بيان
الآيات تنهى عن اتخاذ المستهزءين بالله و آياته من أهل الكتاب و الكفار أولياء و تعد أمورا من مساوي صفاتهم و نقضهم مواثيق الله و عهوده و ما يلحق بها بما يناسب غرض السورة الحث على حفظ العهود و المواثيق و ذم نقضها.
و كأنها ذات سياق متصل واحد و إن كان من الجائز أن يكون لبعض أجزائها سبب مستقل من حيث النزول.
قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم» «إلخ» قال الراغب: الهزء مزح في خفية، و قد يقال لما هو كالمزح انتهى، و قال: و لعب فلان إذا كان فعله غير قاصد به مقصدا صحيحا، يلعب لعبا، انتهى، و إنما يتخذ الشيء هزؤا و يستهزء به إذا اتخذ به على وصف لا يعتنى بأمره اعتناء جد لإظهار أنه مما لا ينبغي أن يلتفت إليه، و كذا الشيء يلعب به إذا كان مما لا يتخذ لواحد من الأغراض الصحيحة العقلائية إلا أن يتخذ لبعض الشئون غير الحقيقية فالهزؤ بالدين و اللعب به إنما هما لإظهار أنه لا يعدل إلا بعض الأغراض الباطلة غير الصحيحة و غير الجدية، و لو قدروه دينا حقا أو قدروا أن مشرعه و الداعي إليه و المؤمنين به ذووا أقدام جد و صدق، و احترموا له و لهم مكانهم لما وضعوه ذاك الموضع فاتخاذهم الدين هزؤا و لعبا قضاء منهم بأن ليس له من الواقعية و المكانة الحقيقية شيء إلا أن يؤخذ به ليمزح به أو ليلعب به لعبا.
و من هنا يظهر أولا: أن ذكر اتخاذهم الدين هزؤا و لعبا في وصف من نهي عن ولايتهم إنما هو للإشارة إلى علة النهي فإن الولاية التي من لوازمها الامتزاج الروحي و التصرف في الشئون النفسية و الاجتماعية لا يلائم استهزاء الولي و لعبة بما يقدسه وليه و يحترمه و يراه أعز من كل شيء حتى من نفسه فمن الواجب أن لا يتخذ من هذا شأنه وليا، و لا يلقي أزمة التصرف في الروح و الجسم إليه.
و ثانيا: ما في اتخاذ وصف الإيمان في الخطاب في قوله: «يا أيها الذين آمنوا» من المناسبة لمقابلته بقوله: «الذين اتخذوا دينكم هزوا و لعبا» و كذلك ما في إضافة الدين إليهم في قوله: «دينكم».
و ثالثا: أن قوله: «و اتقوا الله إن كنتم مؤمنين» بمنزلة التأكيد لقوله: لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا و لعبا» إلخ، بتكراره بلفظ أعم و أشمل فإن المؤمن و هو الآخذ بعروة الإيمان لا معنى لأن يرضى بالهزء و اللعب بما آمن به فهؤلاء إن كانوا متلبسين بالإيمان - أي كان الدين لهم دينا - لم يكن لهم بد من تقوى الله في أمرهم أي عدم اتخاذهم أولياء.
و من المحتمل أن يكون قوله: «و اتقوا الله إن كنتم مؤمنين» إشارة إلى ما ذكره تعالى من نحو قوله قبيل آيات: «و من يتولهم منكم فإنه منهم» و المعنى: و اتقوا الله في اتخاذهم أولياء إن لم تكونوا منهم، و المعنى الأول لعله أظهر.
قوله تعالى: «و إذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا و لعبا» إلخ تحقيق لما ذكر أنهم يتخذون دين الذين آمنوا هزوا و لعبا، و المراد بالنداء إلى الصلاة الأذان المشروع في الإسلام قبل الصلوات المفروضة اليومية، و لم يذكر الأذان في القرآن الكريم إلا في هذا الموضع - كما قيل -.
و الضمير في قوله «اتخذوها» راجع إلى الصلاة أو إلى المصدر المفهوم من قوله: «إذا ناديتم أعني المناداة، و يجوز في الضمير العائد إلى المصدر التذكير و التأنيث، و قوله: «ذلك بأنهم قوم لا يعقلون» تذييل يجري مجرى الجواب عن فعلهم و بيان أن صدور هذا الفعل أعني اتخاذ الصلاة أو الأذان هزوا و لعبا منهم إنما هو لكونهم قوما لا يعقلون فلا يسعهم أن يتحققوا ما في هذه الأركان و الأعمال العبادية الدينية من حقيقة العبودية و فوائد القرب من الله، و جماع سعادة الحياة في الدنيا و العقبى.
