بيان
الآية الأولى متممة لما أورده في الآيات السابقة من الحجة على علمه و قدرته بما خلق السماء و الأرض و ما فيهما من خلق و دبر ذلك أكمل التدبير و أتمه و ذلك كله هو الخلق الأول و النشأة الأولى.
فتمم ذلك بقوله: «أ فعيينا بالخلق الأول» و استنتج منه أن القادر على الخلق الأول العالم به قادر على خلق جديد و نشأة ثانية و عالم به لأنهما مثلان إذا جاز له خلق أحدهما جاز خلق الآخر و إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن.
ثم أضرب عنه أنهم في التباس من خلق جديد مع مماثلة الخلقين ثم أشار إلى نشأة الإنسان أول مرة و هو يعلم منه حتى خطرات قلبه و عليه رقباؤه يراقبونه أدق المراقبة ثم يجيئه سكرة الموت بالحق ثم البعث ثم دخول الجنة أو النار ثم أشار ثانيا إلى ما حل بالقرون الماضية المكذبة من السخط الإلهي و عذاب الاستئصال و هم أشد بطشا من هؤلاء فمن جازاهم بالهلاك قادر على أن يجازي هؤلاء.
قوله تعالى: «أ فعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد» العي عجز يلحق من تولي الأمر و الكلام كذا، قال الراغب: يقال: أعياني كذا و عييت بكذا أي عجزت عنه و الخلق الأول خلق هذه النشأة الطبيعية بنظامها الجاري و منها الإنسان في حياته الدنيا فلا وجه لقصر الخلق الأول في خلق السماء و الأرض فقط كما مال إليه الرازي في التفسير الكبير و لا لقصره في خلق الإنسان كما مال إليه بعضهم و ذلك لأن الخلق الجديد يشمل السماء و الأرض و الإنسان جميعا كما قال تعالى: «يوم تبدل الأرض غير الأرض و السماوات و برزوا لله الواحد القهار»: إبراهيم: 48.
و الخلق الجديد خلق النشأة الثانية و هي النشأة الآخرة، و الاستفهام للإنكار.
و المعنى: أ عجزنا عن الخلق الأول حتى نعجز عن الخلق الجديد؟ أي لم نعجز عن الخلق الأول و هو إبداؤه فلا نعجز عن الخلق الجديد و هو إعادته.
و لو أخذ العي بمعنى التعب كما مال إليه بعضهم كان المعنى: هل تعبنا بسبب الخلق الأول حتى يتعذر أو يتعسر علينا الخلق الجديد؟ و ذلك كما أن الإنسان و سائر الحيوان إذا أتى بشيء من الفعل و أكثر منه انتهي به إلى التعب البدني فيكفه ذلك عن الفعل بعد، فما لم يأت به من الفعل لكونه تعبان مثل ما أتى لكنه لا يؤتى به لأن الفاعل لا يستطيعه لتعبه و إن كان الفعل جائزا متشابه الأمثال.
و هذا معنى لا بأس به لكن قيل: إن استعمال العي بمعنى العجز أفصح.
على أن سوق الحجة من طريق العجز يفيد استحالة الإتيان و نفيها هو المطلوب بخلاف سوقها من طريق التعب فإنه يفيد تعسره دون استحالة الإتيان و مراد النافين للمعاد استحالته دون تعسره هذا.
و قوله: «بل هم في لبس من خلق جديد» اللبس هو الالتباس، و المراد بالخلق الجديد تبديل نشأتهم الدنيا من نشأة أخرى ذات نظام آخر وراء النظام الطبيعي الحاكم في الدنيا فإن في النشأة الأخرى و هي الخلق الجديد بقاء من غير فناء و حياة من غير موت ثم إن كان الإنسان من أهل السعادة فله نعمة من غير نقمة و إن كان من أهل الشقاء ففي نقمة لا نعمة معها، و النشأة الأولى و هي الخلق الأول و النظام الحاكم فيها على خلاف ذلك.
و المعنى: إذا كنا خلقنا العالم بسمائه و أرضه و ما فيهما و دبرناه أحسن تدبير لأول مرة بقدرتنا و علمنا و لم نعجز عن ذلك علما و قدرة فنحن غير عاجزين عن تجديد خلقه و هو تبديله خلقا جديدا فلا ريب في قدرتنا و لا التباس بل هم في التباس لا سبيل لهم مع ذلك إلى الإيمان بخلق جديد.
قوله تعالى: «و لقد خلقنا الإنسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب إليه من حبل الوريد» قال الراغب: الوسوسة الخطرة الرديئة و أصله من الوسواس و هو صوت الحلي و الهمس الخفي.
