بيان
إشارة إلى بعض ما فيه مزدجر من أنباء الأمم الدارجة خص بالذكر من بينهم قوم نوح و عاد و ثمود و قوم لوط و آل فرعون فذكرهم بأنبائهم و أعاد عليهم إجمال ما قص عليهم سابقا من قصصهم و ما آل إليه تكذيبهم بآيات الله و رسله من أليم العذاب و هائل العقاب تقريرا لقوله: «و لقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر».
و لتوكيد التقرير و تمثيل ما في هذه القصص الزاجرة من الزجر القارع للقلوب عقب كل واحدة من القصص بقوله خطابا لهم: «فكيف كان عذابي و نذر» ثم ثناه بذكر الغرض من الإنذار و التخويف فقال: «و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر».
قوله تعالى: «كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا و قالوا مجنون و ازدجر» التكذيب الأول منزل منزلة اللازم أي فعلت التكذيب، و قوله: «فكذبوا عبدنا» إلخ، تفسيره كما في قوله: «و نادى نوح ربه فقال» إلخ،: هود: 45.
و قيل: المراد بالتكذيب الأول التكذيب المطلق و هو تكذيبهم بالرسل و بالثاني التكذيب بنوح خاصة كقوله في سورة الشعراء: «كذبت قوم نوح المرسلين»: الشعراء: 105، و المعنى: كذبت قوم نوح المرسلين فترتب عليه تكذيبهم لنوح، و هو وجه حسن.
و قيل: المراد بتفريع التكذب على التكذيب الإشارة إلى كونه تكذيبا إثر تكذيب بطول زمان دعوته فكلما انقرض قرن منهم مكذب جاء بعدهم قرن آخر مكذب، و هو معنى بعيد.
و مثله قول بعضهم: إن المراد بالتكذيب الأول قصده و بالثاني فعله.
و قوله: «فكذبوا عبدنا» في التعبير عن نوح (عليه السلام) بقوله: «عبدنا» في مثل المقام تجليل لمقامه و تعظيم لأمره و إشارة إلى أن تكذيبهم له يرجع إليه تعالى لأنه عبد لا يملك شيئا و ما له فهو لله.
و قوله: «و قالوا مجنون و ازدجر» المراد بالازدجار زجر الجن له أثر الجنون، و المعنى: و لم يقتصروا على مجرد التكذيب بل نسبوه إلى الجنون فقالوا هو مجنون و ازدجره الجن فلا يتكلم إلا عن زجر و ليس كلامه من الوحي السماوي في شيء.
و قيل: الفاعل المحذوف للازدجار هو القوم، و المعنى: و ازدجره القوم عن الدعوة و التبليغ بأنواع الإيذاء و التخويف، و لعل المعنى الأول أظهر.
قوله تعالى: «فدعا ربه أني مغلوب فانتصر» الانتصار الانتقام، و قوله: «أني مغلوب» أي بالقهر و التحكم دون الحجة، و هذا الدعاء تلخيص لتفصيل دعائه، و تفصيل دعائه مذكور في سورة نوح و تفصيل حججه في سورة هود و غيرها.
قوله تعالى: «ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر» قال في المجمع،: الهمر صب الدمع و الماء بشدة، و الانهمار الانصباب، انتهى.
و فتح أبواب السماء و هي الجو بماء منصب استعارة تمثيلية عن شدة انصباب الماء و جريان المطر متواليا كأنه مدخر وراء باب مسدود يمنع عن انصبابه ففتح الباب فانصب أشد ما يكون.
قوله تعالى: «و فجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر» قال في المجمع،: التفجير تشقيق الأرض عن الماء، و العيون جمع عين الماء و هو ما يفور من الأرض مستديرا كاستدارة عين الحيوان.
انتهى.
و المعنى: جعلنا الأرض عيونا منفجرة عن الماء تجري جريانا متوافقا متتابعا.
و قوله: «فالتقى الماء على أمر قد قدر» أي فالتقى الماءان ماء السماء و ماء الأرض مستقرا على أمر قدره الله تعالى أي حسب ما قدر من غير نقيصة و لا زيادة و لا عجل و لا مهل.
فالماء اسم جنس أريد به ماء السماء و ماء الأرض و لذلك لم يثن، و المراد بأمر قد قدر الصفة التي قدرها الله لهذا الطوفان.
قوله تعالى: «و حملناه على ذات ألواح و دسر» المراد بذات الألواح و الدسر السفينة، و الألواح جمع لوح و هو الخشبة التي يركب بعضها على بعض في السفينة، و الدسر جمع دسار و دسر و هو المسمار الذي تشد بها الألواح في السفينة، و قيل فيه معان أخر لا تلائم الآية تلك الملاءمة.
قوله تعالى: «تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر» أي تجري السفينة على الماء المحيط بالأرض بأنواع من مراقبتنا و حفظنا و حراستنا، و قيل: المراد تجري بأعين أوليائنا و من وكلناه بها من الملائكة.