قوله تعالى: «قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله» إلى آخر الآية قال الراغب في مفردات القرآن: نقمت الشيء بالكسر و نقمته بالفتح إذا أنكرته إما باللسان و إما بالعقوبة، قال تعالى: «و ما نقموا إلا أن أغناهم الله، و ما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله، هل تنقمون منا» الآية و النقمة: العقوبة قال تعالى: «فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم» انتهى.
فمعنى قوله: «هل تنقمون منا إلا أن آمنا» «إلخ»: هل تنكرون أو تكرهون منا إلا هذا الذي تشاهدونه و هو أنا آمنا بالله و ما أنزله و إنكم فاسقون؟ نظير قول القائل: هل تكره مني إلا أني عفيف و أنك فاجر، و هل تنكر مني إلا أني غني و أنك فقير؟ إلى غير ذلك من موارد المقابلة و الإزدواج فالمعنى: هل تنكرون منا إلا أنا مؤمنون و أن أكثركم فاسقون.
و ربما قيل: إن قوله: «و أن أكثركم فاسقون» بتقدير لام التعليل و المعنى: هل تنقمون منا إلا لأن أكثركم فاسقون؟.
و قوله: «أن آمنا بالله و ما أنزل إلينا و ما أنزل من قبل» في معنى ما أنزل إلينا و إليكم، و لم ينسبه إليهم تعريضا بهم كأنهم إذا لم يفوا بما عاهدوا الله عليه و لم يعملوا بما تأمرهم به كتبهم فكتبهم لم تنزل إليهم و ليسوا بأهلها.
و محصل المعنى: أنا لا نفرق بين كتاب و كتاب مما أنزله الله على رسله فلا نفرق بين رسله، و فيه تعريض لهم أنهم يفرقون بين رسل الله و يقولون: نؤمن ببعض و نكفر ببعض كما كانوا يقولون: آمنوا بما أنزل على المؤمنين وجه النهار و اكفروا آخره، قال تعالى: «إن الذين يكفرون بالله و رسله و يريدون أن يفرقوا بين الله و رسله و يقولون نؤمن ببعض و نكفر ببعض و يريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا و أعتدنا للكافرين عذابا مهينا»: «النساء: 115».
قوله تعالى: «قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله» إلى آخر الآية ذكروا أن هذا أمر منه تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يخاطب أولئك المستهزءين اللاعبين بالدين على طريق التسليم أخذا بالنصفة في التكليم ليلزمهم أنهم إن نقموا من المؤمنين إيمانهم بالله و ما أنزله على رسله فعليهم أن ينقموا أنفسهم لأنهم شر مكانا و أضل عن سواء السبيل لابتلائهم باللعن الإلهي و المسخ بالقردة و الخنازير و عبادة الطاغوت فإذا لم ينقموا أنفسهم على ما فيهم من أسباب النقمة فليس لهم أن ينقموا من لم يبتل إلا بما هو دونه في الشر، و هم المؤمنون في إيمانهم على تقدير تسليم أن يكون إيمانهم بالله و كتبه شرا، و لن يكون شرا.
فالمراد بالمثوبة مطلق الجزاء، و لعلها استعيرت للعاقبة و الصفة اللازمة كما يستفاد من تقييد قوله: «بشر من ذلك مثوبة» بقوله: «عند الله» فإن الذي عند الله هو أمر ثابت غير متغير و قد حكم به الله و أمر به، قال تعالى: «و ما عند الله باق»: «النحل: 96»، و قال تعالى: «لا معقب لحكمه»: «الرعد: 41»، فهذه المثوبة مثوبة لازمة لكونها عند الله سبحانه.
و في الكلام شبه قلب، فإن مقتضى استواء الكلام أن يقال: إن اللعن و المسخ و عبادة الطاغوت شر من الإيمان بالله و كتبه و أشد ضلالا، دون أن يقال: إن من لعنه الله و جعل منهم القردة و الخنازير و عبد الطاغوت شر مكانا و أضل إلا بوضع الموصوف مكان الوصف، و هو شائع في القرآن الكريم كقوله تعالى: «و لكن البر من آمن بالله» الآية.
و بالجملة فمحصل المعنى أن إيماننا بالله و ما أنزله على رسله إن كان شرا عندكم فأنا أخبركم بشر من ذلك يجب عليكم أن تنقموه و هو النعت الذي فيكم.
و ربما قيل: إن الإشارة بقوله: «ذلك» إلى جمع المؤمنين المدلول عليه بقوله: «هل تنقمون منا» و على هذا فالكلام على استوائه من غير قلب، و المعنى هل أنبئكم بمن هو شر من المؤمنين لتنقموهم؟ و هم أنتم أنفسكم، و قد ابتليتم باللعن و المسخ و عبادة الطاغوت.
