بيان
الذي يفيده التدبر في الآيات أنها ذات سياق واحد تتعرض للتوصية بالعدل في القضاء، و النهي عن أن يميل القاضي في قضائه، و الحاكم في حكمه إلى المبطلين، و يجور على المحقين كائنين من كانوا.
و ذلك بالإشارة إلى بعض الحوادث الواقعة عند نزول الآيات، ثم البحث فيما يتعلق بذلك من الحقائق الدينية و الأمر بلزومها و رعايتها، و تنبيه المؤمنين أن الدين إنما هو حقيقة لا اسم، و إنما ينفع التلبس به دون التسمي.
و الظاهر أن هذه القصة هي التي يشير إليها قوله تعالى «و من يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا و إثما مبينا» حيث يدل على أنه كان هناك شيء من المعاصي التي تقبل الرمي كسرقة أو قتل أو إتلاف أو إضرار و نحوها، و أنه كان من المتوقع أن يهتموا بإضلال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حكمه و الله عاصمه.
و الظاهر أن هذه القصة أيضا هي التي تشير إليها الآيات الأول كما في قوله تعالى «و لا تكن للخائنين خصيما» الآية و قوله «يستخفون من الناس» الآية و قوله «ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم» إلخ فإن الخيانة و إن كان ظاهرها ما يكون في الودائع و الأمانات لكن سياق قوله «إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس» كما سيجيء بيانه يعطي أن المراد بها ما يتحقق في سرقة و نحوها بعناية أن المؤمنين كنفس واحدة، و ما لبعضهم من المال مسئول عنه البعض الآخر من حيث رعاية احترامه، و الاهتمام بحفظه و حمايته، فتعدى بعضهم إلى مال البعض خيانة منهم لأنفسهم.
فالتدبر يقرب أن القصة كأنها سرقة وقعت من بعضهم ثم رفع الأمر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرمى بها السارق غيره ممن هو بريء منها، ثم ألح قوم السارق عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقضي لهم، و بالغوا في أن يغيروه (صلى الله عليه وآله وسلم) على المتهم البريء فأنزلت الآيات و برأه الله مما قالوا.
فالآيات أشد انطباقا على ما روي في سبب النزول من قصة سرقة أبي طعمة بن الأبيرق، و إن كانت أسباب النزول - كما سمعت مرارا - في أغلب ما رويت من قبيل تطبيق القصص المأثورة على ما يناسبها من الآيات القرآنية.
و يستفاد من الآيات حجية قضائه (صلى الله عليه وآله وسلم)، و عصمته و حقائق أخر سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: «إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله» ظاهر الحكم بين الناس هو القضاء بينهم في مخاصماتهم و منازعاتهم مما يرجع إلى الأمور القضائية و رفع الاختلافات بالحكم، و قد جعل الله تعالى الحكم بين الناس غاية لإنزال الكتاب فينطبق مضمون الآية على ما يتضمنه قوله تعالى «كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و أنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه»: الآية البقرة: 213 و قد مر تفصيل القول فيه.
فهذه الآية إنا أنزلنا إليك الكتاب إلخ في خصوص موردها نظيرة تلك الآية كان الناس أمة واحدة، في عمومها، و تزيد عليها في أنها تدل على جعل حق الحكم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الحجية لرأيه و نظره فإن الحكم و هو القطع في القضاء و فصل الخصومة لا ينفك عن إعمال نظر من القاضي الحاكم و إظهار عقيدة منه مضافا إلى ما عنده من العلم بالأحكام العامة و القوانين الكلية في موارد الخصومة فإن العلم بكليات الأحكام و حقوق الناس أمر، و القطع و الحكم بانطباق مورد النزاع على بعضها دون بعض أمر آخر.
فالمراد بالإراءة في قوله «لتحكم بين الناس بما أراك الله» إيجاد الرأي و تعريف الحكم لا تعليم الأحكام و الشرائع كما احتمله بعضهم.
و مضمون الآية على ما يعطيه السياق أن الله أنزل إليك الكتاب و علمك أحكامه و شرائعه و حكمه لتضيف إليها ما أوجد لك من الرأي و عرفك من الحكم فتحكم بين الناس، و ترفع بذلك اختلافاتهم.
قوله تعالى: «و لا تكن للخائنين خصيما» عطف على ما تقدمه من الجملة الخبرية لكونها في معنى الإنشاء كأنه قيل: فاحكم بينهم و لا تكن للخائنين خصيما.
و الخصيم هو الذي يدافع عن الدعوى و ما في حكمها، و فيه نهيه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أن يكون خصيما للخائنين على من يطالبهم بحقوقه فيدافع عن الخائنين و يبطل حقوق المحقين من أهل الدعوى.
و ربما أمكن أن يستفاد من عطف قوله «و لا تكن للخائنين»، على ما تقدمه و هو أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرا مطلقا بالحكم أن المراد بالخيانة مطلق التعدي على حقوق الغير ممن لا ينبغي منه ذلك لا خصوص الخيانة للودائع و إن كان ربما عطف الخاص على العام لعناية ما بشأنه لكن المورد كالخالي عن العناية، و سيجيء لهذا الكلام تتمة.
قوله تعالى: «و استغفر الله إن الله كان غفورا رحيما» الظاهر أن الاستغفار هاهنا هو أن يطلب من الله سبحانه الستر على ما في طبع الإنسان من إمكان هضم الحقوق و الميل إلى الهوى و مغفرة ذلك، و قد مر مرارا أن العفو و المغفرة يستعملان في كلامه تعالى في شئون مختلفة يجمعها جامع الذنب، و هو التباعد من الحق بوجه.
فالمعنى - و الله أعلم -: و لا تكن للخائنين خصيما و لا تمل إليهم، و اطلب من الله سبحانه أن يوفقك لذلك و يستر على نفسك أن تميل إلى الدفاع عن خيانتهم و يتسلط عليك هوى النفس.
و الدليل على إرادة ذلك ما في ذيل الآيات «الكريمة و لو لا فضل الله عليك و رحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك و ما يضلون إلا أنفسهم و ما يضرونك من شيء» فإن الآية تنص على أنهم لا يضرون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و إن بذلوا غاية جهدهم في تحريك عواطفه إلى إيثار الباطل و إظهاره على الحق فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمن إلهي من الضرر، و الله يعصمه فهو لا يجور في حكمه و لا يميل إلى الجور، و لا يتبع الهوى، و من الجور و الميل إلى الهوى المذموم أن يفرق في حكمه بين قوي و ضعيف، أو صديق و عدو، أو مؤمن و كافر ذمي، أو قريب و بعيد، فأمره بأن يستغفر ليس لصدور ذنب ذي وبال و تبعة منه، و لا لإشرافه على ما لا يحمد منه بل ليسأل من الله أن يظهره على هوى النفس، و لا ريب في حاجته في ذلك إلى ربه و عدم استغنائه عنه و إن كان على عصمة، فإن لله سبحانه أن يفعل ما يشاء.
و هذه العصمة مدار عملها ما يعد طاعة و معصية، و ما يحمد أو يذم عليه من الأعمال لا ما هو الواقع الخارجي، و بعبارة أخرى الآيات تدل على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمن من اتباع الهوى، و الميل إلى الباطل، و أما إن الذي يحكم و يقضي به بما شرعه من القواعد و قوانين القضاء الظاهرية كقوله «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر» و نحو ذلك يصادف دائما ما هو الحق في الواقع فينتج دائما غلبة المحق، و مغلوبية المبطل في دعواه، فالآيات لا تدل على ذلك أصلا، و لا أن القوانين الظاهرية في استطاعتها أن تهدي إلى ذلك قطعا فإنها أمارات مميزة بين الحق و الباطل غالبا لا دائما، و لا معنى لاستلزام الغالب الدائم و هو ظاهر.
و مما تقدم يظهر ما في كلام بعض المفسرين حيث ذكر في قوله تعالى «و استغفر الله، إنه أمر بالاستغفار عما هم به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الدفاع و الذب عن هذا الخائن المذكور في الآية، و قد سأله قومه أن يدفع عنه و يكون خصيما له على يهودي.
