بيان
في الآيات وعيد شديد للطاعنين في القرآن الرامين له بأنه سحر و المستهزءين لبعض ما فيه من الحقائق.
قوله تعالى: «فإذا نقر في الناقور» النقر القرع و الناقور ما ينقر فيه للتصويت، و النقر في الناقور كالنفخ في الصور كناية عن بعث الموتى و إحضارهم لفصل القضاء يوم القيامة و الجملة شرطية جزاؤها قوله «فذلك» إلخ.
قوله تعالى: «فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير» الإشارة بقوله «فذلك» إلى زمان نقر الناقور و لا يبعد أن يكون المراد بيومئذ يوم إذ يرجعون إلى الله للحساب و الجزاء أو يوم إذ يرجع الخلائق إلى الله فيكون ظرفا ليوم نقر الناقور فمن الجائز أن تعتبر قطعة من الزمان ظرفا لبعض أجزائه كالسنة تجعل ظرفا للشهر و الشهر يجعل ظرفا لليوم لنوع من العناية أو يعتبر زمان متعددا مختلفا باختلاف صفاته أو الحوادث الواقعة فيه ثم يجعل باعتبار بعض صفاته ظرفا لنفسه باعتبار صفة أخرى.
و المعنى فزمان نقر الناقور الواقع في يوم رجوع الخلائق إلى الله زمان عسير على الكافرين أو زمان نقر الناقور زمان عسير على الكافرين في يوم الرجوع - بناء على كون قوله: «يومئذ» قيدا لقوله: «فذلك» أو لقوله: «يوم».
و قال في الكشاف،: فإن قلت: بم انتصب إذا و كيف صح أن يقع يومئذ ظرفا ليوم عسير؟ قلت: انتصب إذا بما دل عليه الجزاء لأن المعنى إذا نقر في الناقور عسر الأمر على الكافرين، و الذي أجاز وقوع يومئذ ظرفا ليوم عسير أن المعنى فذلك وقت النقر وقوع يوم عسير لأن يوم القيامة يأتي و يقع حين ينقر في الناقور.
انتهى.
و قال: و يجوز أن يكون يومئذ مبنيا مرفوع المحل بدلا من ذلك، و يوم عسير خبر كأنه قيل: فيوم النقر يوم عسير.
انتهى.
و قوله: «غير يسير» وصف آخر ليوم مؤكد لعسره و يفيد أنه عسير من كل وجه من وجه دون وجه.
قوله تعالى: «ذرني و من خلقت وحيدا» كلمة تهديد و قد استفاض النقل أن الآية و ما يتلوها إلى تمام عشرين آية نزلت في الوليد بن المغيرة، و ستأتي قصته في البحث الروائي الآتي إن شاء الله تعالى.
و قوله: «وحيدا» حال من فاعل «خلقت» و محصل المعنى: دعني و من خلقته حال كوني وحيدا لا يشاركني في خلقه أحد ثم دبرت أمره أحسن التدبير، و لا تحل بيني و بينه فأنا أكفيه.
و من المحتمل أن يكون حالا من مفعول «ذرني».
و قيل: حال من مفعول خلقت المحذوف و هو ضمير عائد إلى الموصول، و محصل المعنى دعني و من خلقته حال كونه وحيدا لا مال له و لا بنون، و احتمل أيضا أن يكون «وحيدا» منصوبا بتقدير «أذم» و أحسن الوجوه أولها.
قوله تعالى: «و جعلت له مالا ممدودا» أي مبسوطا كثيرا أو ممدودا بمدد النماء.
قوله تعالى: «و بنين شهودا» أي حضورا يشاهدهم و يتأيد بهم، و هو عطف على قوله: «مالا».
قوله تعالى: «و مهدت له تمهيدا» التمهيد التهيئة و يتجوز به عن بسطة المال و الجاه و انتظام الأمور.
قوله تعالى: «ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا» أي ثم يطمع أن أزيد فيما جعلت له من المال و البنين و مهدت له من التمهيد.
و قوله: «كلا» ردع له، و قوله: «إنه كان» إلخ تعليل المردع، و العنيد المعاند المباهي بما عنده، قيل، ما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله و ولده حتى هلك.
قوله تعالى: «سأرهقه صعودا» الإرهاق الغشيان بالعنف، و الصعود عقبة الجبل التي يشق مصعدها شبه ما سيناله من سوء الجزاء و مر العذاب بغشيانه عقبة وعر صعبة الصعود.