و ربما قيل: إن قوله: «من ذلك» إشارة إلى المصدر المدلول عليه بقوله «هل تنقمون منا» أي هل أنبئكم بشر من نقمتكم هذه مثوبة و جزاء؟ هو ما ابتليتم به من اللعن و المسخ و غير ذلك.
قوله تعالى: «و إذا جاءوكم قالوا آمنا و قد دخلوا بالكفر و هم قد خرجوا به» إلى آخر الآية يشير تعالى إلى نفاق قلوبهم و إضمارهم ما لا يرتضيه الله سبحانه في لقائهم المؤمنين فقال: و إذا جاءوكم قالوا آمنا أي أظهروا الإيمان و الحال أنهم قد دخلوا عليكم مع الكفر و قد خرجوا من عندكم بالكفر أي هم على حالة واحدة عند الدخول و الخروج و هو الكفر لم يتغير عنه و إنما يظهرون الإيمان إظهارا، و الحال أن الله يعلم ما كانوا يكتمونه سابقا من الغدر و المكر.
فقوله: «و قد دخلوا بالكفر و هم قد خرجوا به» في معنى قولنا: لم يتغير حالهم في الكفر، و الضمير في قوله: «هم قد خرجوا» جيء به للتأكيد، و إفادة تمييزهم في الأمر و تثبيت الكفر فيهم.
و ربما قيل: إن المعنى أنهم متحولون في أحوال الكفر المختلفة.
قوله تعالى: «و ترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم و العدوان و أكلهم السحت» إلى آخر الآية، الظاهر أن المراد بالإثم هو الخوض في آيات الدين النازلة على المؤمنين و القول في معارف الدين بما يوجب الكفر و الفسوق على ما يشهد به ما في الآية التالية من قوله: «عن قولهم الإثم و أكلهم السحت».
و على هذا فالأمور الثلاثة أعني الإثم و العدوان و أكل السحت تستوعب نماذج من فسوقهم في القول و الفعل، فهم يقترفون الذنب في القول و هو الإثم القولي، و الذنب في الفعل و هو إما فيما بينهم و بين المؤمنين و هو التعدي عليهم، و إما عند أنفسهم كأكلهم السحت، و هو الربا و الرشوة و نحو ذلك ثم ذم ذلك منهم بقوله: «لبئس ما كانوا يعملون» ثم أتبعه بتوبيخ الربانيين و الأحبار في سكوتهم عنهم و عدم نهيهم عن ارتكاب هذه الموبقات من الآثام و المعاصي و هم عالمون بأنها معاص و ذنوب فقال: لو لا ينهاهم الربانيون و الأحبار عن قولهم الإثم و أكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون».
و ربما أمكن أن يستفاد من قوله: «عن قولهم الإثم و أكلهم السحت» عند تطبيقه على ما في الآية السابقة: «يسارعون في الإثم و العدوان و أكلهم السحت» حيث ترك العدوان في الآية الثانية أن الإثم و العدوان شيء واحد، و هو تعدي حدود الله سبحانه قولا تجاه المعصية الفعلية التي أنموذجها أكلهم السحت.
فيكون المراد بقوله: «يسارعون في الإثم و العدوان و أكلهم السحت» إراءة سيئة قولية منهم و هي الإثم و العدوان، و سيئة أخرى فعلية منهم و هي أكلهم السحت.
و المسارعة مبالغة في معنى السرعة و هي ضد البطء، و الفرق بين السرعة و العجلة على ما يستفاد من موارد استعمال الكلمتين أن السرعة أمس بعمل الأعضاء و العجلة بعمل القلب، نظير الفرق بين الخضوع و الخشوع، و الخوف و الخشية، قال الراغب في المفردات: السرعة ضد البطء، و يستعمل في الأجسام و الأفعال، يقال: سرع بضم الراء فهو سريع و أسرع فهو مسرع، و أسرعوا صارت إبلهم سراعا نحو أبلدوا، و سارعوا و تسارعوا، انتهى.
و ربما قيل: إن المسارعة و العجلة بمعنى واحد غير أن المسارعة أكثر ما يستعمل في الخير، و أن استعمال المسارعة في المقام - و إن كان مقام الذم و كانت العجلة أدل على الذم منها - إنما هو للإشارة إلى أنهم يستعملونها كأنهم محقون فيها، انتهى و لا يخلو عن بعد.
قوله تعالى: «و قالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء» كانت اليهود لا ترى جواز النسخ في الأحكام الدينية، و لذا كانت لا تقبل بنسخ التوراة و تعير المسلمين بنسخ الأحكام، و كذا كانت لا ترى جواز البداء في القضايا التكوينية على ما يتراءى من خلال الآيات القرآنية كما تقدم الكلام فيه في تفسير قوله تعالى: «ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها»: الآية «البقرة: 160، في الجزء الأول من هذا الكتاب و في موارد أخر.
