بيان
سورة إنذار و تبشير فيها وعيد شديد للذين يفتنون المؤمنين و المؤمنات لإيمانهم بالله كما كان المشركون من أهل مكة يفعلون ذلك بالذين آمنوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيعذبونهم ليرجعوا إلى شركهم السابق فمنهم من كان يصبر و لا يرجع بلغ الأمر ما بلغ، و منهم من رجع و ارتد و هم ضعفاء الإيمان كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: «و من الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله»: العنكبوت: 10، و قوله: «و من الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به و إن أصابته فتنة انقلب على وجهه»: الحج: 11.
و قد قدم سبحانه على ذلك الإشارة إلى قصة أصحاب الأخدود، و فيه تحريض المؤمنين على الصبر في جنب الله تعالى، و أتبعها بالإشارة إلى حديث الجنود فرعون و ثمود و فيه تطييب لنفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بوعد النصر و تهديد للمشركين.
و السورة مكية بشهادة سياق آياتها.
قوله تعالى: «و السماء ذات البروج» البروج جمع برج و هو الأمر الظاهر و يغلب استعماله في القصر العالي لظهوره على الناظرين و يسمى البناء المعمول على سور البلد للدفاع برجا و هو المراد في الآية لقوله تعالى: «و لقد جعلنا في السماء بروجا و زيناها للناظرين و حفظناها من كل شيطان رجيم»: الحجر: 17، فالمراد بالبروج مواضع الكواكب من السماء.
و بذلك يظهر أن تفسير البروج بالبروج الاثني عشر المصطلح عليها في علم النجوم غير سديد و في الآية إقسام بالسماء المحفوظة بالبروج، و لا يخفى مناسبته لما سيشار إليه من القصة ثم الوعيد و الوعد و سنشير إليه.
قوله تعالى: «و اليوم الموعود» عطف على السماء و إقسام باليوم الموعود و هو يوم القيامة الذي وعد الله القضاء فيه بين عباده.
قوله تعالى: «و شاهد و مشهود» معطوفان على السماء و الجميع قسم بعد قسم على ما أريد بيانه في السورة و هو - كما تقدمت الإشارة إليه - الوعيد الشديد لمن يفتن المؤمنين و المؤمنات لإيمانهم و الوعد الجميل لمن آمن و عمل صالحا.
فكأنه قيل: أقسم بالسماء ذات البروج التي يدفع الله بها عنها الشياطين أن الله يدفع عن إيمان المؤمنين كيد الشياطين و أوليائهم من الكافرين، و أقسم باليوم الموعود الذي يجزي فيه الناس بأعمالهم، و أقسم بشاهد يشهد و يعاين أعمال أولئك الكفار و ما يفعلونه بالمؤمنين لإيمانهم بالله و أقسم بمشهود سيشهده الكل و يعاينونه إن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات، إلى آخر الآيتين.
و من هنا يظهر أن الشهادة في «شاهد» و «مشهود» بمعنى واحد و هو المعاينة بالحضور، على أنها لو كانت بمعنى تأدية الشهادة لكان حق التعبير «و مشهود عليه» لأنها بهذا المعنى إنما تتعدى بعلى.
و على هذا يقبل «شاهد» الانطباق على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لشهادته أعمال أمته ثم يشهد عليها يوم القيامة، و يقبل «مشهود» الانطباق على تعذيب الكفار لهؤلاء المؤمنين و ما فعلوا بهم من الفتنة و إن شئت فقل: على جزائه و إن شئت فقل على ما يقع يوم القيامة من العقاب و الثواب لهؤلاء الظالمين و المظلومين، و تنكير «مشهود» و «و شاهد» على أي حال للتفخيم.
و لهم في تفسير شاهد و مشهود أقاويل كثيرة أنهاها بعضهم إلى ثلاثين كقول بعضهم إن الشاهد يوم الجمعة و المشهود يوم عرفة، و القول بأن الشاهد يوم النحر و المشهود يوم عرفة، و القول بأن الشاهد يوم عرفة و المشهود يوم القيامة، و القول بأن الشاهد الملك يشهد على بني آدم و المشهود يوم القيامة، و القول بأن الشاهد الذين يشهدون على الناس و المشهود الذين يشهد عليهم.
