بيان
تذكر السورة يوم القيامة بذكر بعض أشراطها و ما يقع فيها و تصفه بأنه يوم ينكشف فيه للإنسان ما عمله من عمل ثم تصف القرآن بأنه مما ألقاه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رسول سماوي و هو ملك الوحي و ليس بإلقاء شيطاني و لا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مجنون يمسه الشيطان.
و يشبه أن تكون السورة من السور العتائق النازلة في أوائل البعثة كما يشهد به ما فيها من تنزيهه (صلى الله عليه وآله وسلم) مما رموه به من الجنون و قد اتهموه به في أوائل الدعوة و قد اشتملت على تنزيهه منه سورة «ن» و هي من العتائق.
و السورة مكية بلا كلام.
قوله تعالى: «إذا الشمس كورت» التكوير اللف على طريق الإدارة كلف العمامة على الرأس، و لعل المراد بتكوير الشمس انظلام جرمها على نحو الإحاطة استعارة.
قوله تعالى: «و إذا النجوم انكدرت» انكدار الطائر من الهواء انقضاضه نحو الأرض، و عليه فالمراد سقوط النجوم كما يفيده قوله: «و إذا الكواكب انتثرت»: الانفطار: 2 و يمكن أن يكون من الانكدار بمعنى التغير و قبول الكدورة فيكون المراد به ذهاب ضوئها.
قوله تعالى: «و إذا الجبال سيرت» بما يصيبها من زلزلة الساعة من التسيير فتندك و تكون هباء منبثا و تصير سرابا على ما ذكره سبحانه في مواضع من كلامه.
قوله تعالى: «و إذا العشار عطلت» قيل: «العشار جمع عشراء كالنفاس جمع نفساء و هي الناقة الحامل التي أتت عليها عشرة أشهر فتسمى عشراء حتى تضع حملها و ربما سميت عشراء بعد الوضع أيضا و هي من أنفس المال عند العرب.
و تعطيل العشار تركها مهملة لا راعي لها و لا حافظ يحفظها و كان في الجملة إشارة على نحو الكناية إلى أن نفائس الأموال التي يتنافس فيها الإنسان تبقى اليوم و لا صاحب لها يتملكها و يتصرف فيها لأنهم مشغولون بأنفسهم عن كل شيء كما قال: «لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه»: عبس: 37.
قوله تعالى: «و إذا الوحوش حشرت» الوحوش جمع وحش و هو من الحيوان ما لا يتأنس بالإنسان كالسباع و غيرها.
و ظاهر الآية من حيث وقوعها في سياق الآيات الواصفة ليوم القيامة أن الوحوش محشورة كالإنسان، و يؤيده قوله تعالى: «و ما من دابة في الأرض و لا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون»: الأنعام: 38.
و أما تفصيل حالها بعد الحشر و ما يئول إليه أمرها فلم يرد في كلامه تعالى و لا فيما يعتمد عليه من الأخبار ما يكشف عن ذلك نعم ربما استفيد من قوله في آية الأنعام: «أمم أمثالكم» و قوله: «ما فرطنا في الكتاب من شيء» بعض ما يتضح به الحال في الجملة لا يخفى على الناقد المتدبر، و ربما قيل: إن حشر الوحوش من أشراط الساعة لا مما يقع يوم القيامة و المراد به خروجها من غاباتها و أكنانها.
قوله تعالى: «و إذا البحار سجرت» فسر التسجير بإضرام النار و فسر بالملإ و المعنى على الأول و إذا البحار أضرمت نارا، و على الثاني و إذا البحار ملئت.
قوله تعالى: «و إذا النفوس زوجت» أما نفوس السعداء فبنساء الجنة قال تعالى: «لهم فيها أزواج مطهرة»: النساء: 57، و قال: «و زوجناهم بحور عين»: الدخان: 54 و أما نفوس الأشقياء فبقرناء الشياطين قال تعالى: «احشروا الذين ظلموا و أزواجهم و ما كانوا يعبدون»: الصافات: 22 و قال: «و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين»: الزخرف: 36.