و ذلك أن هذا القدر أيضا تأثير منهم بأثر مذموم، و قد نفى الله سبحانه عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كل ضرر.
قوله تعالى «و لا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم»، قيل: إن نسبة الخيانة إلى النفس لكون وبالها راجعا إليها، أو يعد كل معصية خيانة للنفس كما عد ظلما لها، و قد قال تعالى.
«علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم»: البقرة: 187.
و يمكن أن يستفاد من الآية بمعونة ما يدل عليه القرآن من أن المؤمنين كنفس واحدة، و أن مال الواحد منهم مال لجميعهم يجب على الجميع حفظه و صونه عن الضيعة و التلف، كون تعدي بعضهم على بعض بسرقة و نحوها اختيانا لأنفسهم.
و في قوله تعالى «إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما» دلالة على استمرار هؤلاء الخائنين في خيانتهم، و يؤكده قوله «أثيما» فإن الأثيم آكد في المعنى من الإثم و هو صفة مشبهة تدل على الثبوت.
على أن قوله «يختانون أنفسهم» لا تخلو عن دلالة على الاستمرار، و كذا قوله «للخائنين» حيث عبر بالوصف و لم يعبر بمثل قولنا: للذين خانوا، كما عبر بذلك في قوله «فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم»: الأنفال: 71.
فمن هذه القرائن و أمثالها يظهر أن معنى الآية - بالنظر إلى مورد النزول -: و لا تكن خصيما لهؤلاء، و لا تجادل عنهم فإنهم مصرون على الخيانة مبالغون فيها ثابتون على الإثم، و الله لا يحب من كان خوانا أثيما.
و هذا يؤيد ما ورد في أسباب النزول من نزول الآيات في أبي طعمة بن الأبيرق.
كما سيجيء.
و معنى الآية - مع قطع النظر عن المورد -: و لا تدافع في قضائك عن المصرين على الخيانة المستمرين عليها، فإن الله لا يحب الخوان الأثيم، و كما أنه تعالى لا يحب كثير الخيانة لا يحب قليلها، و لو أمكن أن يحب قليلها أمكن أن يحب كثيرها و إذا كان كذلك فالله ينهى أن يدافع عن قليل الخيانة كما ينهى عن أن يدافع عن كثيرها و أما من خان في أمر ثم نازع في أمر آخر و هو محق في نزاعه، فالدفاع عنه دفاع غير محظور و لا ممنوع منه، و لا ينهى عنه قوله «و لا تكن للخائنين خصيما» الآية.
قوله تعالى: «يستخفون من الناس و لا يستخفون من الله»، و هذا أيضا من الشواهد على ما قدمناه من أن الآيات 105 126 جميعا ذات سياق واحد، نازلة في قصة واحدة، و هي التي يشير إليها قوله «و من يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا» الآية، و ذلك أن الاستخفاء إنما يناسب الأعمال التي يمكن أن يرمى بها الغير كالسرقة و أمثال ذلك فيتأيد به أن الذي تشير إليه هذه الآية و ما تقدمها من الآيات هو الذي يشير إليه قوله «و من يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به» الآية.
و الاستخفاء من الله أمر غير مقدور إذ لا يخفى على الله شيء في الأرض و لا في السماء فطرفه المقابل له أعني عدم الاستخفاء أيضا أمر اضطراري غير مقدور، و إذا كان غير مقدور لم يتعلق به لوم و لا تعيير كما هو ظاهر الآية.
لكن الظاهر أن الاستخفاء كناية عن الاستحياء و لذلك قيد قوله «و لا يستخفون من الله» أولا بقوله «و هو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول» فدل على أنهم كانوا يدبرون الحيلة ليلا للتبري من هذه الخيانة المذمومة، و يبيتون في ذلك قولا لا يرضى به الله سبحانه ثم قيده ثانيا بقوله «و كان الله بما يعملون محيطا» و دل على إحاطته تعالى بهم في جميع الأحوال و منها حال الجرم الذي أجرموه، و التقييد بهذين القيدين أعني قوله «و هو معهم»، و قوله «و كان الله»، تقييد بالعام بعد الخاص، و هو في الحقيقة تعليل لعدم استخفائهم من الله بعلة خاصة ثم بأخرى عامة.
قوله تعالى: «ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا» الآية بيان لعدم الجدوى في الجدال عنهم، و أنهم لا ينتفعون بذلك في صورة الاستفهام و المراد أن الجدال عنهم لو نفعهم فإنما ينفعهم في الحياة الدنيا، و لا قدر لها عند الله، و أما الحياة الأخروية التي لها عظيم القدر عند الله أو ظرف الدفاع فيها يوم القيامة فلا مدافع هناك عن الخائنين و لا مجادل عنهم بل لا وكيل لهم يومئذ يتكفل تدبير أمورهم و إصلاح شئونهم.
قوله تعالى. «و من يعمل سوءا أو يظلم نفسه» الآية فيه ترغيب و حث لأولئك الخائنين أن يرجعوا إلى ربهم بالاستغفار، و الظاهر أن الترديد بين السوء و ظلم النفس و التدرج من السوء إلى الظلم لكون المراد بالسوء التعدي على الغير، و بالظلم التعدي على النفس، أو أن السوء أهون من الظلم كالمعصية الصغيرة بالنسبة إلى الكبيرة، و الله أعلم.
و هذه الآية و الآيتان بعدها جميعا كلام مسوق لغرض واحد، و هو بيان أمر الإثم الذي يكسبه الإنسان بعمله، يتكفل كل واحدة من الآيات الثلاث بيان جهة من جهاته، فالآية الأولى تبين أن المعصية التي يقترفها الإنسان فيتأثر بتبعتها نفسه و تكتب في كتاب أعماله، للعبد أن يتوب إلى الله منها و يستغفره فلو فعل ذلك وجد الله غفورا رحيما.
و الآية الثانية تذكر الإنسان أن الإثم الذي يكسبه إنما يكسبه على نفسه و ليس بالذي يمكن أن يتخطاه و يلحق غيره برمي أو افتراء و نحو ذلك.
و الآية الثالثة توضح أن الخطيئة أو الإثم الذي يكسبه الإنسان لو رمى به بريئا غيره كان الرمي به إثما آخر وراء أصل الخطيئة أو الإثم.
قوله تعالى: «و من يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه و كان الله عليما حكيما» قد تقدم أن الآية مرتبطة مضمونا بالآية التالية المتعرضة للرمي بالخطيئة و الإثم فهذه كالمقدمة لتلك، و على هذا فقوله «فإنما يكسبه على نفسه» مسوق لقصر التعيين، و في الآية عظة لمن يكسب الإثم ثم يرمي به بريئا غيره.
و المعنى - و الله أعلم -: أنه يجب على من يكسب إثما أن يتذكر أن ما يكسبه من الإثم فإنما يكسبه على نفسه لا على غيره، و أنه هو الذي فعله لا غيره و إن رماه به أو تعهد له هو أن يحمل إثمه و كان الله عليما يعلم أنه فعل هذا الكاسب، و أنه الذي فعله لا غيره المرمي به، حكيما لا يؤاخذ بالإثم إلا آثمه، و بالوزر غير وازرتها كما قال تعالى: «لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت» البقرة: 286، و قال: «و لا تزر وازرة وزر أخرى» الأنعام: 164 و قال: «و قال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا و لنحمل خطاياكم و ما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون» العنكبوت: 12.
قوله تعالى: «و من يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا و إثما مبينا»، قال الراغب في المفردات،: إن من أراد شيئا فاتفق منه غيره يقال: أخطأ و إن وقع منه كما أراده يقال أصاب، و قد يقال لمن فعل فعلا لا يحسن أو أراد إرادة لا تجمل: إنه أخطأ.
و لهذا يقال: أصاب الخطأ، و أخطأ الصواب، و أصاب الصواب، و أخطأ الخطأ.
و هذه اللفظة مشتركة كما ترى، مترددة بين معان يجب لمن يتحرى الحقائق أن يتأملها.
