بيان
لما قسم الناس في قوله: «لينذر الذين ظلموا و بشرى للمحسنين» إلى ظالمين و محسنين و أشير فيه إلى أن للظالمين ما يخاف و يحذر و للمحسنين ما يسر الإنسان و يبشر به عقب ذلك في هذا الفصل من الآيات بتفصيل القول فيه، و أن الناس بين قوم تائبين إلى الله مسلمين له و هم الذين يتقبل أحسن أعمالهم و يتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة، و قوم خاسرين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن و الإنس.
و مثل الطائفة الأولى بمن كان مؤمنا بالله مسلما له بارا بوالديه يسأل الله أن يلهمه الشكر على ما أنعم عليه و على والديه و العمل الصالح و إصلاح ذريته، و الطائفة الثانية بمن كان عاقا لوالديه إذا دعواه إلى الإيمان بالله و اليوم الآخر فيزجرهما و يعد ذلك من أساطير الأولين.
قوله تعالى: «و وصينا الإنسان بوالديه إحسانا» إلى آخر الآية، الوصية على ما ذكره الراغب هو التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ و التوصية تفعيل من الوصية قال تعالى: «و وصى بها إبراهيم بنيه»: البقرة: 132، فمفعوله الثاني الذي يتعدى إليه بالباء من قبيل الأفعال، فالمراد بالتوصية بالوالدين التوصية بعمل يتعلق بهما و هو الإحسان إليهما.
و على هذا فتقدير الكلام: و وصينا الإنسان بوالديه أن يحسن إليهما إحسانا.
و في إعراب: «إحسانا» أقوال أخر كقول بعضهم: إنه مفعول مطلق على تضمين «وصينا» معنى أحسنا، و التقدير: وصينا الإنسان محسنين إليهما إحسانا، و قول بعضهم: إنه صفة لمصدر محذوف بتقدير مضاف أي إيصاء ذا إحسان، و قول بعضهم: هو مفعول له، و التقدير: وصيناه بهما لإحساننا إليهما، إلى غير ذلك مما قيل.
و كيف كان فبر الوالدين و الإحسان إليهما من الأحكام العامة المشرعة في جميع الشرائع كما تقدم في تفسير قوله تعالى: «قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا و بالوالدين إحسانا»: الأنعام: 151، و لذلك قال: «و وصينا الإنسان» فعممه لكل إنسان.
ثم عقبه سبحانه بالإشارة إلى ما قاسته أمه في حمله و وضعه و فصاله إشعارا بملاك الحكم و تهييجا لعواطفه و إثارة لغريزة رحمته و رأفته فقال: «حملته أمه كرها و وضعته كرها و حمله و فصاله ثلاثون شهرا» أي حملته أمه حملا ذا كره أي مشقة و ذلك لما في حمله من الثقل، و وضعته وضعا ذا كره و ذلك لما عنده من ألم الطلق.
و أما قوله: «و حمله و فصاله ثلاثون شهرا» فقد أخذ فيه أقل مدة الحمل و هو ستة أشهر، و الحولان الباقيان إلى تمام ثلاثين شهرا مدة الرضاع، قال تعالى: «و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين»: البقرة: 233، و قال: «و فصاله في عامين»: لقمان: 14.
و الفصال التفريق بين الصبي و بين الرضاع، و جعل العامين ظرفا للفصال بعناية أنه في آخر الرضاع و لا يتحقق إلا بانقضاء عامين.
و قوله: «حتى إذا بلغ أشده و بلغ أربعين سنة» بلوغ الأشد بلوغ زمان من العمر تشتد فيه قوى الإنسان، و قد مر نقل اختلافهم في معنى بلوغ الأشد في تفسير قوله: «و لما بلغ أشده آتيناه حكما و علما»: يوسف: 22، و بلوغ الأربعين ملازم عادة لكمال العقل.
و قوله: «قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي و على والدي و أن أعمل صالحا ترضاه» الإيزاع الإلهام، و هذا الإلهام ليس بإلهام علم يعلم به الإنسان ما جهلته نفسه بحسب الطبع كما في قوله: «و نفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها»: الشمس: 8، بل هو إلهام عملي بمعنى البعث و الدعوة الباطنية إلى فعل الخير و شكر النعمة و بالجملة العمل الصالح.