و القول بأن الشاهد هذه الأمة و المشهود سائر الأمم، و القول بأن الشاهد أعضاء بني آدم و المشهود أنفسهم و القول بأن الشاهد الحجر الأسود و المشهود الحاج و القول بأن الشاهد الأيام و الليالي و المشهود بنو آدم، و القول بأن الشاهد الأنبياء و المشهود محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، و القول بأن الشاهد هو الله و المشهود لا إله إلا الله.
و القول بأن الشاهد الخلق و المشهود الحق، و القول بأن الشاهد هو الله و المشهود يوم القيامة، و القول بأن الشاهد آدم و ذريته و المشهود يوم القيامة، و القول بأن الشاهد يوم التروية و المشهود يوم عرفة، و القول بأنها يوم الإثنين و يوم الجمعة، و القول بأن الشاهد: المقربون و المشهود عليون، و القول بأن الشاهد هو الطفل الذي قال لأمه في قصة الأخدود: اصبري فإنك على الحق و المشهود الواقعة، و القول بأن الشاهد الملائكة المتعاقبون لكتابة الأعمال و المشهود قرآن الفجر إلى غير ذلك من أقوالهم.
و أكثر هذه الأقوال - كما ترى - مبني على أخذ الشهادة بمعنى أداء ما حمل من الشهادة و بعضها على تفريق بين الشاهد و المشهود في معنى الشهادة و قد عرفت ضعفه، و أن الأنسب للسياق أخذها بمعنى المعاينة و إن استلزم الشهادة بمعنى الأداء يوم القيامة، و أن الشاهد يقبل الانطباق على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
كيف لا؟ و قد سماه الله تعالى شاهدا إذ قال: «يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا»: الأحزاب: 45، و سماه شهيدا إذ قال: «ليكون الرسول شهيدا عليكم»: الحج - 78، و قد عرفت معنى شهادة الأعمال من شهدائها فيما مر.
ثم إن جواب القسم محذوف يدل عليه قوله: «إن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات» إلى تمام آيتين، و يشعر به أيضا قوله: «قتل أصحاب الأخدود» إلخ و هو وعيد الفاتنين و وعد المؤمنين الصالحين و أن الله يوفقهم على الصبر و يؤيدهم على حفظ إيمانهم من كيد الكائدين أن أخلصوا كما فعل بالمؤمنين في قصة الأخدود.
قوله تعالى: «قتل أصحاب الأخدود» إشارة إلى قصة الأخدود لتكون توطئة و تمهيدا لما سيجيء من قوله: «إن الذين فتنوا» إلخ و ليس جوابا للقسم البتة.
و الأخدود الشق العظيم في الأرض، و أصحاب الأخدود هم الجبابرة الذين خدوا أخدودا و أضرموا فيها النار و أمروا المؤمنين بدخولها فأحرقوهم عن آخرهم نقما منهم لإيمانهم فقوله: «قتل» إلخ دعاء عليهم و المراد بالقتل اللعن و الطرد.
و قيل: المراد بأصحاب الأخدود المؤمنون و المؤمنات الذين أحرقوا فيه، و قوله: «قتل» إخبار عن قتلهم بالإحراق و ليس من الدعاء في شيء.
و يضعفه ظهور رجوع الضمائر في قوله: «إذ هم عليها» و «هم على ما يفعلون» و «ما نقموا» إلى أصحاب الأخدود، و المراد بها و خاصة بالثاني و الثالث الجبابرة الناقمون دون المؤمنين المعذبين.
قوله تعالى: «النار ذات الوقود» بدل من الأخدود، و الوقود ما يشعل به النار من حطب و غيره، و في توصيف النار بذات الوقود إشارة إلى عظمة أمر هذه النار و شدة اشتعالها و أجيجها.
قوله تعالى: «إذ هم عليها قعود» أي في حال أولئك الجبابرة قاعدون في أطراف النار المشرفة عليها.
