بيان
أمر بتوحيده تعالى على ما يليق بساحته المقدسة و تنزيه ذاته المتعالية من أن يذكر مع اسمه اسم غيره أو يسند إلى غيره ما يجب أن يسند إليه كالخلق و التدبير و الرزق و وعد له (صلى الله عليه وآله وسلم) بتأييده بالعلم و الحفظ و تمكينه من الطريقة التي هي أسهل و أيسر للتبليغ و أنسب للدعوة.
و سياق الآيات في صدر السورة سياق مكي و أما ذيلها أعني قوله: «قد أفلح من تزكى» إلخ فقد ورد من طرق أئمة أهل البيت (عليهم السلام) و كذا من طريق أهل السنة أن المراد به زكاة الفطرة و صلاة العيد و من المعلوم أن الصوم و ما يتبعه من زكاة الفطرة و صلاة العيد إنما شرعت بالمدينة بعد الهجرة فتكون آيات الذيل نازلة بالمدينة.
فالسورة صدرها مكي و ذيلها مدني، و لا ينافي ذلك ما جاء في الآثار أن السورة مكية فإنه لا يأبى الحمل على صدر السورة.
قوله تعالى: «سبح اسم ربك الأعلى» أمر بتنزيه اسمه تعالى و تقديسه، و إذ علق التنزيه على الاسم - و ظاهر اللفظ الدال على المسمى - و الاسم إنما يقع في القول فتنزيهه أن لا يذكر معه ما هو تعالى منزه عنه كذكر الآلهة و الشركاء و الشفعاء و نسبة الربوبية إليهم و كذكر بعض ما يختص به تعالى كالخلق و الإيجاد و الرزق و الإحياء و الإماتة و نحوها و نسبته إلى غيره تعالى أو كذكر بعض ما لا يليق بساحة قدسه تعالى من الأفعال كالعجز و الجهل و الظلم و الغفلة و ما يشبهها من صفات النقص و الشين و نسبته إليه تعالى.
و بالجملة تنزيه اسمه تعالى أن يجرد القول عن ذكر ما لا يناسب ذكره ذكر اسمه تعالى و هو تنزيهه تعالى في مرحلة القول الموافق لتنزيهه في مرحلة الفعل.
و هو يلازم التوحيد الكامل بنفي الشرك الجلي كما في قوله: «و إذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة و إذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون»: الزمر 45» و قوله: «و إذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا»: إسراء 46.
و في إضافة الاسم إلى الرب و الرب إلى ضمير الخطاب تأييد لما قدمناه فإن المعنى سبح اسم ربك الذي اتخذته ربا و أنت تدعو إلى أنه الرب الإله فلا يقعن في كلامك مع ذكر اسمه بالربوبية ذكر من غيره بحيث ينافي تسميه بالربوبية على ما عرف نفسه لك.
و قوله: «الأعلى» و هو الذي يعلو كل عال و يقهر كل شيء صفة «ربك» دون الاسم و يعلل بمعناه الحكم أي سبح اسمه لأنه أعلى.
و قيل: معنى «سبح اسم ربك الأعلى» قل: سبحان ربي الأعلى كما عن ابن عباس و نسب إليه أيضا أن المعنى صل.
و قيل: المراد بالاسم المسمى و المعنى نزهه تعالى عن كل ما لا يليق بساحة قدسه من الصفات و الأفعال.
و قيل: إنه ذكر الاسم و المراد به تعظيم المسمى و استشهد عليه بقول لبيد، إلى الحول ثم اسم السلام عليكما.
فالمعنى سبح ربك الأعلى.
و قيل: المراد تنزيه أسمائه تعالى عما لا يليق بأن لا يئول مما ورد منها اسم من غير مقتض، و لا يبقى على ظاهره إذا كان ما وضع له لا يصح له تعالى، و لا يطلقه على غيره تعالى إذا كان مختصا كاسم الجلالة و لا يتلفظ به في محل لا يناسبه كبيت الخلاء، و على هذا القياس و ما قدمناه من المعنى أوسع و أشمل و أنسب لسياق قوله الآتي «سنقرئك فلا تنسى» «و نيسرك لليسرى فذكر» فإن السياق سياق البعث إلى التذكرة و التبليغ فبدأ أولا بإصلاح كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم) و تجريده عن كل ما يشعر بجلي الشرك و خفيه بأمره بتنزيه اسم ربه، و وعد ثانيا بإقرائه بحيث لا ينسى شيئا مما أوحي إليه و تسهيل طريقة التبليغ عليه ثم أمر بالتذكير و التبليغ فافهم.