و الآية أعني قوله تعالى: «و قالت اليهود يد الله مغلولة» تقبل الانطباق على قولهم هذا غير أن ظاهر قوله تعالى جوابا عنهم: «بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء» يأبى عن ذلك، و يدل على أنهم إنما تكلموا بهذه الكلمة الأثيمة في شيء من أمر الرزق أما في خصوص المؤمنين لما في عامتهم من الفقر الشامل و العسرة و ضيق المعيشة، و أنهم إنما قالوا هذا القول استهزاء بالله سبحانه إيماء إلى أنه لا يقدر على إغناء عباده المؤمنين به و إنجائهم من الفقر و المذلة، لكن هذا الوجه لا يناسب وقوع الآية في سورة المائدة إن كانت نازلة في مطاوي سائر آياتها فإن المسلمين كانوا يوم نزولها على خصب من العيش و سعة من الرزق و رفاهية من الحال.
و إما أنهم إنما قالوها لجدب أو غلاء أصابهم فضاقت بذلك معيشتهم، و نكدت حالهم، و اختل نظام حياتهم، كما ربما يظهر من بعض ما ورد في أسباب النزول، و هذا الوجه أيضا يأباه سياق الآيات فإن الظاهر أن الآيات إنما تتعرض لشتات أوصافهم فيما يعود إلى عدوانهم و مكرهم بالنسبة إلى المسلمين نقمة منهم لا ما صدر منهم من إثم القول عند أنفسهم.
و إما أنهم إنما تفوهوا بذلك لما سمعوا أمثال قوله تعالى: «من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا»: «البقرة: 254»، و قوله تعالى: «و أقرضوا الله قرضا حسنا»: «المزمل - 20»، فقالوا: يد الله مغلولة لا يقدر على تحصيل ما ينفق في حوائجه لترويج دينه و إحياء دعوته.
و قد قالوا ذلك سخرية و استهزاء على ما يظهر من بعض آخر مما ورد في أسباب النزول، و هذا الوجه أقرب إلى النظر.
و كيف كان فهذه النسبة أعني نسبة غل اليد و المغلوبية عند بعض الحوادث مما لا يأباه تعليمهم الديني و الآراء الموجودة في التوراة فالتوراة تجوز أن يكون الأمور معجزا لله سبحانه و صادا مانعا له من إنفاذ بعض ما يريده من مقاصده كالأقوياء من الإنسان، يشهد بذلك ما تقصه من قصص الأنبياء كآدم و غيره.
فعندهم من وجوه الاعتقاد ما يبيح لهم أن ينسبوا إليه تعالى ما لا يناسب ساحة قدسه و كبرياء ذاته جلت عظمته و إن كانت الكلمة إنما صدرت منهم استهزاء فإن لكل فعل مبادىء في الاعتقاد ينبعث إليه الإنسان منها و يتجرأ بها.
و أما قوله: غلت أيديهم و لعنوا بما قالوا» فهو دعاء عليهم بعذاب مشابه لما نسبوا إليه تعالى من النقص غير المناسب لساحة قدسه، و هو مغلولية اليد و انسلاب القدرة على ما يحبه و يشاؤه، و على هذا فقوله: «و لعنوا بما قالوا» عطف تفسير على قوله: «غلت أيديهم» فإن مغلولية أيديهم مصداق لعنة الله عليهم إذ القول من الله سبحانه فعل، و لعنه تعالى أحدا إنما هو تعذيبه بعذاب إما دنيوي أو أخروي فاللعن هو العذاب المساوي لغل أيديهم أو الأعم منه و من غيره.
و ربما احتمل كون قوله: «غلت أيديهم» إلخ إخبارا عن وقوع كلمة العذاب و هو جزاء اجترائهم على الله سبحانه بقولهم: «يد الله مغلولة» عليهم، و الوجه الأول أقرب من الفهم.
و أما قوله: «بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء» فهو جواب عن قولهم: «يد الله مغلولة» مضروب في قالب الإضراب.
و الجملة أعني قوله: «يداه مبسوطتان» كناية عن ثبوت القدرة، و هو شائع في الاستعمال.
و إنما قيل: «يداه» بصيغة التثنية مع كون اليهود إنما أتوا في قولهم: «يد الله مغلولة» بصيغة الإفراد ليدل على كمال القدرة كما ربما يستفاد من نحو قوله تعالى: «قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين»: «ص - 75» لما فيه من الإشعار أو الدلالة على إعمال كمال القدرة، و نحو قولهم: «لا يدين بها لك» فإن ذلك مبالغة في نفي كل قدرة و نعمة.
