استغفارهم لعامة المؤمنين، و من المعلوم أيضا أنهم قسموهم قسمين اثنين قسموهم إلى الذين تابوا و اتبعوا سبيل الله و قد وعدهم الله جنات عدن، و إلى من صلح و قد جعلوا الطائفة الأولى متبوعين و الثانية تابعين.
و يظهر منه أن الطائفة الأولى هم الكاملون في الإيمان و العمل على ما هو مقتضى حقيقة معنى قولهم: «الذين تابوا و اتبعوا سبيلك» فذكروهم و سألوه أن يغفر لهم و ينجز لهم ما وعدهم من جنات عدن، و الطائفة الثانية دون هؤلاء في المنزلة ممن لم يستكمل الإيمان و العمل من ناقص الإيمان و مستضعف و سيىء العمل من منسوبي الطائفة الأولى فذكروهم و سألوه تعالى أن يلحقهم بالطائفة الأولى الكاملين في جناتهم و يقيهم السيئات.
فالآية في معنى قوله تعالى: «و الذين آمنوا و اتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم و ما ألتناهم من عملهم من شيء:» الطور: - 21 غير أن الآية التي نحن فيها أوسع و أشمل لشمولها الآباء و الأزواج بخلاف آية سورة الطور، و المأخوذ فيها الصلوح و هو أعم من الإيمان المأخوذ في آية الطور.
و قوله: «إنك أنت العزيز الحكيم» تعليل لقولهم: «فاغفر للذين تابوا» إلى آخر مسألتهم، و كان الذي يقتضيه الظاهر أن يقال: إنك أنت الغفور الرحيم لكنه عدل إلى ذكر الوصفين: العزيز الحكيم لأنه وقع في مفتتح مسألتهم الثناء عليه تعالى بقولهم: «ربنا وسعت كل شيء رحمة و علما».
و لازم سعة الرحمة و هي عموم الإعطاء أن له أن يعطي ما يشاء لمن يشاء و يمنع ما يشاء ممن يشاء و هذا معنى العزة التي هي القدرة على الإعطاء و المنع، و لازم سعة العلم لكل شيء أن ينفذ العلم في جميع أقطار الفعل فلا يداخل الجهل شيئا منها و لازمه إتقان الفعل و هو الحكمة.
فقوله: «إنك أنت العزيز الحكيم» في معنى الاستشفاع بسعة رحمته و سعة علمه تعالى المذكورتين في مفتتح المسألة تمهيدا و توطئة لذكر الحاجة و هي المغفرة و الجنة.
قوله تعالى: «و قهم السيئات و من تق السيئات يومئذ فقد رحمته» إلخ ظاهر السياق أن الضمير في «قهم» للذين تابوا و من صلح جميعا.
و المراد بالسيئات - على ما قيل - تبعات المعاصي و هي جزاؤها و سميت التبعات سيئات لأن جزاء السيىء سيىء قال تعالى: «و جزاء سيئة سيئة مثلها:» الشورى: - 40.
و قيل: المراد بالسيئات المعاصي و الذنوب نفسها و الكلام على تقدير مضاف و التقدير و قهم جزاء السيئات أو عذاب السيئات.
و الظاهر أن الآية من الآيات الدالة على أن الجزاء بنفس الأعمال خيرها و شرها، و قد تكرر في كلامه تعالى أمثال قوله: «إنما تجزون ما كنتم تعملون:» التحريم: - 7.
و كيف كان فالمراد بالسيئات التي سألوا وقايتهم عنها هي الأهوال و الشدائد التي تواجههم يوم القيامة غير عذاب الجحيم فلا تكرار في قوليهم: «و قهم عذاب الجحيم» «و قهم السيئات».
و قيل: المراد بالسيئات نفس المعاصي التي في الدنيا، و قولهم: «يومئذ» إشارة إلى الدنيا، و المعنى و احفظهم من اقتراف المعاصي و ارتكابها في الدنيا بتوفيقك.
و فيه أن السياق يؤيد كون المراد بيومئذ يوم القيامة كما يشهد به قولهم: «و قهم عذاب الجحيم» و قولهم: «و أدخلهم جنات عدن» إلخ فالحق أن المراد بالسيئات ما يظهر للناس يوم القيامة من الأهوال و الشدائد.