قوله تعالى: «الذي خلق فسوى» خلق الشيء جمع أجزائه، و تسويته جعلها متساوية بحيث يوضع كل في موضعه الذي يليق به و يعطى حقه كوضع كل عضو من أعضاء الإنسان فيما يناسبه من الموضع.
و الخلق و التسوية و إن كانا مطلقين لكنهما إنما يشملان ما فيه تركيب أو شائبة تركيب من المخلوقات.
و الآية إلى تمام أربع آيات تصف التدبير الإلهي و هي برهان على ربوبيته تعالى المطلقة.
قوله تعالى: «و الذي قدر فهدى» أي جعل الأشياء التي خلقها على مقادير مخصوصة و حدود معينة في ذواتها و صفاتها و أفعالها لا تتعداها و جهزها بما يناسب ما قدر لها فهداها إلى ما قدر فكل يسلك نحو ما قدر له بهداية ربانية تكوينية كالطفل يهتدي إلى ثدي أمه و الفرخ إلى زق أمه و أبيه، و الذكر إلى الأنثى و ذي النفع إلى نفعه و على هذا القياس.
قال تعالى: «و إن من شيء إلا عندنا خزائنه و ما ننزله إلا بقدر معلوم»: الحجر: 21، و قال: «ثم السبيل يسره»: عبس: 20 و قال: «لكل وجهة هو موليها»: البقرة: 148.
قوله تعالى: «و الذي أخرج المرعى» المرعى ما ترعاه الدواب فالله تعالى هو الذي أخرجها أي أنبتها.
قوله تعالى: «فجعله غثاء أحوى» الغثاء ما يقذفه السيل على جانب الوادي من الحشيش و النبات، و المراد هنا - كما قيل - اليابس من النبات، و الأحوى الأسود.
و إخراج المرعى لتغذي الحيوان ثم جعله غثاء أحوى من مصاديق التدبير الربوبي و دلائله كما أن الخلق و التسوية و التقدير و الهداية كذلك.
قوله تعالى: «سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر و ما يخفى» قال في المفردات،: و القراءة ضم الحروف و الكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، و ليس يقال ذلك لكل جمع لا يقال: قرأت القوم إذا جمعتهم، و يدل على ذلك أنه لا يقال للحرف الواحد إذا تفوه به قراءة، انتهى، و قال في المجمع،: و الإقراء أخذ القراءة على القارىء بالاستماع لتقويم الزلل، و القارىء التالي.
انتهى.
و ليس إقراؤه تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن مثل إقراء بعضنا بعضا باستماع المقري لما يقرؤه القارىء و إصلاح ما لا يحسنه أو يغلط فيه فلم يعهد من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقرأ شيئا من القرآن فلا يحسنه أو يغلط فيه عن نسيان للوحي ثم يقرأ فيصلح بل المراد تمكينه من قراءة القرآن كما أنزل من غير أن يغيره بزيادة أو نقص أو تحريف بسبب النسيان.
فقوله: «سنقرئك فلا تنسى» وعد منه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يمكنه من العلم بالقرآن و حفظه على ما أنزل بحيث يرتفع عنه النسيان فيقرؤه كما أنزل و هو الملاك في تبليغ الوحي كما أوحي إليه.
و قوله: «إلا ما شاء الله» استثناء مفيد لبقاء القدرة الإلهية على إطلاقها و أن هذه العطية و هي الإقراء بحيث لا تنسى لا ينقطع عنه سبحانه بالإعطاء بحيث لا يقدر بعد على إنسائك بل هو باق على إطلاق قدرته له أن يشاء إنساءك متى شاء و إن كان لا يشاء ذلك فهو نظير الاستثناء الذي في قوله: «و أما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ»: هود: 108 و قد تقدم توضيحه.
و ليس المراد بالاستثناء إخراج بعض أفراد النسيان من عموم النفي و المعنى سنقرئك فلا تنسى شيئا إلا ما شاء الله أن تنساه و ذلك أن كل إنسان على هذه الحال يحفظ أشياء و ينسى أشياء فلا معنى لاختصاصه بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بلحن الامتنان مع كونه مشتركا بينه و بين غيره فالوجه ما قدمناه.
و الآية بسياقها لا تخلو من تأييد لما قيل: إنه كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا نزل عليه جبريل بالوحي يقرؤه مخافة أن ينساه فكان لا يفرغ جبريل من آخر الوحي حتى يتكلم هو بأوله فلما نزلت هذه الآية لم ينس بعده شيئا.