و ربما ذكروا لليد معاني مختلفة في اللغة غير الجارحة كالقدرة و القوة و النعمة و الملك و غير ذلك، لكن الحق أن اللفظة موضوعة في الأصل للجارحة، و إنما استعملت في غيرها من المعاني على نحو الاستعارة لكونها من الشئون المنتسبة إلى الجارحة نوعا من الانتساب كانتساب الإنفاق و الجود إلى اليد من حيث بسطها، و انتساب الملك إليها من حيث التصرف و الوضع و الرفع و غير ذلك.
فما يثبته الكتاب و السنة لله سبحانه من اليد يختلف معناه باختلاف الموارد كقوله تعالى: «بل يداه مبسوطتان» الآية، و قوله: «أن تسجد لما خلقت بيدي»: «ص - 75 يراد به القدرة و كمالها، و قوله: «بيدك الخير»: «آل عمران: 26»، و قوله: «فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء»: «يس: 83»، و قوله: «تبارك الذي بيده الملك»: «الملك: 1»، إلى غير ذلك يراد بها الملك و السلطة، و قوله: «لا تقدموا بين يدي الله و رسوله»: «الحجرات: 1» يراد بها الحضور و نحوه.
و أما قوله: «ينفق كيف يشاء» فهو بيان لقوله: «يداه مبسوطتان».
قوله تعالى: «و ليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا و كفرا» هذه الجملة و ما يتلوها إلى آخر الآية كلام مسرود لتوضيح قوله: «و قالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم و لعنوا بما قالوا» على ما يعطيه السياق.
فأما قوله: «و ليزيدن كثيرا منهم» إلخ، فيشير إلى أن اجتراءهم على الله العظيم و تفوههم بمثل قولهم: «يد الله مغلولة» ليس من المستبعد منهم فإن القوم متلبسون بالاعتداء و الكفر من قديم أيامهم، و قد أورثهم ذلك البغي و الحسد، و لا يؤمن من هذه سجيته إذا رأى أن الله فضل غيره عليه بما لا يقدر قدره من النعمة أن يزداد طغيانا و كفرا.
و اليهود كانت ترى لنفسها السيادة و التقدم على الدنيا، و كانت تتسمى بأهل الكتاب، و تتباهى بالربانيين و الأحبار، و تفتخر بالعلم و الحكمة، و تسمي سائر الناس أميين، فإذا رأت قرآنا نازلا على قوم كانت تتذلل لعلمها و كتابها - كما كانت هي الحرمة المراعاة بينها و بين العرب في الجاهلية - ثم أمعنت فيه فوجدته كتابا إلهيا مهيمنا على ما تقدم عليه من الكتب السماوية، و مشتملا على الحق الصريح و التعليم العالي و الهداية التامة ثم أحست بما يتعقبه من ذلتها و استكانتها في نفس ما كانت تتعزز و تتباهى به و هو العلم و الكتاب.
لا جرم تستيقظ من رقدتها، و تطغى عاديتها، و يزيد طغيانها و كفرها.
فنسبة زيادة طغيانهم و كفرهم إلى القرآن إنما هي بعناية أن أنفسهم الباغية الحاسدة ثارت بالطغيان و الكفر بمشاهدة نزول القرآن و إدراك ما يتضمنه من المعارف الحقة و الدعوة الظاهرة.
على أن الله سبحانه ينسب الهداية و الإضلال في كتابه إلى نفسه كثيرا كقوله: «كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما كان عطاء ربك محظورا»: «الإسراء: 20» و قال في خصوص القرآن: «و ننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لا يزيد الظالمين إلا خسارا»: «الإسراء: 82» و الإضلال أو ما يشبهه إنما يعد مذموما إذا كان إضلالا ابتدائيا، و أما ما كان منه من قبيل الجزاء إثر فسق و معصية من الضال يوجب نزول السخط الإلهي عليه و يستدعي حلول ما هو أشد مما هو فيه من الضلال فلا ضير في الإضلال بهذا المعنى و لا ذم يلحقه كما يشير إليه قوله: «و ما يضل به إلا الفاسقين»: «البقرة: 26»، و قوله: «فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم»: «الصف - 5».
و بالأخرة يعود معنى زيادة القرآن طغيانهم و كفرهم إلى سلب التوفيق و عدم تعلق العناية الإلهية بردهم مما هم فيه من الطغيان و الكفر بآيات الله إلى التسليم و الإيمان بإجابة الدعوة الحقة، و قد تقدم البحث عن هذا المعنى في تفسير قوله تعالى: «و ما يضل به إلا الفاسقين»: «البقرة: 26» في الجزء الأول من هذا الكتاب.
