بيان
الآيات متلائمة سياقا فكأنها نزلت دفعة أو هي متقاربة نزولا، و الآية الأخيرة بمنزلة دفع الدخل على ما سنبينه تفصيلا، فهي جميعا تتعرض لحال الخمر، و بعضها يضيف إليها الميسر و الأنصاب و الأزلام.
و قد تقدم في قوله تعالى: «يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما إثم كبير و منافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما»: «البقرة - 291»، في الجزء الأول، و في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون»:» «النساء - 43» في الجزء الرابع من هذا الكتاب أن هاتين الآيتين مع قوله تعالى: «قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الإثم»: «الأعراف: 33»، و هذه الآية المبحوث عنها: «يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه - إلى قوله - فهل أنتم منتهون» إذا انضم بعضها إلى بعض دلت سياقاتها المختلفة على تدرج الشارع في تحريم الخمر.
لكن لا بمعنى السلوك التدريجي في تحريمها من تنزيه و إعافة إلى كراهية إلى تحريم صريح حتى ينتج معنى النسخ، أو من إبهام في البيان إلى إيضاح أو كناية خفية إلى تصريح لمصلحة السياسة الدينية في إجراء الأحكام الشرعية فإن قوله تعالى: «و الإثم» آية مكية في سورة الأعراف إذا انضم إلى قوله تعالى: «قل فيهما إثم كبير» و هي آية مدنية واقعة في سورة البقرة أول سورة مفصلة نزلت بعد الهجرة أنتج ذلك حرمة الخمر إنتاجا صريحا لا يدع عذرا لمعتذر، و لا مجالا لمتأول.
بل بمعنى أن الآيات تدرجت في النهي عنها بالتحريم على وجه عام و ذلك قوله تعالى: «و الإثم»، ثم بالتحريم الخاص في صورة النصيحة و ذلك قوله: «قل فيهما إثم كبير و منافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما»، و قوله: «لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون» إن كانت الآية ناظرة إلى سكر الخمر لا إلى سكر النوم، ثم بالتحريم الخاص بالتشديد البالغ الذي يدل عليه قوله: «إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس - إلى قوله - فهل أنتم منتهون» الآيتان.
فهذه الآيات آخر ما نزل في تحريم الخمر يدل على ذلك أقسام التأكيد المودعة فيها من «إنما» و التسمية بالرجس، و نسبته إلى عمل الشيطان، و الأمر الصريح بالاجتناب، و توقع الفلاح فيه، و بيان المفاسد التي تترتب على شربها، و الاستفهام عن الانتهاء، ثم الأمر بإطاعة الله و رسوله و التحذير عن المخالفة، و الاستغناء عنهم لو خالفوا.
و يدل على ذلك بعض الدلالة أيضا قوله تعالى في ذيل الآيات: «ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات «إلخ» بما سيأتي من الإيضاح.
قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر و الميسر، إلى آخر» الآية قد تقدم الكلام في أول السورة في معنى الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام فالخمر ما يخمر العقل من كل مائع مسكر عمل بالتخمير، و الميسر هو القمار مطلقا، و الأنصاب هي الأصنام أو الحجارة التي كانت تنصب لذبح القرابين عليها و كانت تحترم و يتبرك بها، و الأزلام هي الأقداح التي كانت يستقسم بها، و ربما كانت تطلق على السهام التي كانت يتفاءل بها عند ابتداء الأمور و العزيمة عليها كالخروج إلى سفر و نحوه لكن اللفظ قد وقع في أول السورة للمعنى الأول لوقوعه بين محرمات الأكل فيتأيد بذلك كون المراد به هاهنا هو ذلك.
فإن قلت: الميسر بعمومه يشمل الأزلام بالمعنى الآخر الذي هو الاستقسام بالأقداح، و لا وجه لإيراد الخاص بعد العام من غير نكتة ظاهرة فالمتعين حمل اللفظ على سهام التفؤل و الخيرة التي كان العمل بها معروفا عندهم في الجاهلية قال الشاعر: فلئن جذيمة قتلت ساداتها.
فنساؤها يضربن بالأزلام.
و هو كما روي أنهم كانوا يتخذون أخشابا ثلاثة رقيقة كالسهام أحدها مكتوب عليه «افعل» و الثاني مكتوب عليه لا تفعل و الثالث غفل لا كتابة عليه فيجعلها الضارب في خريطة معه و هي متشابه فإذا أراد الشروع في أمر يهمه كالسفر و غير ذلك أخرج واحدا منها فإن كان الذي عليه مكتوب «افعل» عزم عليه، و إن خرج الذي مكتوب عليه «لا تفعل» تركه، و إن خرج الثالث أعاد الضرب حتى يخرج واحد من الأولين، و سمي استقساما لأن فيه طلب ما قسم له من رزق أو خير آخر من الخيرات.
فالآية تدل على حرمته لأن فيه تعرضا لدعوى علم الغيب، و كذا كل ما يشاكله من الأعمال كأخذها الخيرة بالسبحة و نحوها.
قلت: قد عرفت أن الآية في أول السورة: «و أن تستقسموا بالأزلام» ظاهرة في الاستقسام بالأقداح الذي هو نوح من القمار لوقوعه في ضمن محرمات الأكل، و يتأيد به أن ذلك هو المراد بالأزلام في هذه الآية.
و لو سلم عدم تأيد هذه بتلك عاد إلى لفظ مشترك لا قرينة عليه من الكلام تبين المراد فيتوقف على ما يشرحه من السنة، و قد وردت عدة أخبار من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في جواز الأخذ بالخيرة من السبحة و غيرها عند الحيرة.
و حقيقته أن الإنسان إذا أراد أن يقدم على أمر كان له أن يعرف وجه المصلحة فيه بما أغرز الله فيه من موهبة الفكر أو بالاستشارة ممن له صلاحية المعرفة بالصواب و الخطإ، و إن لم يهده ذلك إلى معرفة وجه الصواب، و تردد متحيرا كان له أن يعين ما ينبغي أن يختاره بنوع من التوجه إلى ربه.