قال: و الخطيئة و السيئة تتقاربان لكن الخطيئة أكثر ما تقال فيما لا يكون مقصودا إليه في نفسه بل يكون القصد سببا لتولد ذلك الفعل منه كمن يرمي صيدا فأصاب إنسانا، أو شرب مسكرا فجنى جناية في سكره، و السبب سببان: سبب محظور فعله كشرب المسكر و ما يتولد عنه من الخطإ غير متجاف عنه، و سبب غير محظور كرمي الصيد، قال تعالى:، ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به و لكن ما تعمدت قلوبكم» و قال تعالى: «و من يكسب خطيئة أو إثما» فالخطيئة هاهنا هي التي لا تكون عن قصد إلى فعلها انتهى.
و أظن أن الخطيئة من الأوصاف التي استغني عن موصوفاتها بكثرة الاستعمال كالمصيبة و الرزية و السليقة و نحوها، و وزن فعيل يدل على اختزان الحدث و استقراره، فالخطيئة هي العمل الذي اختزن و استقر فيه الخطأ و الخطأ، الفعل الواقع الذي لا يقصده الإنسان كقتل الخطإ، هذا في الأصل، ثم وسع إلى ما لا ينبغي للإنسان أن يقصده لو كانت نفسه على سلامتها الفطرية، فكل معصية و أثر معصية من مصاديق الخطإ على هذا التوسع، و الخطيئة هي العمل أو أثر العمل الذي لم يقصده الإنسان و لا يعد حينئذ معصية أو لم يكن ينبغي أن يقصده و يعد حينئذ معصية أو وبال معصية.
لكن الله سبحانه لما نسبها في قوله «و من يكسب خطيئة» إلى الكسب كان المراد بها الخطيئة التي هي المعصية، فالمراد بالخطيئة في الآية هي التي تكون عن قصد إلى فعلها و إن كان من شأنها أن لا يقصد إليها.
و قد مر في قوله تعالى «قل فيهما إثم»: البقرة: 219 أن الإثم هو العمل الذي يوجب بوباله حرمان الإنسان عن خيرات كثيرة كشرب الخمر و القمار و السرقة مما يصد الإنسان عن حيازة الخيرات الحيوية، و يوجب انحطاطا اجتماعيا يسقط الإنسان عن وزنه الاجتماعي و يسلب عنه الاعتماد و الثقة العامة.
و على هذا فاجتماع الخطيئة و الإثم على نحو الترديد و نسبتهما جميعا إلى الكسب في قوله «و من يكسب خطيئة أو إثما» الآية يوجب اختصاص كل منهما بما يختص به من المعنى، و المعنى - و الله أعلم -: أن من يكسب معصية لا تتجاوز موردها وبالا كترك بعض الواجبات كالصوم أو فعل بعض المحرمات كأكل الدم أو يكسب معصية يستمر وبالها كقتل النفس من غير حق و السرقة ثم يرم بها بريئا بنسبتها إليه فقد احتمل بهتانا و إثما مبينا.
و في تسمية نسبة العمل السيىء إلى الغير رميا - و الرمي يستعمل في مورد السهم - و كذا في إطلاق الاحتمال على قبول وزر البهتان استعارة لطيفة كان المفتري يفتك بالمتهم البريء برميه بالسهم فيوجب له فتكه أن يتحمل حملا يشغله عن كل خير مدى حياته من غير أن يفارقه.
و من ما تقدم يظهر وجه اختلاف التعبير عن المعصية في الآيات الكريمة تارة بالإثم و أخرى بالخطيئة و السوء و الظلم و الخيانة و الضلال، فكل واحد من هذه الألفاظ هو المناسب بمعناه لمحله الذي حل فيه.
قوله تعالى: «و لو لا فضل الله عليك و رحمته لهمت» إلى آخر الآية السياق يدل على أن المراد بهمهم بإضلال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو همهم أن يرضوه بالدفاع عن الذين سماهم الله تعالى في صدر الآيات بالخائنين و الجدال عنهم و على هذا فالمراد بهذه الطائفة أيضا هم الذين عدل الله سبحانه إلى خطابهم بقوله «ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا» الآية و ينطبق على قوم أبي طعمة على ما سيجيء.
و أما قوله «و ما يضلون إلا أنفسهم» فالمراد به بقرينة قوله بعده «و ما يضرونك من شيء»، إن إضلال هؤلاء لا يتعدى أنفسهم و لا يتجاوزهم إليك، فهم الضالون بما هموا به لأنه معصية و كل معصية ضلال.
و لهذا الكلام معنى آخر تقدمت الإشارة إليه في الكلام على قوله «و ما يضلون إلا أنفسهم و ما يشعرون: آل عمران: 69 في الجزء الثالث من هذا الكتاب، لكنه لا يناسب هذا المقام.
و أما قوله «و ما يضرونك من شيء و أنزل الله عليك»، ففيه نفي إضرارهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفيا مطلقا غير أن ظاهر السياق أنه مقيد بقوله «و أنزل الله عليك الكتاب»، على أن يكون جملة حالية عن الضمير في قوله «يضرونك» و إن كان الأغلب مقارنة الجملة الفعلية المصدرة بالماضي بقد على ما ذكره النحاة، و على هذا فالكلام مسوق لنفي إضرار الناس مطلقا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في علم أو عمل.
قوله تعالى: «و أنزل الله عليك الكتاب و الحكمة و علمك ما لم تكن تعلم»، ظاهر الكلام كما أشرنا إليه أنه في مقام التعليل لقوله «و ما يضرونك من شيء» أو لمجموع قوله «و ما يضلون إلا أنفسهم و ما يضرونك من شيء» و كيف كان فهذا الإنزال و التعليم هو المانع من تأثيرهم في إضلاله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهو الملاك في عصمته.
كلام في معنى العصمة
ظاهر الآية أن الأمر الذي تتحقق به العصمة نوع من العلم يمنع صاحبه عن التلبس بالمعصية و الخطإ، و بعبارة أخرى علم مانع عن الضلال، كما أن سائر الأخلاق كالشجاعة و العفة و السخاء كل منها صورة علمية راسخة موجبة لتحقق آثارها، مانعة عن التلبس بأضدادها من آثار الجبن و التهور و الخمود و الشره و البخل و التبذير.
و العلم النافع و الحكمة البالغة و إن كانا يوجبان تنزه صاحبهما عن الوقوع في مهالك الرذائل، و التلوث بأقذار المعاصي، كما نشاهده في رجال العلم و الحكمة و الفضلاء من أهل التقوى و الدين، غير أن ذلك سبب غالبي كسائر الأسباب الموجودة في هذا العالم المادي الطبيعي فلا تكاد تجد متلبسا بكمال يحجزه كماله من النواقص و يصونه عن الخطإ صونا دائميا من غير تخلف، سنة جارية في جميع الأسباب التي نراها و نشاهدها.
و الوجه في ذلك أن القوى الشعورية المختلفة في الإنسان يوجب بعضها ذهوله عن حكم البعض الآخر أو ضعف التفاته إليه كما أن صاحب ملكة التقوى ما دام شاعرا بفضيلة تقواه لا يميل إلى اتباع الشهوة غير المرضية، و يجري على مقتضى تقواه، غير أن اشتعال نار الشهوة و انجذاب نفسه إلى هذا النحو من الشعور ربما حجبه عن تذكر فضيلة التقوى أو ضعف شعور التقوى فلا يلبث دون أن يرتكب ما لا يرتضيه التقوى و يختار سفساف الشره، و على هذا السبيل سائر الأسباب الشعورية في الإنسان و إلا فالإنسان لا يحيد عن حكم سبب من هذه الأسباب ما دام السبب قائما على ساق، و لا مانع يمنع من تأثيره، فجميع هذه التخلفات تستند إلى مغالبة التقوى و الأسباب، و تغلب بعضها على بعض.
و من هنا يظهر أن هذه القوة المسماة بقوة العصمة سبب شعوري علمي غير مغلوب البتة، و لو كانت من قبيل ما نتعارفه من أقسام الشعور و الإدراك لتسرب إليها التخلف، و خبطت في أثرها أحيانا، فهذا العلم من غير سنخ سائر العلوم و الإدراكات المتعارفة التي تقبل الاكتساب و التعلم.