قوله تعالى: «و هم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود» أي حضور ينظرون و يشاهدون إحراقهم و احتراقهم.
قوله تعالى: «و ما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله» النقم بفتحتين الكراهة الشديدة أي ما كرهوا من أولئك المؤمنين إلا إيمانهم بالله فأحرقوهم لأجل إيمانهم.
قوله تعالى: «العزيز الحميد الذي له ملك السموات و الأرض و الله على كل شيء شهيد» أوصاف جارية على اسم الجلالة تشير إلى الحجة على أن أولئك المؤمنين كانوا على الحق في إيمانهم مظلومين فيما فعل بهم لا يخفى حالهم على الله و سيجزيهم خير الجزاء، و على أن أولئك الجبابرة كانوا على الباطل مجترين على الله ظالمين فيما فعلوا و سيذوقون وبال أمرهم و ذلك أنه تعالى هو الله العزيز الحميد أي الغالب غير المغلوب على الإطلاق و الجميل في فعله على الإطلاق فله وحده كل الجلال و الجمال فمن الواجب أن يخضع له و أن لا يتعرض لجانبه، و إذ كان له ملك السماوات و الأرض فهو المليك على الإطلاق له الأمر و له الحكم فهو رب العالمين فمن الواجب أن يتخذ إلها معبودا و لا يشرك به أحد فالمؤمنون به على الحق و الكافرون في ضلال.
ثم إن الله - و هو الموجد لكل شيء - على كل شيء شهيد لا يخفى عليه شيء من خلقه و لا عمل من أعمال خلقه و لا يحتجب عنه إحسان محسن و لا إساءة مسيء فسيجزي كلا بما عمل.
و بالجملة إذ كان تعالى هو الله المتصف بهذه الصفات الكريمة كان على هؤلاء المؤمنين أن يؤمنوا به و لم يكن لأولئك الجبابرة أن يتعرضوا لحالهم و لا أن يمسوهم بسوء.
و قال بعض المفسرين في توجيه إجراء الصفات في الآية: إن القوم إن كانوا مشركين فالذي كانوا ينقمونه من المؤمنين و ينكرونه عليهم لم يكن هو الإيمان بالله تعالى بل نفي ما سواه من معبوداتهم الباطلة، و إن كانوا معطلة فالمنكر عندهم ليس إلا إثبات معبود غير معهود لهم لكن لما كان مآل الأمرين إنكار المعبود الحق الموصوف بصفات الجلال و الإكرام عبر بما عبر بإجراء الصفات عليه تعالى.
و فيه غفلة عن أن المشركين و هم الوثنية ما كانوا ينسبون إلى الله تعالى إلا الصنع و الإيجاد.
و أما الربوبية التي تستتبع التدبير و الألوهية التي تستوجب العبادة فكانوا يقصرونها في أربابهم و آلهتهم فيعبدونها دون الله سبحانه، فليس له تعالى عندهم إلا أنه رب الأرباب و إله الآلهة لا غير.
قوله تعالى: «إن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم و لهم عذاب الحريق» الفتنة المحنة و التعذيب، و الذين فتنوا «إلخ» عام يشمل أصحاب الأخدود و مشركي قريش الذين كانوا يفتنون من آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من المؤمنين و المؤمنات بأنواع من العذاب ليرجعوا عن دينهم.
قال في المجمع،: يسأل فيقال: كيف فصل بين عذاب جهنم و عذاب الحريق و هما واحد؟ أجيب عن ذلك بأن المراد لهم أنواع العذاب في جهنم سوى الإحراق مثل الزقوم و الغسلين و المقامع و لهم مع ذلك الإحراق بالنار انتهى.
قوله تعالى: «إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير» وعد جميل للمؤمنين يطيب به نفوسهم كما أن ما قبله وعيد شديد للكفار الفاتنين المعذبين.
قوله تعالى: «إن بطش ربك لشديد» الآية إلى تمام سبع آيات تحقيق و تأكيد لما تقدم من الوعيد و الوعد، و البطش - كما ذكره الراغب - تناول الشيء بصولة.