و قوله: «جزاء لمن كان كفر» أي جريان السفينة كذلك و فيه نجاة من فيها من الهلاك ليكون جزاء لمن كان كفر به و هو نوح (عليه السلام) كفر به و بدعوته قومه، فالآية في معنى قوله: «و نجيناه و أهله من الكرب العظيم - إلى أن قال - إنا كذلك نجزي المحسنين»: الصافات: 80.
قوله تعالى: «و لقد تركناها آية فهل من مدكر» ضمير «تركناها» للسفينة على ما يفيده السياق و اللام للقسم، و المعنى: أقسم لقد أبقينا تلك السفينة التي نجينا بها نوحا و الذين معه، و جعلناها آية يعتبر بها من اعتبر فهل من متذكر يتذكر بها وحدانيته تعالى و أن دعوة أنبيائه حق، و أن أخذه أليم شديد؟ و لازم هذا المعنى بقاء السفينة إلى حين نزول هذه الآيات علامة دالة على واقعة الطوفان مذكرة لها، و قد قال بعضهم في تفسير الآية على ما نقل: أبقى الله سفينة نوح على الجودي حتى أدركها أوائل هذه الأمة، انتهى.
و قد أوردنا في تفسير سورة هود في آخر الأبحاث حول قصة نوح خبر أنهم عثروا في بعض قلل جبل آراراط و هو الجودي قطعات أخشاب من سفينة متلاشية وقعت هناك، فراجع.
و قيل: ضمير «تركناها» لما مر من القصة بما أنها فعله.
قوله تعالى: «فكيف كان عذابي و نذر» النذر جمع نذير بمعنى الإنذار، و قيل: مصدر بمعنى الإنذار.
و الظاهر أن «كان» ناقصة و اسمها «عذابي» و خبرها «فكيف»، و يمكن أن تكون تامة فاعلها قوله: «عذابي» و قوله: «فكيف» حالا منه.
و كيف كان فالاستفهام للتهويل يسجل به شدة العذاب و صدق الإنذار.
قوله تعالى: «و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر» التيسير التسهيل و تيسير القرآن للذكر هو إلقاؤه على نحو يسهل فهم مقاصده للعامي و الخاصي و الأفهام البسيطة و المتعمقة كل على مقدار فهمه.
و يمكن أن يراد به تنزيل حقائقه العالية و مقاصده المرتفعة عن أفق الأفهام العادية إلى مرحلة التكليم العربي تناله عامة الأفهام كما يستفاد من قوله تعالى: «إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون و إنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم»: الزخرف: 4.
و المراد بالذكر ذكره تعالى بأسمائه أو صفاته أو أفعاله، قال في المفردات،: الذكر تارة يقال و يراد به هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة و هو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتبارا بإحرازه، و الذكر يقال اعتبارا باستحضاره و تارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول، و لذلك قيل: الذكر ذكران: ذكر بالقلب و ذكر باللسان و كل واحد منهما ضربان: ذكر عن نسيان و ذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ، و كل قول يقال له ذكر.
انتهى.
و معنى الآية: و أقسم لقد سهلنا القرآن لأن يتذكر به، فيذكر الله تعالى و شئونه، فهل من متذكر يتذكر به فيؤمن بالله و يدين بما يدعو إليه من الدين الحق؟.
فالآية دعوة عامة إلى التذكر بالقرآن بعد تسجيل صدق الإنذار و شدة العذاب الذي أنذر به.
قوله تعالى: «كذبت عاد فكيف كان عذابي و نذر» شروع في قصة أخرى من القصص التي فيها الإزدجار و لم يعطف على ما قبلها - و مثلها القصص الآتية - لأن كل واحدة من هذه القصص مستقلة كافية في الزجر و الردع و العظة لو اتعظوا بها.
و قوله: «فكيف كان عذابي و نذر» مسوق لتوجيه قلوب السامعين إلى ما يلقى إليهم من كيفية العذاب الهائل بقوله: «إنا أرسلنا» إلخ، و ليس مسوقا للتهويل و تسجيل شدة العذاب و صدق الإنذار كسابقه و إلا لتكرر قوله بعد: «فكيف كان» إلخ، كذا قيل و هو وجه حسن.
قوله تعالى: «إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر» بيان لما استفهم عنه في قوله: «فكيف كان عذابي و نذر» و الصرصر - على ما في المجمع، - الريح الشديدة الهبوب، و النحس بالفتح فالسكون مصدر كالنحوسة بمعنى الشؤم، و مستمر صفة لنحس، و معنى إرسال الريح في يوم نحس مستمر إرسالها في يوم متلبس بالنحوسة و الشأمة بالنسبة إليهم المستمرة عليهم لا يرجى فيه خير لهم و لا نجاة.
و المراد باليوم قطعة من الزمان لا اليوم الذي يساوي سبع الأسبوع لقوله تعالى في موضع آخر من كلامه: «فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات»: حم السجدة 16، و في موضع آخر: «سخرها عليهم سبع ليال و ثمانية أيام حسوما»: الحاقة: 7.
و فسر بعضهم النحس بالبرد.
قوله تعالى: «تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر» فاعل «تنزع» ضمير راجع إلى الريح أي تنزع الريح الناس من الأرض، و أعجاز النخل أسافله، و المنقعر المقلوع من أصله، و المعنى ظاهر، و في الآية إشعار ببسطة القوم أجساما.