و قد أشار الله تعالى إليه في خطابه الذي خص به نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله «و أنزل الله عليك الكتاب و الحكمة و علمك ما لم تكن تعلم» و هو خطاب خاص لا نفقهه حقيقة الفقه إذ لا ذوق لنا في هذا النحو من العلم و الشعور غير أن الذي يظهر لنا من سائر كلامه تعالى بعض الظهور كقوله «قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك»: البقرة: 97 و قوله «نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين»: الشعراء: 195 أن الإنزال المذكور من سنخ العلم، و يظهر من جهة أخرى أن ذلك من قبيل الوحي و التكليم كما يظهر من قوله «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذي أوحينا إليك و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى»: الآية الشورى: 13 و قوله «إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح و النبيين من بعده»: النساء: 163 و قوله «إن أتبع إلا ما يوحى إلي»: الأنعام: 50، و قوله «إنما أتبع ما يوحى إلي»: الأعراف: 203.
و يستفاد من الآيات على اختلافها أن المراد بالإنزال هو الوحي وحي الكتاب و الحكمة و هو نوع تعليم إلهي لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) غير أن الذي يشير إليه بقوله «و علمك ما لم تكن تعلم» ليس هو الذي علمه بوحي الكتاب و الحكمة فقط فإن مورد الآية قضاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحوادث الواقعة و الدعاوي التي ترفع إليه برأيه الخاص، و ليس ذلك من الكتاب و الحكمة بشيء و إن كان متوقفا عليهما بل رأيه و نظره الخاص به.
و من هنا يظهر أن المراد بالإنزال و التعليم في قوله «و أنزل الله عليك الكتاب و الحكمة و علمك ما لم تكن تعلم» نوعان اثنان من العلم، أحدهما التعليم بالوحي و نزول الروح الأمين على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و، الآخر: التعليم بنوع من الإلقاء في القلب و الإلهام الخفي الإلهي من غير إنزال الملك و هذا هو الذي تؤيده الروايات الواردة في علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
و على هذا فالمراد بقوله «و علمك ما لم تكن تعلم» آتاك نوعا من العلم لو لم يؤتك إياه من لدنه لم يكفك في إيتائه الأسباب العادية التي تعلم الإنسان ما يكتسبه من العلوم.
فقد بان من جميع ما قدمناه أن هذه الموهبة الإلهية التي نسميها قوة العصمة نوع من العلم و الشعور يغاير سائر أنواع العلوم في أنه غير مغلوب لشيء من القوى الشعورية البتة بل هي الغالبة القاهرة عليها المستخدمة إياها، و لذلك كانت تصون صاحبها من الضلال و الخطيئة مطلقا، و قد ورد في الروايات أن للنبي و الإمام روحا تسمى روح القدس تسدده و تعصمه عن المعصية و الخطيئة، و هي التي يشير إليها قوله تعالى «و كذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان و لكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا»: الشورى: 52 بتنزيل الآية على ظاهرها من إلقاء كلمة الروح المعلمة الهادية إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و نظيره قوله تعالى «و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا و أوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و كانوا لنا عابدين»: الأنبياء: 73 بناء على ما سيجيء من بيان معنى الآية إن شاء الله العزيز أن المراد به تسديد روح القدس الإمام بفعل الخيرات و عبادة الله سبحانه.
و بان مما مر أيضا أن المراد بالكتاب في قوله «و أنزل الله عليك الكتاب و الحكمة و علمك ما لم تكن تعلم» هو الوحي النازل لرفع اختلافات الناس على حد قوله تعالى «كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و أنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه»: الآية البقرة: 213 و قد تقدم بيانه في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
و المراد بالحكمة سائر المعارف الإلهية النازلة بالوحي، النافعة للدنيا و الآخرة، و المراد بقوله «و علمك ما لم تكن تعلم» غير المعارف الكلية العامة من الكتاب و الحكمة.
و بذلك يظهر ما في كلمات بعض المفسرين في تفسير الآية.
فقد فسر بعضهم الكتاب بالقرآن، و الحكمة بما فيه من الأحكام، و «ما لم تكن تعلم» بالأحكام و الغيب و فسر بعضهم الكتاب و الحكمة بالقرآن و السنة، و «ما لم تكن تعلم» بالشرائع و أنباء الرسل الأولين و غير ذلك من العلوم إلى غير ذلك مما ذكروه، و قد تبين وجه ضعفها بما مر فلا نعيد.
قوله تعالى: «و كان فضل الله عليك عظيما» امتنان على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) -.
قوله تعالى: «لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس» قال الراغب: و ناجيته أي ساررته و أصله أن تخلو به في نجوة من الأرض انتهى فالنجوى المسارة في الحديث، و ربما أطلق على نفس المتناجين قال تعالى: «و إذ هم نجوى»: الإسراء: 47 أي متناجون.
و في الكلام أعني قوله «لا خير في كثير من نجواهم» عود إلى ما تقدم من قوله تعالى «إذ يبيتون ما لا يرضى من القول» الآية بناء على اتصال الآيات و قد عمم البيان لمطلق المسارة في القول سواء كان ذلك بطريق التبييت أو بغيره لأن الحكم المذكور و هو انتفاء الخير فيه إنما هو لمطلق المسارة و إن لم تكن على نحو التبييت، و نظيره قوله «و من يشاقق»، دون أن يقول: و من يناج للمشاقة، لأن الحكم المذكور لمطلق المشاقة أعم من أن يكون نجوى أو لا.
و ظاهر الاستثناء أنه منقطع، و المعنى: لكن من أمر بكذا و كذا فيه ففيما أمر به شيء من الخير، و قد سمى دعوة النجوى إلى الخير أمرا و ذلك من قبيل الاستعارة، و قد عد تعالى هذا الخير الذي يأمر به النجوى ثلاثة: الصدقة، و المعروف، و الإصلاح بين الناس.
و لعل إفراد الصدقة عن المعروف مع كونها من أفراده لكونها الفرد الكامل في الاحتياج إلى النجوى بالطبع، و هو كذلك غالبا.
قوله تعالى: «و من يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله»، تفصيل لحال النجوى ببيان آخر من حيث التبعة من المثوبة و العقوبة ليتبين به وجه الخير فيما هو خير من النجوى، و عدم الخير فيما ليس بخير منه.
و محصله أن فاعل النجوى على قسمين: أحدهما من يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله، و لا محالة ينطبق على ما يدعو إلى معروف أو إصلاح بين الناس تقربا إلى الله، و سوف يثيبه الله سبحانه بعظيم الأجر، و ثانيهما أن يفعل ذلك لمشاقة الرسول و اتخاذ طريق غير طريق المؤمنين و سبيلهم، و جزاؤه الإملاء و الاستدراج الإلهي ثم إصلاء جهنم و ساءت مصيرا.
قوله تعالى: «و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين، المشاقة من الشق و هو القطعة المبانة من الشيء فالمشاقة و الشقاق كونك في شق غير شق صاحبك، و هو كناية عن المخالفة، فالمراد بمشاقة الرسول بعد تبين الهدى مخالفته و عدم إطاعته، و على هذا فقوله «و يتبع غير سبيل المؤمنين» بيان آخر لمشاقة الرسول، و المراد بسبيل المؤمنين إطاعة الرسول فإن طاعته طاعة الله قال تعالى: «من يطع الرسول فقد أطاع الله» النساء: 80.
فسبيل المؤمنين بما هم مجتمعون على الإيمان هو الاجتماع على طاعة الله و رسوله - و إن شئت فقل على طاعة رسوله - فإن ذلك هو الحافظ لوحدة سبيلهم كما قال تعالى: «و كيف تكفرون و أنتم تتلى عليكم آيات الله و فيكم رسوله و من يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا»: آل عمران: 103 و قد تقدم الكلام في الآية في الجزء الثالث من هذا الكتاب، و قال تعالى: «و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون» الأنعام: 153 و إذا كان سبيله سبيل التقوى، و المؤمنون هم المدعوون إليه فسبيلهم مجتمعين سبيل التعاون على التقوى كما قال تعالى: «و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان»: المائدة: 2 و الآية - كما ترى - تنهى عن معصية الله و شق عصا الاجتماع الإسلامي، و هو ما ذكرناه من معنى سبيل المؤمنين.