و ليس في اختيار ما يختاره الإنسان بهذا النوع من الاستخارة دعوى علم الغيب و لا تعرض لما يختص بالله سبحانه من شئون الألوهية، و لا شرك بسبب تشريك غير الله تعالى إياه في تدبير الأمور و لا أي محذور ديني آخر إذ لا شأن لهذا العمل إلا تعين الفعل أو الترك من غير إيجاب و لا تحريم و لا أي حكم تكليفي آخر، و لا كشف عما وراء حجب الغيب من خير أو شر إلا أن خير المستخير في أن يعمل أو يترك فيخرج عن الحيرة و التذبذب.
و أما ما يستقبل الفعل أو الترك من الحوادث فربما كان فيه خير و ربما كان فيه شر على حد ما لو فعله أو تركه عن فكر أو استشارة، فهو كالتفكر و الاستشارة طريق لقطع الحيرة و التردد في مقام العمل، و يترتب على الفعل الموافق له ما كان يترتب عليه لو فعله عن فكر أو مشورة.
نعم ربما أمكن لمتوهم أن يتوهم التعرض لدعوى علم الغيب فيما ورد من التفؤل بالقرآن و نحوه فربما كانت النفس تتحدث معه بيمن أو شامة، و تتوقع خيرا أو شرا أو نفعا أو ضرا، لكن قد ورد في الصحيح من طرق الفريقين: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يتفاءل بالخير و يأمر به، و ينهى عن التطير و يأمر بالمضي معه و التوكل على الله تعالى.
فلا مانع من التفؤل بالكتاب و نحوه فإن كان معه ما يتفأل به من الخير و إلا مضى في الأمر متوكلا على الله تعالى، و ليس في ذلك أزيد مما يطيب به الإنسان نفسه في الأمور و الأعمال التي يتفرس فيها السعادة و النفع، و سنستوفي البحث المتعلق بهذا المقام في كلام موضوع لهذا الغرض بعينه.
فتبين أن ما وقع في بعض التفاسير من حمل الأزلام على سهم التفؤل و استنتاج حرمة الاستخارة بذلك مما لا ينبغي المصير إليه.
و أما قوله: «رجس من عمل الشيطان» فالرجس الشيء القذر على ما ذكره الراغب في مفرداته فالرجاسة بالفتح كالنجاسة و القذارة هو الوصف الذي يبتعد و يتنزه عن الشيء بسببه لتنفر الطبع عنه.
و كون هذه المعدودات من الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجسا هو اشتمالها على وصف لا تستبيح الفطرة الإنسانية الاقتراب منها لأجله، و ليس إلا أنها بحيث لا تشتمل على شيء مما فيه سعادة إنسانية أصلا سعادة يمكن أن تصفو و تتخلص في حين من الأحيان كما ربما أومأ إليه قوله تعالى: «يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما إثم كبير و منافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما»: «البقرة: 291»، حيث غلب الإثم على النفع و لم يستثن.
و لعله لذلك نسب هذه الأرجاس إلى عمل الشيطان و لم يشرك له أحدا، ثم قال في الآية التالية: «إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر و يصدكم عن ذكر الله و عن الصلاة».
و ذلك أن الله سبحانه عرف الشيطان في كلامه بأنه عدو للإنسان لا يريد به خيرا البتة قال تعالى: «إن الشيطان للإنسان عدو مبين»: «يوسف: 5»، و قال: «كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله»: «الحج: 4»، و قال: «و إن يدعون إلا شيطانا مريدا، لعنه الله»: «النساء: 181»، فأثبت عليه لعنته و طرده عن كل خير.
و ذكر أن مساسه بالإنسان و عمله فيه إنما هو بالتسويل و الوسوسة و الإغواء من جهة الإلقاء في القلب كما قال تعالى حكاية عنه: «قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض و لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال هذا صراط علي مستقيم، إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين»: «الحجر: 42»، فهددهم إبليس بالإغواء فقط، و نفى الله سبحانه سلطانه إلا عن متبعيه الغاوين، و حكى عنه فيما يخاطب بني آدم يوم القيامة قوله: «و ما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي»: «إبراهيم: 22»، و قال في نعت دعوته: «يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان - إلى أن قال - إنه يراكم هو و قبيله من حيث لا ترونهم» فبين أن دعوته لا كدعوة إنسان إنسانا إلى أمر بالمشافهة بل بحيث يرعى الداعي المدعو من غير عكس.
و قد فصل القول في جميع ذلك قوله تعالى: «من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس»: «الناس: 5»، فبين أن الذي يعمل الشيطان بالتصرف في الإنسان هو أن يلقي الوسوسة في قلبه فيدعوه بذلك إلى الضلال.
فيتبين بذلك كله أن كون الخمر و ما ذكر بعدها رجسا من عمل الشيطان هو أنها منتهية إلى عمل الشيطان الخاص به، و لا داعي لها إلى الإلقاء و الوسوسة الشيطانية التي تدعو إلى الضلال، و لذلك سماها رجسا و قد سمى الله سبحانه الضلال رجسا في قوله: «و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون، و هذا صراط ربك مستقيما»: «الأنعام: 162».
ثم بين معنى كونها رجسا ناشئا من عمل الشيطان بقوله في الآية التالية: «إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر و يصدكم عن ذكر الله و عن الصلاة» أي إنه لا يريد لكم في الدعوة إليها إلا الشر و لذلك كانت رجسا من عمله.
فإن قلت: ملخص هذا البيان أن معنى كون الخمر و أضرابها رجسا هو كون عملها أو شربها مثلا منتهيا إلى وسوسة الشيطان و إضلاله فحسب، و الذي تدل عليه عدة من الروايات أن الشيطان هو الذي ظهر للإنسان و عملها لأول مرة و علمه إياها.
قلت: نعم، و هذه الأخبار و إن كانت لا تتجاوز الآحاد بحيث يجب الأخذ بها إلا أن هناك أخبارا كثيرة متنوعة واردة في أبواب متفرقة تدل على تمثل الشيطان للأنبياء و الأولياء و بعض أفراد الإنسان من غيرهم كأخبار أخر حاكية لتمثل الملائكة، و أخرى دالة على تمثل الدنيا و الأعمال و غير ذلك و الكتاب الإلهي يؤيدها بعض التأييد كقوله تعالى: «فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا»: «مريم: 17»، و سنستوفي هذا البحث إن شاء الله تعالى في تفسير سورة الإسراء في الكلام على قوله تعالى: سبحان الذي أسرى بعبده»: «الإسراء: 1»، أو في محل آخر مناسب لذلك.
