بيان
آيات في النجوى و بعض آداب المجالسة.
قوله تعالى: «أ لم تر أن الله يعلم ما في السماوات و ما في الأرض» الاستفهام إنكاري، و المراد بالرؤية العلم اليقيني على سبيل الاستعارة، و الجملة تقدمه يعلل بها ما يتلوها من كونه تعالى مع أهل النجوى مشاركا لهم في نجواهم.
قوله تعالى: «ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم و لا خمسة إلا هو سادسهم» إلى آخر الآية النجوى مصدر بمعنى التناجي و هو المسارة، و ضمائر الإفراد لله سبحانه، و المراد بقوله: «رابعهم» و «سادسهم» جاعل الثلاثة أربعة و جاعل الخمسة ستة بمشاركته لهم في العلم بما يتناجون فيه و معيته لهم في الاطلاع على ما يسارون فيه كما يشهد به ما احتف بالكلام من قوله في أول الآية: «أ لم تر أن الله يعلم» إلخ، و في آخرها من قوله: «إن الله بكل شيء عليم».
و قوله: «و لا أدنى من ذلك و لا أكثر» أي و لا أقل مما ذكر من العدد و لا أكثر مما ذكر، و بهاتين الكلمتين يشمل الكلام عدد أهل النجوى أيا ما كان أما الأدنى من ذلك فالأدنى من الثلاثة الاثنان و الأدنى من الخمسة الأربعة، و أما الأكثر فالأكثر من خمسة الستة فما فوقها.
و من لطف سياق الآية ترتب ما أشير إليه من مراتب العدد: الثلاثة و الأربعة و الخمسة و الستة من غير تكرار فلم يقل: من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم و لا أربعة إلا هو خامسهم و هكذا.
و قوله: «إلا هو معهم أينما كانوا» المراد به المعية من حيث العلم بما يتناجون به و المشاركة لهم فيه.
و بذلك يظهر أن المراد بكونه تعالى رابع الثلاثة المتناجين و سادس الخمسة المتناجين معيته لهم في العلم و مشاركته لهم في الاطلاع على ما يسارون لا مماثلته لهم في تتميم العدد فإن كلا منهم شخص واحد جسماني يكون بانضمامه إلى مثله عدد الاثنين و إلى مثليه الثلاثة و الله سبحانه منزه عن الجسمية بريء من المادية.
و ذلك أن مقتضى السياق أن المستثنى من قوله: «ما يكون من نجوى» إلخ، معنى واحد و هو أن الله لا يخفى عليه نجوى فقوله: «إلا هو رابعهم» «إلا هو سادسهم» في معنى قوله: «إلا هو معهم» و هو المعية العلمية أي أنه يشاركهم في العلم و يقارنهم فيه أو المعية الوجودية بمعنى أنه كلما فرض قوم يتناجون فالله سبحانه هناك سميع عليم.
و في قوله: «أينما كانوا» تعميم من حيث المكان إذ لما كانت معيته تعالى لهم من حيث العلم لا بالاقتران الجسماني لم يتفاوت الحال و لم يختلف باختلاف الأمكنة بالقرب و البعد فالله سبحانه لا يخلو منه مكان و ليس في مكان.
و بما تقدم يظهر أيضا أن - ما تفيده الآية من معيته تعالى لأصحاب النجوى و كونه رابع الثلاثة منهم و سادس الخمسة منهم لا ينافي ما تقدم تفصيلا في ذيل قوله تعالى: «لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة»: المائدة: 73، من أن وحدته تعالى ليست وحدة عددية بل وحدة أحدية يستحيل معها فرض غير معه يكون ثانيا له فالمراد بكونه معهم و رابعا للثلاثة منهم و سادسا للخمسة منهم أنه عالم بما يتناجون به و ظاهر مكشوف له ما يخفونه من غيرهم لا أن له وجودا محدودا يقبل العد يمكن أن يفرض له ثان و ثالث و هكذا.
و قوله: «ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة أي يخبرهم بحقيقة ما عملوا من عمل و منه نجواهم و مسارتهم.
