بيان
تتضمن الآيات آخر ما يفيده سبحانه في تعريف الوحي في هذه السورة و هو تقسيمه إلى ثلاثة أقسام: وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ثم يذكر أنه يوحي إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يوحي، على هذه الوتيرة و أن ما أوحي إليه منه تعالى لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم ذلك من نفسه بل هو نور يهدي به الله من يشاء من عباده و يهدي به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بإذنه.
قوله تعالى: «و ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء» إلخ، قد تقدم البحث عن معنى كلامه تعالى في الجزء الثاني من الكتاب، و إطلاق الكلام على كلامه تعالى و التكليم على فعله الخاص سواء كان إطلاقا حقيقيا أو مجازيا واقع في كلامه تعالى قال: «يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي و بكلامي»: الأعراف: 144 و قال: «و كلم الله موسى تكليما»: النساء: 164، و من مصاديق كلامه ما يتلقاه الأنبياء (عليهم السلام) منه تعالى بالوحي.
و على هذا لا موجب لعد الاستثناء في قوله: «إلا وحيا» منقطعا بل الوحي و القسمان المذكوران بعده من تكليمه تعالى للبشر سواء كان إطلاق التكليم عليها إطلاقا حقيقيا أو مجازيا فكل واحد من الوحي و ما كان من وراء حجاب و ما كان بإرسال رسول نوع من تكليمه للبشر.
فقوله: «وحيا» - و الوحي الإشارة السريعة على ما ذكره الراغب - مفعول مطلق نوعي و كذا المعطوفان عليه في معنى المصدر النوعي، و المعنى: ما كان لبشر أن يكلمه الله نوعا من أنواع التكليم إلا هذه الأنواع الثلاثة أن يوحي وحيا أو يكون من وراء حجاب أو أن يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء.
ثم إن ظاهر الترديد في الآية بأو هو التقسيم على مغايرة بين الأقسام و قد قيد القسمان الأخيران بقيد كالحجاب، و الرسول الذي يوحي إلى النبي و لم يقيد القسم الأول بشيء فظاهر المقابلة يفيد أن المراد به التكليم الخفي من دون أن يتوسط واسطة بينة تعالى و بين النبي أصلا، و أما القسمان الآخران ففيهما قيد زائد و هو الحجاب أو الرسول الموحي و كل منهما واسطة غير أن الفارق أن الواسطة الذي هو الرسول يوحي إلى النبي بنفسه و الحجاب واسطة ليس بموح و إنما الوحي من ورائه.
فتحصل أن القسم الثالث «أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء» وحي بتوسط الرسول الذي هو ملك الوحي فيوحي ذلك الملك بإذن الله ما يشاء الله سبحانه قال تعالى: «نزل به الروح الأمين على قلبك»: الشعراء: 194، و قال: «قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله»: البقرة: 97، و الموحي مع ذلك هو الله سبحانه كما قال: «بما أوحينا إليك هذا القرآن»: يوسف: 3.
و أما قول بعضهم: إن المراد بالرسول في قوله: «أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء» هو النبي يبلغ الناس الوحي فلا يلائمه قوله: «يوحي» إذ لا يطلق الوحي على تبليغ النبي.
و إن القسم الثاني «أو من وراء حجاب» وحي مع واسطة هو الحجاب غير أن الواسطة لا يوحي كما في القسم الثالث و إنما يبتدىء الوحي مما وراءه لمكان من، و ليس وراء بمعنى خلف و إنما هو الخارج عن الشيء المحيط به، قال تعالى: «و الله من ورائهم محيط»: البروج: 20، و هذا كتكليم موسى (عليه السلام) في الطور، قال تعالى: «فلما أتاها نودي من شاطىء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة»: القصص: 30، و من هذا الباب ما أوحي إلى الأنبياء في مناماتهم.
و إن القسم الأول تكليم إلهي للنبي من غير واسطة بينة و بين ربه من رسول أو أي حجاب مفروض.