و الذي يجب أن يعلم أن ورود قصة ما في خبر أو أخبار لا يوجب تبدل آية من الآيات مما لها من الظهور المؤيد بآيات أخر، و ليس للشيطان من الإنسان إلا التصرف الفكري فيما كان له ذلك بمقتضى الآيات الشريفة، و لو أنه تمثل لواحد من البشر فعمل شيئا أو علمه إياه لم يزد ذلك على التمثل و التصرف في فكره أو مساسه علما فانتظر ما سيوافيك من البحث.
و أما قوله تعالى: «فاجتنبوه لعلكم تفلحون» فتصريح بالنهي بعد بيان المفسدة ليكون أوقع في النفوس ثم ترج للفلاح على تقدير الاجتناب، و فيه أشد التأكيد للنهي لتثبيته أن لا رجاء لفلاح من لا يجتنب هذه الأرجاس.
قوله تعالى: «إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر إلى آخر» الآية قال الراغب في المفردات: العدو التجاوز و منافاة الالتيام فتارة يعتبر بالقلب فيقال له: العداوة و المعاداة، و تارة بالمشي فيقال له: العدو، و تارة في الإخلال بالعدالة في المعاملة فيقال له: العدوان و العدو قال: «فيسبوا الله عدوا بغير علم» و تارة بأجزاء المقر فيقال له: العدواء يقال: مكان ذو عدواء أي غير متلائم الأجزاء فمن المعاداة يقال: رجل عدو و قوم عدو قال: «بعضكم لبعض عدو» و قد يجمع على عدى بالكسر فالفتح و أعداء قال: «و يوم يحشر أعداء الله»، انتهى.
و البغض و البغضاء خلاف الحب و الصد الصرف، و الانتهاء قبول النهي و خلاف الابتداء.
ثم إن الآية - كما تقدم - مسوقة بيانا لقوله: «من عمل الشيطان» أو لقوله: «رجس من عمل الشيطان» أي إن حقيقة كون هذه الأمور من عمل الشيطان أو رجسا من عمل الشيطان إن الشيطان لا بغية له و لا غاية في الخمر و الميسر - اللذين قيل: إنهما رجسان من عمله فقط - إلا أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء بتجاوز حدودكم و بغض بعضكم بعضا، و أن يصرفكم عن ذكر الله و عن الصلاة في هذه الأمور جميعا أعني الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام.
و قصر إيقاع العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر لكونهما من آثارهما الظاهرة أما الخمر فلأن شربها تهيج سلسلة الأعصاب تهيجا يخمر العقل و يستظهر العواطف العصبية فإن وقعت في طريق الغضب جوزت للسكران أي جناية فرضت و إن عظمت ما عظمت، و فظعت ما فظعت مما لا يستبيحه حتى السباع الضارية، و إن وقعت في طريق الشهوة و البهيمية زينت للإنسان أي شناعة و فجور في نفسه أو ماله أو عرضه و كل ما يحترمه و يقدسه من نواميس الدين و حدود المجتمع و غير ذلك من سرقة أو خيانة أو هتك محرم أو إفشاء سر أو ورود فيما فيه هلاك الإنسانية، و قد دل الإحصاء على أن للخمر السهم الأوفر من أنواع الجنايات الحادثة و في أقسام الفجورات الفظيعة في المجتمعات التي دار فيها شربها.
و أما الميسر و هو القمار فإنه يبطل في أيسر زمان مسعاة الإنسان التي صرفها في اقتناء المال و الثروة و الوجاهة في أزمنة طويلة فيذهب به المال و ربما تبعه العرض و النفس و الجاه فإن تقمر و غلب و أحرز المال أداه ذلك إلى إبطال السير المعتدل في الحياة و التوسع في الملاهي و الفجور، و الكسل و التبطؤ عن الاشتغال بالمكسب و اقتناء مواد الحياة من طرقها المشروعة، و إن كان هو المغلوب أداه فقدان المال و خيبة السعي إلى العداوة و البغضاء لقميرة الغالب، و الحسرة و الحنق.
و هذه المفاسد و إن كانت لا تظهر للأذهان الساذجة البسيطة ذاك الظهور في النادر القليل و المرة و المرتين لكن النادر يدعو إلى الغالب، و القليل يهدي إلى الكثير و المرة تجر إلى المرات و لا تلبث إن لم تمنع من رأس أن تشيع في الملإ، و تسري إلى المجتمع فتعود بلوى همجية لا حكومة فيها إلا للعواطف الطاغية و الأهواء المردية.
فتبين من جميع ما تقدم أن الحصر في قوله: «إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر و يصدكم عن ذكر الله و عن الصلاة» راجع إلى مجموع المعدودات من حيث المجموع غير أن الصد عن ذكر الله و عن الصلاة من شأن الجميع، و العداوة و البغضاء يختصان بالخمر و الميسر بحسب الطبع.
و في إفراز الصلاة عن الذكر في قوله تعالى: «و يصدكم عن ذكر الله و عن الصلاة» مع كون الصلاة من أفراد الذكر دلالة على مزيد الاهتمام بأمرها لكونها فردا كاملا من الذكر، و قد صح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أنه قال: الصلاة عمود الدين، و دلالة القرآن الكريم في آيات كثيرة جدا على الاهتمام بأمر الصلاة بما لا مزيد عليه مما لا يتطرق إليه شك و فيها مثل قوله تعالى: «قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون» إلى آخر الآيات: «المؤمنون: 2»، و قوله تعالى: «و الذين يمسكون بالكتاب و أقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين»: «الأعراف: 107»، و قوله تعالى: «إن الإنسان خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا، و إذا مسه الخير منوعا، إلا المصلين» الآيات: «المعارج: 22» و قوله: «اتل ما أوحي إليك من الكتاب و أقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر و لذكر الله أكبر»: «العنكبوت: 45، و قال تعالى: «فاسعوا إلى ذكر الله»: «الجمعة: 9»، يريد به الصلاة، و قال: «و أقم الصلاة لذكري»: «طه: 14»، إلى غير ذلك من الآيات.