و يظهر من هذه الآيات المشتملة على دعاء الملائكة و مسألتهم: أولا: أن من الأدب في الدعاء أن يبدأ بحمده و الثناء عليه تعالى ثم يذكر الحاجة ثم يستشفع بأسمائه الحسنى المناسبة له.
و ثانيا: أن سؤال المغفرة قبل سؤال الجنة و قد كثر ذكر المغفرة قبل الجنة في كلامه تعالى إذا ذكرا معا، و هو الموافق للاعتبار فإن حصول استعداد أي نعمة كانت بزوال المانع قبل حصول نفس النعمة.
و ذكر بعضهم أن في قوله: «فاغفر للذين تابوا» الآية دلالة على أن إسقاط العقاب عند التوبة تفضل من الله تعالى إذ لو كان واجبا لكان لا يحتاج فيه إلى مسألتهم بل كان يفعله الله سبحانه لا محالة.
و فيه أن وجوب صدور الفعل عنه تعالى لا ينافي صحة مسألته و طلبه منه تعالى كما يشهد به قولهم بعد الاستغفار: «ربنا و أدخلهم جنات عدن التي وعدتهم» فقد سألوا لهم الجنة مع اعترافهم بأن الله وعدهم إياها و وعده تعالى واجب الإنجاز فإنه لا يخلف الميعاد، و أصرح من هذه الآية قوله يحكي عن المؤمنين: «ربنا و آتنا ما وعدتنا على رسلك و لا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد:» آل عمران: - 194.
و قبول التوبة مما أوجبه الله تعالى على نفسه و جعله حقا للتائبين عليه قال تعالى: «إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم:» النساء: - 17 فطلب كل حق أوجبه الله تعالى على نفسه منه كسؤال المغفرة للتائب هو في الحقيقة رجوع إليه لاستنجاز ما وعده و إظهار اشتياق للفوز بكرامته.
و كذا لا يستلزم التفضل منه تعالى كون الفعل جائز الصدور غير واجبة فكل عطية من عطاياه تفضل سواء كانت واجبة الصدور أم لم تكن إذ لو كان فعل من أفعاله واجب الصدور عنه لم يكن إيجابه عليه بتأثير من غيره فيه و قهره عليه إذ هو المؤثر في كل شيء لا يؤثر فيه غيره بل كان ذلك بإيجاب منه تعالى على نفسه و يؤول معناه إلى قضائه تعالى فعل شيء من الأفعال و إفاضة عطية من العطايا قضاء حتم فيكون سبحانه إنما يفعله بمشية من نفسه منزها عن إلزام الغير إياه عليه متفضلا به فالفعل تفضل منه و إن كان واجب الصدور، و أما لو لم يكن الفعل واجب الصدور فكونه تفضلا أوضح.
قوله تعالى: «إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون» المقت أشد البغض.
لما ذكر المؤمنين ببعض ما لهم من جهة إيمانهم رجع إلى ذكر الكافرين ببعض ما عليهم من جهة كفرهم.
و ظاهر الآية و الآية التالية أن هذا النداء المذكور فيها إنما ينادون به في الآخرة بعد دخول النار حين يذوقون العذاب لكفرهم فيظهر لهم أن كفرهم في الدنيا إذ كانوا يدعون من قبل الأنبياء إلى الإيمان كان مقتا و شدة بغض منهم لأنفسهم حيث أوردوها بذلك مورد الهلاك الدائم.
و ينادون من جانب الله سبحانه فيقال لهم: أقسم لمقت الله و شدة بغضه لكم أكبر من مقتكم أنفسكم و شدة بغضكم لها إذ تدعون - حكاية حال ماضية - إلى الإيمان من قبل الأنبياء فتكفرون.
قوله تعالى: «قالوا ربنا أمتنا اثنتين و أحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل» سياق الآية و ما قبلها يشعر بأنهم يقولون هذا القول بعد استماع النداء السابق، و إنما يقولونه و هم في النار بدليل قولهم: «فهل إلى خروج من سبيل».