و لما كان للوحي في جميع هذه الأقسام نسبة إليه تعالى على اختلافها صح إسناد مطلق الوحي إليه بأي قسم من الأقسام تحقق و بهذه العناية أسند جميع الوحي إليه في كلامه كما قال: «إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح و النبيين من بعده»: النساء: 163.
و قال: «و ما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم»: النحل: 43.
هذا ما يعطيه التدبر في الآية الكريمة، و للمفسرين فيها أبحاث طويلة الذيل و مشاجرات أضربنا عن الاشتغال بها من أرادها فليراجع المفصلات.
و قوله: «إنه علي حكيم» تعليل لمضمون الآية فهو تعالى لعلوه عن الخلق و النظام الحاكم فيهم يجل أن يكلمهم كما يكلم بعضهم بعضا، و لعلوه و حكمته يكلمهم بما اختار من الوحي و ذلك أن هداية كل نوع إلى سعادته من شأنه تعالى كما قال: «الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى»: طه: 50، و قال: «و على الله قصد السبيل»: النحل: 9، و سعادة الإنسان الذي يسلك سبيل سعادته بالشعور و العلم في إعلام سعادته و الدلالة إلى سنة الحياة التي تنتهي إليها و لا يكفي في ذلك العقل الذي من شأنه الإخطاء و الإصابة فاختار سبحانه لذلك طريق الوحي الذي لا يخطىء البتة، و قد فصلنا القول في هذه الحجة في موارد من هذا الكتاب.
قوله تعالى: «و كذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان» إلخ، ظاهر السياق كون «كذلك» إشارة إلى ما ذكر في الآية السابقة من الوحي بأقسامه الثلاث، و يؤيده الروايات الكثيرة الدالة على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كما كان يوحى إليه بتوسط جبريل و هو القسم الثالث كان يوحى إليه في المنام و هو من القسم الثاني و يوحى إليه من دون توسط واسطة و هو القسم الأول.
و قيل: الإشارة إلى مطلق الوحي النازل على الأنبياء و هذا متعين على تقدير كون المراد بالروح هو جبريل أو الروح الأمري كما سيأتي.
و المراد بإيحاء الروح - على ما قيل - إيحاء القرآن و أيد بقوله: «و لكن جعلناه نورا» إلخ، و من هنا قيل: إن المراد بالروح القرآن.
لكن يبقى عليه أولا: أنه لا ريب أن الكلام مسوق لبيان أن ما عندك من المعارف و الشرائع التي تتلبس بها و تدعو الناس إليها ليس مما أدركته بنفسك و أبديته بعلمك بل أمر من عندنا منزل إليك بوحينا، و على هذا فلو كان المراد بالروح الموحي القرآن كان من الواجب الاقتصار على الكتاب في قوله: «ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان» لأن المراد بالكتاب القرآن فيكون الإيمان زائدا مستغنى عنه.
و ثانيا: أن القرآن و إن أمكن أن يسمى روحا باعتبار إحيائه القلوب بهداه كما قال تعالى: «إذا دعاكم لما يحييكم»: الأنفال: 24، و قال: «أ و من كان ميتا فأحييناه و جعلنا له نورا يمشي به في الناس»: الأنعام: 122، لكن لا وجه لتقيده حينئذ بقوله: «من أمرنا» و الظاهر من كلامه تعالى أن الروح من أمره خلق من العالم العلوي يصاحب الملائكة في نزولهم، قال تعالى: «تنزل الملائكة و الروح فيها بإذن ربهم من كل أمر»: القدر: 4، و قال: «يوم يقوم الروح و الملائكة صفا»: النبأ: 38، و قال: «قل الروح من أمر ربي»: إسراء: 85، و قال: «و أيدناه بروح القدس»: البقرة: 87، و قد سمي جبريل الروح الأمين و روح القدس حيث قال: «نزل به الروح الأمين»: الشعراء: 193، و قال: «قل نزله روح القدس من ربك»: النحل: 102.