قوله تعالى: «فكيف كان عذابي - إلى قوله - مدكر» تقدم تفسير الآيتين.
كلام في سعادة الأيام و نحوستها و الطيرة و الفأل في فصول
1 - في سعادة الأيام و نحوستها:
نحوسة اليوم أو أي مقدار من الزمان أن لا يعقب الحوادث الواقعة فيه إلا الشر و لا يكون الأعمال أو نوع خاص من الأعمال فيه مباركة لعاملها، و سعادته خلافه.
و لا سبيل لنا إلى إقامة البرهان على سعادة يوم من الأيام أو زمان من الأزمنة و لا نحوسته و طبيعة الزمان المقدارية متشابهة الأجزاء و الأبعاض، و لا إحاطة لنا بالعلل و الأسباب الفاعلة المؤثرة في حدوث الحوادث و كينونة الأعمال حتى يظهر لنا دوران اليوم أو القطعة من الزمان من علل و أسباب تقتضي سعادته أو نحوسته، و لذلك كانت التجربة الكافية غير متأتية لتوقفها على تجرد الموضوع لأثره حتى يعلم أن الأثر أثره و هو غير معلوم في المقام.
و لما مر بعينه لم يكن لنا سبيل إلى إقامة البرهان على نفي السعادة و النحوسة كما لم يكن سبيل إلى الإثبات و إن كان الثبوت بعيدا فالبعد غير الاستحالة.
هذا بحسب النظر العقلي.
و أما بحسب النظر الشرعي ففي الكتاب ذكر من النحوسة و ما يقابلها، قال تعالى: «إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر»: القمر: 19، و قال: «فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات»: حم السجدة: 16، لكن لا يظهر من سياق القصة و دلالة الآيتين أزيد من كون النحوسة و الشؤم خاصة بنفس الزمان الذي كانت تهب عليهم فيه الريح عذابا و هو سبع ليال و ثمانية أيام متوالية يستمر عليهم فيها العذاب من غير أن تدور بدوران الأسابيع و هو ظاهر و إلا كان جميع الزمان نحسا، و لا بدوران الشهور و السنين.
و قال تعالى: «و الكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة»: الدخان: 3، و المراد بها ليلة القدر التي يصفها الله تعالى بقوله: «ليلة القدر خير من ألف شهر»: القدر: 3، و ظاهر أن مباركة هذه الليلة و سعادتها إنما هي بمقارنتها نوعا من المقارنة لأمور عظام من الإفاضات الباطنية الإلهية و أفاعيل معنوية كإبرام القضاء و نزول الملائكة و الروح و كونها سلاما، قال تعالى: «فيها يفرق كل أمر حكيم»: الدخان: 4، و قال: «تنزل الملائكة و الروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر»: القدر: 5.
و يئول معنى مباركتها و سعادتها إلى فضل العبادة و النسك فيها و غزارة ثوابها و قرب العناية الإلهية فيها من المتوجهين إلى ساحة العزة و الكبرياء.
و أما السنة فهناك روايات كثيرة جدا في السعد و النحس من أيام الأسبوع و من أيام الشهور العربية و من أيام شهور الفرس و من أيام الشهور الرومية، و هي روايات بالغة في الكثرة مودعة في جوامع الحديث أكثرها ضعاف من مراسيل و مرفوعات و إن كان فيها ما لا يخلو من اعتبار من حيث إسنادها.
أما الروايات العادة للأيام النحسة كيوم الأربعاء و الأربعاء لا تدور و سبعة أيام من كل شهر عربي و يومين من كل شهر رومي و نحو ذلك، ففي كثير منها و خاصة فيما يتعرض لنحوسة أيام الأسبوع و أيام الشهور العربية تعليل نحوسة اليوم بوقوع حوادث مرة غير مطلوبة بحسب المذاق الديني كرحلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و شهادة الحسين (عليه السلام) و إلقاء إبراهيم (عليه السلام) في النار و نزول العذاب بأمة كذا و خلق النار و غير ذلك.
و معلوم أن في عدها نحسة مشئومة و تجنب اقتراب الأمور المطلوبة و طلب الحوائج التي يلتذ الإنسان بالحصول عليها فيها تحكيما للتقوى و تقوية للروح الدينية و في عدم الاعتناء و الاهتمام بها و الاسترسال في الاشتغال بالسعي في كل ما تهواه النفس في أي وقت كان إضرابا عن الحق و هتكا لحرمة الدين و إزراء لأوليائه فتئول نحوسة هذه الأيام إلى جهات من الشقاء المعنوي منبعثة عن علل و أسباب اعتبارية مرتبطة نوعا من الارتباط بهذه الأيام تفيد نوعا من الشقاء الديني على من لا يعتني بأمرها.