و يقرب من الاعتبار أن تكون هذه الآية أعني قوله: «سنقرئك فلا تنسى» نازلة أولا ثم قوله: «لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه و قرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه»: القيامة: 19 ثم قوله: «و لا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه و قل رب زدني علما»: طه: 114.
و قوله: «إنه يعلم الجهر و ما يخفى» الجهر كمال ظهور الشيء لحاسة البصر كقوله.
«فقالوا أرنا الله جهرة»: النساء: 153، أو لحاسة السمع كقوله: «إنه يعلم الجهر من القول»: الأنبياء: 110، و المراد بالجهر الظاهر للإدراك بقرينة مقابلته لقوله: «و ما يخفى» من غير تقييده بسمع أو بصر.
و الجملة في مقام التعليل لقوله.
«سنقرئك فلا تنسى» و المعنى سنصلح لك بالك في تلقي الوحي و حفظه لأنا نعلم ظاهر الأشياء و باطنها فنعلم ظاهر حالك و باطنها و ما أنت عليه من الاهتمام بأمر الوحي و الحرص على طاعته فيما أمر به.
و في قوله: «إلا ما شاء الله إنه يعلم» إلخ التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة و النكتة فيه الإشارة إلى حجة الاستثناء فإفاضة العلم و الحفظ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما لا يسلب القدرة على خلافه و لا يحدها منه تعالى لأنه الله المستجمع لجميع صفات الكمال و منها القدرة المطلقة ثم جرى الالتفات في قوله: «إنه يعلم» إلخ لمثل النكتة.
قوله تعالى: «و نيسرك لليسرى» اليسرى - مؤنث أيسر - و هو وصف قائم مقام موصوفة المحذوف أي الطريقة اليسرى و التيسير التسهيل أي و نجعلك بحيث تتخذ دائما أسهل الطرق للدعوة و التبليغ قولا و فعلا فتهدي قوما و تتم الحجة على آخرين و تصبر على أذاهم.
و كان مقتضى الظاهر أن يقال: و نيسر لك اليسرى كما قال: «و يسر لي أمري»: طه: 26 و إنما عدل عن ذلك إلى قوله: «و نيسرك لليسرى» لأن الكلام في تجهيزه تعالى نفس النبي الشريفة و جعله إياها صالحة لتأدية الرسالة و نشر الدعوة.
على ما في نيسر اليسرى من إيهام تحصيل الحاصل.
فالمراد جعله (صلى الله عليه وآله وسلم) صافي الفطرة حقيقا على اختيار الطريقة اليسرى التي هي طريقة الفطرة فالآية في معنى قوله حكاية عن موسى: «حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق»: الأعراف: 105.
قوله تعالى: «فذكر إن نفعت الذكرى» تفريع على ما تقدم من أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بتنزيه اسم ربه و وعده إقراء الوحي بحيث لا ينسى و تيسيره لليسرى و هي الشرائط الضرورية التي يتوقف عليها نجاح الدعوة الدينية.
و المعنى إذ تم لك الأمر بامتثال ما أمرناك به و إقرائك فلا تنسى و تيسيرك لليسرى فذكر إن نفعت الذكرى.
و قد اشترط في الأمر بالتذكرة أن تكون نافعة و هو شرط على حقيقته فإنها إذا لم تنفع كانت لغوا و هو تعالى يجل عن أن يأمر باللغو فالتذكرة لمن يخشى لأول مرة تفيد ميلا من نفسه إلى الحق و هو نفعها و كذا التذكرة بعد التذكرة كما قال: «سيذكر من يخشى» و التذكرة للأشقى الذي لا خشية في قلبه لأول مرة تفيد تمام الحجة عليه و هو نفعها و يلازمها تجنبه و توليه عن الحق كما قال: «و يتجنبها الأشقى» و التذكرة بعد التذكرة له لا تنفع شيئا و لذا أمر بالإعراض عن ذلك قال تعالى: «فأعرض عمن تولى عن ذكرنا و لم يرد إلا الحياة الدنيا»: النجم: 29.
و قيل: الشرط شرط صوري غير حقيقي و إنما هو إخبار عن أن الذكرى نافعة لا محالة في زيادة الطاعة و الانتهاء عن المعصية كما يقال: سله إن نفع السؤال و لذا قال بعضهم «إن» «إن» في الآية بمعنى قد، و قال آخرون: إنها بمعنى إذ.