و قوله: «إن الله بكل شيء عليم» تعليل لقوله: «ثم ينبئهم» إلخ، و تأكيد لما تقدم من علمه بما في السماوات و ما في الأرض، و كونه مع أصحاب النجوى.
و الآية تصلح أن تكون توطئة و تمهيدا لمضمون الآيات التالية و لا يخلو ذيلها من لحن شديد يرتبط بما في الآيات التالية من الذم و التهديد.
قوله تعالى: «أ لم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه» إلى آخر الآية سياق الآيات يدل على أن قوما من المنافقين و الذين في قلوبهم مرض من المؤمنين كانوا قد أشاعوا بينهم النجوى محادة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و المؤمنين يتناجون بينهم بالإثم و العدوان و معصية الرسول و ليؤذوا بذلك المؤمنين و يحزنون و كانوا يصرون على ذلك من غير أن ينتهوا بنهي فنزلت الآيات.
فقوله: «أ لم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه» ذم و توبيخ غيابي لهم، و قد خاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و لم يخاطبهم أنفسهم مبالغة في تحقير أمرهم و إبعادا لهم عن شرف المخاطبة.
و المعنى: أ لم تنظر إلى الذين نهوا عن التناجي بينهم بما يغم المؤمنين و يحزنهم ثم يعودون إلى التناجي الذي نهوا عنه عود بعد عودة، و في التعبير بقوله: «يعودون» دلالة على الاستمرار، و في العدول عن ضمير النجوى إلى الموصول و الصلة حيث قيل: «يعودون لما نهوا عنه» و لم يقل يعودون إليها دلالة على سبب الذم و التوبيخ و مساءة العود لأنها أمر منهي عنه.
و قوله: «يتناجون بالإثم و العدوان و معصيت الرسول» المقابلة بين الأمور الثلاثة: الإثم و العدوان و معصية الرسول تفيد أن المراد بالإثم هو العمل الذي له أثر سيىء لا يتعدى نفس عامله كشرب الخمر و الميسر و ترك الصلاة مما يتعلق من المعاصي بحقوق الله، و العدوان هو العمل الذي فيه تجاوز إلى الغير مما يتضرر به الناس و يتأذون مما يتعلق من المعاصي بحقوق الناس، و القسمان أعني الإثم و العدوان جميعا من معصية الله، و معصية الرسول مخالفته في الأمور التي هي جائزة في نفسها لا أمر و لا نهي من الله فيها لكن الرسول أمر بها أو نهى عنها لمصلحة الأمة بما له ولاية أمورهم و النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما نهاهم عن النجوى و إن لم يشتمل على معصية.
كان ما تقدم من قوله: «الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه» ذما و توبيخا لهم على نفس نجواهم بما أنها منهي عنها مع الغض عن كونها بمعصية أو غيرها: و هذا الفصل أعني قوله: «و يتناجون بالإثم و العدوان و معصية الرسول» ذم و توبيخ لهم بما يشتمل عليه تناجيهم من المعصية بأنواعها و هؤلاء القوم هم المنافقون و مرضى القلوب كانوا يكثرون من النجوى بينهم ليغتم بها المؤمنون و يحزنوا و يتأذوا.
و قيل: المنافقون و اليهود كان يناجي بعضهم بعضا ليحزنوا المؤمنين و يلقوا بينهم الوحشة و الفزع و يوهنوا عزمهم لكن في شمول قوله: «الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه» لليهود خفاء.
و قوله: «و إذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله» فإن الله حياه بالتسليم و شرع له ذلك تحية من عند الله مباركة طيبة و هم كانوا يحيونه بغيره.
قالوا: هؤلاء هم اليهود كانوا إذا أتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قالوا: السام عليك - و السام هو الموت - و هم يوهمون أنهم يقولون: السلام عليك، و لا يخلو من شيء فإن الضمير في «جاءوك» و «حيوك» للموصول في قوله: «الذين نهوا عن النجوى» و قد عرفت أن في شموله لليهود خفاء.