و لنرجع إلى أول الكلام فقوله: «و ليزيدن كثيرا منهم» إلخ، كأنه مسوق لرفع الاستبعاد و التعجب الناشىء من اجتراء هؤلاء المتسمين بأهل الكتاب، و المدعين أنهم أبناء الله و أحباؤه على ربهم بمثل هذه الكلمة المهينة المزرية: يد الله مغلولة.
و إن من المحتوم اللازم لهم هذه الزيادة في الطغيان و الكفر التي هذه الكلمة من آثارها و سيتلوها آثار بعد آثار مشوهة، و هذا هو المستفاد من التأكيد المدلول عليه بلام القسم و نون التأكيد في قوله: «ليزيدن».
و في تعقيب الطغيان بالكفر من غير عكس جرى على الترتيب الطبعي فإن الكفر من آثار الطغيان و تبعاته.
قوله تعالى: «و ألقينا بينهم العداوة و البغضاء إلى يوم القيامة» ضمير بينهم راجع إلى اليهود على ما هو ظاهر وقوع الجملة في سياق الكلام على اليهود خاصة و إن كانت الآيات بدأت الكلام في أهل الكتاب عامة، و على هذا فالمراد بالعداوة و البغضاء بينهم ما يرجع إلى الاختلاف في المذاهب و الآراء، و قد أشار الله سبحانه إليه في مواضع من كلامه كقوله: «و لقد آتينا بني إسرائيل الكتاب و الحكم و النبوة - إلى أن قال - فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون»: «الجاثية: 17» و غير ذلك من الآيات.
و العداوة كان المراد بها البغض الذي يستصحب التعدي في العمل، و البغضاء هو مطلق ما في القلب من حالة النفار و إن لم يستعقب التعدي في العمل فيفيد اجتماعهما معنى البغض الذي يوجب الظلم على الغير و البغض الذي يقصر عنه.
و في قوله تعالى: «إلى يوم القيامة» ما لا يخفى من الدلالة على بقاء أمتهم إلى آخر الدنيا.
قوله تعالى: «كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله» إيقاد النار إشعالها، و إطفاؤها إخمادها، و المعنى واضح، و من المحتمل أن يكون قوله: «كلما أوقدوا» إلخ بيانا لقوله: «و ألقينا بينهم العداوة» إلخ فيعود المعنى إلى أنه كلما أثاروا حربا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و المؤمنين أطفأها الله بإلقاء الاختلاف بينهم.
و الآية على ما يدل عليه السياق تسجل عليهم خيبة المسعى في إيقاد النيران التي يوقدونها على دين الله سبحانه، و على المسلمين بما أنهم مؤمنون بالله و آياته، و أما الحروب التي ربما أمكن أن يوقدوا نارها لا لأمر الدين الحق بل لسياسة أو تغلب جنسي أو ملي فهي خارجة عن مساق الآية.
قوله تعالى: «و يسعون في الأرض فسادا و الله لا يحب المفسدين» السعي هو السير السريع، و قوله: «فسادا» مفعول له أي يجتهدون لإفساد الأرض، و الله لا يحب المفسدين فلا يخليهم و أن ينالوا ما أرادوه من فساد الأرض فيخيب سعيهم، و الله أعلم.
فهذا كله بيان لكونهم غلت أيديهم و لعنوا بما قالوا، حيث إنهم غير نائلين ما قصدوه من إثارة الحروب على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و المسلمين، و ما اجتهدوا لأجله من فساد الأرض.
قوله تعالى: «و لو أن أهل الكتاب آمنوا و اتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم إلخ عود إلى حال أهل الكتاب عامة كما كان بدأ الكلام فيهم عامة، و ختم الكلام بتخليص القول في ما فاتهم من نعمة السعادة في الآخرة و الدنيا، و هي جنة النعيم و نعمة الحياة السعيدة.
و المراد بالتقوى بعد الإيمان التورع عن محارم الله و اتقاء الذنوب التي تحتم السخط الإلهي و عذاب النار، و هي الشرك بالله و سائر الكبائر الموبقة التي أوعد الله عليها النار، فيكون المراد بالسيئات التي وعد الله سبحانه تكفيرها الصغائر من الذنوب، و ينطبق على قوله سبحانه: «إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم و ندخلكم مدخلا كريما»: «النساء: 31.
قوله تعالى: «و لو أنهم أقاموا التوراة و الإنجيل و ما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم» المراد بالتوراة و الإنجيل الكتابان السماويان اللذان يذكر القرآن أن الله أنزلهما على موسى و عيسى (عليهما السلام) دون ما بأيدي القوم من الكتب التي يذكر أنه لعبت بها يد التحريف.
