بيان
غرض السورة إنذار أهل التكذيب و العناد من الكفار بالعذاب الذي أعد لهم يوم القيامة فتبدأ بالإنباء عن وقوع العذاب الذي أنذروا به و تحققه يوم القيامة بأقسام مؤكدة و أيمان مغلظة، و أنه غير تاركهم يومئذ حتى يقع بهم و لا مناص.
ثم تذكر نبذة من صفة هذا العذاب و الويل الذي يعمهم و لا يفارقهم ثم تقابل ذلك بشمة من نعيم أهل النعيم يومئذ و هم المتقون الذين كانوا في الدنيا مشفقين في أهلهم يدعون الله مؤمنين به موحدين له.
ثم تأخذ في توبيخ المكذبين على ما كانوا يرمون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و ما أنزل عليه من القرآن و ما أتي به من الدين الحق.
و تختم الكلام بتكرار التهديد و الوعيد و أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتسبيح ربه.
و السورة مكية كما يشهد بذلك سياق آياتها.
قوله تعالى: «و الطور» قيل: الطور مطلق الجبل و قد غلب استعماله في الجبل الذي كلم الله عليه موسى (عليه السلام)، و الأنسب أن يكون المراد به في الآية جبل موسى (عليه السلام) أقسم الله تعالى به لما قدسه و بارك فيه كما أقسم به في قوله: «و طور سينين»: التين: 2، و قال: «و ناديناه من جانب الطور الأيمن»: مريم: 52، و قال في خطابه لموسى (عليه السلام): «فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى»: طه: 12، و قال: «نودي من شاطىء الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة»: القصص: 30.
و قيل: المراد مطلق الجبل أقسم الله تعالى به لما أودع فيه من أنواع نعمه قال تعالى: «و جعل فيها رواسي من فوقها و بارك فيها»: حم السجدة: 10.
قوله تعالى: «و كتاب مسطور في رق منشور» قيل: الرق مطلق ما يكتب فيه و قيل: هو الورق، و قيل: الورق المأخوذ من الجلد، و النشر هو البسط، و التفريق.
و المراد بهذا الكتاب قيل: هو اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه ما كان و ما يكون و ما هو كائن تقرؤه ملائكة السماء، و قيل: المراد به صحائف الأعمال تقرؤه حفظة الأعمال من الملائكة، و قيل: هو القرآن كتبه الله في اللوح المحفوظ، و قيل: هو التوراة و كانت تكتب في الرق و تنشر للقراءة.
و الأنسب بالنظر إلى الآية السابقة هو القول الأخير.
قوله تعالى: «و البيت المعمور» قيل: المراد به الكعبة المشرفة فإنها أول بيت وضع للناس و لم يزل معمورا منذ وضع إلى يومنا هذا قال تعالى: «إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا و هدى للعالمين»: آل عمران: 96.
و في الروايات المأثورة أن البيت المعمور بيت في السماء بحذاء الكعبة تزوره الملائكة.
و تنكير «كتاب» للإيماء إلى استغنائه عن التعريف فهو تنكير يفيد التعريف و يستلزمه.
قوله تعالى: «و السقف المرفوع» هو السماء.
قوله تعالى: «و البحر المسجور» قال الراغب: السجر تهييج النار، و في المجمع،: المسجور المملوء يقال: سجرت التنور أي ملأتها نارا، و قد فسرت الآية بكل من المعنيين و يؤيد المعنى الأول قوله: «و إذا البحار سجرت»: التكوير: 6، أي سعرت و قد ورد في الحديث أن البحار تسعر نارا يوم القيامة، و قيل: المراد أنها تغيض مياهها بتسجير النار فيها.
قوله تعالى: «إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع» جواب القسم السابق و المراد بالعذاب المخبر بوقوعه عذاب يوم القيامة الذي أوعد الله به الكفار المكذبين كما تشير إليه الآية التالية، و في قوله: «ما له من دافع» دلالة على أنه من القضاء المحتوم الذي لا محيص عن وقوعه قال تعالى: و أن الساعة آتية لا ريب فيها و أن الله يبعث من في القبور»: الحج: 7.
و في قوله: «عذاب ربك» بنسبة العذاب إلى الرب المضاف إلى ضمير الخطاب دون أن يقال: عذاب الله تأييد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على مكذبي دعوته و تطييب لنفسه أن ربه لا يخزيه يومئذ كما قال: «يوم لا يخزي الله النبي و الذين آمنوا معه»: التحريم: 8.
قوله تعالى: «يوم تمور السماء مورا و تسير الجبال سيرا» ظرف لقوله: «إن عذاب ربك لواقع».
و المور - على ما في المجمع، - تردد الشيء بالذهاب و المجيء كما يتردد الدخان ثم يضمحل، و يقرب منه قول الراغب: إنه الجريان السريع.
و على أي حال فيه إشارة إلى انطواء العالم السماوي كما يذكره تعالى في مواضع من كلامه كقوله: «إذا السماء انفطرت و إذا الكواكب انتثرت»: الانفطار: 2، و قوله: «يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب»: الأنبياء: 104، و قوله: «و السماوات مطويات بيمينه»: الزمر: 67.
كما أن قوله: «و تسير الجبال سيرا» إشارة إلى زلزلة الساعة في الأرض التي يذكرها تعالى في مواضع من كلامه كقوله: «إذا رجت الأرض رجا و بست الجبال بسا فكانت هباء منبثا»: الواقعة: 6، و قوله: و سيرت الجبال فكانت سرابا»: النبأ: 20.
بحث روائي
في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و الطور و كتاب مسطور» قال: الطور جبل بطور سيناء.
و في المجمع، «و البيت المعمور» و هو بيت في السماء الرابعة بحيال الكعبة يعمره الملائكة بما يكون منها فيه من العبادة:. عن ابن عباس و مجاهد، و روي أيضا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:. و يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه أبدا.
أقول: كون البيت المعمور بيتا في السماء يطوف عليه الملائكة واقع في عدة أحاديث من طرق الفريقين غير أنها مختلفة في محله ففي أكثرها أنه في السماء الرابعة و في بعضها أنه في السماء الأولى، و في بعضها السابعة.
و فيه،: «و السقف المرفوع» و هو السماء عن علي (عليه السلام).
و في تفسير القمي،: «و السقف المرفوع» قال: السماء، «و البحر المسجور» قال: تسجر يوم القيامة.
و في المجمع،: «و البحر المسجور» أي المملوء. عن قتادة، و قيل: هو الموقد المحمي بمنزلة التنور. عن مجاهد و الضحاك و الأخفش و ابن زيد. ثم قيل: إنه تحمى البحار يوم القيامة فتجعل نيرانا ثم تفجر بعضها في بعض ثم تفجر إلى النار:. ورد به الحديث.
|