انتهى.
و المراد بخلق الإنسان وجوده المتدرج المتحول خلقا بعد خلق لا أول تكوينه إنسانا و إن عبر عنه بالماضي إذ قال: «و لقد خلقنا الإنسان» إذ الإنسان - و كذا كل مخلوق له حظ من البقاء - كما يحتاج إلى عطية ربه في أول وجوده كذلك يحتاج إليه في بقائه.
و لما ذكر من النكتة عطف قوله: «و نعلم ما توسوس به نفسه» و هو فعل مضارع مسوق للدلالة على الاستمرار على قوله: «و لقد خلقنا الإنسان» و هو فعل ماض لكنه مستمر المعنى، و كذا قوله: «و نحن أقرب إليه من حبل الوريد» مفيد للثبوت و الدوام و الاستمرار باستمرار وجود الإنسان.
و للآية اتصال بما تقدم من الاحتجاج على علمه و قدرته تعالى في الخلق الأول بقوله: «أ فلم ينظروا إلى السماء» و اتصال أيضا بقوله تعالى في الآية السابقة: «بل هم في لبس من خلق جديد» فهي في سياق يذكر قدرته على الإنسان بخلقه، و علمه به بلا واسطة و بواسطة الملائكة الحفظة الكتبة.
فقوله: «و لقد خلقنا الإنسان» - و اللام للقسم - دال على القدرة عليه بإثبات الخلق.
و قوله: «و نعلم ما توسوس به نفسه» في ذكر أخفى أصناف العلم و هو العلم بالخطور النفساني الخفي إشارة إلى استيعاب العلم له كأنه قيل: و نعلم ظاهره و باطنه حتى ما توسوس به نفسه و مما توسوس به الشبهة في أمر المعاد: كيف يبعث الإنسان و قد صار بعد الموت ترابا متلاشي الأجزاء غير متميز بعضها من بعض.
و قد بان أن «ما» في «ما توسوس به» موصولة و ضمير «به» عائد إليه و الباء للآلة أو للسببية، و نسب الوسوسة إلى النفس دون الشيطان و إن كانت منسوبة إليه أيضا لأن الكلام في إحاطة العلم بالإنسان حتى بما في زوايا نفسه من هاجس و وسوسة.
و قوله: «و نحن أقرب إليه من حبل الوريد» الوريد عرق متفرق في البدن فيه مجاري الدم، و قيل: هو العرق الذي في الحلق، و كيف كان فتسميته حبلا لتشبيهه به، و إضافة حبل الوريد بيانية.
و المعنى: نحن أقرب إلى الإنسان من حبل وريده المخالط لأعضائه المستقر في داخل بدنه فكيف لا نعلم به و بما في نفسه.
و هذا تقريب للمقصود بجملة ساذجة يسهل تلقيها لعامة الأفهام و إلا فأمر قربه تعالى إليه أعظم من ذلك و أعظم فهو سبحانه الذي جعلها نفسا و رتب عليها آثارها فهو الواسطة بينها و بين نفسها و بينها و بين آثارها و أفعالها فهو أقرب إلى الإنسان من كل أمر مفروض حتى في نفسه، و لكون هذا المعنى دقيقا يشق تصوره على أكثر الأفهام عدل سبحانه إلى بيانه بنحو قوله: «و نحن أقرب إليه من حبل الوريد» و قريب منه بوجه قوله: «إن الله يحول بين المرء و قلبه».
و لهم في معنى الآية وجوه كثيرة أخر لا جدوى في نقلها و البحث عنها من أرادها فليراجع كتبهم.
قوله تعالى: «إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين و عن الشمال قعيد» التلقي الأخذ و التلقن، و المراد بالمتلقيان على ما يفيده السياق الملكان الموكلان على الإنسان اللذان يتلقيان عمله فيحفظانه بالكتابة.
و قوله: «عن اليمين و عن الشمال قعيد» تقديره عن اليمين قعيد و عن الشمال قعيد، و المراد باليمين و الشمال يمين الإنسان و شماله، و القعيد القاعد.
و الظرف في قوله: «إذ يتلقى المتلقيان» الظاهر أنه متعلق بمحذوف و التقدير اذكر إذ يتلقى المتلقيان، و المراد به الإشارة إلى علمه تعالى بأعمال الإنسان من طريق كتاب الأعمال من الملائكة وراء علمه تعالى بذاته من غير توسط الوسائط.
و قيل: الظرف متعلق بقوله في الآية السابقة: «أقرب» و المعنى: نحن أقرب إليه من حبل الوريد في حين يتلقى الملكان الموكلان عليه أعماله ليكتباها.