قوله تعالى: «إنه فكر و قدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر» التفكير معروف، و التقدير عن تفكير نظم معان و أوصاف في الذهن بالتقديم و التأخير و الوضع و الرفع لاستنتاج غرض مطلوب، و قد كان الرجل يهوى أن يقول في أمر القرآن شيئا يبطل به دعوته و يرضي به قومه المعاندين ففكر فيه أ يقول: شعر أو كهانة أو هذرة جنون أو أسطورة فقدر أن يقول: سحر من كلام البشر لأنه يفرق بين المرء و أهله و ولده و مواليه.
و قوله: «فقتل كيف قدر» دعا عليه على ما يعطيه السياق نظير قوله: «قاتلهم الله أنى يؤفكون»: التوبة 30.
و قوله: «ثم قتل كيف قدر» تكرار للدعاء تأكيدا.
قوله تعالى: «ثم نظر ثم عبس و بسر ثم أدبر و استكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر» تمثيل لحاله بعد التكفير و التقدير و هو من ألطف التمثيل و أبلغه.
فقوله: «ثم نظر» أي ثم نظر بعد التفكير و التقدير نظرة من يريد أن يقضي في أمر سئل أن ينظر فيه - على ما يعطيه سياق التمثيل -.
و قوله: «ثم عبس و بسر» العبوس تقطيب الوجه، قال في المجمع،: و عبس يعبس عبوسا إذا قبض وجهه و العبوس و التكليح و التقطيب نظائر و ضدها الطلاقة و البشاشة، و قال: و البسور بدء التكره في الوجه انتهى، فالمعنى ثم قبض وجهه و أبدا التكره في وجهه بعد ما نظر.
و قوله: «ثم أدبر و استكبر» الإدبار عن شيء الإعراض عنه، و الاستكبار الامتناع كبرا و عتوا، و الأمران أعني الإدبار و الاستكبار من الأحوال الروحية، و إنما رتبا في التمثيل على النظر و العبوس و البسور و هي أحوال صورية محسوسة لظهورهما بقوله: «إن هذا إلا سحر» إلخ، و لذا عطف قوله: «فقال إن هذا إلا سحر يؤثر بالفاء دون «ثم».
و قوله: «فقال إن هذا إلا سحر يؤثر» أي أظهر إدباره و استكباره بقوله مفرعا عليه: «إن هذا - أي القرآن - إلا سحر يؤثر» أي يروي و يتعلم من السحرة.
و قوله: «إن هذا إلا قول البشر» أي ليس بكلام الله كما يدعيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
قيل: إن هذه الآية كالتأكيد للآية السابقة و إن اختلفتا معنى لأن المقصود منهما نفي كونه قرآنا من كلام الله، و باعتبار الاتحاد في المقصود لم تعطف الجملة على الجملة.
قوله تعالى: «سأصليه سقر و ما أدراك ما سقر لا تبقي و لا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر» أي سأدخله سقر و سقر من أسماء جهنم في القرآن أو دركة من دركاتها، و جملة «سأصليه سقر» بيان أو بدل من قوله: «سأرهقه صعودا».
و قوله: «و ما أدراك ما سقر» تفخيم لأمرها و تهويل.
و قوله: «لا تبقي و لا تذر» قضية إطلاق النفي أن يكون المراد أنها لا تبقي شيئا ممن نالته إلا أحرقته، و لا تدع أحدا ممن ألقي فيها إلا نالته بخلاف نار الدنيا التي ربما تركت بعض ما ألقي فيها و لم تحرقه، و إذا نالت إنسانا مثلا نالت جسمه و صفاته الجسمية و لم تنل شيئا من روحه و صفاته الروحية، و أما سقر فلا تدع أحدا ممن ألقي فيها إلا نالته قال تعالى: «تدعوا من أدبر و تولى»: المعارج 17، و إذا نالته لم تبق منه شيئا من روح أو جسم إلا أحرقته قال تعالى: «نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة»: الهمزة 7.
و يمكن أن يراد أنها لا تبقيهم أحياء و لا تتركهم يموتون فيكون في معنى قوله تعالى: «الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها و لا يحيى»: الأعلى: 13.