و في إضافة البطش إلى الرب و إضافة الرب إلى الكاف تطييب لنفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتأييد و النصر، و إشارة إلى أن لجبابرة أمته نصيبا من الوعيد المتقدم.
قوله تعالى: «إنه هو يبدىء و يعيد» المقابلة بين المبدىء و المعيد يعطي أن المراد بالإبداء البدء، و الافتتاح بالشيء، قالوا: و لم يسمع من العرب الإبداء لكن القراءة ذلك و في بعض القراءات الشاذة يبدأ بفتح الياء و الدال.
و على أي حال فالآية تعليل لشدة بطشه تعالى و ذلك أنه تعالى مبدىء يوجد ما يريده من شيء إيجادا ابتدائيا من غير أن يستمد على ذلك من شيء غير نفسه، و هو تعالى يعيد كل ما كان إلى ما كان و كل حال فاتته إلى ما كانت عليه قبل الفوت فهو تعالى لا يمتنع عليه ما أراد و لا يفوته فائت زائل و إذ كان كذلك فهو القادر على أن يحمل على العبد المتعدي حده، من العذاب ما هو فوق حده و وراء طاقته و يحفظه على ما هو عليه ليذوق العذاب قال تعالى: «و الذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا و لا يخفف عنهم من عذابها»: فاطر: 36.
و هو القادر على أن يعيد ما أفسده العذاب إلى حالته الأولى ليذوق المجرم بذلك العذاب من غير انقطاع قال تعالى: «إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب»: النساء: 56.
و بهذا البيان يتضح: أولا: أن سياق قوله: «إنه هو» إلخ يفيد القصر أي إن إبداع الوجود و إعادته لله سبحانه وحده إذ الصنع و الإيجاد ينتهي إليه تعالى وحده.
و ثانيا: أن حدود الأشياء إليه تعالى و لو شاء أن لا يحد لم يحدا و بدل حدا من آخر فهو الذي حد العذاب و الفتنة في الدنيا بالموت و الزوال و لو لم يشأ لم يحد كما في عذاب الآخرة.
و ثالثا: أن المراد من شدة البطش - و هو الأخذ بعنف - أن لا دافع لأخذه و لا راد لحكمه كيفما حكم إلا أن يحول بين حكمه و متعلقه حكم آخر منه يقيد الأول.
قوله تعالى: «و هو الغفور الودود» أي كثير المغفرة و المودة ناظر إلى وعد المؤمنين كما أن قوله: «إن بطش ربك» إلخ ناظر إلى وعيد الكافرين.
قوله تعالى: «ذو العرش المجيد فعال لما يريد» العرش عرش الملك، و ذو العرش كناية عن الملك أي هو ملك له أن يتصرف في مملكته كيفما تصرف و يحكم بما شاء و المجيد صفة من المجد و هو العظمة المعنوية و هي كمال الذات و الصفات، و قوله: «فعال لما يريد» أي لا يصرفه عما أراده صارف لا من داخل لضجر و كسل و ملل و تغير إرادة و غيرها و لا من خارج لمانع يحول بينه و بين ما أراد.
فله تعالى أن يوعد الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات بالنار و يعد الذين آمنوا و عملوا الصالحات بالجنة لأنه ذو العرش المجيد و لن يخلف وعده لأنه فعال لما يريد.
قوله تعالى: «هل أتاك حديث الجنود فرعون و ثمود» تقرير لما تقدم من شدة بطشه تعالى و كونه ملكا مجيدا فعالا لما يريد، و فيه تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و تطييب لنفسه الشريفة بالإشارة إلى حديثهم، و معنى الآيتين ظاهر.
قوله تعالى: «بل الذين كفروا في تكذيب» لا يبعد أن يستفاد من السياق كون المراد بالذين كفروا هم قوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
و في الآية إضراب عما تقدم من الموعظة و الحجة من حيث الأثر، و المعنى لا ينبغي أن يرجى منهم الإيمان بهذه الآيات البينات فإن الذين كفروا مصرون على تكذيبهم لا ينتفعون بموعظة أو حجة.
