بيان
الآيات تختم السورة و تأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يترك أولئك المكذبين و شأنهم و لا يتعرض لحالهم، و أن يصبر لحكم ربه و يسبح بحمده، و في خلالها مع ذلك تكرار إيعادهم بما أوعدهم به في أول السورة من عذاب واقع ليس له من دافع، و تضيف إليه الإيعاد بعذاب آخر دون ذلك للذين ظلموا.
قوله تعالى: «فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون» ذرهم أمر بمعنى اتركهم و هو فعل لم يستعمل من تصريفاته إلا المستقبل و الأمر، و «يصعقون» من الإصعاق بمعنى الإماتة و قيل: من الصعق بمعنى الإماتة.
لما أنذر سبحانه المكذبين لدعوته بعذاب واقع لا ريب فيه ثم رد جميع ما تعلل به أو يفرض أن يتعلل به أولئك المكذبون، و ذكر أنهم في الإصرار على الباطل بحيث لو عاينوا أوضح آية للحق أولوه و ردوه، أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتركهم و شأنهم، و هو تهديد كنائي بشمول العذاب لهم و حالهم هذه الحال.
و المراد باليوم الذي فيه يصعقون يوم نفخ الصور الذي يصعق فيه من في السماوات و الأرض و هو من أشراط الساعة قال تعالى: «و نفخ في الصور فصعق من في السماوات و من في الأرض»: الزمر: 68.
و يؤيد هذا المعنى قوله في الآية التالية: «يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا و لا هم ينصرون» فإن انتفاء إغناء الكيد و النصر من خواص يوم القيامة الذي يسقط فيه عامة الأسباب و الأمر يومئذ لله.
و استشكل بأنه لا يصعق يوم النفخ إلا من كان حيا و هؤلاء ليسوا بأحياء يومئذ و الجواب أنه يصعق فيه جميع من في الدنيا من الأحياء و من في البرزخ من الأموات و هؤلاء إن لم يكونوا في الدنيا ففي البرزخ.
على أنه يمكن أن يكون ضمير «يصعقون» راجعا إلى الأحياء يومئذ، و التهديد إنما هو بالعذاب الواقع في هذا اليوم لا بالصعقة التي فيه.
و قيل: المراد به يوم بدر و هو بعيد، و قيل: المراد به يوم الموت، و فيه أنه لا يلائم السياق الظاهر في التهديد بما وقع في أول السورة و هو عذاب يوم القيامة لا عذاب يوم الموت.
قوله تعالى: «و إن للذين ظلموا عذابا دون ذلك و لكن أكثرهم لا يعلمون» لا يبعد أن يكون المراد به عذاب القبر، و قوله: «و لكن أكثرهم لا يعلمون» مشعر بأن فيهم من يعلم ذلك لكنه يصر على كفره و تكذيبه عنادا و قيل: المراد به يوم بدر لكن ذيل الآية لا يلائمه تلك الملاءمة.
قوله تعالى: «فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا» عطف على قوله: «فذرهم» و ظاهر السياق أن المراد بالحكم حكمه تعالى في المكذبين بالإمهال و الإملاء و الطبع على قلوبهم، و في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدعو إلى الحق بما فيه من الأذى في جنب الله فالمراد بقوله: «فإنك بأعيننا» إنك بمرأى منا نراك بحيث لا يخفى علينا شيء من حالك و لا نغفل عنك ففي تعليل الصبر بهذه الجملة تأكيد للأمر بالصبر و تشديد للخطاب.
و قيل: المراد بقوله: «فإنك بأعيننا» إنك في حفظنا و حراستنا فالعين مجاز عن الحفظ، و لعل المعنى المتقدم أنسب للسياق.
قوله تعالى: «و سبح بحمد ربك حين تقوم و من الليل فسبحه و إدبار النجوم» الباء في «بحمد» للمصاحبة أي سبح ربك و نزهه حال كونه مقارنا لحمده.
و المراد بقوله: «حين تقوم» قيل هو القيام من النوم، و قيل: هو القيام من القائلة، فهو صلاة الظهر، و قيل: هو القيام من المجلس، و قيل: هو كل قيام، و قيل: هو القيام إلى الفريضة و قيل: هو القيام إلى كل صلاة، و قيل: هو الركعتان قبل فريضة الصبح سبعة أقوال كما ذكره الطبرسي.
و قوله: «و من الليل فسبحه» أي من الليل فسبح ربك فيه، و المراد به صلاة الليل، و قيل: المراد صلاتا المغرب و العشاء الآخرة.
و قوله: «و إدبار النجوم» قيل: المراد به وقت إدبار النجوم و هو اختفاؤها بضوء الصبح، و هو الركعتان قبل فريضة الصبح، و قيل: المراد فريضة الصبح، و قيل: المراد تسبيحه تعالى صباحا و مساء من غير غفلة عن ذكره.
بحث روائي
في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و سبح بحمد ربك حين تقوم» قال: لصلاة الليل «فسبحه» قال: صلاة الليل:. أقول: و روي هذا المعنى في مجمع البيان، عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام).
و فيه، بإسناده عن الرضا (عليه السلام) قال: أدبار السجود أربع ركعات بعد المغرب و إدبار النجوم ركعتان قبل صلاة الصبح:. أقول: و روي ذيله في المجمع، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام)، و القمي، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام).
و قد ورد من طرق أهل السنة في عدة من الروايات: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا قام من مجلسه سبح الله و حمده و يقول: إنه كفارة المجلس لكنها غير ظاهرة في كونها تفسيرا للآية.
|