و الظاهر أن المراد بما أنزل إليهم من ربهم سائر الكتب المنسوبة إلى الأنبياء الموجودة عندهم كمزامير داود الذي يسميه القرآن بالزبور، و غيره من الكتب.
و أما احتمال أن يكون المراد به القرآن فيبعده أن القرآن نسخ بأحكامه شرائع التوراة و الإنجيل فلا وجه لعدهما معه و تمني أن يكونوا أقاموهما مع القرآن الناسخ لهما، و القول بأن العمل بالقرآن عمل بهما أيضا، كما أن العمل بالأحكام الناسخة في الإسلام عمل بمجموع شرائع الإسلام المتضمنة للناسخ و المنسوخ جميعا لكون دين الله واحدا لا يزاحم بعضه بعضا، غاية الأمر أن بعض الأحكام مؤجلة موقوتة من غير تناقض يدفعه أن الله سبحانه عبر عن هذا العمل بالإقامة و هي حفظ الشيء على ساق، و لا يلائم ذلك الأحكام المنسوخة بما هي منسوخة، فإقامة التوراة و الإنجيل إنما يصح حين كانت الشريعتان لم تنسخا بشريعة أخرى، و الإنجيل لم ينسخ شريعة التوراة إلا في أمور يسيرة.
على أن قوله تعالى: «و ما أنزل إليهم من ربهم» يعدهم منزلا إليهم، و غير معهود من كلامه تعالى أن يذكر أن القرآن نزل إليهم.
فالظاهر أن المراد بما أنزل إليهم من ربهم بعد التوراة و الإنجيل سائر الكتب و أقسام الوحي المنزلة على أنبياء بني إسرائيل كزبور داود و غيره، و المراد بإقامة هذه الكتب حفظ العمل العام بما فيها من شرائع الله تعالى، و الاعتقاد بما بين الله تعالى فيها من معارف المبدأ و المعاد من غير أن يضرب عليها بحجب التحريف و الكتمان و الترك الصريح، فلو أقاموها هذه الإقامة لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم.
و أما قوله تعالى: «لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم» فالمراد بالأكل التنعم مطلقا سواء كان بالأكل كما في مورد الأغذية أو بغيره كما في غيره، و استعمال الأكل في مطلق التصرف و التنعم من غير مزاحم شائع في اللغة.
و المراد من فوقهم هو السماء، و من تحت أرجلهم هو الأرض، فالجملة كناية عن تنعمهم بنعم السماء و الأرض و إحاطة بركاتهما عليهم نظير ما وقع في قوله تعالى: «و لو أن أهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض، و لكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون»: «الأعراف: 96».
و الآية من الدليل على أن لإيمان هذا النوع أعني نوع الإنسان و أعماله الصالحة تأثيرا في صلاح النظام الكوني من حيث ارتباطه بالنوع الإنساني فلو صلح هذا النوع صلح نظام الدنيا من حيث إيفائه باللازم لحياة الإنسان السعيدة من اندفاع النقم و وفور النعم.
و يدل على ذلك آيات أخرى كثيرة في القرآن بإطلاق لفظها كقوله تعالى ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين: الروم - 42 و قوله تعالى و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم: الشورى - 30 إلى غير ذلك و قد تقدم بعض ما يتعلق به من الكلام في البحث عن أحكام الأعمال في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
قوله تعالى منهم أمة مقتصدة و كثير منهم ساء ما يعملون الاقتصاد أخذ القصد و هو التوسط في الأمور فالأمة المقتصدة هي المعتدلة في أمر الدين و التسليم لأمر الله.
و الكلام مستأنف أريد به بيان حال جميع ما نسب إليهم من التعدي عن حدود الله و الكفر بآيات الله و نزول السخط و اللعن على جماعتهم أن ذلك كله إنما تلبس به أكثرهم و هو المصحح لنسبة هذه الفظائع إليهم و أن منهم أمة معتدلة ليست على هذا النعت و هذا من نصفة الكلام الإلهي حيث لا يضيع حقا من الحقوق و يراقب إحياء أمر الحق و إن كان قليلا.
و قد تعرض لذلك أيضا في مطاوي الآيات السابقة لكن لا بهذه المثابة من التصريح كقوله و أن أكثركم فاسقون و قوله و ترى كثيرا منهم يسارعون إلخ و قوله و ليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا و كفرا.
بحث روائي
في تفسير القمي،: في قوله تعالى و إذا جاءوكم قالوا آمنا الآية قال نزلت في عبد الله بن أبي لما أظهر الإسلام و قد دخلوا بالكفر.
أقول ظاهر السياق أنها نازلة في أهل الكتاب لا في المنافقين إلا أن تكون نزلت وحدها.