و لعل الوجه السابق أوفق للسياق فإن بناء هذا الوجه على كون العمدة في الغرض بيان أقربيته تعالى إليه و علمه به و الباقي مقصود لأجله، و ظاهر السياق و خاصة بالنظر إلى الآية التالية كون كل من العلم من طريق القرب و من طريق تلقي الملكين مقصودا بالاستقلال.
و قيل: «إذ» تعليلية تعلل علمه تعالى المدلول عليه بقوله: «و نحن أقرب إليه» إلخ، بمفاد مدخولها.
و فيه أن من البعيد من مذاق القرآن أن يستدل على علمه تعالى بعلم الملائكة أو بحفظهم و كتابتهم.
و قوله: «عن اليمين و عن الشمال قعيد» تمثيل لموقعهما من الإنسان، و اليمين و الشمال جانبا الخير و الشر ينتسب إليهما الحسنة و السيئة.
قوله تعالى: «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد» اللفظ الرمي سمي به التكلم بنوع من التشبيه، و الرقيب المحافظ، و العتيد المعد المهيأ للزوم الأمر.
و الآية تذكر مراقبة الكتبة للإنسان فيما يتكلم به من كلام، و هي بعد قوله: «إذ يتلقى المتلقيان» إلخ، من ذكر الخاص بعد العام لمزيد العناية به.
قوله تعالى: «و جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد» الحيد العدول و الميل على سبيل الهرب، و المراد بسكرة الموت ما يعرض الإنسان حال النزع إذ يشتغل بنفسه و ينقطع عن الناس كالسكران الذي لا يدري ما يقول و لا ما يقال له.
و في تقييد مجيء سكرة الموت بالحق إشارة إلى أن الموت داخل في القضاء الإلهي مراد في نفسه في نظام الكون كما يستفاد من قوله تعالى: «كل نفس ذائقة الموت و نبلوكم بالشر و الخير فتنة و إلينا ترجعون»: الأنبياء: 35، و قد مر تفسيره فالموت - و هو الانتقال من هذه الدار إلى دار بعدها - حق كما أن البعث حق و الجنة حق و النار حق، و في معنى كون الموت بالحق أقوال أخر لا جدوى في نقلها و التعرض لها.
و في قوله: «ذلك ما كنت منه تحيد» إشارة إلى أن الإنسان يكره الموت بالطبع و ذلك أن الله سبحانه زين الحياة الدنيا و التعلق بزخارفها للإنسان ابتلاء و امتحانا، قال تعالى: «إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوكم أيكم أحسن عملا و إنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا»: الكهف: 8.
قوله تعالى: «و نفخ في الصور ذلك يوم الوعيد» هذه نقلة ثانية إلى عالم الخلود بنفخ الصور بعد النقلة الأولى، و المراد بنفخ الصور النفخة الثانية المقيمة للساعة أو مجموع النفختين بإرادة مطلق النفخ.
و المراد بيوم الوعيد يوم القيامة الذي ينجز الله تعالى فيه وعيده على المجرمين من عباده.
قوله تعالى: «و جاءت كل نفس معها سائق و شهيد» السياقة حث الماشية على المسير من خلفها بعكس القيادة فهي جلبها من أمامها.
فقوله: «و جاءت كل نفس» أي جاءت إلى الله و حضرت عنده لفصل القضاء، و الدليل عليه قوله تعالى: «إلى ربك يومئذ المساق»: القيامة: 30.
و المعنى: و حضرت عنده تعالى كل نفس معها سائق يسوقها و شاهد يشهد بأعمالها و لم يصرح تعالى بكونهما من الملائكة أو بكونهما هما الكاتبين أو من غير الملائكة، غير أن السابق إلى الذهن من سياق الآيات أنهما من الملائكة، و سيجيء الروايات في ذلك.
و كذا لا تصريح بكون الشهادة منحصرة في هذا الشاهد المذكور في الآية بل الآيات الواردة في شهداء يوم القيامة تقضي بعدم الانحصار، و كذا الآيات التالية الذاكرة لاختصام الإنسان و قرينة دالة على أن مع الإنسان يومئذ غير السائق و الشهيد.
قوله تعالى: «لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد» وقوع الآية في سياق آيات القيامة و احتفافها بها يقضي بكونها من خطابات يوم القيامة، و المخاطب بها هو الله سبحانه، و الذي خوطب بها هو الإنسان المذكور في قوله: «و جاءت كل نفس» و عليه فالخطاب عام متوجه إلى كل إنسان إلا أن التوبيخ و التقريع اللائح من سياق الآية ربما استدعى اختصاص الخطاب بمنكري المعاد، أضف إلى ذلك، كون الآيات مسوقة لرد منكري المعاد في قولهم: «أ ءذا متنا و كنا ترابا ذلك رجع بعيد».