و قد ذكر سبحانه أولا ذكره و قدمه على الصلاة لأنها هي البغية الوحيدة من الدعوة الإلهية، و هو الروح الحية في جثمان العبودية، و الخميرة لسعادة الدنيا و الآخرة يدل على ذلك قوله تعالى لآدم أول يوم شرع فيه الدين: «قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل و لا يشقى، و من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا، و نحشره يوم القيامة أعمى»: «طه: 142»، و قوله تعالى: «و يوم يحشرهم و ما يعبدون من دون الله فيقول ء أنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل، قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء و لكن متعتهم و آباءهم حتى نسوا الذكر و كانوا قوما بورا»: «الفرقان: 18»، و قوله تعالى: «فأعرض عمن تولى عن ذكرنا و لم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم»: «النجم: 30».
فالذكر في الآيات إنما هو ما يقابل نسيان جانب الربوبية المستتبع لنسيان العبودية و هو السلوك الديني الذي لا سبيل إلى إسعاد النفس بدونه قال تعالى: «و لا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم»: «الحشر: 19».
و أما قوله تعالى: «فهل أنتم منتهون» فهو استفهام توبيخي فيه دلالة ما على أن المسلمين لم يكونوا ينتهون عن المناهي السابقة على هذا النهي، و الآية أعني قوله: «إنما يريد الشيطان أن يوقع، «إلخ» كالتفسير يفسر بها قوله: «يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما إثم كبير و منافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما» أي إن النفع الذي فرض فيهما مع الإثم ليس بحيث يمكن أن يفرز أحيانا من الإثم أو من الإثم الغالب عليه كالكذب الذي فيه إثم و نفع، و ربما أفرز نفعه من إثمه كالكذب لمصلحة إصلاح ذات البين.
و ذلك لمكان الحصر في قوله: «إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء، إلخ» بعد قوله: «رجس من عمل الشيطان» فالمعنى أنها لا تقع إلا رجسا من عمل الشيطان، و أن الشيطان لا يريد بها إلا إيقاع العداوة و البغضاء بينكم في الخمر و الميسر و صدكم عن ذكر الله و عن الصلاة فلا يصاب لها مورد يخلص فيه النفع عن الإثم حتى تباح فيه، فافهم ذلك.
قوله تعالى: «أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و احذروا، إلى آخر» الآية تأكيد للأمر السابق باجتناب هذه الأرجاس أولا بالأمر بطاعة الله سبحانه و بيده أمر التشريع، و ثانيا بالأمر بطاعة الرسول و إليه الإجراء، و ثالثا بالتحذير صريحا.
ثم في قوله: «فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين» تأكيد فيه معنى التهديد و خاصة لاشتماله على قوله: «فاعلموا» فإن فيه تلويحا إلى أنكم إن توليتم و اقترفتم هذه المعاصي فكأنكم ظننتم أنكم كابرتم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في نهيه عنها و غلبتموه، و قد جهلتم أو نسيتم أنه رسول من قبلنا ليس له من الأمر شيء إلا بلاغ مبين لما يوحى إليه و يؤمر بتبليغه، و إنما نازعتم ربكم في ربوبيته.
و قد تقدم في أول الكلام أن الآيات تشتمل على فنون من التأكيد في تحريم هذه الأمور، و هي الابتداء بقوله: يا أيها الذين آمنوا، ثم الإتيان بكلمة الحصر، ثم التوصيف بالرجس، ثم نسبتها إلى عمل الشيطان، ثم الأمر بالاجتناب صريحا، ثم رجاء الفلاح في الاجتناب، ثم ذكر مفاسدها العامة من العداوة و البغضاء و الصرف عن ذكر الله و عن الصلاة، ثم التوبيخ على عدم انتهائهم، ثم الأمر بطاعة الله و رسوله و التحذير عن المخالفة، ثم التهديد على تقدير التولي بعد البلاغ المبين.
قوله تعالى: «ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا» إلى آخر الآية الطعم و الطعام هو التغذي، و يستعمل في المأكول دون المشروب، و هو في لسان المدنيين البر خاصة، و ربما جاء بمعنى الذوق، و يستعمل حينئذ بمعنى الشرب كما يستعمل بمعنى الأكل قال تعالى: «فمن شرب منه فليس مني و من لم يطعمه فإنه مني»: «البقرة: 294»، و في بعض الروايات عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أنه قال في ماء زمزم أنه طعام طعم و شفاء سقم.
و الآية لا تصلح بسياقها إلا أن تتصل بالآيات السابقة فتكون دفع دخل تتعرض لحال المؤمنين ممن ابتلي بشرب الخمر قبل نزول التحريم أو قبل نزول هذه الآيات، و ذلك أن قوله فيها: «فيما طعموا» مطلق غير مقيد بشيء مما يصلح لتقييده، و الآية مسوقة لرفع الحظر عن هذا الطعام المطلق، و قد قيد رفع الحظر بقوله: «إذا ما اتقوا و آمنوا و عملوا الصالحات ثم اتقوا و آمنوا ثم اتقوا و أحسنوا» و المتيقن من معنى هذا القيد - و قد ذكر فيه التقوى ثلاث مرات - هو التقوى الشديد الذي هو حق التقوى.
فنفي الجناح للمؤمنين المتقين عن مطلق ما طعموا الطعام المحلل إن كان لغرض إثبات المفهوم في غيرهم أي إثبات مطلق المنع لغير أهل التقوى من سائر المؤمنين و الكفار ناقضه أمثال قوله تعالى: «قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة»: الأعراف: 32، على أن من المعلوم من مذاق هذا الدين أنه لا يمنع أحدا عن الطيبات المحللة التي تضطر الفطرة إلى استباحتها في الحياة.
و إن لم تكن الآية مسوقة لتحريمه على غير من ذكر عاد المعنى إلى مثل قولنا: يجوز الطعام للذين آمنوا و عملوا الصالحات بشرط أن يتقوا ثم يتقوا ثم يتقوا، و من المعلوم أن الجواز لا يختص بالذين آمنوا و عملوا الصالحات بل يعمهم و غيرهم، و على تقدير اختصاصه بهم لا يشترط فيه هذا الشرط الشديد.