و فيه أن كون الذكرى نافعة مفيدة دائما حتى فيمن يعاند الحق - و قد تمت عليه الحجة - ممنوع كيف؟ و قد قيل فيهم: «سواء عليهم ء أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم و على سمعهم و على أبصارهم غشاوة»: البقرة: 7.
و قيل: إن في الكلام إيجازا بالحذف، و التقدير فذكر إن نفعت الذكرى و إن لم تنفع و ذلك لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأس للتذكرة و الإعذار فعليه أن يذكر نفع أو لم ينفع فالآية من قبيل قوله: «و جعل لكم سرابيل تقيكم الحر»: النحل: 81 أي و البرد.
و فيه أن وجوب التذكرة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى فيما لا يترتب عليها أثرا أصلا ممنوع.
و قيل: إن الشرط مسوق للإشارة إلى استبعاد النفع في تذكرة هؤلاء المذكورين نعيا عليهم كأنه قيل: افعل ما أمرت به لتوجر و إن لم ينتفعوا به.
و فيه أنه يرده قوله تعالى بعده بلا فصل: «سيذكر من يخشى».
قوله تعالى: «سيذكر من يخشى» أي سيتذكر و يتعظ بالقرآن من في قلبه شيء من خشية الله و خوف عقابه.
قوله تعالى: «و يتجنبها الأشقى» الضمير للذكرى و المراد بالأشقى بقرينة المقابلة من ليس في قلبه شيء من خشية الله تعالى، و تجنب الشيء التباعد عنه، و المعنى و سيتباعد عن الذكرى من لا يخشى الله.
قوله تعالى: «الذي يصلى النار الكبرى» الظاهر أن المراد بالنار الكبرى نار جهنم و هي نار كبرى بالقياس إلى نار الدنيا، و قيل: المراد بها أسفل دركات جهنم و هي أشدها عذابا.
قوله تعالى: «ثم لا يموت فيها و لا يحيى» ثم للتراخي بحسب رتبة الكلام، و المراد من نفي الموت و الحياة عنه معا نفي النجاة نفيا مؤبدا فإن النجاة بمعنى انقطاع العذاب بأحد أمرين إما بالموت حتى ينقطع عنه العذاب بانقطاع وجوده و إما يتبدل صفة الحياة من الشقاء إلى السعادة و من العذاب إلى الراحة فالمراد بالحياة في الآية الحياة الطيبة على حد قولهم في الحرض: لا حي فيرجى و لا ميت فينسى.
قوله تعالى: «قد أفلح من تزكى و ذكر اسم ربه فصلى» التزكي هو التطهر و المراد به التطهر من ألواث التعلقات الدنيوية الصارفة عن الآخرة بدليل قوله بعد «بل تؤثرون الحياة الدنيا» إلخ، و الرجوع إلى الله بالتوجه إليه تطهر من الإخلاد إلى الأرض، و الإنفاق في سبيل الله تطهر من لوث التعلق المالي حتى أن وضوء الصلاة تمثيل للتطهر عما كسبته الوجوه و الأيدي و الأقدام.
و قوله: «و ذكر اسم ربه فصلى» الظاهر أن المراد بالذكر الذكر اللفظي، و بالصلاة التوجه الخاص المشروع في الإسلام.
و الآيتان بحسب ظاهر مدلولهما على العموم لكن ورد في المأثور عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنهما نزلتا في زكاة الفطر و صلاة العيد و كذا من طرق أهل السنة.
قوله تعالى: «بل تؤثرون الحياة الدنيا» إضراب بالخطاب لعامة الناس على ما يدعو إليه طبعهم البشري من التعلق التام بالدنيا و الاشتغال بتعميرها، و الإيثار الاختيار، و قيل: الخطاب للكفار، و الكلام على أي حال مسوق للعتاب و الالتفات لتأكيده.
قوله تعالى: «و الآخرة خير و أبقى» عد الآخرة أبقى بالنسبة إلى الدنيا مع أنها باقية أبدية في نفسها لأن المقام مقام الترجيح بين الدنيا و الآخرة و يكفي في الترجيح مجرد كون الآخرة خيرا و أبقى بالنسبة إلى الدنيا و إن قطع النظر عن كونها باقية أبدية.
قوله تعالى: «إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم و موسى» الإشارة بهذا إلى ما بين في قوله: «قد أفلح من تزكى» إلى تمام أربع آيات، و قيل: هذا إشارة إلى مضمون قوله: «و الآخرة خير و أبقى».