و الإشارة بقوله: «هذا» إلى ما يشاهده يومئذ و يعاينه من تقطع الأسباب و بوار الأشياء و رجوع الكل إلى الله الواحد القهار، و قد كان تعلق الإنسان في الدنيا بالأسباب الظاهرية و ركونه إليها أغفله عن ذلك حتى إذا كشف الله عنه حجاب الغفلة فبدت له حقيقة الأمر فشاهد ذلك مشاهدة عيان لا علما فكريا.
و لذا خوطب بقوله: «لقد كنت» في الدنيا «في غفلة» أحاطت بك «من هذا» الذي تشاهده و تعاينه و إن كان في الدنيا نصب عينيك لا يغيب لكن تعلقك بذيل الأسباب أذهلك و أغفلك عنه «فكشفنا عنك غطاءك» اليوم «فبصرك» و هو البصيرة و عين القلب «اليوم» و هو يوم القيامة «حديد» أي نافذ يبصر ما لم يكن يبصره في الدنيا.
و يتبين بالآية أولا: أن معرف يوم القيامة أنه يوم ينكشف فيه غطاء الغفلة عن الإنسان فيشاهد حقيقة الأمر، و في هذا المعنى و ما يقرب منه آيات كثيرة كقوله تعالى: «و الأمر يومئذ لله»: الانفطار: 19، و قوله: «لمن الملك اليوم لله الواحد القهار»: المؤمن: 16، إلى غير ذلك من الآيات.
و ثانيا: أن ما يشاهده الإنسان يوم القيامة موجود مهيأ له و هو في الدنيا غير أنه في غفلة منه، و خاصة يوم القيامة أنه يوم انكشاف الغطاء و معاينة ما وراءه، و ذلك لأن الغفلة إنما يتصور فيما يكون هناك أمر موجود مغفول عنه، و الغطاء يستلزم أمرا وراءه و هو يغطيه و يستره، و عدم حدة البصر إنما ينفع فيما إذا كان هناك مبصر دقيق لا ينفذ فيه البصر.
و من أسخف القول ما قيل: إن الآية خطاب منه تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، و المعنى: لقد كنت قبل الرسالة في غفلة من هذا الذي نوحي إليك فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد يدرك الوحي أو يبصر ملك الوحي فيتلقى الوحي، و ذلك لأن السياق لا يساعده و لا لفظ الآية ينطبق عليه.
قوله تعالى: «و قال قرينه هذا ما لدي عتيد» لا يخلو السياق من ظهور في أن المراد بهذا القرين الملك الموكل به فإن كان هو السائق كان معنى قوله: «هذا ما لدي عتيد» هذا الإنسان الذي هو عندي حاضر، و إن كان هو الشهيد كان المعنى هذا - و هو يشير إلى أعماله التي حمل الشهادة عليها - ما عندي من أعماله حاضر مهيأ.
و قيل: المراد بالقرين الشيطان الذي يصاحبه و يغويه، و معنى كلامه على هذا هذا الإنسان هو الذي توليت أمره و ملكته حاضر مهيأ لدخول جهنم.
قوله تعالى: «ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب» الكفار اسم مبالغة من الكفر، و العنيد المعاند للحق المستمر على عناده، و المعتدي المتجاوز عن الحد المتخطىء للحق، و المريب الشاك أو المشكك في أمر البعث.
و بين هذه الصفات المعدودة شبه الاستلزام فإن كثرة الكفر برد الإنسان كل حق يواجهه تنتج العناد مع الحق و الإصرار عليه، و الإصرار على العناد يوجب المنع عن أكثر الخيرات إذ لا خير إلا في الحق و من ناحيته، و هو يستلزم الخروج عن حد الحق إلى الباطل و تجاوز الإنسان عن حد العبودية إلى الاستكبار و الطغيان و يستلزم تشكيك الناس في ما يرومونه من دين الحق.
و الخطاب في الآية منه تعالى، و ظاهر سياق الآيات أن المخاطب به هما الملكان الموكلان السائق و الشهيد، و احتمل بعضهم أن يكون الخطاب إلى ملكين من ملائكة النار و خزنتها.
قوله تعالى: «الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد» العدول في ذكر صفة الشرك عن الإيجاز إلى الإطناب حيث لم يقل: مشرك و قال: «الذي جعل» إلخ، للإشارة إلى أن هذه الصفة أعظم المعاصي و أم الجرائم التي أتى بها و الصفات الرذيلة التي عدت له من الكفر و العناد و منع الخير و الاعتداء و الإرابة.