و من هنا ظهر أن المراد بكون الذين كفروا في تكذيب أي بظرفية التكذيب لهم إصرارهم عليه.
قوله تعالى: «و الله من ورائهم محيط» وراء الشيء الجهات الخارجة منه المحيطة به.
إشارة إلى أنهم غير معجزين لله سبحانه فهو محيط بهم قادر عليهم من كل جهة، و فيه أيضا تطييب لنفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
و عن بعضهم أن في قوله: «من ورائهم» تلويحا إلى أنهم اتخذوا الله وراءهم ظهريا، و هو مبني على أخذ وراء بمعنى خلف.
قوله تعالى: «بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ» إضراب عن إصرارهم على تكذيب القرآن، و المعنى ليس الأمر كما يدعون بل القرآن كتاب مقرو عظيم في معناه غزير في معارفه في لوح محفوظ عن الكذب و الباطل مصون من مس الشياطين.
بحث روائي
في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سئل عن «السماء ذات البروج» فقال: الكواكب، و سئل عن «الذي جعل في السماء بروجا» فقال: الكواكب. قيل: «فبروج مشيدة» فقال: قصور.
و فيه، أخرج عبد بن حميد و الترمذي و ابن أبي الدنيا في الأصول و ابن جرير و ابن المنذر و ابن حاتم و ابن مردويه و البيهقي في سننه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اليوم الموعود يوم القيامة و اليوم المشهود يوم عرفة و الشاهد يوم الجمعة.
الحديث.
أقول: و روي مثله بطرق أخرى عن أبي مالك و سعيد بن المسيب و جبير بن مطعم عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، و لفظ الأخير: الشاهد يوم الجمعة و المشهود يوم عرفة:. و روي هذا اللفظ عن عبد الرزاق و الفاريابي و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر عن علي بن أبي طالب.
و فيه، أخرج عبد بن حميد و ابن المنذر عن علي قال: اليوم الموعود يوم القيامة، و الشاهد يوم الجمعة، و المشهود يوم النحر.
و في المجمع، روي: أن رجلا دخل مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا رجل يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). قال: فسألته عن الشاهد و المشهود فقال: نعم الشاهد يوم الجمعة و المشهود يوم عرفة، فجزته إلى آخر يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسألته عن ذلك فقال: أما الشاهد فيوم الجمعة و أما المشهود فيوم النحر. فجزتهما إلى غلام كان وجهه الدينار و هو يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: أخبرني عن شاهد و مشهود فقال: نعم أما الشاهد فمحمد و أما المشهود فيوم القيامة أ ما سمعت الله سبحانه يقول: «يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا» و قال: «ذلك يوم مجموع له الناس و ذلك يوم مشهود». فسألت عن الأول فقالوا: ابن عباس، و سألت عن الثاني فقالوا: ابن عمرو، و سألت عن الثالث فقالوا: الحسن بن علي.
أقول: و الحديث مروي بطرق مختلفة و ألفاظ متقاربة و قد تقدم في تفسير الآية أن ما ذكره (عليه السلام) أظهر بالنظر إلى سياق الآيات، و إن كان لفظ الشاهد و المشهود لا يأبى الانطباق على غيره أيضا بوجه.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «قتل أصحاب الأخدود» قال: كان سببه أن الذي هيج الحبشة على غزوة اليمن ذو نواس و هو آخر من ملك من حمير تهود و اجتمعت معه حمير على اليهودية و سمى نفسه يوسف و أقام على ذلك حينا من الدهر. ثم أخبر أن بنجران بقايا قوم على دين النصرانية و كانوا على دين عيسى و حكم الإنجيل، و رأس ذلك الدين عبد الله بن بريامن فحمله أهل دينه على أن يسير إليهم و يحملهم على اليهودية و يدخلهم فيها فسار حتى قدم نجران فجمع من كان بها على دين النصرانية ثم عرض عليهم دين اليهودية و الدخول فيها فأبوا عليه فجادلهم و عرض عليهم و حرص الحرص كله فأبوا عليه و امتنعوا من اليهودية و الدخول فيها و اختاروا القتل. فاتخذ لهم أخدودا و جمع فيه الحطب و أشعل فيه النار فمنهم من أحرق بالنار و منهم من قتل بالسيف و مثل بهم كل مثلة فبلغ عدد من قتل و أحرق بالنار عشرين ألفا و أفلت منهم رجل يدعى دوش ذو ثعلبان على فرس له ركضة، و اتبعوه حتى أعجزهم في الرمل، و رجع ذو نواس إلى صنيعه في جنوده فقال الله: «قتل أصحاب الأخدود إلى قوله العزيز الحميد».