و أيضا قد ورد في عدة من هذه الروايات الاعتصام بالله بصدقة أو صوم أو دعاء أو قراءة شيء من القرآن أو غير ذلك لدفع نحوسة هذه الأيام كما عن مجالس ابن الشيخ، بإسناده عن سهل بن يعقوب الملقب بأبي نواس عن العسكري (عليه السلام) في حديث: قلت: يا سيدي في أكثر هذه الأيام قواطع عن المقاصد لما ذكر فيها من النحس و المخاوف فتدلني على الاحتراز من المخاوف فيها فإنما تدعوني الضرورة إلى التوجه في الحوائج فيها؟ فقال لي: يا سهل إن لشيعتنا بولايتنا لعصمة لو سلكوا بها في لجة البحار الغامرة و سباسب البيداء الغائرة بين سباع و ذئاب و أعادي الجن و الإنس لآمنوا من مخاوفهم بولايتهم لنا، فثق بالله عز و جل و أخلص في الولاء لأئمتك الطاهرين و توجه حيث شئت و اقصد ما شئت. الحديث. ثم أمره (عليه السلام) بشيء من القرآن و الدعاء أن يقرأه و يدفع به النحوسة و الشأمة و يقصد ما شاء.
و في الخصال، بإسناده عن محمد بن رياح الفلاح قال: رأيت أبا إبراهيم (عليه السلام) يحتجم يوم الجمعة فقلت: جعلت فداك تحتجم يوم الجمعة؟ قال: أقرأ آية الكرسي فإذا هاج بك الدم ليلا كان أو نهارا فاقرأ آية الكرسي و احتجم.
و في الخصال، أيضا بإسناده عن محمد بن أحمد الدقاق قال: كتبت إلى أبي الحسن الثاني (عليه السلام) أسأله عن الخروج يوم الأربعاء لا تدور، فكتب (عليه السلام): من خرج يوم الأربعاء لا تدور خلافا على أهل الطيرة وقي من كل آفة و عوفي من كل عاهة و قضى الله له حاجته. و كتب إليه مرة أخرى يسأله عن الحجامة يوم الأربعاء لا تدور، فكتب (عليه السلام): من احتجم في يوم الأربعاء لا تدور خلافا على أهل الطيرة عوفي من كل آفة، و وقي من كل عاهة، و لم تخضر محاجمه.
و في معناها ما في تحف العقول،: قال الحسين بن مسعود: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) و قد نكبت إصبعي و تلقاني راكب و صدم كتفي، و دخلت في زحمه فخرقوا علي بعض ثيابي فقلت: كفاني الله شرك من يوم فما أيشمك. فقال (عليه السلام) لي: يا حسن هذا و أنت تغشانا ترمي بذنبك من لا ذنب له؟. قال الحسن: فأثاب إلى عقلي و تبينت خطئي فقلت: يا مولاي أستغفر الله. فقال: يا حسن ما ذنب الأيام حتى صرتم تتشاءمون بها إذا جوزيتم بأعمالكم فيها؟ قال الحسن: أنا أستغفر الله أبدا، و هي توبتي يا بن رسول الله. قال: ما ينفعكم و لكن الله يعاقبكم بذمها على ما لا ذم عليها فيه. أ ما علمت يا حسن أن الله هو المثيب و المعاقب و المجازي بالأعمال عاجلا و آجلا؟ قلت: بلى يا مولاي. قال: لا تعد و لا تجعل للأيام صنعا في حكم الله. قال الحسن: بلى يا مولاي.
و الروايات السابقة - و لها نظائر في معناها - يستفاد منها أن الملاك في نحوسة هذه الأيام النحسات هو تطير عامة الناس بها و للتطير تأثير نفساني كما سيأتي، و هذه الروايات تعالج نحوستها التي تأتيها من قبل الطيرة بصرف النفس عن الطيرة إن قوي الإنسان على ذلك، و بالالتجاء إلى الله سبحانه و الاعتصام به بقرآن يتلوه أو دعاء يدعو به إن لم يقو عليه بنفسه.
و حمل بعضهم هذه الروايات المسلمة لنحوسة بعض الأيام على التقية، و ليس بذاك البعيد فإن التشاؤم و التفاؤل بالأزمنة و الأمكنة و الأوضاع و الأحوال من خصائص العامة يوجد منه عندهم شيء كثير عند الأمم و الطوائف المختلفة على تشتتهم و تفرقهم منذ القديم إلى يومنا و كان بين الناس حتى خواصهم في الصدر الأول في ذلك روايات دائرة يسندونها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يسع لأحد أن يردها كما في كتاب المسلسلات، بإسناده عن الفضل بن الربيع قال: كنت يوما مع مولاي المأمون فأردنا الخروج يوم الأربعاء فقال المأمون: يوم مكروه سمعت أبي الرشيد يقول: سمعت المهدي يقول: سمعت المنصور يقول: سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي عليا يقول: سمعت أبي عبد الله بن عباس يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إن آخر الأربعاء في الشهر يوم نحس مستمر.
و أما الروايات الدالة على الأيام السعيدة من الأسبوع و غيرها فالوجه فيها نظير ما تقدمت إليه الإشارة في الأخبار الدالة على نحوستها من الوجه الأول فإن في هذه الأخبار تعليل بركة ما عده من الأيام السعيدة بوقوع حوادث متبركة عظيمة في نظر الدين كولادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و بعثته و كما ورد: أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا فقال: اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم سبتها و خميسها، و ما ورد: أن الله ألان الحديد لداود (عليه السلام) يوم الثلاثاء، و أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يخرج للسفر يوم الجمعة، و أن الأحد من أسماء الله تعالى.