و قوله: «فألقياه في العذاب الشديد» تأكيد لما تقدم من الأمر بقوله: «ألقيا» إلخ، و يلوح إلى تشديد الأمر من جهة الشرك، و لذا عقبه بقوله: «في العذاب الشديد».
قوله تعالى: «قال قرينه ربنا ما أطغيته و لكن كان في ضلال بعيد» المراد بهذا القرين قرينه من الشياطين بلا شك، و قد تكرر في كلامه تعالى ذكر القرين من الشيطان و هو الذي يلازم الإنسان و يوحي إليه ما يوحي من الغواية و الضلال، قال تعالى: «و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين و إنهم ليصدونهم عن السبيل و يحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني و بينك بعد المشرقين فبئس القرين»: الزخرف: 38.
فقوله: «قال قرينه» أي شيطانه الذي يصاحبه و يغويه «ربنا» أضاف الرب إلى نفسه و الإنسان الذي هو قرينه لأنهما في مقام الاختصام «ما أطغيته» أي ما أجبرته على الطغيان «و لكن كان في ضلال بعيد» أي متهيئا مستعدا لقبول ما ألقيته إليه تلقاه باختياره فما أنا بمسئولين عن ذنبه في طغيانه.
و قد تقدم في سورة الصافات تفصيل اختصام الظالمين و أزواجهم في قوله: «احشروا الذين ظلموا و أزواجهم»: الصافات: 22، إلى آخر الآيات.
قوله تعالى: «قال لا تختصموا لدي و قد قدمت إليكم بالوعيد» القائل هو الله سبحانه يخاطبهم و كأنه خطاب واحد لعامة المشركين الطاغين و قرنائهم ينحل إلى خطابات جزئية لكل إنسان و قرينه بمثل قولنا: لا تختصما لدي، إلخ.
و قوله: «و قد قدمت إليكم بالوعيد» حال من فاعل «لا تختصموا» و «بالوعيد» مفعول «قدمت» و الباء للوصلة.
و المعنى: لا تختصموا لدي فلا نفع لكم فيه بعد ما أبلغتكم وعيدي لمن أشرك و ظلم، و الوعيد الذي قدمه إليهم مثل قوله تعالى لإبليس: «اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا»: إسراء: 63، و قوله: «فالحق و الحق أقول لأملأن جهنم منك و ممن تبعك منهم أجمعين»: ص: 85.
أو قوله: «لأملأن جهنم من الجنة و الناس أجمعين»: السجدة: 13.
قوله تعالى: «ما يبدل القول لدي و ما أنا بظلام للعبيد» الذي يعطيه السياق أن تكون الآية استئنافا بمنزلة الجواب عن سؤال مقدر كان قائلا يقول: هب أنك قد قدمت فهلا غيرته و عفوت؟ فأجيب بقوله: «ما يبدل القول لدي» و المراد بالقول مطلق القضاء المحتوم الذي قضى به الله، و قد قضى لمن مات على الكفر بدخول جهنم و ينطبق بحسب المورد على الوعيد الذي أوعده الله لإبليس و من تبعه.
فقد بان أن الجملة مستأنفة، و المراد بتبديل القول تغيير القضاء المحتوم، و «لدي» متعلق بالتبديل، هذا ما يعطيه السياق، و قد ذكر بعضهم في هذه الجملة و إعراب مفرداتها و معنى تبديل القول وجوها و احتمالات كثيرة بعيدة عن الفهم لا تزيد في الكلام إلا تعقيدا فأغمضنا عن إيرادها.
و قوله: «و ما أنا بظلام للعبيد» متمم لمعنى الجملة السابقة أي لا يبدل قولي فأنتم معذبون لا محالة و لست أظلم عبيدي في عذابهم على طبق ما قدمت إليهم بالوعيد لأنهم مستحقون لذلك بعد إتمام الحجة.
و من وجه آخر: لا ظلم في مجازاتهم بالعذاب فإنهم إنما يجزون بأعمالهم التي قدموها في أعمالهم ردت إليهم كما هو ظاهر قوله تعالى: «يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون»: التحريم: 7.
و ما في قوله: «و ما أنا بظلام» من نفي الظلم الكثير لا يستوجب جواز الظلم اليسير فإنه تعالى لو ظلم في شيء من الجزاء كان ظلما كثيرا لكثرة أمثاله فإن الخطاب لكل إنسان مشرك ظالم مع قرينه، و هم كثيرون فهو سبحانه لو ظلم في شيء من الجزاء لكان ظلاما.