و في المجمع، و روى سعيد بن جبير قال: لما انهزم أهل إسفندهان قال عمر بن الخطاب: ما هم يهود و لا نصارى و لا لهم كتاب و كانوا مجوسا فقال علي بن أبي طالب: بلى قد كان لهم كتاب رفع. و ذلك أن ملكا لهم سكر فوقع على ابنته أو قال: على أخته فلما أفاق قال لها: كيف المخرج مما وقعت فيه؟ قالت: تجمع أهل مملكتك و تخبرهم أنك ترى نكاح البنات و تأمرهم أن يحلوه فجمعهم فأخبرهم فأبوا أن يتابعوه فخد لهم أخدودا في الأرض، و أوقد فيه النيران و عرضهم عليها فمن أبى قبول ذلك قذفه في النار، و من أجاب خلى سبيله:. أقول: و روي هذا المعنى في الدر المنثور، عن عبد بن حميد عنه (عليه السلام).
و عن تفسير العياشي، بإسناده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أرسل علي (عليه السلام) إلى أسقف نجران يسأله عن أصحاب الأخدود فأخبره بشيء فقال (عليه السلام): ليس كما ذكرت و لكن سأخبرك عنهم: إن الله بعث رجلا حبشيا نبيا و هم حبشية فكذبوه فقاتلهم فقتلوا أصحابه فأسروه و أسروا أصحابه ثم بنوا له حيرا ثم ملئوه نارا ثم جمعوا الناس فقالوا: من كان على ديننا و أمرنا فليعتزل، و من كان على دين هؤلاء فليرم نفسه في النار فجعل أصحابه يتهافتون في النار فجاءت امرأة معها صبي لها ابن شهر فلما هجمت هابت و رقت على ابنها فنادى الصبي: لا تهابي و ارميني و نفسك في النار فإن هذا و الله في الله قليل، فرمت بنفسها في النار و صبيها، و كان ممن تكلم في المهد.
أقول: و روي هذا المعنى في الدر المنثور، عن ابن مردويه عن عبد الله بن نجي عنه (عليه السلام)، و روي أيضا عن ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن نجي عنه (عليه السلام) قال: كان نبي أصحاب الأخدود حبشيا.
و روي أيضا عن ابن أبي حاتم و ابن المنذر من طريق الحسن عنه (عليه السلام) في قوله تعالى: «أصحاب الأخدود» قال: هم الحبشة.
و لا يبعد أن يستفاد أن حديث أصحاب الأخدود وقائع متعددة وقعت بالحبشة و اليمن و العجم و الإشارة في الآية إلى جميعها و هناك روايات تقص القصة مع السكوت عن محل وقوعها.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ» قال: اللوح المحفوظ له طرفان طرف على يمين العرش على جبين إسرافيل فإذا تكلم الرب جل ذكره بالوحي ضرب اللوح جبين إسرافيل فنظر في اللوح فيوحي بما في اللوح إلى جبرئيل.
و في الدر المنثور، أخرج أبو الشيخ و ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): خلق الله لوحا من درة بيضاء دفتاه من زبرجدة خضراء كتابه من نور يلحظ إليه في كل يوم ثلاث مائة و ستين لحظة يحيي و يميت و يخلق و يرزق و يعز و يذل و يفعل ما يشاء.
أقول: و الروايات في صفة اللوح كثيرة مختلفة و هي على نوع من التمثيل.
|