و فيه في قوله تعالى و هم قد خرجوا به الآية قال قال قد خرجوا به من الإيمان.
و في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عن عمر بن رياح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له بلغني أنك تقول من طلق لغير السنة أنك لا ترى طلاقه شيئا فقال أبو جعفر (عليه السلام) ما أقول بل الله عز و جل يقوله أما و الله لو كنا نفتيكم بالجور لكنا شرا منكم إن الله يقول لو لا ينهاهم الربانيون و الأحبار - عن قولهم الإثم و أكلهم السحت و في تفسير العياشي، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن عمر بن رياح زعم أنك قلت: لا طلاق إلا ببينة؟ قال: فقال: ما أنا قلته بل الله تبارك و تعالى يقول: أما و الله لو كنا نفتيكم بالجور لكنا أشر منكم! إن الله يقول: «لو لا ينهاهم الربانيون و الأحبار».
و في مجالس الشيخ، بإسناده عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله تعالى: «و قالت اليهود يد الله مغلولة»: فقال كانوا يقولون: قد فرغ من الأمر.
أقول: و روى هذا المعنى العياشي في تفسيره عن يعقوب بن شعيب و عن حماد عنه (عليه السلام).
و في تفسير القمي،: قال: قالوا: قد فرغ الله من الأمر لا يحدث غير ما قدره في التقدير الأول، فرد الله عليهم فقال: «بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء» أي يقدم و يؤخر، و يزيد و ينقص و له البداء و المشية.
أقول: و روى هذا المعنى الصدوق في المعاني، بإسناده عن إسحاق بن عمار عمن سمعه عن الصادق (عليه السلام).
و في تفسير العياشي، عن هشام المشرقي عن أبي الحسن الخراساني (عليه السلام) قال: إن الله كما وصف نفسه أحد صمد نور، ثم قال: «بل يداه مبسوطتان» فقلت له: أ فله يدان هكذا؟ و أشرت بيدي إلى يده فقال: لو كان هكذا كان مخلوقا. أقول: و رواه الصدوق في العيون، بإسناده عن المشرقي عنه (عليه السلام).
و في المعاني، بإسناده عن محمد بن مسلم قال: سألت جعفرا (عليه السلام) فقلت: قوله عز و جل: «يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ قال: اليد في كلام العرب القوة و النعمة قال: «و اذكر عبدنا داود ذا الأيد، و السماء بنيناها بأيد أي بقوة و إنا لموسعون» قال: «و أيدهم بروح منه» قال: أي قواهم، و يقال: لفلان عندي يد بيضاء أي نعمة.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و لو أنهم أقاموا التوراة و الإنجيل» الآية: يعني اليهود و النصارى «لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم» قال: قال: من فوقهم المطر، و من تحت أرجلهم النبات.
و في تفسير العياشي،: في قوله تعالى: «منهم أمة مقتصدة» الآية عن أبي الصهباء الكبرى قال: سمعت علي بن أبي طالب دعا رأس الجالوت و أسقف النصارى فقال: إني سائلكما عن أمر و أنا أعلم به منكما فلا تكتما ثم دعا أسقف النصارى فقال: أنشدك بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، و جعل على رجله البركة، و كان يبرىء الأكمة و الأبرص، و أزال ألم العين، و أحيا الميت، و صنع لكم من الطين طيورا، و أنبأكم بما تأكلون و ما تدخرون فقال: دون هذا أصدق. فقال علي (عليه السلام): بكم افترقت بنو إسرائيل بعد عيسى؟ فقال: لا و الله و لا فرقة واحدة فقال علي (عليه السلام): كذبت و الله الذي لا إله إلا هو لقد افترقت على اثنين و سبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة إن الله يقول: «منهم أمة مقتصدة - و كثير منهم ساء ما يعملون» فهذه التي تنجو.
و فيه، عن زيد بن أسلم، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: تفرقت أمة موسى على إحدى و سبعين فرقة، سبعون منها في النار و واحدة في الجنة، و تفرقت أمة عيسى على اثنتين و سبعين فرقة، إحدى و سبعون في النار و واحدة في الجنة، و تعلو أمتي على الفرقتين جميعا بملة واحدة في الجنة و اثنتان و سبعون في النار، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: الجماعات، الجماعات.
و فيه،: قال يعقوب بن يزيد: كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) إذا حدث هذا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تلا فيه قرآنا: «و لو أن أهل الكتاب آمنوا و اتقوا - لكفرنا عنهم سيئاتهم إلى قوله ساء ما يعملون»، و تلا أيضا: «و ممن خلقنا أمة يهدون بالحق و به يعدلون» يعني أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
|