و قوله: «و يقولون في أنفسهم لو لا يعذبنا الله بما نقول» معطوف على «حيوك» أو حال و ظاهره أن ذلك منهم من حديث النفس مضمرين ذلك في قلوبهم، و هو تحضيض بداعي الطعن و التهكم فيكون من المنافقين إنكارا لرسالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على طريق الكناية و المعنى: أنهم يحيونك بما لم يحيك به الله و هم يحدثون أنفسهم بدلالة قولهم ذلك - و لو لا يعذبهم الله به - على أنك لست برسول من الله و لو كنت رسوله لعذبهم بقولهم.
و قيل: المراد بقوله: «و يقولون في أنفسهم» يقولون فيما بينهم بتحديث بعض منهم لبعض و لا يخلو من بعد.
و قد رد الله عليهم احتجاجهم بقولهم: «لو لا يعذبنا الله بما نقول» بقوله: «حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير» أي إنهم مخطئون في نفيهم العذاب فهم معذبون بما أعد لهم من العذاب و هو جهنم التي يدخلونها و يقاسون حرها و كفى بها عذابا لهم.
و كان المنافقين و من يلحق بهم لما لم ينتهوا بهذه المناهي و التشديدات نزل قوله تعالى: «لئن لم ينته المنافقون و الذين في قلوبهم مرض و المرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا، ملعونين أين ما ثقفوا أخذوا و قتلوا تقتيلا»: الآيات الأحزاب: 61.
قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم و العدوان و معصيت الرسول» إلخ، لا يخلو سياق الآيات من دلالة على أن الآية نزلت في رفع الخطر و قد خوطب فيها المؤمنون فأجيز لهم النجوى و اشترط عليهم أن لا يكون تناجيا بالإثم و العدوان و معصية الرسول و أن يكون تناجيا بالبر و التقوى و البر و هو التوسع في فعل الخير يقابل العدوان، و التقوى مقابل الإثم ثم أكد الكلام بالأمر بمطلق التقوى بإنذارهم بالحشر بقوله: «و اتقوا الله الذي إليه تحشرون».
قوله تعالى: «إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا و ليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله» إلخ، المراد بالنجوى - على ما يفيده السياق - هو النجوى الدائرة في تلك الأيام بين المنافقين و مرضى القلوب و هي من الشيطان فإنه الذي يزينها في قلوبهم ليتوسل بها إلى حزنهم و يشوش قلوبهم ليوهمهم أنها في نائبة حلت بهم و بلية أصابتهم.
ثم طيب الله سبحانه قلوب المؤمنين بتذكيرهم أن الأمر إلى الله سبحانه و أن الشيطان أو التناجي لا يضرهم شيئا إلا بإذن الله فليتوكلوا عليه و لا يخافوا ضره و قد نص سبحانه في قوله: «و من يتوكل على الله فهو حسبه»: الطلاق: 3 إنه يكفي من توكل عليه، و استنهضهم على التوكل بأنه من لوازم إيمان المؤمن فإن يكونوا مؤمنين فليتوكلوا عليه فهو يكفيهم.
و هذا معنى قوله: «و ليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله و على الله فليتوكل المؤمنون».
قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم» إلخ، التفسح الاتساع و كذا الفسح، و المجالس جمع مجلس اسم مكان، و الاتساع في المجلس أن يتسع الجالس ليسع المكان غيره و فسح الله له أن يوسع له في الجنة.
و الآية تتضمن أدبا من آداب المعاشرة، و يستفاد من سياقها أنهم كانوا يحضرون مجلس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيجلسون ركاما لا يدع لغيرهم من الواردين مكانا يجلس فيه فأدبوا بقوله: «إذا قيل لكم تفسحوا» إلخ، و الحكم عام و إن كان مورد النزول مجلس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
و المعنى: يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم توسعوا في المجالس ليسع المكان معكم غيركم فتوسعوا وسع الله لكم في الجنة.