فتبين مما تقدم على طوله أن الأخبار الواردة في سعادة الأيام و نحوستها لا تدل على أزيد من ابتنائهما على حوادث مرتبطة بالدين توجب حسنا و قبحا بحسب الذوق الديني أو بحسب تأثير النفوس، و أما اتصاف اليوم أو أي قطعة من الزمان بصفة الميمنة أو المشأمة و اختصاصه بخواص تكوينية عن علل و أسباب طبيعية تكوينية فلا، و ما كان من الأخبار ظاهرا في خلاف ذلك فإما محمول على التقية أو لا اعتماد عليه.
2 - في سعادة الكواكب و نحوستها
و تأثير الأوضاع السماوية في الحوادث الأرضية سعادة و نحوسة.
الكلام في ذلك من حيث النظر العقلي كالكلام في سعادة الأيام و نحوستها فلا سبيل إلى إقامة البرهان على شيء من ذلك كسعادة الشمس و المشتري و قران السعدين و نحوسة المريخ و قران النحسين و القمر في العقرب.
نعم كان القدماء من منجمي الهند يرون للحوادث الأرضية ارتباطا بالأوضاع السماوية مطلقا أعم من أوضاع الثوابت و السيارات، و غيرهم يرى ذلك بين الحوادث و بين أوضاع السيارات السبع دون الثوابت و أوردوا لأوضاعها المختلفة خواص و آثارا تسمى بأحكام النجوم يرون عند تحقق كل وضع أنه يعقب وقوع آثاره.
و القوم بين قائل بأن الأجرام الكوكبية موجودات ذوات نفوس حية مريدة تفعل أفاعيلها بالعلية الفاعلية، و قائل بأنها أجرام غير ذات نفس تؤثر أثرها بالعلية الفاعلية، أو هي معدات لفعله تعالى و هو الفاعل للحوادث أو أن الكواكب و أوضاعها علامات للحوادث من غير فاعلية و لا إعداد، أو أنه لا شيء من هذه الارتباطات بينها و بين الحوادث حتى على نحو العلامية و إنما جرت عادة الله على أن يحدث حادثة كذا عند وضع سماوي، كذا.
و شيء من هذه الأحكام ليس بدائمي مطرد بحيث يلزم حكم كذا وضعا كذا فربما تصدق و ربما تكذب لكن الذي بلغنا من عجائب القصص و الحكايات في استخراجاتهم يعطي أن بين الأوضاع السماوية و الحوادث الأرضية ارتباطا ما إلا أنه في الجملة لا بالجملة كما أن بعض الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يصدق ذلك كذلك.
و على هذا لا يمكن الحكم البتي بكون كوكب كذا أو وضع كذا سعدا أو نحسا و أما أصل ارتباط الحوادث و الأوضاع السماوية و الأرضية بعضها ببعض فليس في وسع الباحث الناقد إنكار ذلك.
و أما القول بكون الكواكب أو الأوضاع السماوية ذوات تأثير فيما دونها سواء قيل بكونها ذوات نفوس ناطقة أو لم يقل فليس مما يخالف شيئا من ضروريات الدين إلا أن يقال بكونها خالقة موجدة لما دونها من غير أن ينتهي ذلك إليه تعالى فيكون شركا لكنه لا قائل به حتى من وثنية الصابئة التي تعبد الكواكب، أو أن يقال بكونها مدبرة للنظام الكوني مستقلة في التدبير فيكون ربوبية تستعقب المعبودية فيكون شركا كما عليه الصابئة عبدة الكواكب.
و أما الروايات الواردة في تأثير النجوم سعدا و نحسا و تصديقا و تكذيبا فهي كثيرة جدا على أقسام: منها: ما يدل بظاهره على تسليم السعادة و النحوسة فيها كما في الرسالة الذهبية، عن الرضا (عليه السلام): اعلم أن جماعهن و القمر في برج الحمل أو الدلو من البروج أفضل و خير من ذلك أن يكون في برج الثور لكونه شرف القمر.
و في البحار، عن النوادر بإسناده عن حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من سافر أو تزوج و القمر في العقرب لم ير الحسنى الخبر، و في كتاب النجوم، لابن طاووس عن علي (عليه السلام): يكره أن يسافر الرجل في محاق الشهر و إذا كان القمر في العقرب.
و يمكن حمل أمثال هذه الروايات على التقية على ما قيل، أو على مقارنة الطيرة العامة كما ربما يشعر به ما في عدة من الروايات من الأمر بالصدقة لدفع النحوسة كما في نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر عن أبيه عن جده في حديث: إذا أصبحت فتصدق بصدقة تذهب عنك نحس ذلك اليوم، و إذا أمسيت فتصدق بصدقة تذهب عنك نحس تلك الليلة الخبر، و يمكن أن يكون ذلك لارتباط خاص بين الوضع السماوي و الحادثة الأرضية بنحو الاقتضاء.