و لا يخلو عن أحد هذين الإشكالين جميع ما ذكروه في توجيه الآية بناء على حمل قوله: «فيما طعموا» على مطلق الطعام المحلل فإن المعنى الذي ذكروه لا يخرج عن حدود قولنا: لا جناح على الذين آمنوا و عملوا الصالحات إذا اتقوا المحرمات أن يطعموا المحللات، و لا يسلم هذا المعنى عن أحد الإشكالين كما هو واضح.
و ذكر بعضهم: أن في الآية حذفا، و التقدير: ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا و غيره إذا ما اتقوا المحارم، و فيه أنه تقدير من غير دليل مع بقاء المحذور على حاله.
و ذكر بعضهم: أن الإيمان و العمل الصالح جميعا ليس بشرط حقيقي بل المراد بيان وجوب اتقاء المحارم فشرك معه الإيمان و العمل الصالح للدلالة على وجوبه، و فيه أن ظاهر الآية أنها مسوقة لنفي الجناح فيما طعموا، و لا شرط له من إيمان أو عمل صالح أو اتقاء محارم على ما تقدم، و ما أبعد المعنى الذي ذكره عن ظاهر الآية.
و ذكر بعضهم: أن المؤمن يصح أن يطلق عليه أنه لا جناح عليه، و الكافر مستحق للعقاب فلا يصح أن يطلق عليه هذا اللفظ، و فيه أنه لا يصح تخصيص المؤمنين بالذكر فليكن مثل قوله تعالى: «قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق»: «الأعراف: 32»، و قوله: «قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا»: «الأنعام: 154» حيث لم يذكر في الخطاب مؤمن و لا كافر، أو مثل قوله: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى - إلى قوله - إن أكرمكم عند الله أتقاكم»: «الحجرات: 13» حيث وجه الخطاب إلى الناس الشامل للمؤمن و الكافر.
و ذكر بعضهم: أن الكافر قد سد على نفسه طريق معرفة التحريم و التحليل فلذلك خص المؤمن بالذكر، و فيه ما في سابقه من الإشكال مع أنه لا يرفع الإشكال الناشىء من قوله: «إذا ما اتقوا» «إلخ».
فالذي ينبغي أن يقال: إن الآية في معنى الآيات السابقة عليها على ما هو ظاهر اتصالها بها، و هي متعرضة لحال من ابتلي من المسلمين بشرب الخمر و طعمها، أو بالطعم لشيء منها أو مما اقتناه بالميسر أو من ذبيحة الأنصاب كأنهم سألوا بعد نزول التحريم الصريح عن حال من ابتلي بشرب الخمر، أو بها و بغيرها مما ذكره الله تعالى في الآية قبل نزول التحريم من إخوانهم الماضين أو الباقين المسلمين لله سبحانه في حكمه.
فأجيب عن سؤالهم أن ليس عليهم جناح إن كانوا من الذين آمنوا و عملوا الصالحات إن كانوا جارين على صراط التقوى بالإيمان بالله و العمل الصالح ثم الإيمان بكل حكم نازل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم الإحسان بالعمل على طبق الحكم النازل.
و بذلك يتبين أن المراد بالموصول في قوله: «فيما طعموا» هو الخمر من حيث شربها أو جميع ما ذكر من الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام من حيث ما يصح أن يتعلق بها من معنى الطعم، و المعنى: ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما ذاقوه قبل نزول التحريم من خمر أو منها و من غيرها من المحرمات المذكورة.
و أما قوله: «إذا ما اتقوا و آمنوا و عملوا الصالحات ثم اتقوا و آمنوا ثم اتقوا و أحسنوا» فظاهر قوله: «إذا ما اتقوا و آمنوا و عملوا الصالحات» إنه إعادة لنفس الموضوع المذكور في قوله: «ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح» للدلالة على دخالة الوصف في الحكم الذي هو نفي الجناح كقوله تعالى في خطاب المؤمنين: «ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله و اليوم الآخر»: «البقرة: 223»، و هو شائع في اللسان.
و ظاهر قوله: «ثم اتقوا و آمنوا» اعتبار الإيمان بعد الإيمان، و ليس إلا الإيمان التفصيلي بكل حكم حكم مما جاء به الرسول من عند ربه من غير رد و امتناع، و لازمه التسليم للرسول فيما يأمر به و ينهى عنه قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و آمنوا برسوله»: «الحديد: 28»، و قال تعالى: «و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله - إلى أن قال - فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما»: «النساء - 65، و الآيات في هذا المعنى كثيرة.
و ظاهر قوله: «ثم اتقوا و أحسنوا» إضافة الإحسان إلى الإيمان بعد الإيمان اعتبارا، و الإحسان هو إتيان العمل على وجه حسنة من غير نية فاسدة كما قال تعالى: «إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا»: «الكهف: 30»، و قال: «الذين استجابوا لله و الرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم و اتقوا أجر عظيم»: آل عمران: 127»، أي يكون استجابتهم ابتغاء لوجه الله و تسليما لأمره لا لغرض آخر، و من الإحسان ما يتعدى إلى الغير، و هو أن يوصل إلى الغير ما يستحسنه، قال تعالى: «و بالوالدين إحسانا»: «البقرة: 83»، و قال: «و أحسن كما أحسن الله إليك»: «القصص: 77».
و المناسب لمورد الآية هو المعنى الأول من معنيي الإحسان، و هو إتيان الفعل على جهة حسنة فإن التقوى الديني لا يوفى حقه بمجرد الإيمان بالله و تصديق حقية دينه ما لم يؤمن تفصيلا بكل واحد واحد من الأحكام المشرعة في الدين فإن رد الواحد منها رد لأصل الدين، و لا أن الإيمان التفصيلي بكل واحد واحد يوفى به حق التقوى ما لم يحسن بالعمل بها و في العمل بها بأن يجري على ما يقتضيه الحكم من فعل أو ترك، و يكون هذا الجري ناشئا من الانقياد و الاتباع لا عن نية نفاقية فمن الواجب على المتزود بزاد التقوى أن يؤمن بالله و يعمل صالحا، و أن يؤمن برسوله في جميع ما جاء به، و أن يجري في جميع ذلك على نهج الاتباع و الإحسان.
