بيان
خاتمة السورة يأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها أن يصبر على ما يقولون مما يرمونه بنحو السحر و الجنون و الشعر، و ما يتعنتون به باستهزاء المعاد و الرجوع إلى الله تعالى فيأمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصبر و أن يعبد ربه بتسبيحه و أن يتوقع البعث بانتظار الصيحة، و أن يذكر بالقرآن من يخاف الله بالغيب.
قوله تعالى: «فاصبر على ما يقولون و سبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس و قبل الغروب» تفريع على جميع ما تقدم من إنكار المشركين للبعث، و من تفصيل القول في البعث و الحجة عليه، و من وعيد المنكرين له المكذبين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و تهديدهم بمثل ما جرى على المكذبين من الأمم الماضية.
و قوله: «و سبح بحمد ربك» إلخ، أمر بتنزيهه تعالى عما يقولون مصاحبا للحمد و محصله إثبات جميل الفعل له و نفي كل نقص و شين عنه تعالى، و التسبيح قبل طلوع الشمس يقبل الانطباق على صلاة الصبح، و التسبيح قبل الغروب يقبل الانطباق على صلاة العصر أو عليها و على صلاة الظهر.
قوله تعالى: «و من الليل فسبحه و أدبار السجود» أي و من الليل فسبحه فيه، و يقبل الانطباق على صلاتي المغرب و العشاء.
و قوله: «و أدبار السجود» الأدبار جمع دبر و هو ما ينتهي إليه الشيء و بعده، و كان المراد بأدبار السجود بعد الصلوات فإن السجود آخر الركعة من الصلاة فينطبق على التعقيب بعد الصلوات، و قيل: المراد به النوافل بعد الفرائض، و قيل: المراد به الركعتان أو الركعات بعد المغرب و قيل: ركعة الوتر في آخر الليل.
قوله تعالى: «و استمع يوم يناد المناد من مكان قريب» فسروا الاستماع بمعان مختلفة و الأقرب أن يكون مضمنا معنى الانتظار و «يوم يناد المناد» مفعوله و المعنى: و انتظر يوما ينادي فيه المنادي ملقيا سمعك لاستماع ندائه، و المراد بنداء المنادي نفخ صاحب الصور في الصور على ما تفيده الآية التالية.
و كون النداء من مكان قريب لإحاطته بهم فيقع في سمعهم على نسبة سواء لا تختلف بالقرب و البعد فإنما هو نداء البعث و كلمة الحياة.
قوله تعالى: «يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج» بيان ليوم ينادي المنادي، و كون الصيحة بالحق لأنها مقضية قضاء محتوما كما مر في قوله: «و جاءت سكرة الموت بالحق» الآية.
و قوله: «ذلك يوم الخروج» أي يوم الخروج من القبور كما قال تعالى: «يوم يخرجون من الأجداث سراعا»: المعارج: 43.
قوله تعالى: «إنا نحن نحيي و نميت و إلينا المصير» المراد بالإحياء إفاضة الحياة على الأجساد الميتة في الدنيا، و بالإماتة الإماتة في الدنيا و هي النقل إلى عالم القبر، و بقوله: «و إلينا المصير» الإحياء بالبعث في الآخرة على ما يفيده السياق.
قوله تعالى: «يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير» أصل «تشقق» تتشقق أي تتصدع عنهم فيخرجون منها مسارعين إلى الداعي.
و قوله: «ذلك حشر علينا يسير» أي ما ذكرنا من خروجهم من القبور المنشقة عنهم سراعا جمع لهم علينا يسير.
قوله تعالى: «نحن أعلم بما يقولون و ما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد» في مقام التعليل لقوله: «فاصبر على ما يقولون» الآية، و الجبار المتسلط الذي يجبر الناس على ما يريد.
و المعنى: فاصبر على ما يقولون و سبح بحمد ربك و انتظر البعث فنحن أعلم بما يقولون سنجزيهم بما عملوا و لست أنت بمتسلط جبار عليهم حتى تجبرهم على ما تدعوهم إليه من الإيمان بالله و اليوم الآخر و إذا كانت حالهم هذه الحال فذكر بالقرآن من يخاف وعيدي.
بحث روائي
في الدر المنثور، أخرج الطبراني في الأوسط، و ابن عساكر عن جرير بن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): في قوله: «و سبح بحمد ربك - قبل طلوع الشمس و قبل الغروب» قبل طلوع الشمس صلاة الصبح، و قبل الغروب صلاة العصر. و في المجمع، روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن قوله: «و سبح بحمد ربك - قبل طلوع الشمس و قبل الغروب» فقال: تقول حين تصبح و حين تمسي عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير.
أقول: هو مأخوذ من إطلاق التسبيح في الآية و إن كان خصوص مورده صلاتي الصبح و العصر فلا منافاة.
و في الكافي، بإسناده عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت: «و أدبار السجود» قال: ركعات بعد المغرب:. أقول: و رواه القمي في تفسيره، بإسناده عن ابن أبي نصر عن الرضا (عليه السلام) و لفظه قال: أربع ركعات بعد المغرب.
و في الدر المنثور، أخرج مسدد في مسنده، و ابن المنذر و ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أدبار النجوم و السجود فقال: أدبار السجود الركعتان بعد المغرب، و أدبار النجوم الركعتان قبل الغداة:. أقول: و روي مثله عن ابن عباس و عمر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، و أسنده في مجمع البيان، إلى الحسن بن علي (عليهما السلام) أيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «فذكر بالقرآن من يخاف وعيد» قال: ذكر يا محمد ما وعدناه من العذاب.
|