و منها: ما يدل على تكذيب تأثيرات النجوم في الحوادث و النهي الشديد عن الاعتقاد بها و الاشتغال بعلمها كما في نهج البلاغة،: المنجم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار.
و يظهر من أخبار أخر تصدقها و تجوز النظر فيها أن النهي عن الاشتغال بها و البناء عليها إنما هو فيما اعتقد لها استقلال في التأثير لتأديته إلى الشرك كما تقدم.
و منها: ما يدل على كونه حقا في نفسه غير أن قليله لا ينفع و كثيره لا يدرك كما في الكافي، بإسناده عن عبد الرحمن بن سيابة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك إن الناس يقولون: إن النجوم لا يحل النظر فيها و هو يعجبني فإن كانت تضر بديني فلا حاجة لي في شيء يضر بديني، و إن كانت لا تضر بديني فو الله إني لأشتهيها و أشتهي النظر فيها. فقال: ليس كما يقولون لا يضر بدينك ثم قال: إنكم تنظرون في شيء منها كثيرة لا يدرك و قليله لا ينتفع به.
الخبر.
و في البحار، عن كتاب النجوم لابن طاووس عن معاوية بن حكيم عن محمد بن زياد عن محمد بن يحيى الخثعمي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النجوم حق هي؟ قال لي: نعم فقلت له: و في الأرض من يعلمها؟ قال: نعم و في الأرض من يعلمها،: و في عدة من الروايات: ما يعلمها إلا أهل بيت من الهند و أهل بيت من العرب: و في بعضها: من قريش.
و هذه الروايات تؤيد ما قدمناه من أن بين الأوضاع و الأحكام ارتباطا ما في الجملة.
نعم ورد في بعض هذه الروايات: أن الله أنزل المشتري على الأرض في صورة رجل فلقي رجلا من العجم فعلمه النجوم حتى ظن أنه بلغ ثم قال له انظر أين المشتري؟ فقال: ما أراه في الفلك و ما أدري أين هو؟ فنحاه و أخذ بيد رجل من الهند فعلمه حتى ظن أنه قد بلغ و قال: انظر إلى المشتري أين هو؟ فقال: إن حسابي ليدل على أنك أنت المشتري قال: فشهق شهقة فمات و ورث علمه أهله فالعلم هناك.
الخبر، و هو أشبه بالموضوع.
3 - في التفاؤل و التطير
و هما الاستدلال بحادث من الحوادث على الخير و ترقبه و هو التفاؤل أو على الشر و هو التطير و كثيرا ما يؤثران و يقع ما يترقب منهما من خير أو شر و خاصة في الشر و ذلك تأثير نفساني.
و قد فرق الإسلام بين التفاؤل و التطير فأمر بالتفاؤل و نهى عن التطير، و في ذلك تصديق لكون ما فيهما من التأثير تأثيرا نفسانيا.
أما التفاؤل ففيما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): تفاءلوا بالخير تجدوه، و كان (صلى الله عليه وآله وسلم) كثير التفاؤل نقل عنه ذلك في كثير من مواقفه.
و أما التطير فقد ورد في مواضع من الكتاب نقله عن أمم الأنبياء في دعواتهم لهم حيث كانوا يظهرون لأنبيائهم أنهم اطيروا بهم فلا يؤمنون، و أجاب عن ذلك أنبياؤهم بما حاصله أن التطير لا يقلب الحق باطلا و لا الباطل حقا، و أن الأمر إلى الله سبحانه لا إلى الطائر الذي لا يملك لنفسه شيئا فضلا عن أن يملك لغيره الخير و الشر و السعادة و الشقاء قال تعالى: «قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم و ليمسنكم منا عذاب أليم قالوا طائركم معكم»: يس: 19، أي ما يجر إليكم الشر هو معكم لا معنا، و قال: «قالوا اطيرنا بك و بمن معك قال طائركم عند الله»: النمل: 47، أي الذي يأتيكم به الخير أو الشر عند الله فهو الذي يقدر فيكم ما يقدر لا أنا و من معي فليس لنا من الأمر شيء.
و قد وردت أخبار كثيرة في النهي عن الطيرة و في دفع شؤمها بعدم الاعتناء أو بالتوكل و الدعاء، و هي تؤيد ما قدمناه من أن تأثيرها من التأثيرات النفسانية ففي الكافي، بإسناده عن عمرو بن حريث قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): الطيرة على ما تجعلها إن هونتها تهونت، و إن شددتها تشددت، و إن لم تجعلها شيئا لم تكن شيئا.
و دلالة الحديث على كون تأثيرها من التأثيرات النفسانية ظاهرة، و مثله الحديث المروي من طرق أهل السنة: ثلاث لا يسلم منها أحد: الطيرة و الحسد و الظن. قيل: فما نصنع؟ قال: إذا تطيرت فامض، و إذا حسدت فلا تبغ، و إذا ظننت فلا تحقق.
و في معناه ما في الكافي، عن القمي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كفارة الطيرة التوكل.