و قيل: المعنى لا تبقي شيئا يلقى فيها إلا أهلكته، و إذا هلك لم تذره هالكا حتى يعاد فيعذب ثانيا.
و قيل: المراد أنها لا تبقي لهم لحما و لا تذر عظما، و قيل غير ذلك.
قوله تعالى: «لواحة للبشر» اللواحة من التلويح بمعنى تغيير اللون إلى السواد و قيل: إلى الحمرة، و البشر جمع بشرة بمعنى ظاهر الجلد.
قوله تعالى: «عليها تسعة عشر» يتولون أمر عذاب المجرمين و قد أبهم و لم يصرح أنهم من الملائكة أو غيرهم غير أن المستفاد من آيات القيامة - و تصرح به الآية التالية - أنهم من الملائكة.
و قد استظهر بعضهم أن مميز قوله: «تسعة عشر» ملكا ثم قال: أ لا ترى العرب و هم الفصحاء كيف فهموا منه ذلك فقد روي عن ابن عباس: أنها لما نزلت «عليها تسعة عشر» قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أمهاتكم أ سمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر و أنتم الدهم أ يعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم؟ فقال أبو الأسد بن أسيد بن كلدة الجمحي و كان شديد البطش: أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين انتهى، و أنت ترى أن لا دليل في كلامه على ما يدعيه.
على أنه سمي الواحد من الخزنة رجلا و لا يطلق الرجل على الملك البتة و لا سيما عند المشركين الذين قال تعالى فيهم: «و جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا»: الزخرف: 19.
قوله تعالى: «و ما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة» إلى آخر الآية.
سياق الآية يشهد على أنهم تكلموا فيما ذكر في الآية من عدد خزان النار فنزلت هذه الآية، و يتأيد بذلك ما ورد من سبب النزول و سيوافيك في البحث الروائي التالي.
فقوله: «و ما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة» المراد بأصحاب النار خزنتها الموكلون عليها المتولون لتعذيب المجرمين فيها كما يفيده قوله: «عليها تسعة عشر» و يشهد بذلك قوله بعد: «و ما جعلنا عدتهم إلا فتنة» إلخ.
و محصل المعنى: أنا جعلناهم ملائكة يقدرون على ما أمروا به كما قال: «عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون»: التحريم 6.
فليسوا من البشر حتى يرجوا المجرمون أن يقاوموهم و يطيقوهم.
و قوله: «و ما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا» الفتنة المحنة و الاختبار.
ذكروا أن المراد بالجعل الجعل بحسب الإخبار دون الجعل بحسب التكوين فالمعنى و ما أخبرنا عن عدتهم أنها تسعة عشر إلا ليكون فتنة للذين كفروا، و يؤيده ذيل الكلام: ليستيقن الذين أوتوا الكتاب» إلخ.
و قوله: «ليستيقن الذين أوتوا الكتاب» الاستيقان وجدان اليقين في النفس أي ليوقن أهل الكتاب بأن القرآن النازل عليك حق حيث يجدون ما أخبرنا به من عدة أصحاب النار موافقا لما ذكر فيما عندهم من الكتاب.
و قوله: «و يزداد الذين آمنوا إيمانا» أي بسبب ما يجدون من تصديق أهل الكتاب ذلك.
و قوله: «و ليقول الذين في قلوبهم مرض و الكافرون ما ذا أراد الله بهذا مثلا» اللام في «ليقول» للعاقبة بخلاف اللام في «ليستيقن» فللتعليل بالغاية، و الفرق أن قولهم: «ما ذا أراد الله بهذا مثلا» تحقير و تهكم و هو كفر لا يعد غاية لفعله سبحانه إلا بالعرض بخلاف الاستيقان الذي هو من الإيمان، و لعل اختلاف المعنيين هو الموجب لإعادة اللام في قوله: «و ليقول».
و قد فسروا «الذين في قلوبهم مرض» بالشك و الجحود بالمنافقين و فسروا الكافرين بالمتظاهرين بالكفر من المشركين و غيرهم.
و قولهم: ما ذا أراد الله بهذا مثلا» أرادوا به التحقير و التهكم يشيرون بهذا إلى قوله تعالى: «عليها تسعة عشر» و المثل الوصف، و المعنى ما الذي يعنيه من وصف الخزنة بأنهم تسعة عشر؟ فهذه العدة القليلة كيف تقوى على تعذيب أكثر الثقلين من الجن و الإنس.