و قد أطلق النعمة التي سأل إلهام الشكر عليها فتعم النعم الظاهرية كالحياة و الرزق و الشعور و الإرادة، و الباطنية كالإيمان بالله و الإسلام و الخشوع له و التوكل عليه و التفويض إليه ففي قوله: «رب أوزعني أن أشكر نعمتك» إلخ، سؤال أن يلهمه الثناء عليه بإظهار نعمته قولا و فعلا: أما قولا فظاهر، و أما فعلا فباستعمال هذه النعم استعمالا يظهر به أنها لله سبحانه أنعم بها عليه و ليست له من قبل نفسه و لازمه ظهور العبودية و المملوكية من هذا الإنسان في قوله و فعله جميعا.
و تفسير النعمة بقوله: «التي أنعمت علي و على والدي» يفيد شكره من قبل نفسه على ما اختص به من النعمة و من قبل والديه فيما أنعم به عليهما فهو لسان ذاكر لهما بعدهما.
و قوله: «و أن أعمل صالحا ترضاه» عطف على قوله: «أن أشكر» إلخ، سؤال متمم لسؤال الشكر على النعم فإن الشكر يحلي ظاهر الأعمال، و الصلاحية التي يرتضيها الله تعالى تحلي باطنها و تخلصها له تعالى.
و قوله: «و أصلح لي في ذريتي» الإصلاح في الذرية إيجاد الصلاح فيهم و هو من الله سبحانه توفيقهم للعمل الصالح و ينجر إلى إصلاح نفوسهم، و تقييد الإصلاح بقوله: «لي» للدلالة على أن يكون إصلاحهم بنحو ينتفع هو به أي أن يكون ذريته له في بره و إحسانه كما كان هو لوالديه.
و محصل الدعاء سؤال أن يلهمه الله شكر نعمته و صالح العمل و أن يكون بارا محسنا بوالديه و يكون ذريته له كما كان هو لوالديه، و قد تقدم غير مرة أن شكر نعمه تعالى بحقيقة معناه هو كون العبد خالصا لله فيئول معنى الدعاء إلى سؤال خلوص النفس و صلاح العمل.
و قوله: «إني تبت إليك و إني من المسلمين» أي الذين يسلمون الأمر لك فلا تريد شيئا إلا أرادوه بل لا يريدون إلا ما أردت.
و الجملة في مقام التعليل لما يتضمنه الدعاء من المطالب، و يتبين بالآية حيث ذكر الدعاء و لم يرده بل أيده بما وعد في قوله: «أولئك الذين نتقبل عنهم» إلخ، إن التوبة و الإسلام لله سبحانه إذا اجتمعا في العبد استعقب ذلك الهامة تعالى بما يصير به العبد من المخلصين - بفتح اللام - ذاتا و المخلصين - بكسر اللام - عملا أما إخلاص الذات فقد تقدمت الإشارة إليه آنفا، و أما إخلاص العمل فلأن العمل لا يكون صالحا لقبوله تعالى مرفوعا إليه إلا إذا كان خالصا لوجهه الكريم، قال تعالى: «ألا لله الدين الخالص»: الزمر: 3.
قوله تعالى: «أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا و نتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة» إلخ، التقبل أبلغ من القبول، و المراد بأحسن ما عملوا طاعاتهم من الواجبات و المندوبات فإنها هي المقبولة المتقبلة و أما المباحات فإنها و إن كانت ذات حسن لكنها ليست بمتقبلة، كذا ذكر في مجمع البيان و هو تفسير حسن و يؤيده مقابلة تقبل أحسن ما عملوا بالتجاوز عن السيئات فكأنه قيل: إن أعمالهم طاعات من الواجبات و المندوبات و هي أحسن أعمالهم فنتقبلها و سيئات فنتجاوز عنها و ما ليس بطاعة و لا حسنة فلا شأن له من قبول و غيره.
و قوله: «في أصحاب الجنة» متعلق بقوله: «نتجاوز» أي نتجاوز عن سيئاتهم في جملة من نتجاوز عن سيئاتهم من أصحاب الجنة، فهو حال من ضمير «عنهم».
و قوله: «وعد الصدق الذي كانوا يوعدون» أي يعدهم الله بهذا الكلام وعد الصدق الذي كانوا يوعدونه إلى هذا الحين بلسان الأنبياء و الرسل، أو المراد أنه ينجز لهم بهذا التقبل و التجاوز يوم القيامة وعد الصدق الذي كانوا يوعدونه في الدنيا.
قوله تعالى: «و الذي قال لوالديه أف لكما أ تعدانني أن أخرج و قد خلت القرون من قبلي» لما ذكر الإنسان الذي تاب إلى الله و أسلم له و سأله الخلوص و الإخلاص و بر والديه و إصلاح أولاده له قابله بهذا الإنسان الذي يكفر بالله و رسوله و المعاد و يعق والديه إذا دعواه إلى الإيمان و أنذراه بالمعاد.