الخبر و ذلك أن في التوكل إرجاع أمر التأثير إلى الله تعالى، فلا يبقى للشيء أثر حتى يتضرر به، و في معناه ما ورد من طرق أهل السنة على ما في نهاية ابن الأثير،: الطيرة شرك و ما منا إلا و لكن الله يذهبه بالتوكل.
و في المعنى السابق ما روي عن موسى بن جعفر (عليه السلام) أنه قال: الشؤم للمسافر في طريقه سبعة أشياء: الغراب الناعق عن يمينه، و الكلب الناشر لذنبه، و الذئب العاوي الذي يعوي في وجه الرجل و هو مقع على ذنبه ثم يرتفع ثم ينخفض ثلاثا، و الظبي السانح عن يمين إلى شمال، و البومة الصارخة، و المرأة الشمطاء تلقى فرجها، و الأتان العضبان يعني الجدعاء، فمن أوجس في نفسه منهن شيئا فليقل: اعتصمت بك يا رب من شر ما أجد في نفسي فيعصم من ذلك. و يلحق بهذا البحث الكلامي في نحوسة سائر الأمور المعدودة عند العامة مشئومة نحسة كالعطاس مرة واحدة عند العزم على أمر و غير ذلك و قد وردت في النهي عن التطير بها و التوكل عند ذلك روايات في أبواب متفرقة، و في النبوي المروي من طرق الفريقين: لا عدوى، و لا طيرة، و لا هامة، و لا شؤم، و لا صفر، و لا رضاع بعد فصال، و لا تعرب بعد هجرة، و لا صمت يوما إلى الليل، و لا طلاق قبل نكاح، و لا عتق قبل ملك، و لا يتم بعد إدراك.
قوله تعالى: «كذبت ثمود بالنذر» النذر إما مصدر كما قيل و المعنى: كذبت ثمود بإنذار نبيهم صالح (عليه السلام)، و إما جمع نذير بمعنى المنذر، و المعنى: كذبت ثمود بالأنبياء لأن تكذيبهم بالواحد منهم تكذيب منهم بالجميع لأن رسالتهم واحدة لا اختلاف فيها فيكون في معنى قوله: «كذبت ثمود المرسلين»: الشعراء: 141، و إما جمع نذير بمعنى الإنذار و مرجعه إلى أحد المعنيين السابقين.
قوله تعالى: «فقالوا أ بشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال و سعر» تفريع على التكذيب و السعر جمع سعير بمعنى النار المشتعلة، و احتمل أن يكون بمعنى الجنون و هو أنسب للسياق، و الظاهر أن المراد بالواحد الواحد العددي، و المعنى: كذبوا به فقالوا: أ بشرا من نوعنا و هو شخص واحد لا عدة له و لا جموع معه نتبعه إنا إذا مستقرون في ضلال عجيب و جنون.
فيكون هذا القول توجيها منهم لعدم اتباعهم لصالح لفقده العدة و القوة و هم قد اعتادوا على اتباع من عنده ذلك كالملوك و العظماء و قد كان صالح (عليه السلام) يدعوهم إلى طاعة نفسه و رفض طاعة عظمائهم كما يحكيه الله سبحانه عنه بقوله: «فاتقوا الله و أطيعون و لا تطيعوا أمر المسرفين»: الشعراء: 151.
و لو أخذ الواحد واحدا نوعيا كان المعنى: أ بشرا هو واحد منا أي هو مثلنا و من نوعنا نتبعه؟ و كانت الآية التالية مفسرة لها.
قوله تعالى: «أ ألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر» الاستفهام كسابقه للإنكار و المعنى: أ أنزل الوحي عليه و اختص به من بيننا و لا فضل له علينا؟ لا يكون ذلك أبدا، و التعبير بالإلقاء دون الإنزال و نحوه للإشعار بالعجلة كما قيل.
و من المحتمل أن يكون المراد نفي أن يختص بإلقاء الذكر من بينهم و هو بشر مثلهم فلو كان الوحي حقا و جاز أن ينزل على البشر لنزل على البشر كلهم فما باله اختص بما من شأنه أن يرزقه الجميع؟ فتكون الآية في معنى قولهم له كما في سورة الشعراء: «ما أنت إلا بشر مثلنا»: الشعراء: 154.
و قوله: «بل هو كذاب أشر» أي شديد البطر متكبر يريد أن يتعظم علينا بهذا الطريق.
قوله تعالى: «سيعلمون غدا من الكذاب الأشر» حكاية قوله سبحانه لصالح (عليه السلام) كالآيتين بعدها.
و المراد بالغد العاقبة من قولهم: إن مع اليوم غدا، يشير سبحانه به إلى ما سينزل عليهم من العذاب فيعلمون عند ذلك علم عيان من هو الكذاب الأشر صالح أو هم؟.
قوله تعالى: «إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم و اصطبر» في مقام التعليل لما أخبر من أنهم سينزل عليهم العذاب و المفاد أنهم سينزل عليهم العذاب لأنا فاعلون كذا و كذا، و الفتنة الامتحان و الابتلاء، و المعنى: أنا مرسلون - على طريق الإعجاز - الناقة التي يسألونها امتحانا لهم فانتظرهم و اصبر على أذاهم.