و أما تكرار التقوى ثلاث مرات، و تقييد المراتب الثلاث جميعا به فهو لتأكيد الإشارة إلى وجوب مقارنة المراتب جميعا للتقوى الواقعي من غير غرض آخر غير ديني، و قد مر في بعض المباحث السابقة أن التقوى ليس مقاما خاصا دينيا بل هو حالة روحية تجامع جميع المقامات المعنوية أي أن لكل مقام معنوي تقوى خاصا يختص به.
فتلخص من جميع ما مر أن المراد بالآية أعني قوله: «ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا» إلى آخر الآية، أنه لا جناح على الذين آمنوا و عملوا الصالحات فيما ذاقوه من خمر أو غيره من المحرمات المعدودة بشرط أن يكونوا ملازمين للتقوى في جميع أطوارهم و متلبسين بالإيمان بالله و رسوله، و محسنين في أعمالهم عاملين بالواجبات و تاركين لكل محرم نهوا عنه فإن اتفق لهم أن ابتلوا بشيء من الرجس الذي هو من عمل الشيطان قبل نزول التحريم أو قبل وصوله إليهم أو قبل تفقههم به لم يضرهم ذلك شيئا.
و هذا نظير قوله تعالى في آيات تحويل القبلة في جواب سؤالهم عن حال الصلوات التي صلوها إلى غير الكعبة: «و ما كان الله ليضيع إيمانكم»: «البقرة: 134».
و سياق هذا الكلام شاهد آخر على كون هذه الآية: «ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح، إلخ» متصلة بما قبلها من الآيات و أنها نازلة مع تلك الآيات التي لسانها يشهد أنها آخر الآيات المحرمة للخمر نزولا، و أن بعض المسلمين كما يشعر به لسان الآيات - على ما استفدناه - آنفا لم يكونوا منتهين عن شربها ما بين الآيات السابقة المحرمة و بين هذه الآيات.
ثم وقع السؤال بعد نزول هذه الآيات عن حال من ابتلي بذلك و فيهم من ابتلي به قبل نزول التحريم، و من ابتلي به قبل التفقه، و من ابتلي به لغير عذر فأجيبوا بما يتعين به لكل طائفة حكم مسألته بحسب خصوص حاله، فمن طعمها و هو على حال الإيمان و الإحسان، و لا يكون إلا من ذاقها من المؤمنين قبل نزول التحريم أو جهلا به فليس عليه جناح، و من ذاقها على غير النعت فحكمه غير هذا الحكم.
و للمفسرين في الآية أبحاث طويلة، منها ما يرجع إلى قوله: «فيما طعموا» و قد تقدم خلاصة الكلام في ذلك.
و منها ما يرجع إلى ذيل الآية من حيث تكرر التقوى فيه ثلاث مرات، و تكرر الإيمان و تكرر العمل الصالح و ختمها بالإحسان.
فقيل: إن المراد بقوله: «إذا ما اتقوا و آمنوا و عملوا الصالحات» اتقوا المحرم و ثبتوا على الإيمان و الأعمال الصالحة، و بقوله: «ثم اتقوا و آمنوا» ثم اتقوا ما حرم عليهم بعد كالخمر و آمنوا بتحريمه، و بقوله: «ثم اتقوا و أحسنوا» ثم استمروا و ثبتوا على اتقاء المعاصي و اشتغلوا بالأعمال الجميلة.
و قيل: إن هذا التكرار باعتبار الحالات الثلاث: استعمال الإنسان التقوى و الإيمان بينه و بين نفسه، و بينه و بين الناس، و بينه و بين الله تعالى، و الإحسان على هذا هو الإحسان إلى الناس ظاهرا.
و قيل: إن التكرار باعتبار المراتب الثلاث: المبدإ و الوسط و المنتهى، و هو حق التقوى.
و قيل: التكرار باعتبار ما يتقى فإنه ينبغي أن تترك المحرمات توقيا من العقاب، و الشبهات تحرزا عن الوقوع في الحرام، و بعض المباحات تحفظا للنفس عن الخسة، و تهذيبا عن دنس الطبيعة.
و قيل: إن الاتقاء الأول اتقاء عن شرب الخمر و الإيمان الأول هو الإيمان بالله، و الاتقاء الثاني هو إدامة الاتقاء الأول و الإيمان الثاني إدامة الإيمان الأول، و الاتقاء الثالث هو فعل الفرائض، و الإحسان فعل النوافل.
و قيل: إن الاتقاء الأول اتقاء المعاصي العقلية، و الإيمان الأول هو الإيمان بالله و بقبح هذه المعاصي، و الاتقاء الثاني اتقاء المعاصي السمعية و الإيمان الثاني هو الإيمان بوجوب اجتناب هذه المعاصي، و الاتقاء الثالث يختص بمظالم العباد و ما يتعلق بالغير من الظلم و الفساد، و المراد بالإحسان الإحسان إلى الناس.
و قيل: إن الشرط الأول يختص بالماضي، و الشرط الثاني بالدوام على ذلك و الاستمرار على فعله، و الشرط الثالث يختص بمظالم العباد، إلى غير ذلك من أقوالهم.
و جميع ما ذكروه مما لا دليل عليه من لفظ الآية أو غيرها يوجب حمل الآية عليه، و هو ظاهر بالتأمل في سياق القول فيها و الرجوع إلى ما قدمناه.