فقوله: «و الذي قال لوالديه أف لكما» الظاهر أنه مبتدأ في معنى الجمع و خبره قوله بعد: «أولئك الذين» إلخ، و «أف» كلمة تبرم يقصد بها إظهار التسخط و التوجع و «أ تعدانني أن أخرج» الاستفهام للتوبيخ، و المعنى: أ تعدانني أن أخرج من قبري فأحيا و أحضر للحساب أي أ تعدانني المعاد «و قد خلت القرون من قبلي» أي و الحال أنه هلكت أمم الماضون العائشون من قبلي و لم يحي منهم أحد و لا بعث.
و هذا على زعمهم حجة على نفي المعاد و تقريره أنه لو كان هناك إحياء و بعث لأحيي بعض من هلك إلى هذا الحين و هم فوق حد الإحصاء عددا في أزمنة طويلة لا أمد لها و لا خبر عنهم و لا أثر و لم يتنبهوا أن القرون السالفة لو عادوا كما يقولون كان ذلك بعثا لهم و إحياء في الدنيا و الذي وعده الله سبحانه هو البعث للحياة الآخرة و القيام لنشأة أخرى غير الدنيا.
و قوله: «و هما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق» الاستغاثة طلب الغوث من الله أي و الحال أن والديه يطلبان من الله أن يغيثهما و يعينهما على إقامة الحجة و استمالته إلى الإيمان و يقولان له: ويلك آمن بالله و بما جاء به رسوله و منه وعده تعالى بالمعاد إن وعد الله بالمعاد من طريق رسله حق.
و منه يظهر أن مرادهما بقولهما: «آمن» هو الأمر بالإيمان بالله و رسوله فيما جاء به من عند الله، و قولهما: «إن وعد الله حق» المراد به المعاد، و تعليل الأمر بالإيمان به لغرض الإنذار و التخويف.
و قوله: «فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين» الإشارة بهذا إلى الوعد الذي ذكراه و أنذراه به أو مجموع ما كانا يدعوانه إليه و المعنى: فيقول هذا الإنسان لوالديه ليس هذا الوعد الذي تنذرانني به أو ليس هذا الذي تدعوانني إليه إلا خرافات الأولين و هم الأمم الأولية الهمجية.
قوله تعالى: «أولئك الذين حق عليهم القول» إلخ، تقدم بعض الكلام فيه في تفسير الآية 25 من سورة حم السجدة.
قوله تعالى: «و لكل درجات مما عملوا» إلى آخر الآية أي لكل من المذكورين و هم المؤمنون البررة و الكافرون الفجرة منازل و مراتب مختلفة صعودا و حدورا فللجنة درجات و للنار دركات.
و يعود هذا الاختلاف إلى اختلافهم في أنفسهم و إن كان ظهوره في أعمالهم و لذلك قال: «لكل درجات مما عملوا» فالدرجات لهم و منشؤها أعمالهم.
و قوله: «و ليوفيهم أعمالهم و هم لا يظلمون» اللام للغاية و الجملة معطوفة على غاية أو غايات أخرى محذوفة لم يتعلق بذكرها غرض، و إنما جعلت غاية لقوله: «لكل درجات» لأنه في معنى و جعلناهم درجات، و المعنى: جعلناهم درجات لكذا و كذا و ليوفيهم أعمالهم و هم لا يظلمون.
و معنى توفيتهم أعمالهم إعطاؤهم نفس أعمالهم فالآية من الآيات الدالة على تجسم الأعمال، و قيل: الكلام على تقدير مضاف و التقدير و ليوفيهم أجور أعمالهم.
قوله تعالى: «و يوم يعرض الذين كفروا على النار» إلخ، عرض الماء على الدابة و للدابة وضعه بمرأى منها بحيث إن شاءت شربته، و عرض المتاع على البيع وضعه موضعا لا مانع من وقوع البيع عليه.
و قوله: «و يوم يعرض الذين كفروا على النار» قيل: المراد بعرضهم على النار تعذيبهم فيها من قولهم: عرض فلان على السيف إذا قتل و هو مجاز شائع.
و فيه أن قوله في آخر السورة «و يوم يعرض الذين كفروا على النار أ ليس هذا بالحق قالوا بلى و ربنا قال فذوقوا العذاب» لا يلائمه تلك الملاءمة حيث فرع ذوق العذاب على العرض فهو غيره.
و قيل: إن في الآية قلبا و الأصل عرض النار على الذين كفروا لأن من الواجب في تحقق معنى العرض أن يكون في المعروض عليه شعور بالمعروض و النار لا شعور لها بالذين كفروا بل الأمر بالعكس ففي الكلام قلب، و المراد عرض النار على الذين كفروا.