و قوله: «و إذا قيل انشزوا فانشزوا» يتضمن أدبا آخر، و النشوز - كما قيل - الارتفاع عن الشيء بالذهاب عنه، و النشوز عن المجلس أن يقوم الإنسان عن مجلسه ليجلس فيه غيره إعظاما له و تواضعا لفضله.
و المعنى: و إذا قيل لكم قوموا ليجلس مكانكم من هو أفضل منكم في علم أو تقوى فقوموا.
و قوله: «يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات» لا ريب في أن لازم رفعه تعالى درجة عبد من عباده مزيد قربه منه تعالى، و هذا قرينة عقلية على أن المراد بهؤلاء الذين أوتوا العلم العلماء من المؤمنين فتدل الآية على انقسام المؤمنين إلى طائفتين: مؤمن و مؤمن عالم، و المؤمن العالم أفضل و قد قال تعالى: «هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون»: الزمر: 9.
و يتبين بذلك أن ما ذكر من رفع الدرجات في الآية مخصوص بالذين أوتوا العلم و يبقى لسائر المؤمنين من الرفع الرفع درجة واحدة و يكون التقدير يرفع الله الذين آمنوا منكم درجة و يرفع الذين أوتوا العلم منكم درجات.
و في الآية من تعظيم أمر العلماء و رفع قدرهم ما لا يخفى.
و أكد الحكم بتذييل الآية بقوله: «و الله بما تعملون خبير».
قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة» إلخ، أي إذا أردتم أن تناجوا الرسول فتصدقوا قبلها.
و قوله: «ذلك خير لكم و أطهر» تعليل للتشريع نظير قوله: «و أن تصوموا خير لكم»: البقرة: 184، و لا شك أن المراد بكونها خيرا لهم و أطهر أنها خير لنفوسهم و أطهر لقلوبهم و لعل الوجه في ذلك أن الأغنياء منهم كانوا يكثرون من مناجاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يظهرون بذلك نوعا من التقرب إليه و الاختصاص به و كان الفقراء منهم يحزنون بذلك و ينكسر قلوبهم فأمروا أن يتصدقوا بين يدي نجواهم على فقرائهم بما فيها من ارتباط النفوس و إثارة الرحمة و الشفقة و المودة و صلة القلوب بزوال الغيظ و الحنق.
و في قوله: «ذلك» التفات إلى خطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بين خطابين للمؤمنين و فيه تجليل لطيف له (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث إن حكم الصدقة مرتبط بنجواه (صلى الله عليه وآله وسلم) و الالتفات إليه فيما يرجع إليه من الكلام مزيد عناية به.
و قوله: «فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم» أي فإن لم تجدوا شيئا تتصدقون به فلا يجب عليكم تقديمها و قد رخص الله لكم في نجواه و عفا عنكم إنه غفور رحيم فقوله: «فإن الله غفور رحيم» من وضع السبب موضع المسبب.
و فيه دلالة على رفع الوجوب عن المعدمين كما أنه قرينة على إرادة الوجوب في قوله: «فقدموا» إلخ، و وجوبه على الموسرين.
قوله تعالى: «أ أشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات» إلخ، الآية ناسخة لحكم الصدقة المذكور في الآية السابقة، و فيه عتاب شديد لصحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و المؤمنين حيث إنهم تركوا مناجاته (صلى الله عليه وآله وسلم) خوفا من بذل المال بالصدقة فلم يناجه أحد منهم إلا علي (عليه السلام) فإنه ناجاه عشر نجوات كلما ناجاه قدم بين يدي نجواه صدقة ثم نزلت الآية و نسخت الحكم.
و الإشفاق الخشية، و قوله: «أن تقدموا» إلخ، مفعوله و المعنى: أ خشيتم التصدق و بذل المال للنجوى، و احتمل أن يكون المفعول محذوفا و التقدير أ خشيتم الفقر لأجل بذل المال.
قال بعضهم: جمع الصدقات لما أن الخوف لم يكن في الحقيقة من تقديم صدقة واحدة لأنه ليس مظنة الفقر بل من استمرار الأمر و تقديم صدقات.