فمعنى الآية أعني قوله «و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين»، يعود إلى معنى قوله «يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم و العدوان و معصية الرسول و تناجوا بالبر و التقوى»: الآية المجادلة: 9.
و قوله «نوله ما تولى»، أي نجره على ما جرى عليه، و نساعده على ما تلبس به من اتباع غير سبيل المؤمنين كما قال تعالى: «كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما كان عطاء ربك محظورا»: الإسراء: 20.
و قوله «و نصله جهنم و ساءت مصيرا» عطفه بالواو يدل على أن الجميع أي توليته ما تولى و إصلاءه جهنم أمر واحد إلهي بعض أجزائه دنيوي و هو توليته ما تولى، و بعضها أخروي و هو إصلاؤه جهنم و ساءت مصيرا.
قوله تعالى: «إن الله لا يغفر أن يشرك به» إلى آخر الآية ظاهر الآية أنها في مقام التعليل لقوله في الآية السابقة «نوله ما تولى و نصله جهنم»، بناء على اتصال الآيات فالآية تدل على أن مشاقة الرسول شرك بالله العظيم، و أن الله لا يغفر أن يشرك به، و ربما استفيد ذلك من قوله تعالى «إن الذين كفروا و صدوا عن سبيل الله و شاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا و سيحبط أعمالهم يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و لا تبطلوا أعمالكم إن الذين كفروا و صدوا عن سبيل الله ثم ماتوا و هم كفار فلن يغفر الله لهم»: محمد: 34 فإن ظاهر الآية الثالثة أنها تعليل لما في الآية الثانية من الأمر بطاعة الله و طاعة رسوله فيكون الخروج عن طاعة الله و طاعة رسوله كفرا لا يغفر أبدا، و هو الشرك.
و المقام يعطي أن إلحاق قوله «و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء» بقوله «إن الله لا يغفر أن يشرك به» إنما هو لتتميم البيان، و إفادة عظمة هذه المعصية المشئومة أعني مشاقة الرسول، و قد تقدم بعض الكلام في الآية في آخر الجزء الرابع من هذا الكتاب.
قوله تعالى: «إن يدعون من دونه إلا إناثا» الإناث جمع أنثى يقال: أنث الحديد أنثا أي انفعل و لان، و أنث المكان أسرع في الإنبات و جاد، ففيه معنى الانفعال و التأثر، و بذلك سميت الأنثى من الحيوان أنثى و قد سميت الأصنام و كل معبود من دون الله إناثا لكونها قابلات منفعلات ليس في وسعها أن تفعل شيئا مما يتوقعه عبادها منها - كما قيل - قال تعالى: «إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا و لو اجتمعوا له و إن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب و المطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز»: الحج: 74 و قال: «و اتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا و هم يخلقون و لا يملكون لأنفسهم ضرا و لا نفعا و لا يملكون موتا و لا حياة و لا نشورا»: الفرقان: 3.
فالظاهر أن المراد بالأنوثة الانفعال المحض الذي هو شأن المخلوق إذا قيس إلى الخالق عز اسمه، و هذا الوجه أولى مما قيل: إن المراد هو اللات و العزى و منات الثالثة و نحوها، و قد كان لكل حي صنم يسمونه أنثى بني فلان إما لتأنيث أسمائها أو لأنها كانت جمادات و الجمادات تؤنث في اللفظ.
و وجه الأولوية أن ذلك لا يلائم الحصر الواقع في قوله «إن يدعون من دونه إلا إناثا» كثير ملاءمة، و بين من يدعى من دون الله من هو ذكر غير أنثى كعيسى المسيح و برهما و بوذا.
قوله تعالى: «و إن يدعون إلا شيطانا مريدا» المريد هو العاري من كل خير أو مطلق العاري، قال البيضاوي: المارد و المريد الذي لا يعلق بخير، و أصل التركيب للملامسة، و منه صرح ممرد، و غلام أمرد، و شجرة مرداء للتي تناثر ورقها انتهى.
و الظاهر أن الجملة بيان للجملة السابقة فإن الدعوة كناية عن العبادة لكون العبادة إنما نشأت بين الناس للدعوة على الحاجة، و قد سمى الله تعالى الطاعة عبادة قال تعالى: «أ لم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين و أن اعبدوني»: يس: 61 فيئول معنى الجملة إلى أن عبادتهم لكل معبود من دون الله عبادة و دعوة منهم للشيطان المريد لكونها طاعة له.
قوله تعالى: «لعنه الله» اللعن هو الإبعاد عن الرحمة، و هو وصف ثان للشيطان و بمنزلة التعليل للوصف الأول.
قوله تعالى: «و قال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا» كأنه إشارة إلى ما حكاه الله تعالى عنه من قوله «فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين»: ص: 83 و في قوله «من عبادك» تقرير أنهم مع ذلك عباده لا ينسلخون عن هذا الشأن، و هو ربهم يحكم فيهم بما شاء.
قوله تعالى: «و لأضلنهم و لأمنينهم» إلى آخر الآية التبتيل هو الشق، و ينطبق على ما نقل: أن عرب الجاهلية كانت تشق آذان البحائر و السوائب لتحريم لحومها.
و هذه الأمور المعدودة جميعها ضلال فذكر الإضلال معها من قبيل ذكر العام ثم ذكر بعض أفراده لعناية خاصة به، يقول: لأضلنهم بالاشتغال بعبادة غير الله و اقتراف المعاصي، و لأغرنهم بالاشتغال بالآمال و الأماني التي تصرفهم عن الاشتغال بواجب شأنهم و ما يهمهم من أمرهم، و لآمرنهم بشق آذان الأنعام و تحريم ما أحل الله سبحانه، و لآمرنهم بتغيير خلق الله و ينطبق على مثل الإخصاء و أنواع المثلة و اللواط و السحق.
و ليس من البعيد أن يكون المراد بتغيير خلق الله الخروج عن حكم الفطرة و ترك الدين الحنيف، قال تعالى: «فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم»: الروم: 30.
ثم عد تعالى دعوة الشيطان و هي طاعته فيما يأمر به اتخاذا له وليا فقال: «و من يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا» و لم يقل: و من يكن الشيطان له وليا إشعارا بما تشعر به الآيات السابقة أن الولي هو الله، و لا ولاية لغيره على شيء و إن اتخذ وليا.
قوله تعالى: «يعدهم و يمنيهم و ما يعدهم الشيطان إلا غرورا» ظاهر السياق أنه تعليل لقوله في الآية السابقة «فقد خسر خسرانا مبينا» و أي خسران أبين من خسران من يبدل السعادة الحقيقية و كمال الخلقة بالمواعيد الكاذبة و الأماني الموهومة، قال تعالى: «و الذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا و وجد الله عنده فوفاه حسابه و الله سريع الحساب»: النور.
39.
أما المواعيد فهي الوساوس الشيطانية بلا واسطة، و أما الأماني فهي المتفرعة على وساوسه مما يستلذه الوهم من المتخيلات، و لذلك قال: «و ما يعدهم الشيطان إلا غرورا» فعد الوعد غرورا دون التمنية على ما لا يخفى.
ثم بين عاقبة حالهم بقوله «أولئك مأواهم جهنم و لا يجدون عنها محيصا» أي معدلا و مفرا من «حاص» إذا عدل.
ثم ذكر ما يقابل حالهم و هو حال المؤمنين تتميما للبيان فقال تعالى: «و الذين آمنوا و عملوا الصالحات سندخلهم جنات» إلى آخر الآية و في الآيات التفات من سياق التكلم مع الغير إلى الغيبة، و الوجه العام فيه الإيماء إلى جلالة المقام و عظمته بوضع لفظ الجلالة موضع ضمير المتكلم مع الغير فيما يحتاج إلى هذا الإشعار حتى إذا استوفى الغرض رجع إلى سابق السياق الذي كان هو الأصل، و ذلك في قوله «سندخلهم جنات»، و في ذلك نكتة أخرى، و هي الإيماء إلى قرب الحضور و عدم احتجابه تعالى عن عباده المؤمنين و هو وليهم.