و وجهه بعض المفسرين بأن المناسب أن يؤتى بالمعروض إلى المعروض عليه كما في قولنا: عرضت الماء على الدابة و عرضت الطعام على الضيف، و لما كان الأمر في عرض النار على الذين كفروا بالعكس فإنهم هم المسيرون إلى النار فقلب الكلام رعاية لهذا الاعتبار.
و فيه نظر أما ما ذكر من أن المعروض عليه يجب أن يكون ذا شعور و إدراك بالمعروض حتى يرغب إليه أو يرغب عنه و النار لا شعور لها ففيه أولا: أنه ممنوع كما يؤيده قولهم: عرضت المتاع على البيع، و قوله تعالى: «إنا عرضنا الأمانة على السماوات و الأرض و الجبال»: الأحزاب: 72، و ثانيا: أنا لا نسلم خلو نار الآخرة عن الشعور، ففي الأخبار الصحيحة أن للجنة و النار شعورا و يشعر به قوله: «يوم نقول لجهنم هل امتلأت و تقول هل من مزيد»: ق: 30، و غيره من الآيات.
و أما ما قيل من أن المناسب تحريك المعروض إلى المعروض عليه فلا نسلم لزومه و لا اطراده فهو منقوض بقوله: «إنا عرضنا الأمانة على السماوات و الأرض» الآية:، الأحزاب: 72.
على أن في كلامه تعالى ما يدل على الإتيان بالنار إلى الذين كفروا كقوله: «و جيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان و أنى له الذكرى»: الفجر: 23.
فالحق أن العرض و هو إظهار عدم المانع من تلبس شيء بشيء معنى له نسبة إلى الجانبين يمكن أخذ كل منهما أصلا معروضا عليه و الآخر فرعا معروضا فتارة تؤخذ النار معروضة على الكافرين بعناية أن لا مانع من عمل صالح أو شفاعة تمنع من دخولهم فيها كقوله تعالى: «و عرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا»: الكهف: 100، و تارة يؤخذ الكفار معروضين للنار بعناية أن لا مانع يمنع النار أن تعذبهم، كما في قوله: «النار يعرضون عليها غدوا و عشيا»: المؤمن: 36، و قوله: «يعرض الذين كفروا على النار» الآية.
و على هذا فالأشبه تحقق عرضين يوم القيامة: عرض جهنم للكافرين حين تبرز لهم ثم عرضهم على جهنم بعد الحساب و القضاء الفصل بدخولهم فيها حين يساقون إليها، قال تعالى: «و سيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا»: الزمر: 71.
و قوله: «أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها» على تقدير القول أي يقال لهم: «أذهبتم» إلخ، و الطيبات الأمور التي تلائم النفس و توافق الطبع و يستلذ بها الإنسان، و إذهاب الطيبات إنفادها بالاستيفاء لها، و المراد بالاستمتاع بها استعمالها و الانتفاع بها لنفسها لا للآخرة و التهيؤ لها.
و المعنى: يقال لهم حين عرضهم على النار: أنفذتم الطيبات التي تلتذون بها في حياتكم الدنيا و استمتعتم بتلك الطيبات فلم يبق لكم شيء تلتذون به في الآخرة.
و قوله: «فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق و بما كنتم تفسقون» تفريع على إذهابهم الطيبات، و عذاب الهون العذاب الذي فيه الهوان و الخزي.
و المعنى: فاليوم تجزون العذاب الذي فيه الهوان و الخزي قبال استكباركم في الدنيا عن الحق و قبال فسقكم و توليكم عن الطاعات، و هما ذنبان أحدهما متعلق بالاعتقاد و هو الاستكبار عن الحق و الثاني متعلق بالعمل و هو الفسق.
بحث روائي
في الدر المنثور، أخرج عبد الرزاق و عبد بن حميد و ابن المنذر من طريق قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي قال: رفع إلى عمر امرأة ولدت لستة أشهر فسأل عنها أصحاب النبي فقال علي: لا رجم عليها أ لا ترى أنه يقول: و حمله و فصاله ثلاثون شهرا، و قال: و فصاله في عامين، و كان الحمل هاهنا ستة أشهر فتركها عمر. قال: ثم بلغنا أنها ولدت آخر لستة أشهر:. أقول: و روى القصة المفيد في الإرشاد،.