قوله تعالى: «يوم نقول لجهنم هل امتلأت و تقول هل من مزيد» خطاب منه تعالى لجهنم و جواب منها، و قد اختلف في حقيقة هذا التكليم و التكلم فقيل: الخطاب و الجواب بلسان الحال و يرده أنه لو كان بلسان الحال لم يختص به تعالى بل كان لكل من يشاهدها على تلك الحال أن يسألها عن امتلائها فتجيبه بقولها: هل من مزيد؟ فليس لتخصيص الخطاب به تعالى نكتة ظاهرة.
و قيل: حقيقة الخطاب لخزنة جهنم و الجواب منهم و إن كانا نسبا إلى جهنم و فيه أنه خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا بدليل.
و قيل: الخطاب و الجواب على ظاهره، و لا دليل يدل على عدم الجواز، و قد أخبر الله سبحانه عن تكليم الأيدي و الأرجل و الجلود و غيرها، و هو الوجه و قد تقدم في تفسير سورة فصلت أن العلم و الشعور سار في جميع الموجودات.
و قوله: «هل امتلأت» استفهام تقريري، و كذا قوله حكاية عنها: «هل من مزيد» و لعل إيراد هذا السؤال و الجواب للإشارة إلى أن قهره و عذابه لا يقصر عن الإحاطة بالمجرمين و إيفاء ما يستحقونه من الجزاء قال تعالى: «و إن جهنم لمحيطة بالكافرين»: التوبة: 49.
و استشكل بأنه مناف لصريح قوله تعالى: «لأملأن جهنم» الآية و أجيب بأن الامتلاء قد يراد به أنه لا يخلو شيء من طبقاتها من السكنة كما يقال: البلد ممتلىء بأهله.
على أنه يمكن أن يكون هذا القول منها قبل دخول جميع أهل النار فيها.
و قيل: الاستفهام في قوله: «هل من مزيد» للإنكار و المعنى: لا مزيد أي لا مكان في يزيد على من ألقي في من المجرمين فقد امتلأت فيكون إشارة إلى ما قضى به في قوله: «لأملأن جهنم من الجنة و الناس أجمعين»: السجدة: 13، و قوله: «هل امتلأت» في معنى أن يقال: «حق القول مني لأملأن جهنم»، و قوله: «هل من مزيد» تقرير و تصديق له.
و ربما أيد هذا الوجه قوله تعالى قبل: «ما يبدل القول لدي» على تقدير أن يراد بالقول قوله تعالى: «لأملأن جهنم من الجنة و الناس أجمعين».
قوله تعالى: «و أزلفت الجنة للمتقين غير بعيد» شروع في وصف حال المتقين يوم القيامة، و الإزلاف التقريب، و «غير بعيد» على ما قيل صفة لظرف محذوف و التقدير في مكان غير بعيد.
و المعنى: و قربت الجنة يومئذ للمتقين حال كونها في مكان غير بعيد أي هي بين أيديهم لا تكلف لهم في دخولها.
قوله تعالى: «هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ» الإشارة إلى ما تقدم من الثواب الموعود، و الأواب من الأوب بمعنى الرجوع، و المراد كثرة الرجوع إلى الله بالتوبة و الطاعة، و الحفيظ هو الذي يدوم على حفظ ما عهد الله إليه من أن يترك فيضيع، و قوله: «لكل أواب حفيظ» خبر بعد خبر لهذا أو حال.
قوله تعالى: «من خشي الرحمن بالغيب و جاء بقلب منيب» بيان لكل أواب و الخشية بالغيب الخوف من عذاب الله حال كونه غائبا غير مرئي له، و الإنابة هو الرجوع، و المجيء إلى ربه بقلب منيب أن يتم عمره بالإنابة فيأتي ربه بقلب متلبس بالإنابة.
قوله تعالى: «ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود» خطاب للمتقين أي يقال لهم: ادخلوا بسلام أي بسلامة و أمن من كل مكروه و سوء، أو بسلام من الله و ملائكته عليكم، و قوله: «ذلك يوم الخلود» بشرى يبشرون بها.
قوله تعالى: «لهم ما يشاءون فيها و لدينا مزيد» يمكن أن يكون «فيها» متعلقا بيشاءون أو بمحذوف هو حال من الموصول، و التقدير: حال كون ما يشاءون فيها أو من الضمير المحذوف الراجع إلى الموصول، و التقدير: ما يشاءونه حال كونه فيها، و الأول أوفق لسعة كرامتهم عند الله سبحانه.
و المحصل: أن أهل الجنة و هم في الجنة يملكون كل ما تعلقت به مشيتهم و إرادتهم كائنا ما كان من غير تقييد و استثناء فلهم كلما أمكن أن يتعلق به الإرادة و المشية لو تعلقت.