و تقديم هذا الاعتراف منهم نوع تسبيب و توسل إلى التخلص من العذاب و لات حين مناص، و ذلك أنهم كانوا - و هم في الدنيا - في ريب من البعث و الرجوع إلى الله فأنكروه و نسوا يوم الحساب و كان نسيان ذلك سبب استرسالهم في الذنوب و ذهابهم لوجوههم في المعاصي و نسيان يوم الحساب مفتاح كل معصية و ضلال قال تعالى: «إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب:» ص: - 26.
ثم لما أماتهم الله إماتة بعد إماتة و أحياهم إحياءة بعد إحياءة زال ارتيابهم في أمر البعث و الرجوع إلى الله بما عاينوا من البقاء بعد الموت و الحياة بعد الحياة و قد كانوا يرون أن الموت فناء، و يقولون إن هي إلا حياتنا الدنيا و ما نحن بمبعوثين.
و بالجملة زال عنهم الارتياب بحصول اليقين و بقيت الذنوب و المعاصي و لذلك توسلوا إلى التخلص من العذاب بالاعتراف فتارة اعترفوا بحصول اليقين كما حكاه الله عنهم في قوله: «و لو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا و سمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون:» الم السجدة: - 12، و تارة اعترفوا بذنوبهم كما في الآية المبحوث عنها و قد كانوا يرون أنهم أحرار مستقلون في إرادتهم و أفعالهم لهم أن يشاءوا ما شاءوا و أن يفعلوا ما فعلوا و لا حساب و لا ذنب.
و من ذلك يظهر وجه ترتب قولهم: «فاعترفنا بذنوبنا» على قولهم: «أمتنا اثنتين و أحييتنا اثنتين» فالاعتراف في الحقيقة مترتب على حصول اليقين بالمعاد الموجب لحصول العلم بكون انحرافاتهم عن سبيل الله ضلالات و ذنوبا.
و المراد بقولهم: «أمتنا اثنتين و أحييتنا اثنتين» - كما قيل - الإماتة عن الحياة الدنيا و الإحياء للبرزخ ثم الإماتة عن البرزخ و الإحياء للحساب يوم القيامة فالآية تشير إلى الإماتة بعد الحياة الدنيا و الإماتة بعد الحياة البرزخية و إلى الإحياء في البرزخ و الإحياء ليوم القيامة و لو لا الحياة البرزخية لم تتحقق الإماتة الثانية لأن كلا من الإماتة و الإحياء يتوقف تحققه على سبق خلافه.
و لم يتعرضوا للحياة الدنيا و لم يقولوا: و أحييتنا ثلاثا و إن كانت إحياء لكونها واقعة بعد الموت الذي هو حال عدم ولوج الروح لأن مرادهم ذكر الإحياء الذي هو سبب الإيقان بالمعاد و هو الإحياء في البرزخ ثم في القيامة و أما الحياة الدنيوية فإنها و إن كانت إحياء لكنها لا توجب بنفسها يقينا بالمعاد فقد كانوا مرتابين في المعاد و هم أحياء في الدنيا.
و بما تقدم من البيان يظهر فساد ما اعترض عليه بأنه لو كان المراد بالإحياءتين ما كان في البرزخ و في الآخرة لكان من الواجب أن يقال: «أمتنا اثنتين و أحييتنا ثلاثا» إذ ليس المراد إلا ذكر ما مر عليهم من الإماتة و الإحياءة و ذلك إماتتان اثنتان و إحياءات ثلاث.
و الجواب أنه ليس المراد هو مجرد ذكر الإماتة و الإحياء اللتين مرتا عليهم كيفما كانتا بل ذكر ما كان منهما مورثا لليقين بالمعاد، و ليس الإحياء الدنيوي على هذه الصفة.
و قيل: المراد بالإماتة الأولى حال النطفة قبل ولوج الروح، و بالإحياءة الأولى ما هو حال الإنسان بعد ولوجها، و بالإماتة الثانية إماتته في الدنيا، و بالإحياءة الثانية إحياءته بالبعث للحساب يوم القيامة، و الآية منطبقة على ما في قوله تعالى: «كيف تكفرون بالله و كنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم:» البقرة: - 28.