قوله تعالى: «وعد الله حقا و من أصدق من الله قيلا» فيه مقابلة لما ذكر في وعد الشيطان أنه ليس إلا غرورا فكان وعد الله حقا، و قوله صدقا.
قوله تعالى: «ليس بأمانيكم و لا أماني أهل الكتاب» عود إلى بدء الكلام و بمنزلة النتيجة المحصلة الملخصة من تفصيل الكلام، و ذلك أنه يتحصل من المحكي من أعمال بعض المؤمنين و أقوالهم، و إلحاحهم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يراعي جانبهم، و يعاضدهم و يساعدهم على غيرهم فيما يقع بينهم من النزاع و المشاجرة أنهم يرون أن لهم بإيمانهم كرامة على الله سبحانه و حقا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يجب به على الله و رسوله مراعاة جانبهم، و تغليب جهتهم على غيرهم على الحق كانوا أو على الباطل، عدلا كان الحكم أو ظلما على حد ما يراه اتباع أئمة الضلال، و حواشي رؤساء الجور و بطائنهم و أذنابهم، فالواحد منهم يمتن على متبوعه و رئيسه في عين أنه يخضع له و يطيعه، و يرى أن له عليه كرامة تلتزمه على مراعاة جانبه و تقديمه على غيره تحكما.
و كذا كان يراه أهل الكتاب على ما حكاه الله تعالى في كتابه عنهم قال تعالى: «و قالت اليهود و النصارى نحن أبناء الله و أحباؤه»: المائدة: 18، و قال تعالى: «و قالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا»: البقرة: 135، و قال تعالى: «قالوا ليس علينا في الأميين سبيل»: آل عمران: 75.
فرد الله على هذه الطائفة من المؤمنين في مزعمتهم، و أتبعهم بأهل الكتاب و سمى هذه المزاعم بالأماني استعارة لأنها كالأماني ليست إلا صورا خيالية ملذة لا أثر لها في الأعيان فقال: ليس بأمانيكم معاشر المسلمين أو معشر طائفة من المسلمين و لا بأماني أهل الكتاب بل الأمر يدور مدار العمل إن خيرا فخير و إن شرا فشر، و قدم ذكر السيئة على الحسنة لأن عمدة خطإهم كانت فيها.
قوله تعالى: «من يعمل سوءا يجز به و لا يجد له من دون الله وليا و لا نصيرا» جيء في الكلام بالفصل من غير وصل لأنه في موضع الجواب عن سؤال مقدر، تقديره إذا لم يكن الدخول في حمى الإسلام و الإيمان يجر للإنسان كل خير، و يحفظ منافعه في الحياة، و كذا اليهودية و النصرانية فما هو السبيل؟ و إلى ما ذا ينجر حال الإنسان؟ فقيل: «من يعمل سوءا يجز به و لا يجد له من دون الله وليا و لا نصيرا و من يعمل من الصالحات» إلخ.
و قوله «من يعمل سوءا يجز به» مطلق يشمل الجزاء الدنيوي الذي تقرره الشريعة الإسلامية كالقصاص للجاني، و القطع للسارق، و الجلد أو الرجم للزاني إلى غير ذلك من أحكام السياسات و غيرها و يشمل الجزاء الأخروي الذي أوعده الله تعالى في كتابه و بلسان نبيه.
و هذا التعميم هو المناسب لمورد الآيات الكريمة و المنطبق عليه، و قد ورد في سبب النزول أن الآيات نزلت في سرقة ارتكبها بعض، و رمى بها يهوديا أو مسلما ثم ألحوا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقضي على المتهم.
و قوله «و لا يجد له من دون الله وليا و لا نصيرا» يشمل الولي و النصير في صرف الجزاء السيىء عنه في الدنيا كالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو ولي الأمر و كالتقرب منهما و كرامة الإسلام و الدين، فالجزاء المشرع من عند الله لا يصرفه عن عامل السوء صارف، و يشمل الولي و النصير الصارف عنه سوء الجزاء في الآخرة إلا ما تشمله الآية التالية.
قوله تعالى: «و من يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة و لا يظلمون نقيرا» هذا هو الشق الثاني المتضمن لجزاء عامل العمل الصالح و هو الجنة، غير أن الله سبحانه شرط فيه شرطا يوجب تضييقا في فعلية الجزاء و عمم فيه من جهة أخرى توجب السعة.
فشرط في المجازاة بالجنة أن يكون الآتي بالعمل الصالح مؤمنا إذ الجزاء الحسن إنما هو بإزاء العمل الصالح و لا عمل للكافر، قال تعالى: و لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون»: الأنعام: 88، و قال تعالى: «أولئك الذين كفروا بآيات ربهم و لقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا»: الكهف: 105.
قال تعالى: «و من يعمل من الصالحات» فأتى بمن التبعيضية، و هو توسعة في الوعد بالجنة، و لو قيل: و من يعمل الصالحات - و المقام مقام الدقة في الجزاء - أفاد أن الجنة لمن آمن و عمل كل عمل صالح، لكن الفضل الإلهي عمم الجزاء الحسن لمن آمن و أتى ببعض الصالحات فهو يتداركه فيما بقي من الصالحات أو اقترف من المعاصي بتوبة أو شفاعة كما قال تعالى: «إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء»: النساء: 116 و قد تقدم تفصيل الكلام في التوبة و في قوله تعالى: «إنما التوبة على الله»: النساء: 17 في الجزء الرابع، و في الشفاعة في قوله تعالى «و اتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا»: البقرة: 48 في الجزء الأول من هذا الكتاب.
و قال تعالى: «من ذكر أو أنثى» فعمم الحكم للذكر و الأنثى من غير فرق أصلا خلافا لما كانت تزعمه القدماء من أهل الملل و النحل كالهند و مصر و سائر الوثنيين أن النساء لا عمل لهن و لا ثواب لحسناتهن، و ما كان يظهر من اليهودية و النصرانية أن الكرامة و العزة للرجال، و أن النساء أذلاء عند الله نواقص في الخلقة خاسرات في الأجر و المثوبة، و العرب لا تعدو فيهن هذه العقائد فسوى الله تعالى بين القبيلين بقوله «من ذكر أو أنثى».
و لعل هذا هو السر في تعقيب قوله «فأولئك يدخلون الجنة» بقوله «و لا يظلمون نقيرا» لتدل الجملة الأولى على أن النساء ذوات نصيب في المثوبة كالرجال، و الجملة الثانية على أن لا فرق بينهما فيها من حيث الزيادة و النقيصة كما قال تعالى: «فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض»: آل عمران: 195.
قوله تعالى: «و من أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله و هو محسن» إلى آخر الآية كأنه دفع لدخل مقدر، تقديره: أنه إذا لم يكن لإسلام المسلم أو لإيمان أهل الكتاب تأثير في جلب الخير إليه و حفظ منافعه و بالجملة إذا كان الإيمان بالله و آياته لا يعدل شيئا و يستوي وجوده و عدمه فما هو كرامة الإسلام و ما هي مزية الإيمان؟.
فأجيب بأن كرامة الدين أمر لا يشوبه ريب، و لا يداخله شك و لا يخفى حسنه على ذي لب و هو قوله «و من أحسن دينا»، حيث قرر بالاستفهام على طريق إرسال المسلم فإن الإنسان لا مناص له عن الدين، و أحسن الدين إسلام الوجه لله الذي له ما في السماوات و ما في الأرض، و الخضوع له خضوع العبودية، و العمل بما يقتضيه ملة إبراهيم حنيفا و هو الملة الفطرية، و قد اتخذ الله سبحانه إبراهيم الذي هو أول من أسلم وجهه لله محسنا و اتبع الملة الحنيفية خليلا.
لكن لا ينبغي أن يتوهم أن الخلة الإلهية كالخلة الدائرة بين الناس الحاكمة بينهم على كل حق و باطل التي يفتح لهم باب المجازفة و التحكم فالله سبحانه مالك غير مملوك و محيط غير محاط بخلاف الموالي و الرؤساء و الملوك من الناس فإنهم لا يملكون من عبيدهم و رعاياهم شيئا إلا و يملكونهم من أنفسهم شيئا بإزائه، و يقهرون البعض بالبعض، و يحكمون على طائفة بالأعضاد من طائفة أخرى و لذلك لا يثبتون في مقامهم إذا خالفت إرادتهم إرادة الكل بل سقطوا عن مقامهم و بان ضعفهم.