و قوله: «و لدينا مزيد» أي و لهم عندنا ما يزيد على ذلك - على ما يفيده السياق - و إذ كان لهم كل ما أمكن أن تتعلق به مشيتهم مما يتعلق به علمهم من المطالب و المقاصد فالمزيد على ذلك أمر أعظم مما تتعلق به مشيتهم لكونه فوق ما يتعلق به علمهم من الكمال.
و قيل: المراد بالمزيد الزيادة على ما يشاءون من جنس ما يشتهون فإذا شاءوا رزقا أعطوا منه أكثر مما شاءوا و أفضل و أعجب كما ورد عن بعضهم أنه تمر بهم السحابة فتقول: ما ذا تريدون فأمطره عليكم فلا يريدون شيئا إلا أمطرته عليهم.
و فيه أنه تقييد لإطلاق الكلام من غير مقيد فإن ظاهر قوله: «لهم ما يشاءون فيها» إنهم يملكون كل ما يمكنهم أن يشاءوا لا تملكهم ما شاءوه بالفعل فالمزيد وراء ما يمكن أن تتعلق به مشيتهم.
و قيل: المراد أنه يضاعف لهم الحسنة بعشر أمثالها و فيه ما في سابقه.
قوله تعالى: «و كم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص» التنقيب السير، المحيص المحيد و المنجا.
و في الآية تذييل الاحتجاج بخلق الإنسان و العلم به و بيان سيره إلى الله بالتخويف و الإنذار نظير ما جرى عليه الكلام في صدر السورة من الاحتجاج على المعاد و تذييله بالتخويف و الإنذار في قوله: «كذبت قبلهم قوم نوح و أصحاب الرس و ثمود» إلخ.
و المعنى: و كثيرا ما أهلكنا قبل هؤلاء المشركين من قرن هم أي أهل ذلك القرن أشد بطشا منهم أي من هؤلاء المشركين فساروا ببطشهم في البلاد ففتحوها و تحكموا عليها هل من محيد و منجا من إهلاك الله و عذابه؟.
قوله تعالى: «إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد» القلب ما يعقل به الإنسان فيميز الحق من الباطل و الخير من الشر و النافع من الضار، فإذا لم يعقل و لم يميز فوجوده بمنزلة عدمه إذ ما لا أثر له فوجوده و عدمه سواء، و إلقاء السمع هو الاستماع كأن السمع شيء يلقى إلى المسموع فيناله و يدركه و الشهيد الحاضر المشاهد.
و المعنى: أن فيما أخبرنا به من الحقائق و أشرنا إليه من قصص الأمم الهالكة لذكرى يتذكر بها من كان يتعقل فيدرك الحق و يختار ما فيه خيره و نفعه أو استمع إلى حق القول و لم يشتغل عنه بغيره و الحال أنه شاهد حاضر يعي ما يسمعه.
و الترديد بين من كان له قلب و من استمع شهيدا لمكان أن المؤمن بالحق أحد رجلين إما رجل ذو عقل يمكنه أن يتناول الحق فيتفكر فيه و يرى ما هو الحق فيذعن به، و إما رجل لا يقوى على التفكر حتى يميز الحق و الخير و النافع فعليه أن يستمع القول فيتبعه، و أما من لا قلب له يعقل به و لا يسمع شهيدا على ما يقال له و يلقى إليه من الرسالة و الإنذار فجاهل متعنت لا قلب له و لا سمع، قال تعالى: «و قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير»: الملك: 10.
قوله تعالى: «و لقد خلقنا السماوات و الأرض و ما بينهما في ستة أيام و ما مسنا من لغوب» اللغوب التعب و النصب، و المعنى ظاهر.
بحث روائي
في التوحيد، بإسناده إلى عمرو بن شمر عن جابر بن يزيد قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: «أ فعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد» قال: يا جابر تأويل ذلك أن الله عز و جل إذا أفنى هذا الخلق و هذا العالم و سكن أهل الجنة الجنة و أهل النار النار جدد الله عالما غير هذا العالم و جدد خلقا من غير فحولة و لا إناث يعبدونه و يوحدونه و خلق لهم أرضا غير هذه الأرض تحملهم، و سماء غير هذه السماء تظلهم. لعلك ترى أن الله إنما خلق هذا العالم الواحد أو ترى أن الله لم يخلق بشرا غيركم بلى و الله لقد خلق ألف ألف عالم و ألف ألف آدم أنت في آخر تلك العوالم و أولئك الآدميين:. أقول: و روي في الخصال، الشطر الأول من الحديث بإسناده عن محمد بن مسلم عنه (عليه السلام)، و لعل المراد بكون ما ذكر تأويل الآية أنه مما ينطبق عليه.