و يمكن أن يجاب عن الأول بأن مقتضى المقام و إن كان هو الاقتصار على ذكر الكتاب فقط لكن لما كان إيمانه (صلى الله عليه وآله وسلم) بتفاصيل ما في الكتاب من المعارف و الشرائع من لوازم نزول الكتاب غير المنفكة عنه و آثاره الحسنة صح أن يذكر مع الكتاب فالمعنى: و كذلك أوحينا إليك كتابا ما كنت تدري ما الكتاب و لا ما تجده في نفسك من أثره الحسن الجميل و هو إيمانك به.
و عن الثاني أن المعهود من كلامه في معنى الروح و إن كان ذلك لكن حمل الروح في الآية على ذلك المعنى و إرادة الروح الأمري أو جبريل منه يوجب أخذ «أوحينا» بمعنى أرسلنا إذ لا يقال: أوحينا الروح الأمري أو الملك فلا مفر من كون الإيحاء بمعنى الإرسال و هو كما ترى فأخذ الروح بمعنى القرآن أهون من أخذ الإيحاء بمعنى الإرسال و الجوابان لا يخلوان عن شيء.
و قيل: المراد بالروح جبريل فإن الله سماه في كتابه روحا قال: «نزل به الروح الأمين على قلبك»: الشعراء: 194 و قال: «قل نزله روح القدس من ربك».
و قيل: المراد بالروح الروح الأمري الذي ينزل مع ملائكة الوحي على الأنبياء كما قال تعالى: «ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا»: النحل: 2، فالمراد بإيحائه إليه إنزاله عليه.
و يمكن أن يوجه التعبير عن الإنزال بالإيحاء بأن أمره تعالى على ما يعرفه في قوله: «إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن»: يس: 82، هو كلمته، و الروح من أمره كما قال: «قل الروح من أمر ربي»: إسراء: 85، فهو كلمته، و هو يصدق ذلك قوله في عيسى بن مريم (عليهما السلام): «إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه»: النساء: 171، و إنزال الكلمة تكليم فلا ضير في التعبير عن إنزال الروح بإيحائه، و الأنبياء مؤيدون بالروح في أعمالهم كما أنهم يوحى إليهم الشرائع به قال تعالى: «و أيدناه بروح القدس» و قد تقدمت الإشارة إليه في تفسير قوله تعالى: «و أوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة»: الأنبياء: 73.
و يمكن رفع إشكال كون الإيحاء بمعنى الإنزال و الإرسال بالقول بكون قوله: «روحا» منصوبا بنزع الخافض و رجوع ضمير «جعلناه» إلى القرآن المعلوم من السياق أو الكتاب و المعنى و كذلك أوحينا إليك القرآن بروح منا ما كنت تدري ما الكتاب و ما الإيمان و لكن جعلنا القرآن أو الكتاب نورا إلخ، هذا و ما أذكر أحدا من المفسرين قال به.
و قوله: «ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان» قد تقدم أن الآية مسوقة لبيان أن ما عنده (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يدعو إليه إنما هو من عند الله سبحانه لا من قبل نفسه و إنما أوتي ما أوتي من ذلك بالوحي بعد النبوة فالمراد بعدم درايته بالكتاب عدم علمه بما فيه من تفاصيل المعارف الاعتقادية و الشرائع العملية فإن ذلك هو الذي أوتي العلم به بعد النبوة و الوحي، و بعدم درايته بالإيمان عدم تلبسه بالالتزام التفصيلي بالعقائد الحقة و الأعمال الصالحة و قد سمي العمل إيمانا في قوله: «و ما كان الله ليضيع إيمانكم: البقرة: 143.
فالمعنى: ما كان عندك قبل وحي الروح الكتاب بما فيه من المعارف و الشرائع و لا كنت متلبسا بما أنت متلبس به بعد الوحي من الالتزام الاعتقادي و العملي بمضامينه و هذا لا ينافي كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤمنا بالله موحدا قبل البعثة صالحا في عمله فإن الذي تنفيه الآية هو العلم بتفاصيل ما في الكتاب و الالتزام بها اعتقادا و عملا و نفي العلم و الالتزام التفصيليين لا يلازم نفي العلم و الالتزام الإجماليين بالإيمان بالله و الخضوع للحق.
و بذلك يندفع ما استدل بعضهم بالآية على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان غير متلبس بالإيمان قبل بعثته.