و من هنا يظهر الوجه في تعقيب قوله «و من أحسن دينا إلخ بقوله «و لله ما في السماوات و ما في الأرض و كان الله بكل شيء محيطا».
بحث روائي
في تفسير القمي،: أن سبب نزولها يعني قوله تعالى «إنا أنزلنا إليك الكتاب» الآيات أن قوما من الأنصار من بني أبيرق إخوة ثلاثة كانوا منافقين: بشير، و بشر، و مبشر. فنقبوا على عم قتادة بن النعمان و كان قتادة بدريا و أخرجوا طعاما كان أعده لعياله و سيفا و درعا. فشكا قتادة ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله إن قوما نقبوا على عمي، و أخذوا طعاما كان أعده لعياله و سيفا و درعا، و هم أهل بيت سوء، و كان معهم في الرأي رجل مؤمن يقال له: «لبيد بن سهل» فقال بنو أبيرق لقتادة هذا عمل لبيد بن سهل، فبلغ ذلك لبيدا فأخذ سيفه و خرج عليهم فقال: يا بني أبيرق أ ترمونني بالسرقة؟ و أنتم أولى به مني، و أنتم المنافقون تهجون رسول الله، و تنسبون إلى قريش، لتبينن ذلك أو لأملأن سيفي منكم، فداروه و قالوا له: ارجع يرحمك الله فإنك بريء من ذلك. فمشى بنو أبيرق إلى رجل من رهطهم يقال له: «أسيد بن عروة» و كان منطقيا بليغا فمشى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله إن قتادة بن النعمان عمد إلى أهل بيت منا أهل شرف و حسب و نسب فرماهم بالسرق و اتهمهم بما ليس فيهم فاغتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك، و جاءه قتادة فأقبل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له: عمدت إلى أهل بيت شرف و حسب و نسب فرميتهم بالسرقة، و عاتبه عتابا شديدا فاغتم قتادة من ذلك، و رجع إلى عمه و قال له: يا ليتني مت و لم أكلم رسول الله فقد كلمني بما كرهته. فقال عمه: الله المستعان. فأنزل الله في ذلك على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) «إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق - إلى أن قال إذ يبيتون ما لا يرضى من القول» قال القمي يعني الفعل فوقع القول مقام الفعل «ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا - إلى أن قال - و من يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا» قال القمي لبيد بن سهل «فقد احتمل بهتانا و إثما مبينا».
و في تفسير القمي: في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام): أن إنسانا من رهط بشير الأدنين قالوا: انطلقوا بنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، و قالوا: نكلمه في صاحبنا أو نعذره أن صاحبنا بريء فلما أنزل الله يستخفون من الله - إلى قوله - وكيلا» أقبلت رهط بشر فقالوا: يا بشر استغفر الله و تب إليه من الذنوب. فقال: و الذي أحلف به ما سرقها إلا لبيد فنزلت «و من يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا - فقد احتمل بهتانا و إثما مبينا». ثم إن بشرا كفر و لحق بمكة، و أنزل الله في النفر الذين أعذروا بشرا و أتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليعذروه قوله «و لو لا فضل الله عليك و رحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك إلى قوله و كان فضل الله عليك عظيما».
و في الدر المنثور: أخرج الترمذي و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و الحاكم و صححه عن قتادة بن النعمان قال: كان أهل بيت منا يقال لهم «بنو أبيرق»، بشر، و بشير، و مبشر. و كان بشر رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم ينحله بعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا و كذا، قال فلان كذا و كذا، و إذا سمع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك الشعر قالوا: و الله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث فقال: أ و كلما قال الرجال قصيدة. أضموا فقالوا ابن الأبيرق قالها. قال: و كانوا أهل بيت حاجة و فاقة في الجاهلية و الإسلام، و كان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر و الشعير، و كان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام من الدرمك ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، أما العيال فإنما طعامهم التمر و الشعير. فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك فجعله في مشربة له، و في المشربة سلاح له: درعان، و سيفاهما، و ما يصلحهما. فعدا عدي من تحت الليل فنقب المشربة، و أخذ الطعام و السلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي تعلم أنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا و سلاحنا؟. قال: فتجسسنا في الدار و سألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق قد استوقدوا في هذه الليلة، و لا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم، قال: و قد كان بنو أبيرق قالوا و نحن نسأل في الدار: و الله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجلا منا له صلاح و إسلام فلما سمع ذلك لبيد اخترط سيفه ثم أتى بنو أبيرق و قال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة. قالوا: إليك عنا أيها الرجل فوالله ما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرت ذلك له!. قال قتادة: فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: يا رسول الله إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له، و أخذوا سلاحه و طعامه فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سأنظر في ذلك. فلما سمع ذلك بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له «أسير بن عروة» فكلموه في ذلك و اجتمع إليه ناس من أهل الدار فأتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان و عمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام و صلاح يرميانهم بالسرقة من غير بينة و لا ثبت. قال قتادة: فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكلمته، فقال: عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام و صلاح ترميهم بالسرقة من غير بينة و لا ثبت؟. قال قتادة: فرجعت و لوددت أني خرجت من بعض مالي، و لم أكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال، يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: الله المستعان. فلم نلبث أن نزل القرآن «إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق - لتحكم بين الناس بما أراك الله و لا تكن للخائنين خصيما - بني أبيرق و استغفر الله - أي مما قلت لقتادة إن الله كان غفورا رحيما - و لا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إلى قوله ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما أي إنهم لو استغفروا الله لغفر لهم و من يكسب خطيئة أو إثما - إلى قوله فقد احتمل بهتانا و إثما مبينا - قولهم للبيد و لو لا فضل الله عليك و رحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك - يعني أسير بن عروة و أصحابه إلى قوله فسوف نؤتيه أجرا عظيما» فلما نزل القرآن أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسلاح فرده إلى رفاعة. قال قتادة: فلما أتيت عمي بالسلاح، و كان شيخا قد عسا في الجاهلية و كنت أرى إسلامه مدخولا فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي هو سبيل الله فعرفت أن إسلامه كان صحيحا. فلما نزل القرآن لحق بشر بالمشركين فنزل على سلافة بنت سعد فأنزل الله: «و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى - و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى إلى قوله ضلالا بعيدا» فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر فأخذت رحله فوضعته على رأسها ثم خرجت فرمت به في الأبطح ثم قالت: أهديت لي شعر حسان؟ ما كنت تأتيني بخير.
أقول: و هذا المعنى مروي بطرق أخر.
و فيه: أخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: كان رجل سرق درعا من حديد في زمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طرحه على يهودي: فقال اليهودي و الله ما سرقتها يا أبا القاسم، و لكن طرحت علي و كان الرجل الذي سرق جيران يبرءونه و يطرحونه على اليهودي و يقولون: يا رسول الله إن هذا اليهودي خبيث يكفر بالله و بما جئت به حتى مال عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ببعض القول. فعاتبه الله في ذلك فقال: «إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق - لتحكم بين الناس بما أراك الله و لا تكن للخائنين خصيما - و استغفر الله - مما قلت لهذا اليهودي إن الله كان غفورا رحيما» ثم أقبل على جيرانه فقال: «ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم إلى قوله وكيلا» ثم عرض التوبة فقال: «و من يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله - يجد الله غفورا رحيما - و من يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه» فما أدخلكم أنتم أيها الناس على خطيئة هذا تكلمون دونه «و من يكسب خطيئة أو إثما - ثم يرم به بريئا - و إن كان مشركا فقد احتمل بهتانا - إلى قوله و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى» قال: أبى أن يقبل التوبة التي عرض الله له، و خرج إلى المشركين بمكة فنقب بيتا يسرقه فهدمه الله عليه فقتله.
أقول: و هذا المعنى أيضا مروي بطرق كثيرة مع اختلاف يسير فيها.