و عن جوامع الجامع، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): كاتب الحسنات على يمين الرجل و كاتب السيئات على شماله، و صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال: فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا و إذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر.
أقول: و في معناها روايات أخرى، و روي ست ساعات بدل سبع ساعات.
و في نهج البلاغة،: «و جاءت كل نفس معها سائق و شهيد» سائق يسوقها إلى محشرها و شاهد يشهد عليها بعملها. و في المجمع، و روى أبو القاسم الحسكاني بالإسناد عن الأعمش قال: حدثنا أبو المتوكل التاجر عن أبي السعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا كان يوم القيامة يقول الله لي و لعلي: ألقيا في النار من أبغضكما، و أدخلا في الجنة من أحبكما و ذلك قوله: «ألقيا في جهنم كل كفار عنيد»:. أقول: و رواه شيخ الطائفة في أماليه، بإسناده عن أبي سعيد الخدري عنه (صلى الله عليه وآله وسلم). و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت و ابن أبي حاتم و أبو نعيم في الحلية، عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إن ابن آدم لفي غفلة عما خلق له إن الله إذا أراد خلقه قال للملك: اكتب رزقه. اكتب أثره. اكتب أجله شقيا أم سعيدا ثم يرتفع ذلك الملك و يبعث الله ملكا فيحفظه حتى يدرك ثم يرتفع ذلك الملك. ثم يوكل الله به ملكين يكتبان حسناته و سيئاته فإذا حضره الموت ارتفع ذلك الملكان و جاء ملك الموت ليقبض روحه فإذا أدخل قبره رد الروح في جسده و جاءه ملكا القبر فامتحناه ثم يرتفعان. فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات و ملك السيئات فبسطا كتابا معقودا في عنقه ثم حضرا معه واحد سائق و آخر شهيد. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن قدامكم لأمرا عظيما لا تقدرونه فاستعينوا بالله العظيم. و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «يوم نقول لجهنم هل امتلأت - و تقول هل من مزيد» قال: هو استفهام لأن الله وعد النار أن يملأها فتمتلىء النار ثم يقول لها: هل امتلأت؟ و تقول: هل من مزيد؟ على حد الاستفهام أي ليس في مزيد.
أقول: بناؤه على كون الاستفهام إنكاريا.
و في الدر المنثور، أخرج أحمد و البخاري و مسلم و الترمذي و النسائي و ابن جرير و ابن مردويه و البيهقي في الأسماء و الصفات عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تزال جهنم يلقى فيها و تقول: هل من مزيد؟ حتى تضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض و تقول: قط قط و عزتك و كرمك. و لا يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله لها خلقا آخر فيسكنهم في قصور الجنة.
أقول: وضع القدم على النار و قولها: قط قط مروي في روايات كثيرة من طرق أهل السنة.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «لهم ما يشاءون فيها و لدينا مزيد» قال: النظر إلى رحمة الله. و في الدر المنثور، أخرج البزاز و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و اللالكائي في السنة و البيهقي في البعث و النشور عن أنس في قوله تعالى: «و لدينا مزيد» قال: يتجلى لهم الرب عز و جل. و في الكافي، بعض أصحابنا رفعه عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): يا هشام إن الله يقول في كتابه: «إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب» يعني عقل. و في الدر المنثور، أخرج الخطيب في تاريخه، عن العوام بن حوشب قال: سألت أبا مجلز عن الرجل يجلس فيضع إحدى رجليه على الأخرى فقال: لا بأس به إنما كره ذلك اليهود زعموا أن الله خلق السماوات و الأرض في ستة أيام ثم استراح يوم السبت فجلس تلك الجلسة فأنزل الله «و لقد خلقنا السماوات و الأرض - و ما بينهما في ستة أيام و ما مسنا من لغوب». أقول: و روي هذا المعنى عن الضحاك و قتادة، و روى هذا المعنى المفيد في روضة الواعظين، في رواية ضعيفة، و أصل تقسيم خلق الأشياء إلى ستة من أيام الأسبوع واقع في التوراة، و القرآن و إن كرر ذكر خلق الأشياء في ستة أيام لكنه لم يذكر كون هذه الأيام هي أيام الأسبوع و لا لوح إليه.
و على هذه الروايات اعتمد من قال: إن الآية مدنية، و لا دلالة في ردها قول اليهود أن تكون نازلة بالمدينة، و في الآيات المكية ما تعرض سبحانه فيه لشأن اليهود كما في سورة الأعراف و غيرها.
|