بحث روائي
في تفسير العياشي، عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: بينا حمزة بن عبد المطلب و أصحاب له على شراب لهم يقال له السكركة. قال: فتذاكروا الشريف فقال لهم حمزة: كيف لنا به؟ فقالوا: هذه ناقة ابن أخيك علي، فخرج إليها فنحرها ثم أخذ كبدها و سنامها فأدخل عليهم، قال: و أقبل علي (عليه السلام) فأبصر ناقته فدخله من ذلك، فقالوا له: عمك حمزة صنع هذا، قال: فذهب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فشكا ذلك إليه. قال: فأقبل معه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقيل لحمزة: هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالباب، قال: فخرج حمزة و هو مغضب فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الغضب في وجهه انصرف قال: فقال له حمزة: لو أراد ابن أبي طالب أن يقودك بزمام فعل، فدخل حمزة منزله و انصرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). قال: و كان قبل أحد، قال: فأنزل الله تحريم الخمر فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بآنيتهم فأكفئت، قال: فنودي في الناس بالخروج إلى أحد فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و خرج الناس و خرج حمزة فوقف ناحية من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فلما تصافحوا حمل في الناس حتى غيب فيهم ثم رجع إلى موقفه، فقال له الناس: الله الله يا عم رسول الله أن تذهب و في نفس رسول الله عليك شيء، قال: ثم حمل الثانية حتى غيب في الناس ثم رجع إلى موقفه فقالوا له: الله الله يا عم رسول الله أن تذهب و في نفس رسول الله عليك شيء. فأقبل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما رآه نحوه أقبل مقبلا إليه فعانقه و قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بين عينيه ثم قال: احمل على الناس فاستشهد حمزة، و كفنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في تمرة. ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): نحو من سرياني هذا، فكان إذا غطى وجهه انكشف رجلاه و إذا غطى رجلاه انكشف وجهه قال: فغطى بها وجهه، و جعل على رجليه إذخر. قال فانهزم الناس و بقي علي (عليه السلام) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما صنعت؟ قال: يا رسول الله لزمت الأرض فقال: ذلك الظن بك، قال: و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنجز لي يا رب ما وعدتني فإنك إن شئت لم تعبد.
و عن الزمخشري في ربيع الأبرار، قال: أنزل في الخمر ثلاث آيات: «يسألونك عن الخمر و الميسر» فكان المسلمون بين شارب و تارك إلى أن شربها رجل فدخل في صلاته فهجر فنزل: «يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى» فشربها من شربها من المسلمين حتى شربها عمر فأخذ لحي بعير فشج رأس عبد الرحمن بن عوف، ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يغفر: و كاين بالقليب قليب بدر. من القنيات و الشرب الكرام. و كاين بالقليب قليب بدر. من السري المكامل بالسنام. أ يوعدنا ابن كبشة أن نحيى. و كيف حياة أصداء و هام. أ يعجز أن يرد الموت عني. و ينشرني إذا بليت عظامي. ألا من مبلغ الرحمن عني. بأني تارك شهر الصيام. فقل لله يمنعني شرابي. و قل لله: يمنعني طعامي. فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج مغضبا يجر رداءه فرفع شيئا كان في يده ليضربه، فقال: أعوذ بالله من غضب الله و غضب رسوله فأنزل الله سبحانه و تعالى: «إنما يريد الشيطان إلى قوله فهل أنتم منتهون» فقال عمر: انتهينا.
و في الدر المنثور،: أخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه و النحاس في ناسخه عن سعد بن أبي وقاص قال: في نزل تحريم الخمر صنع رجل من الأنصار طعاما فدعانا فأتاه ناس فأكلوا و شربوا حتى انتشوا من الخمر، و ذلك قبل أن تحرم الخمر فتفاخروا فقالت الأنصار: الأنصار: خير، و قالت قريش: قريش خير فأهوى رجل بلحي جزور فضرب على أنفي ففزره فكان سعد مفزور الأنف قال: فأتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرت ذلك له فنزلت هذه الآية: «يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر و الميسر، إلى آخر» الآية.
أقول: و الروايات في القصص التي أعقبت تحريم الخمر في الإسلام كثيرة من طرق الجمهور على ما فيها من الاختلاف الشديد.
أما هؤلاء الذين ذكر منهم الشرب من الصحابة فلا شأن لنا في البحث عنهم فيما نحن بصدده من البحث المرتبط بالتفسير غير أن هذه الروايات تؤيد ما ذكرناه في البيان السابق: أن في الآيات إشعارا أو دلالة على أن رهطا من المسلمين ما تركوا شرب الخمر بعد نزول آية البقرة حتى نزلت آية المائدة.
نعم ورد في بعض الروايات أن عليا (عليه السلام) و عثمان بن مظعون كانا قد حرما الخمر على أنفسهما قبل نزول التحريم، و قد ذكر في الملل و النحل رجالا من العرب حرموا الخمر على أنفسهم في الجاهلية، و قد وفق الله سبحانه بعض هؤلاء أن أدرك الإسلام و دخل فيه، منهم عامر بن الظرب العدواني، و منهم قيس بن عامر التميمي و قد أدرك الإسلام، و منهم صفوان بن أمية بن محرث الكناني و عفيف بن معديكرب الكندي و الأسلوم اليامي و قد حرم الزنا و الخمر معا، و هؤلاء آحاد من الرجال جرى كلمة الحق على لسانهم، و أما عامتهم في الجاهلية كعامة أهل الدنيا يومئذ إلا اليهود فقد كانوا يعتادون شربها من غير بأس حتى حرمها الله سبحانه في كتابه.
و الذي تفيده آيات الكتاب العزيز أنها حرمت في مكة قبل الهجرة كما يدل عليه قوله تعالى: «قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الإثم و البغي»: «الأعراف: 33» و الآية مكية، و إذا انضمت إلى قوله تعالى: «يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما إثم كبير و منافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما»: «البقرة: 291»، و هي آية مدنية نازلة في أوائل الهجرة لم يبق شك في ظهور حرمتها للمسلمين يومئذ، و إذا تدبرنا في سياق آيات المائدة، و خاصة فيما يفيده قوله: «فهل أنتم منتهون» و قوله: «ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا،» الآية انكشف أن ما ابتلي به رهط منهم من شربها فيما بين نزول آية البقرة و آية المائدة إنما كان كالذنابة لسابق العادة السيئة نظير ما كان من النكاح في ليلة الصيام عصيانا حتى نزل قوله تعالى: «أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم و أنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم»: «البقرة: 178».
فقد تبين أن في هذه الروايات كلاما من وجهين: أحدهما: من جهة اختلافها في تاريخ تحريم الخمر فقد مر في الرواية الأولى أنها قبيل غزوة أحد، و في بعض الروايات: أن ذلك بعد غزوة الأحزاب.
لكن الأمر في ذلك سهل في الجملة لإمكان حملها على كون المراد بتحريم الخمر فيها نزول آية المائدة و إن لم يوافقه لفظ بعض الروايات كل الموافقة.
و ثانيهما: من جهة دلالتها على أن الخمر لم تكن بمحرمة قبل نزول آية المائدة أو أنها لم تظهر حرمتها قبلئذ للناس و خاصة للصحابة مع صراحة آية الأعراف المحرمة للإثم و آية البقرة المصرحة بكونها إثما، و هي صراحة لا تقبل تأويلا.