قوله تعالى: «و إذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت» الموءودة البنت التي تدفن حية و كانت العرب تئد البنات خوفا من لحوق العار بهم من أجلهن كما يشير إليه قوله تعالى: «و إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا و هو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أ يمسكه على هون أم يدسه في التراب»: النحل: 59.
و المسئول بالحقيقة عن قتل الموءودة أبوها الوائد لها لينتصف منه و ينتقم لكن عد المسئول في الآية هي الموءودة نفسها فسئلت عن سبب قتلها لنوع من التعريض و التوبيخ لقاتلها و توطئة لأن تسأل الله الانتصاف لها من قاتلها حتى يسأل عن قتلها فيؤخذ لها منه، فالكلام نظير قوله تعالى في عيسى (عليه السلام): «و إذ قال الله يا عيسى بن مريم أ أنت قلت للناس اتخذوني و أمي إلهين من دون الله»: المائدة: 116.
و قيل: إسناد المسئولية إلى الموءودة من المجاز العقلي و المراد كونها مسئولا عنها نظير قوله تعالى: «إن العهد كان مسئولا»: إسراء: 34.
قوله تعالى: «و إذا الصحف نشرت» أي للحساب، و الصحف كتب الأعمال.
قوله تعالى: «و إذا السماء كشطت» في المجمع، الكشط القلع عن شدة التزاق فينطبق على طيها كما في قوله: «و السماوات مطويات بيمينه»: الزمر: 67، و قوله: «و يوم تشقق السماء بالغمام و نزل الملائكة تنزيلا»: الفرقان: 25 و غير ذلك من الآيات المفصحة عن هذا المعنى.
قوله تعالى: «و إذا الجحيم سعرت» التسعير تهييج النار حتى تتأجج.
قوله تعالى: «و إذا الجنة أزلفت» الإزلاف التقريب و المراد تقريبها من أهلها للدخول.
قوله تعالى: «علمت نفس ما أحضرت» جواب إذا، و المراد بالنفس الجنس و المراد بما أحضرت عملها الذي عملته يقال: أحضرت الشيء أي وجدته حاضرا كما يقال: أحمدته أي وجدته محمودا.
فالآية في معنى قوله تعالى: «يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء»: آل عمران: 30.
بحث روائي
في تفسير القمي،: «إذا الشمس كورت» قال: تصير سوداء مظلمة «و إذا النجوم انكدرت» قال: يذهب ضوؤها «و إذا الجبال سيرت» قال: تسير كما قال «تحسبها جامدة و هي تمر مر السحاب». قوله: «و إذا العشار عطلت» قال الإبل تتعطل إذا مات الخلق فلا يكون من يحلبها، قوله: «و إذا البحار سجرت» قال: تتحول البحار التي حول الدنيا كلها نيرانا «و إذا النفوس زوجت» قال: من الحور العين.
و فيه، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: «و إذا النفوس زوجت» قال: أما أهل الجنة فزوجوا الخيرات الحسان، و أما أهل النار فمع كل إنسان منهم شيطان يعني قرنت نفوس الكافرين و المنافقين بالشياطين فهم قرناؤهم.
أقول: الظاهر أن قوله: يعني «إلخ» من كلام الراوي.
و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و الديلمي عن أبي مريم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في قوله: «إذا الشمس كورت» قال: كورت في جهنم «و إذا النجوم انكدرت» قال: انكدرت في جهنم، و كل من عبد من دون الله فهو في جهنم إلا ما كان من عيسى بن مريم و أمه و لو رضيا أن يعبدا لدخلاها.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و إذا الصحف نشرت» قال: صحف الأعمال قوله: «و إذا السماء كشطت» قال: أبطلت.
و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «و إذا النفوس زوجت» قال: هما الرجلان يعملان العمل يدخلان الجنة و النار.
|