ذنابة لما تقدم من الكلام في النفاق
ذكر بعضهم أن قوله تعالى: «و ليقول الذين في قلوبهم مرض» الآية - بناء على أن السورة بتمامها مكية، و أن النفاق إنما حدث بالمدينة - إخبار عما سيحدث من المغيبات بعد الهجرة انتهى.
أما كون السورة بتمامها مكية فهو المتعين من طريق النقل و قد ادعي عليه إجماع المفسرين، و ما نقل عن مقاتل أن قوله: «و ما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة» الآية مدني لم يثبت من طريق النقل، و على فرض الثبوت هو قول نظري مبني على حدوث النفاق بالمدينة و الآية تخبر عنه.
و أما حديث حدوث النفاق بالمدينة فقد أصر عليه بعضهم محتجا عليه بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و المسلمين لم يكونوا قبل الهجرة من القوة و نفوذ الأمر و سعة الطول بحيث يهابهم الناس أو يرجى منهم خير حتى يتقوهم و يظهروا لهم الإيمان و يلحقوا بجمعهم مع إبطان الكفر و هذا بخلاف حالهم بالمدينة بعد الهجرة.
و الحجة غير تامة - كما أشرنا إليه في تفسير سورة المنافقون في كلام حول النفاق فإن علل النفاق ليست تنحصر في المخافة و الاتقاء أو الاستدرار من خير معجل فمن علله الطمع و لو في نفع مؤجل و منها العصبية و الحمية و منها استقرار العادة و منها غير ذلك.
و لا دليل على انتفاء جميع هذه العلل عن جميع من آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة قبل الهجرة و قد نقل عن بعضهم أنه آمن ثم رجع أو آمن عن ريب ثم صلح.
على أنه تعالى يقول: «و من الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله و لئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أ و ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين و ليعلمن الله الذين آمنوا و ليعلمن المنافقين»: العنكبوت: 11.
و الآيتان في سورة مكية و هي سورة العنكبوت، و هما ناطقتان بوجود النفاق فيها و مع الغض عن كون السورة مكية فاشتمال الآية على حديث الإيذاء في الله و الفتنة أصدق شاهد على نزول الآيتين بمكة فلم يكن بالمدينة إيذاء في الله و فتنة، و اشتمال الآية على قوله: «و لئن جاء نصر من ربك» إلخ لا يدل على النزول بالمدينة فللنصر مصاديق أخرى غير الفتح المعجل.
و احتمال أن يكون المراد بالفتنة ما وقعت بمكة بعد الهجرة غير ضائر فإن هؤلاء المفتونين بمكة بعد الهجرة إنما كانوا من الذين آمنوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الهجرة و إن أوذوا بعدها.
و على مثل ذلك ينبغي أن يحمل قوله تعالى: «و من الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به و إن أصابته فتنة انقلب على وجهه»: الحج: 11 إن كان المراد بالفتنة العذاب و إن كانت السورة مدنية.
و قوله: «كذلك يضل الله من يشاء و يهدي من يشاء» الإشارة بذلك إلى مضمون قوله: «و ما جعلنا عدتهم إلا فتنة» إلخ.
و قوله: «و ما يعلم جنود ربك إلا هو» علق تعالى العلم المنفي بالجنود - و هي الجموع الغليظة التي خلقهم وسائط لإجراء أوامره - لا بخصوص عدتهم فأفاد بإطلاقه أن العلم بحقيقتهم و خصوصيات خلقتهم و عدتهم و ما يعملونه من عمل و دقائق الحكمة في جميع ذلك يختص به تعالى لا يشاركه فيه أحد، فليس لأحد أن يستقل عدتهم أو يستكثر أو يطعن في شيء مما يرجع إلى صفاتهم و هو جاهل بها.
و قوله: «و ما هي إلا ذكرى للبشر» الضمير راجع إلى ما تقدم من قوله: «عليها تسعة عشر» و تأنيثه لتأنيث الخبر، و المعنى أن البشر لا سبيل لهم إلى العلم بجنود ربك و إنما أخبرنا عن خزنة النار أن عدتهم تسعة عشر ليكون ذكرى لهم يتعظون بها.
و قيل: الضمير للجنود، و قيل: لسقر، و قيل للسورة، و قيل: لنار الدنيا و هو أسخف الأقوال.