و فيه، أخرج ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن بعجة بن عبد الله الجهني قال: تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت له تماما لستة أشهر فانطلق زوجها إلى عثمان بن عفان فأمر برجمها فبلغ ذلك عليا فأتاه فقال: ما تصنع؟ قال: ولدت تماما لستة أشهر و هل يكون ذلك؟ قال علي: أ ما سمعت الله تعالى يقول: و حمله و فصاله ثلاثون شهرا و قال: حولين كاملين فكم تجده بقي إلا ستة أشهر؟. فقال عثمان: و الله ما فطنت لهذا. علي بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها، و كان من قولها لأختها: لا تحزني فو الله ما كشف فرجي أحد قط غيره. قال: فشب الغلام بعد فاعترف الرجل به و كان أشبه الناس به. قال: فرأيت الرجل بعد يتساقط عضوا عضوا على فراشه.
و في التهذيب، بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله أبي و أنا حاضر عن قول الله عز و جل: «حتى إذا بلغ أشده» قال: الاحتلام.
و في الخصال، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا بلغ العبد ثلاثا و ثلاثين سنة فقد بلغ أشده، و إذا بلغ أربعين سنة فقد بلغ منتهاه، فإذا طعن في إحدى و أربعين فهو في النقصان، و ينبغي لصاحب الخمسين أن يكون كمن كان في النزع.
أقول: لا تخلو الرواية من إشعار بكون بلوغ الأشد مما يختلف بالمراتب فيكون الاحتلام و هو غالبا في الست عشرة أول مرتبة منها و الثلاث و الثلاثين و هي بعد مضي ست عشرة أخرى المرتبة الثانية، و قد تقدم في نظيره الآية من سورة يوسف بعض أخبار أخر.
و اعلم أنه قد وردت في الآية أخبار تطبقها على الحسين بن علي (عليهما السلام) و ولادته لستة أشهر و هي من الجري.
و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن عبد الله قال: إني لفي المسجد حين خطب مروان فقال: إن الله قد أرى أمير المؤمنين في يزيد رأيا حسنا و إن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر و عمر، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: أ هرقلية؟ إن أبا بكر و الله ما جعلها في أحد من ولده و لا أحد من أهل بيته و لا جعلها معاوية إلا رحمة و كرامة لولده. فقال مروان: أ لست الذي قال لوالديه: أف لكما؟ فقال عبد الرحمن: أ لست ابن اللعين الذي لعن أباك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟. قال: و سمعتها عائشة فقالت: يا مروان أنت القائل لعبد الرحمن كذا و كذا؟ كذبت و الله ما فيه نزلت. نزلت في فلان بن فلان.
و فيه، أخرج ابن جرير عن ابن عباس: في الذي قال لوالديه أف لكما الآية، قال: هذا ابن لأبي بكر: أقول: و روي ذلك أيضا عن قتادة و السدي، و قصة رواية مروان و تكذيب عائشة له مشهورة.
قال في روح المعاني بعد رد رواية مروان: و وافق بعضهم كالسهيلي في الأعلام مروان في زعم نزولها في عبد الرحمن، و على تسليم ذلك لا معنى للتعيير لا سيما من مروان فإن الرجل أسلم و كان من أفاضل الصحابة و أبطالهم، و كان له في الإسلام عناء يوم اليمامة و غيره، و الإسلام يجب ما قبله فالكافر إذا أسلم لا ينبغي أن يعير بما كان يقول.
انتهى.
و فيه أن الروايات لو صحت لم يكن مناص عن صريح شهادة الآية عليه بقوله: «أولئك الذين حق عليهم القول - إلى قوله - إنهم كانوا خاسرين» و لم ينفع شيء مما دافع عنه به.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و يوم يعرض الذين كفروا إلى قوله و استمتعتم بها» قال: أكلتم و شربتم و ركبتم، و هي في بني فلان «فاليوم تجزون عذاب الهون» قال: العطش.
و في المحاسن، بإسناده عن ابن القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: أتي يعني النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بخبيص فأبى أن يأكله فقيل: أ تحرمه؟ فقال: لا و لكني أكره أن تتوق إليه نفسي ثم تلا الآية «أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا».
و في المجمع، في الآية و قد روي في الحديث أن عمر بن الخطاب قال: استأذنت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدخلت عليه في مشربة أم إبراهيم و إنه لمضطجع على حفصة و إن بعضه على التراب و تحت رأسه وسادة محشوة ليفا فسلمت عليه ثم جلست فقلت: يا رسول الله أنت نبي الله و صفوته و خيرته من خلقه و كسرى و قيصر على سرير الذهب و فرش الحرير و الديباج! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أولئك قوم عجلت طيباتهم و هي وشيكة الانقطاع، و إنما أخرت لنا طيباتنا:. أقول: و رواه في الدر المنثور، بطرق عنه.
|