بل من المستبعد جدا أن تنزل حرمة الإثم بمكة قبل الهجرة في آية تتضمن جمل المحرمات أعني قوله: «قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الإثم و البغي بغير الحق و أن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا و أن تقولوا على الله ما لا تعلمون»: «الأعراف: 33»، ثم يمر عليه زمان غير يسير، و لا يستفسر المؤمنون معناه من نبيهم و لا يستوضحه المشركون و أكبر همهم النقض و الاعتراض على كتاب الله مهما توهموا إليه سبيلا.
بل المستفاد من التاريخ أن تحريم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للخمر كتحريمه الشرك و الزنا كان معروفا عند المشركين يدل على ذلك ما رواه ابن هشام في السيرة عن خلاد بن قرة و غيره من مشايخ بكر بن وائل من أهل العلم: أن أعشى بني قيس خرج إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد الإسلام فقال يمدح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أ لم تغتمض عيناك ليلة أرمدا.
و بت كما بات السليم مسهدا.
القصيدة.
فلما كان بمكة أو قريبا منها اعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره فأخبره أنه جاء يريد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليسلم فقال له: يا أبا بصير إنه يحرم الزنا فقال الأعشى: و الله إن ذلك لأمر ما لي فيه من إرب، فقال له: يا أبا بصير فإنه يحرم الخمر فقال الأعشى: أما هذه فإن في النفس منها لعلالات، و لكني منصرف فأتروى منها عامي هذا ثم آتيه فأسلم فانصرف فمات في عامه ذلك و لم يعد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فلا يبقى لهذه لروايات إلا أن تحمل على استفادتهم ذلك باجتهادهم في الآيات مع الذهول عن آية الأعراف، و للمفسرين في تقريب معنى هذه الروايات توجيهات غريبة.
و بعد اللتيا و التي فالكتاب نص في تحريم الخمر في الإسلام قبل الهجرة، و لم تنزل آية المائدة إلا تشديدا على الناس لتساهلهم في الانتهاء عن هذا النهي الإلهي و إقامة حكم الحرمة.
و في تفسير العياشي،: عن هشام عن الثقة رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه قيل له: روي عنكم: أن الخمر و الأنصاب و الأزلام رجال؟ فقال: ما كان ليخاطب الله خلقه بما لا يعقلون.
و فيه،: عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتي عمر بن الخطاب بقدامة بن مظعون و قد شرب الخمر و قامت عليه البينة فسأل عليا فأمره أن يجلده ثمانين جلدة، فقال قدامة: يا أمير المؤمنين ليس علي حد أنا من أهل هذه الآية: «ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات - جناح فيما طعموا» فقرأ الآية حتى استتمها فقال له علي (عليه السلام): كذبت لست من أهل هذه الآية ما طعم أهلها فهو حلال لهم، و ليس يأكلون و لا يشربون إلا ما يحل لهم. أقول: و روي هذا المعنى أيضا عن أبي الربيع عنه (عليه السلام)، و رواه أيضا الشيخ في التهذيب، بإسناده عن ابن سنان عنه (عليه السلام)، و هذا المعنى مروي من طرق أهل السنة أيضا.
و قوله (عليه السلام): " ما طعم أهلها فهو حلال لهم، إلخ " منطبق على ما قررناه في البيان السابق من معنى الآية فراجع.
و في تفسير الطبري، عن الشعبي قال: نزلت في الخمر أربع آيات: «يسألونك عن الخمر و الميسر،» الآية فتركوها ثم نزلت: «تتخذون منه سكرا و رزقا حسنا» فشربوها ثم نزلت الآيتان في المائدة: «إنما الخمر و الميسر» إلى قوله فهل أنتم منتهون».
أقول: ظاهره نسخ آية النحل لآية البقرة ثم نسخ آيتي المائدة لآية النحل، و أنت لا تحتاج في القضاء على بطلانه إلى بيان زائد.
و في الكافي، و التهذيب، بإسنادهما عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما بعث الله نبيا قط إلا و في علم الله أنه إذا أكمل دينه كان فيه تحريم الخمر، و لم يزل الخمر حراما و إنما ينقلون من خصلة ثم خصلة، و لو حمل ذلك جملة عليهم لقطع بهم دون الدين، قال: و قال أبو جعفر (عليه السلام): ليس أحد أرفق من الله تعالى فمن رفقه تبارك و تعالى أنه ينقلهم من خصلة إلى خصلة و لو حمل عليهم جملة لهلكوا.
و في الكافي، بإسناده عن عمرو بن شمر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما أنزل الله عز و جل على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس - من عمل الشيطان فاجتنبوه» قيل: يا رسول الله ما الميسر؟ قال: كلما تقمرت به حتى الكعاب و الجوز، قيل: فما الأنصاب؟ قال: ما ذبحوا لآلهتهم قيل: فما الأزلام؟ قال: قداحهم التي يستقسمون بها.
و فيه،: بإسناده عن عطاء بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كل مسكر حرام، و كل مسكر خمر.
أقول: و الرواية مروية من طرق أهل السنة أيضا عن عبد الله بن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و لفظها: كل مسكر خمر، و كل خمر حرام رواها البيهقي و غيره، و قد استفاضت الروايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بأن كل مسكر حرام، و أن كلما يقامر عليه فهو ميسر.
و في تفسير العياشي،: عن أبي الصباح عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: سألته عن النبيذ و الخمر بمنزلة واحدة هما؟ قال: لا، إن النبيذ ليس بمنزلة الخمر، إن الله حرم الخمر قليلها و كثيرها كما حرم الميتة و الدم و لحم الخنزير، و حرم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأشربة المسكر، و ما حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد حرم الله.
و في الكافي، و التهذيب، بإسنادهما عن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: إن الله لم يحرم الخمر لإثمها و لكن حرمها لعاقبتها، فما كان عاقبتها عاقبة الخمر فهو خمر، و في رواية: فما فعل فعل الخمر فهو خمر.
أقول: و الأخبار في ذم الخمر و الميسر من طرق الفريقين فوق حد الإحصاء من أراد الوقوف عليها فعليه بجوامع الحديث.
|