و في الآية دلالة على أن الخطابات القرآنية لعامة البشر.
بحث روائي
في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «فإذا نقر في الناقور إلى قوله وحيدا» فإنها نزلت في الوليد بن المغيرة و كان شيخا كبيرا مجربا من دهاة العرب، و كان من المستهزءين برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقعد في الحجر و يقرأ القرآن فاجتمعت قريش إلى الوليد بن المغيرة فقالوا: يا أبا عبد شمس ما هذا الذي يقول محمد؟ أ شعر هو أم كهانة أم خطب؟ فقال دعوني أسمع كلامه فدنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمد أنشدني من شعرك قال: ما هو شعر و لكنه كلام الله الذي ارتضاه لملائكته و أنبيائه و رسله فقال: اتل علي منه شيئا! فقرأ عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حم السجدة فلما بلغ قوله: «فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة - مثل صاعقة عاد و ثمود» قال: فاقشعر الوليد و قامت كل شعرة في رأسه و لحيته، و مر إلى بيته و لم يرجع إلى قريش من ذلك. فمشوا إلى أبي جهل فقالوا: يا أبا الحكم إن أبا عبد شمس صبا إلى دين محمد أ ما تراه لم يرجع إلينا فغدا أبو جهل إلى الوليد فقال: يا عم نكست رءوسنا و فضحتنا و أشمت بنا عدونا و صبوت إلى دين محمد، فقال: ما صبوت إلى دينه و لكني سمعت كلاما صعبا تقشعر منه الجلود فقال له أبو جهل: أ خطب هو؟ قال: لا إن الخطب كلام متصل و هذا كلام منثور و لا يشبه بعضه بعضا. قال: أ فشعر هو؟ قال: لا أما إني لقد سمعت أشعار العرب بسيطها و مديدها و رملها و رجزها و ما هو بشعر. قال: فما هو؟ قال: دعني أفكر فيه. فلما كان من الغد قالوا له: يا أبا عبد شمس ما تقول فيما قلناه؟ قال: قولوا: هو سحر فإنه آخذ بقلوب الناس فأنزل على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك: «ذرني و من خلقت وحيدا». و إنما سمي وحيدا لأنه قال لقريش: أنا أتوحد لكسوة البيت سنة و عليكم في جماعتكم سنة، و كان له مال كثير و حدائق، و كان له عشر بنين بمكة، و كان له عشرة عبيد عند كل عبد ألف دينار يتجر بها و تلك القنطار في ذلك الزمان، و يقال: إن القنطار جلد ثور مملوء ذهبا.
و في الدر المنثور، أخرج الحاكم و صححه و البيهقي في الدلائل من طريق عكرمة عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجعلوا لك مالا ليعطوه لك فإنك أتيت محمدا لتصيب مما عنده. قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا. قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك إنك منكر أو إنك كاره له، قال: و ما ذا أقول فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني لا برجزه و لا بقصيده و لا بأشعار الجن و الله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، و و الله إن لقوله الذي يقوله حلاوة و إن عليه لطلاوة، و إنه لمثمر أعلاه، و مغدق أسفله، و إنه ليعلو و لا يعلى، و إنه ليحطم ما تحته. قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه قال: دعني حتى أفكر فلما فكر قال ما هو إلا سحر يؤثر يأثره عن غيره فنزلت: «ذرني و من خلقت وحيدا».
و في المجمع، روى العياشي بإسناده عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم عن أبي عبد الله و أبي جعفر (عليه السلام) أن الوحيد ولد الزنا. قال زرارة: ذكر لأبي جعفر (عليه السلام) عن أحد بني هشام أنه قال في خطبته: أنا ابن الوحيد فقال: ويله لو علم ما الوحيد ما فخر بها فقلنا له، و ما هو؟ قال، من لا يعرف له أب.
و في الدر المنثور، أخرج أحمد و ابن المنذر و الترمذي و ابن أبي الدنيا في صفة النار و ابن جرير و ابن أبي حاتم و ابن حيان و الحاكم و صححه و البيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال، الصعود جبل في النار يصعد فيه الكافر سبعين خريفا ثم يهوي و هو كذلك فيه أبدا.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى، «ثم عبس» قال، عبس وجهه «و بسر» قال، ألقى شدقه.
|