و يندفع أيضا ما عن بعضهم أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يزل كاملا في نفسه علما و عملا و هو ينافي ظاهر الآية أنه ما كان يدري ما الكتاب و لا الإيمان.
و وجه الاندفاع أن من الضروري وجود فرق في حاله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل النبوة و بعدها و الآية تشير إلى هذا الفرق، و أن ما حصل له بعد النبوة لا صنع له فيه و إنما هو من الله من طريق الوحي.
و قوله: «و لكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا» ضمير «جعلناه» للروح و المراد بقوله: «من نشاء» على تقدير أن يراد بالروح القرآن هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و من آمن به فإنهم جميعا مهتدون بالقرآن.
و على تقدير أن يراد به الروح الأمري فالمراد بمن نشاء جميع الأنبياء و من آمن بهم من أممهم فإنه يهدي بالوحي الذي نزل به، الأنبياء و المؤمنين من أممهم و يسدد الأنبياء خاصة و يهديهم إلى الأعمال الصالحة و يشير عليهم بها.
و على هذا تكون الآية في مقام تصديق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تصدقه في دعواه أن كتابه من عند الله بوحي منه، و تصدقه في دعواه أنه مؤمن بما يدعو إليه فيكون في معنى قوله تعالى: «إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم»: يس: 5.
و قوله: «و إنك لتهدي إلى صراط مستقيم» إشارة إلى أن الذي يهدي إليه صراط مستقيم و أن الذي يهديه من الناس هو الذي يهديه الله سبحانه، فهدايته (صلى الله عليه وآله وسلم) هداية الله.
قوله تعالى: «صراط الله الذي له ما في السماوات و ما في الأرض» إلخ، بيان للصراط المستقيم الذي يهدي إليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و توصيفه تعالى بقوله: «الذي له ما في السماوات و ما في الأرض» للدلالة على الحجة على استقامة صراطه فإنه تعالى لما ملك كل شيء ملك الغاية التي تسير إليها الأشياء و السعادة التي تتوجه إليها، فكانت الغاية و السعادة هي التي عينها، و كان الطريق إليها و السبيل الذي عليهم أن يسلكوه لنيل سعادتهم هو الذي شرعه و بينه، و ليس يملك أحد شيئا حتى ينصب له غاية و نهاية أو يشرع له إليها سبيلا، فالسعادة التي يدعو سبحانه إليها حق السعادة و الطريق الذي يدعو إليه حق الطريق و مستقيم الصراط.
و قوله: «ألا إلى الله تصير الأمور» تنبيه على لازم ملكه لما في السماوات و ما في الأرض فإن لازمه رجوع أمورهم إليه و لازمه كون السبيل الذي يسلكونه - و هو من جملة أمورهم - راجعا إليه فالصراط المستقيم هو صراطه فالمضارع أعني قوله: «تصير» للاستمرار.
و فيه إشعار بلم الوحي و التكليم الإلهي، إذ لما كان مصير الأشياء إليه تعالى كان لكل نوع إليه تعالى سبيل يسلكه و كان عليه تعالى أن يهديه إليه و يسوقه إلى غايته كما قال: «و على الله قصد السبيل»: النحل: 9، و هو تكليم كل نوع بما يناسب ذاته و هو في الإنسان التكليم المسمى بالوحي و الإرسال.
و قيل: المضارع للاستقبال و المراد مصيرها جميعا إليه يوم القيامة، و قد سيقت الجملة لوعد المهتدين إلى الصراط المستقيم و وعيد الضالين عنه، و أول الوجهين أظهر.
بحث روائي
في الدر المنثور، أخرج البخاري و مسلم و البيهقي عن عائشة أن الحارث بن هشام سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف يأتيك الوحي؟ قال: أحيانا يأتيني الملك في مثل صلصلة الجرس فيفصم عني و قد وعيت عنه ما قال و هو أشده علي، و أحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول: قالت عائشة: و لقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم و إن جبينه ليتفصد عرقا.