و في تفسير العياشي، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما من عبد أذنب ذنبا فقام و توضأ و استغفر الله من ذنبه إلا كان حقيقا على الله أن يغفر له لأنه يقول: «من يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله - يجد الله غفورا رحيما». و قال: إن الله ليبتلي العبد و هو يحبه ليسمع تضرعه، و قال ما كان الله ليفتح باب الدعاء و يغلق باب الإجابة لأنه يقول: «ادعوني أستجب لكم» و ما كان ليفتح باب التوبة و يغلق باب المغفرة و هو يقول: «من يعمل سوءا أو يظلم نفسه - ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما». و فيه، عن عبد الله بن حماد الأنصاري عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): الغيبة أن تقول في أخيك ما هو فيه مما قد ستره الله عليه، فأما إذا قلت ما ليس فيه فذلك قول الله «فقد احتمل بهتانا و إثما مبينا» و في تفسير القمي،: في قوله تعالى «لا خير في كثير من نجواهم» الآية: قال: حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله فرض التمحل في القرآن قلت: و ما التمحل جعلت فداك؟ قال: أن يكون وجهك أعرض من وجه أخيك فتمحل له، و هو قول الله «لا خير في كثير من نجواهم» و في الكافي، بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إذا حدثتكم بشيء فاسألوني عنه من كتاب الله. ثم قال في بعض حديثه: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن القيل و القال، و فساد المال و كثرة السؤال. فقيل له: يا ابن رسول الله أين هذا من كتاب الله؟ قال: إن الله عز و جل يقول: «لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة - أو معروف أو إصلاح بين الناس» و قال: «و لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما» و قال: «لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم». و في تفسير العياشي، عن إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض المعتمدين عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قوله «لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة - أو معروف أو إصلاح بين الناس» يعني بالمعروف القرض.
أقول: و رواه القمي أيضا في تفسيره بهذا الإسناد، و هذا المعنى مروي من طرق أهل السنة أيضا، و على أي حال فهو من قبيل الجري و ذكر بعض المصاديق.
و في الدر المنثور: أخرج مسلم و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و البيهقي عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله مرني بأمر أعتصم به في الإسلام قال: قل: آمنت بالله ثم استقم، قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ قال: هذا، و أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بطرف لسان نفسه.
أقول: و الأخبار في ذم كثرة الكلام و مدح الصمت و السكوت و ما يتعلق بذلك كثيرة جدا مروية في جوامع الشيعة و أهل السنة.
و فيه: أخرج أبو نصر السجزي في «الإبانة» عن أنس قال: جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله أنزل علي في القرآن يا أعرابي «لا خير في كثير من نجواهم إلى قوله فسوف نؤتيه أجرا عظيما» يا أعرابي الأجر العظيم الجنة. قال الأعرابي: الحمد لله الذي هدانا للإسلام و فيه،: في قوله تعالى «و من يشاقق الرسول» الآية: أخرج الترمذي و البيهقي في الأسماء و الصفات عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يجمع الله هذه الأمة على الضلالة أبدا و يد الله على الجماعة فمن شذ شذ في النار و فيه: أخرج الترمذي و البيهقي عن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يجمع الله أمتي أو قال هذه: الأمة على الضلالة أبدا و يد الله على الجماعة.
أقول: الرواية من المشهورات و قد رواها الهادي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في رسالته إلى أهل الأهواز على ما في ثالث البحار، و قد تقدم الكلام في معنى الرواية في البيان السابق.
و في تفسير العياشي، عن حريز عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) قال: لما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) في الكوفة أتاه الناس فقالوا: اجعل لنا إماما يؤمنا في شهر رمضان. فقال: لا، و نهاهم أن يجتمعوا فيه. فلما أمسوا جعلوا يقولون: ابكوا في رمضان، وا رمضاناه، فأتاه الحارث الأعور في أناس فقال: يا أمير المؤمنين ضج الناس و كرهوا قولك، فقال عند ذلك: دعوهم و ما يريدون ليصلي بهم من شاء و ائتم قال: «فمن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى - و نصله جهنم و ساءت مصيرا». و في الدر المنثور،: في قوله تعالى «و من أصدق من الله قيلا» الآية: أخرج البيهقي في الدلائل عن عقبة بن عامر في حديث: خروج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى غزوة تبوك، و فيه فأصبح بتبوك فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله ثم قال. أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، و أوثق العرى كلمة التقوى، و خير الملل ملة إبراهيم، و خير السنن سنة محمد، و أشرف الحديث ذكر الله، و أحسن القصص هذا القرآن، و خير الأمور عوازمها، و شر الأمور محدثاتها، و أحسن الهدى هدى الأنبياء، و أشرف الموت قتل الشهداء، و أعمى العمى الضلالة بعد الهدى، و خير العلم ما نفع، و خير الهدى ما اتبع، و شر العمى عمى القلب، و اليد العليا خير من اليد السفلى، و ما قل و كفى خير مما كثر و ألهى، و شر المعذرة حين يحضر الموت، و شر الندامة يوم القيامة، و من الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبرا و منهم من لا يذكر الله إلا هجرا، و أعظم الخطايا اللسان الكذوب، و خير الغنى غنى النفس، و خير الزاد التقوى، و رأس الحكمة مخافة الله عز و جل، و خير ما وقر في القلوب اليقين، و الارتياب من الكفر، و النياحة من عمل الجاهلية، و الغلول من جثا جهنم، و الكنز كي من النار، و الشعر من مزامير إبليس، و الخمر جماع الإثم، و النساء حبالة الشيطان، و الشباب شعبة من الجنون، و شر المكاسب كسب الربا، و شر المأكل مال اليتيم، و السعيد من وعظ بغيره، و الشقي من شقي في بطن أمه، و إنما يصير أحدكم إلى موضع أربع أذرع، و الأمر بآخره، و ملاك العمل خواتمه، و شر الروايا روايا الكذب، و كل ما هو آت قريب، و سباب المؤمن فسوق، و قتال المؤمن كفر، و أكل لحمه من معصية الله، و حرمة ماله كحرمة دمه، و من يتأل على الله يكذبه، و من يغفر يغفر له، و من يعف يعف الله عنه، و من يكظم الغيظ يأجره الله، و من يصبر على الرزية يعوضه الله، و من يبتغ السمعة يسمع الله به، و من يصبر يضعف الله له و من يعص الله يعذبه الله، اللهم اغفر لي و لأمتي قالها ثلاثا أستغفر الله لي و لكم. و في تفسير العياشي، عن محمد بن يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) و عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام): في قول الله «و لآمرنهم فليغيرن خلق الله» قال: أمر الله بما أمر به. و فيه، عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام): في قول الله: «و لآمرنهم فليغيرن خلق الله» قال: دين الله.
أقول: و مآل الروايتين واحد، و هو ما تقدم في البيان السابق أنه دين الفطرة.
و في المجمع،: في قوله «فليبتكن ءاذان الأنعام» قال: ليقطعوا الأذان من أصلها. قال: و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) و في تفسير العياشي،: في قوله تعالى «ليس بأمانيكم» الآية: عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما نزلت هذه الآية «من يعمل سوءا يجز به» قال بعض أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما أشدها من آية، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أ ما تبتلون في أموالكم و أنفسكم و ذراريكم؟ قالوا: بلى، قال: مما يكتب الله لكم به الحسنات و يمحو به السيئات.
أقول: و هذا المعنى مروي بطرق كثيرة في جوامع أهل السنة عن الصحابة.
و في الدر المنثور: أخرج أحمد و البخاري و مسلم و الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما يصيب المؤمن من نصب و لا وصب و لا هم و لا حزن و لا أذى و لا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله من خطاياه.
أقول: و هذا المعنى مستفيض عن النبي و أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
و في العيون، بإسناده عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه (عليه السلام) أنه قال: إنما اتخذ الله إبراهيم خليلا لأنه لم يرد أحدا، و لم يسأل أحدا قط غير الله عز و جل.
أقول: و هذا أصح الروايات في تسميته (عليه السلام) بالخيل لموافقته لمعنى اللفظ، و هو الحاجة فخليلك من رفع إليك حوائجه، و هناك وجوه أخر مروية
|