قيل: و في إبهام الصحف و وصفها بالتقدم أولا ثم بيانها و تفسيرها بصحف إبراهيم و موسى ثانيا ما لا يخفى من تفخيم شأنها و تعظيم أمرها.
بحث روائي
في تفسير العياشي، عن عقبة بن عامر الجهني قال: لما نزلت: «فسبح باسم ربك العظيم» قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اجعلوها في ركوعكم، و لما نزل «سبح اسم ربك الأعلى» قال: اجعلوها في سجودكم:. أقول: و رواه أيضا في الدر المنثور، عن أحمد و أبي داود و ابن ماجة و ابن المنذر و ابن مردويه عن عقبة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم).
و في تفسير القمي،: «سبح اسم ربك الأعلى» قال: قل سبحان ربي الأعلى «الذي خلق فسوى و الذي قدر فهدى» قال: قدر الأشياء بالتقدير الأول ثم هدى إليها من يشاء.
و فيه،: في قوله تعالى: «و الذي أخرج المرعى» قال: أي النبات. و في قوله: «غثاء أحوى» قال: يصير هشيما بعد بلوغه و يسود.
و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يستذكر القرآن مخافة أن ينساه فقيل له: كفيناك ذلك و نزلت: «سنقرئك فلا تنسى».
و في الفقيه،: و سئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: «قد أفلح من تزكى» قال قال: من أخرج الفطرة قيل له: و «ذكر اسم ربه فصلى» قال: خرج إلى الجبانة فصلى:. أقول: و روي هذا المعنى أيضا عن حماد عن جرير عن أبي بصير و زرارة عنه (عليه السلام) و رواه القمي في تفسيره، مرسلا مضمرا.
و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «قد أفلح من تزكى - و ذكر اسم ربه فصلى» ثم يقسم الفطرة قبل أن يغدو إلى المصلى يوم الفطر.
أقول: و روي أيضا نزول الآيتين في زكاة الفطرة و صلاة العيد بطريقين عن أبي سعيد موقوفا، و كذا بطريقين عن ابن عمر و بطريق عن نائلة بن الأصقع و بطريقين عن أبي العالية و بطريق عن عطاء و بطريق عن محمد بن سيرين و بطريق عن إبراهيم النخعي و كذا عن عمرو بن عوف عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
و في الخصال، عن عتبة بن عمرو الليثي عن أبي ذر في حديث قلت: يا رسول الله فما في الدنيا مما أنزل الله عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم و موسى؟ قال: يا أبا ذر اقرأ «قد أفلح من تزكى - و ذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا - و الآخرة خير و أبقى - إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم و موسى».
أقول: يؤيد الحديث كون الإشارة بهذا إلى مجموع الآيات الأربع كما تقدم.
و في البصائر، بإسناده عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): عندنا الصحف التي قال الله: «صحف إبراهيم و موسى» قلت: الصحف هي الألواح؟ قال: نعم:. أقول: و رواه أيضا بطريق آخر عن أبي بصير عنه (عليه السلام) و الظاهر أن المراد بكون الصحف هي الألواح كونها هي التوراة المعبر عنها في مواضع من القرآن بالألواح كقوله تعالى: «و كتبنا له في الألواح من كل شيء»: الأعراف: 145 و قوله: «و ألقى الألواح»: الأعراف: 150 و قوله: «أخذ الألواح»: الأعراف: 154.
و في المجمع، روي عن أبي ذر أنه قال: قلت: يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: مائة ألف نبي و أربعة و عشرون ألفا قلت: يا رسول الله كم المرسلون منهم؟ قال: ثلاث مائة و ثلاثة عشر و بقيتهم أنبياء. قلت: كان آدم نبيا؟ قال: نعم كلمة الله و خلقه بيده. يا أبا ذر أربعة من الأنبياء عرب: هود و صالح و شعيب و نبيك. قلت: يا رسول الله كم أنزل الله من كتاب؟ قال: مائة و أربعة كتب أنزل منها على آدم عشرة صحف، و على شيث خمسين صحيفة، و على أخنوخ و هو إدريس ثلاثين صحيفة و هو أول من خط بالقلم و على إبراهيم عشر صحائف و التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان.
أقول: و روي ذلك في الدر المنثور، عن عبد بن حميد و ابن مردويه و ابن عساكر عن أبي ذر غير أنه لم يذكر صحف آدم و ذكر لموسى عشر صحف قبل التوراة.
|