و قوله: «فإذ لم تفعلوا و تاب الله عليكم فأقيموا الصلاة و آتوا الزكاة» إلخ، أي فإذ لم تفعلوا ما كلفتم به و رجع الله إليكم العفو و المغفرة فأثبتوا على امتثال سائر التكاليف من إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة.
ففي قوله: «و تاب الله عليكم» دلالة على كون ذلك منهم ذنبا و معصية غير أنه تعالى غفر لهم ذلك.
و في كون قوله: «فأقيموا الصلاة» إلخ، متفرعا على قوله: «فإذ لم تفعلوا» إلخ، دلالة على نسخ حكم الصدقة قبل النجوى.
و في قوله: «و أطيعوا الله و رسوله» تعميم لحكم الطاعة لسائر التكاليف بإيجاب الطاعة المطلقة، و في قوله: «و الله خبير بما تعملون» نوع تشديد يتأكد به حكم وجوب طاعة الله و رسوله.
بحث روائي
في المجمع،: و قرأ حمزة و رويس عن يعقوب «ينتجون» و الباقون «يتناجون» و يشهد لقراءة حمزة قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في علي (عليه السلام) لما قال له بعض أصحابه: أ تناجيه دوننا؟ ما أنا انتجيته بل الله انتجاه.
و في الدر المنثور، أخرج أحمد و عبد بن حميد و البزار و ابن المنذر و الطبراني و ابن مردويه و البيهقي في شعب الإيمان بسند جيد عن ابن عمر: أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سام عليك يريدون بذلك شتمه ثم يقولون في أنفسهم: «لو لا يعذبنا الله بما نقول» فنزلت هذه الآية «و إذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله».
و فيه، أخرج عبد الرزاق و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن ابن عباس: في هذه الآية قال: كان المنافقون يقولون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سام عليك فنزلت.
أقول: و هذه الرواية أقرب إلى التصديق من سابقتها لما تقدم في تفسير الآية، و في رواية القمي في تفسيره أنهم كانوا يحيونه بقولهم: أنعم صباحا و أنعم مساء، و هو تحية أهل الجاهلية.
و في المجمع،: في قوله تعالى: «يرفع الله الذين آمنوا منكم - و الذين أوتوا العلم درجات»: و قد ورد أيضا في الحديث أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: فضل العالم على الشهيد درجة، و فضل الشهيد على العابد درجة، و فضل النبي على العالم درجة، و فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه، و فضل العالم على سائر الناس كفضلي على أدناهم: رواه جابر بن عبد الله.
أقول: و ذيل الرواية لا يخلو من شيء فإن ظاهر رجوع الضمير في «أدناهم» إلى الناس اعتبار مراتب في الناس فمنهم الأعلى و منهم المتوسط، و إذا كان فضل العالم على سائر الناس و فيهم الأعلى رتبة كفضل النبي على أدنى الناس كان العالم أفضل من النبي و هو كما ترى.
اللهم إلا أن يكون أدنى بمعنى الأقرب و المراد بأدناهم أقربهم من النبي و هو العالم كما يلوح من قوله: و فضل النبي على العالم درجة، فيكون المفاد أن فضل العالم على سائر الناس كفضلي على أقربهم مني و هو العالم.
و في الدر المنثور، أخرج سعيد بن منصور و ابن راهويه و ابن أبي شيبة و عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و الحاكم و صححه عن علي قال: إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي و لا يعمل بها بعدي آية النجوى «يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول - فقدموا بين يدي نجواكم صدقة» كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم فكنت كلما ناجيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قدمت بين يدي نجواي درهما ثم نسخت فلم يعمل بها أحد فنزلت «أ أشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات» الآية.
و في تفسير القمي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز و جل: «إذا ناجيتم الرسول - فقدموا بين يدي نجواكم صدقة» قال: قدم علي بن أبي طالب (عليه السلام) بين يدي نجواه صدقة ثم نسخها بقوله: «أ أشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات».
أقول: و في هذا المعنى روايات أخر من طرق الفريقين.
|