قوله تعالى: «و نبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر» ضمير الجمع الأول للقوم و الثاني للقوم و الناقة على سبيل التغليب، و القسمة بمعنى المقسوم، و الشرب النصيب من شرب الماء، و المعنى: و خبرهم بعد إرسال الناقة أن الماء مقسوم بين القوم و بين الناقة كل نصيب من الشرب يحضر عنده صاحبه فيحضر القوم عند شربهم و الناقة عند شربها قال تعالى: «قال هذه ناقة لها شرب و لكم شرب يوم معلوم»: الشعراء: 155.
قوله تعالى: «فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر» المراد بصاحبهم عاقر الناقة، و التعاطي التناول و المعنى: فنادى القوم عاقر الناقة لعقرها فتناول عقرها فعقرها و قتلها.
قوله تعالى: «فكيف كان عذابي و نذر إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر» المحتظر صاحب الحظيرة و هي كالحائط يعمل ليجعل فيه الماشية، و هشيم المحتظر الشجر اليابس و نحوه يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته، و المعنى ظاهر.
قوله تعالى: «و لقد يسرنا» إلخ تقدم تفسيره.
قوله تعالى: «كذبت قوم لوط بالنذر» تقدم تفسيره في نظيره.
قوله تعالى: «إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر» الحاصب الريح التي تأتي بالحجارة و الحصباء، و المراد بها الريح التي أرسلت فرمتهم بسجيل منضود.
و قال في مجمع البيان،: سحر إذا كان نكرة يراد به سحر من الأسحار يقال: رأيت زيدا سحرا من الأسحار فإذا أردت سحر يومك قلت: أتيته بسحر - بالفتح - و أتيته سحر - من غير تنوين - انتهى، و المعنى ظاهر.
قوله تعالى: «نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر» «نعمة» مفعول له من «نجيناهم» أي نجيناهم ليكون نعمة من عندنا نخصهم بها لأنهم كانوا شاكرين لنا و جزاء الشكر لنا النجاة.
قوله تعالى: «و لقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر» ضمير الفاعل في «أنذرهم» للوط (عليه السلام)، و البطشة الأخذة الشديدة بالعذاب، و التماري الإصرار على الجدال و إلقاء الشك، و النذر الإنذار، و المعنى: أقسم لقد خوفهم لوط أخذنا الشديد فجادلوا في إنذاره و تخويفه.
قوله تعالى: «و لقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي و نذر» مراودته عن ضيفه طلبهم منه أن يسلم إليهم أضيافه و هم الملائكة، و طمس أعينهم محوها، و قوله: «فذوقوا عذابي و نذر» التفات إلى خطابهم تشديدا و تقريعا، و النذر مصدر أريد به ما يتعلق به الإنذار و هو العذاب، و المعنى ظاهر.
قوله تعالى: «و لقد صبحهم بكرة عذاب مستقر» قال في مجمع البيان،: و قوله: «بكرة» ظرف زمان فإذا كان معرفة بأن تريد بكرة يومك تقول: أتيته بكرة و غدوة لم تصرفهما فبكرة هنا - و قد نون - نكرة، و المراد باستقرار العذاب حلوله بهم و عدم تخلفه عنهم.
قوله تعالى: «فذوقوا عذابي - إلى قوله - من مدكر» تقدم تفسيره.
قوله تعالى: «و لقد جاء آل فرعون النذر كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر» المراد بالنذر الإنذار، و قوله: «كذبوا بآياتنا» مفصول من غير عطف لكونه جوابا لسؤال مقدر كأنه لما قيل: «و لقد جاء آل فرعون النذر» قيل: فما فعلوا؟ فأجيب بقوله: «كذبوا بآياتنا»، و فرع عليه قوله: «فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر».
بحث روائي
في روح المعاني،: في قوله تعالى: «و لقد يسرنا القرآن للذكر»: أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: لو لا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله تعالى:. قال: و أخرج الديلمي مرفوعا عن أنس مثله.
ثم قال: و لعل خبر أنس إن صح ليس تفسيرا للآية.
أقول: و ليس من البعيد أن يكون المراد المعنى الثاني الذي قدمناه في تفسير الآية.
و في تفسير القمي،: في قوله: «ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر» قال: صب بلا قطر «و فجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء» قال: ماء السماء و ماء الأرض «على أمر قد قدر و حملناه» يعني نوحا «على ذات ألواح و دسر» قال: الألواح السفينة و الدسر المسامير.
و فيه،: في قوله تعالى: «فنادوا صاحبهم» قال: قدار الذي عقر الناقة، و قوله: «كهشيم» قال: الحشيش و النبات.
و في الكافي، بإسناده عن أبي يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام): في حديث يذكر فيه قصة قوم لوط قال: فكابروه يعني لوطا حتى دخلوا البيت فصاح به جبرئيل فقال: يا لوط دعهم فلما دخلوا أهوى جبرئيل بإصبعه نحوهم فذهبت أعينهم و هو قول الله عز و جل: «فطمسنا أعينهم».
|