و في التوحيد، بإسناده عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك الغشية التي كانت تصيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا نزل عليه الوحي؟ قال: فقال: ذلك إذا لم يكن بينه و بين الله أحد ذاك إذا تجلى الله له. قال: ثم قال: تلك النبوة يا زرارة و أقبل يتخشع.
و في العلل، بإسناده عن ابن أبي عمير عن عمرو بن جميع عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان جبرئيل إذا أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قعد بين يديه قعدة العبد، و كان لا يدخل حتى يستأذنه.
و في أمالي الشيخ، بإسناده عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال بعض أصحابنا: أصلحك الله كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: قال جبرئيل، و هذا جبرئيل يأمرني ثم يكون في حال أخرى يغمى عليه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أنه إذا كان الوحي من الله إليه ليس بينهما جبرئيل أصابه ذلك لثقل الوحي من الله، و إذا كان بينهما جبرئيل لم يصبه ذلك فقال: قال لي جبرئيل و هذا جبرئيل.
و في البصائر، عن علي بن حسان عن ابن بكير عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) من الرسول؟ من النبي؟ من المحدث؟ فقال: الرسول الذي يأتيه جبرئيل فيكلمه قبلا فيراه كما يرى أحدكم صاحبه الذي يكلمه فهذا الرسول، و النبي الذي يؤتى في النوم نحو رؤيا إبراهيم (عليه السلام)، و نحو ما كان يأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من السبات إذا أتاه جبرئيل في النوم فهكذا النبي، و منهم من يجمع له الرسالة و النبوة فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رسولا نبيا يأتيه جبرئيل قبلا فيكمله و يراه، و يأتيه في النوم، و أما المحدث فهو الذي يسمع كلام الملك فيحدثه من غير أن يراه و من غير أن يأتيه في النوم.
أقول: و في معناه روايات أخر.
و في التوحيد، بإسناده عن محمد بن مسلم و محمد بن مروان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن جبرئيل من قبل الله إلا بالتوفيق.
و في تفسير العياشي، عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف لم يخف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يأتيه من قبل الله أن يكون ذلك مما ينزغ به الشيطان؟ قال: فقال: إن الله إذا اتخذ عبدا رسولا أنزل عليه السكينة و الوقار فكان يأتيه من قبل الله مثل الذي يراه بعينه.
و في الكافي، بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك و تعالى: «و كذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا - ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان» قال: خلق من خلق أعظم من جبرئيل و ميكائيل كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخبره و يسدده، و هو مع الأئمة من بعده.
أقول: و في معناها عدة روايات و في بعضها أنه من الملكوت، قال في روح المعاني،: و نقل الطبرسي عن أبي جعفر و أبي عبد الله: أن المراد من هذا الروح ملك أعظم من جبرائيل و ميكائيل كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لم يصعد إلى السماء، و هذا القول في غاية الغرابة و لعله لا يصح عن هذين الإمامين.
انتهى.
و الذي في مجمع البيان،. عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) قالا: و لم يصعد إلى السماء و إنه لفينا. انتهى.
و استغرابه فيما لا دليل له على نفيه غريب.
على أنه يسلم تسديد هذا الروح لبعض الأمة غير النبي كما هو ظاهر لمن راجع قسم الإشارات من تفسيره.
و في النهج،: و لقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله وسلم) من لدن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم و محاسن أخلاق العالم ليله و نهاره.
و في الدر المنثور، أخرج أبو نعيم في الدلائل و ابن عساكر عن علي قال: قيل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): هل عبدت وثنا قط؟ قال: لا. قالوا: فهل شربت خمرا قط؟ قال: لا. و ما زلت أعرف أن الذي هم عليه كفر و ما كنت أدري ما الكتاب و ما الإيمان، و بذلك نزل القرآن «ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان».
و في الكافي، بإسناده عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث، و قال في نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): «و إنك لتهدي إلى صراط مستقيم» يقول: تدعو.
و في الكافي، بإسناده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: وقع مصحف في البحر فوجدوه و قد ذهب ما فيه إلا هذه الآية: «ألا إلى الله تصير الأمور».
|