و لما أحسوا بعدم صدق الإماتة على حال الإنسان قبل ولوج الروح في جسده لتوقفها على سبق الحياة تمحلوا في تصحيحه تمحلات عجيبة من أراد الوقوف عليها فليراجع الكشاف، و شروحه.
على أنك قد عرفت أن ذكرهم ما مر عليهم من الإماتة و الإحياءة إشارة إلى أسباب حصول يقينهم بالمعاد و الحياة الدنيا و الموت الذي قبلها لا أثر لهما في ذلك.
و قيل: إن الحياة الأولى في الدنيا و الثانية في القبر، و الموتة الأولى في الدنيا و الثانية في القبر و لا تعرض في الآية لحياة يوم البعث، و يرد عليه ما تقدم أن الحياة الدنيا لا تعلق لها بالغرض فلا موجب للتعرض لها، و الحياة يوم القيامة بالخلاف من ذلك.
و قيل: المراد بالإحياءتين إحياء البعث و الإحياء الذي قبله و إحياء البعث قسمان إحياء في القبر و إحياء عند البعث و لم يتعرض لهذا التقسيم في الآية فتشمل الآية الإحياءات الثلاث و الإماتتين جميعا.
و يرد عليه ما يرد على الوجهين السابقين عليه مضافا إلى ما أورد عليه أن ذكر الإماتة الثانية التي في القبر دليل على أن التقسيم ملحوظ و المراد التعدد الشخصي لا النوعي.
و قيل: المراد إحياء النفوس في عالم الذر ثم الإماتة ثم الإحياء في الدنيا ثم الإماتة ثم الإحياء للبعث، و يرد عليه ما يرد على سوابقه.
و قيل: المراد بالتثنية التكرار كما في قوله تعالى: «ثم ارجع البصر كرتين:» الملك: - 4، و المعنى أمتنا إماتة و أحييتنا إحياءة بعد إحياءة.
و أورد عليه أنه إنما يتم لو كان القول: أمتنا إماتتين و أحييتنا إحياءتين أو كرتين مثلا لكن المقول نفس العدد و هو لا يحتمل ذلك كما قيل في قوله: «إلهين اثنين:» النحل: - 51.
و قولهم: «فهل إلى خروج من سبيل» دعاء و مسألة في صورة الاستفهام، و في تنكير الخروج و السبيل إشارة إلى رضاهم بأي نوع من الخروج كان من أي سبيل كانت فقد بلغ بهم الجهد و اليوم يوم تقطعت بهم الأسباب فلا سبب يرجى أثره في تخلصهم من العذاب.
قوله تعالى: «ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم و إن يشرك به تؤمنوا» إلخ خطاب تشديد للكفار موطنه يوم القيامة، و يحتمل أن يكون موطنه الدنيا خوطبوا بداعي زجرهم عن الشرك.
و الإشارة بقوله: «ذلكم» إلى ما هم فيه من الشدة، و في قوله: «و إن يشرك به» دلالة على الاستمرار، و الكلام مسوق لبيان معاندتهم للحق و معاداتهم لتوحيده تعالى فهم يكفرون بكل ما يلوح فيه أثر التوحيد و يؤمنون بكل ما فيه سمة الشرك فهم لا يراعون لله حقا و لا يحترمون له جانبا فالله سبحانه يحرم عليهم رحمته و لا يراعي في حكمه لهم جانبا.
و بهذا المعنى يتصل قوله: «فالحكم لله العلي الكبير» بأول الآية و يتفرع عليه كأنه قيل: فإذا قطعتم عن الله بالمرة و كفرتم بكل ما يريده و آمنتم بكل ما يكرهه فهو يقطع عنكم و يحكم فيكم بما يحكم من غير أي رعاية لحالكم.
فالآية في معنى قوله: «نسوا الله فنسيهم:» التوبة: - 67، و الجملة أعني قوله: «فالحكم لله العلي الكبير» خاصة بحسب السياق و إن كانت عامة في نفسها، و فيها تهديد و يتأكد التهديد باختتامها بالاسمين العلي الكبير.
|