بيان
وعيد لمن كان من المنتحلين بالدين متخلقا بأخلاق المنافقين كالسهو عن الصلاة و الرياء في الأعمال و منع الماعون مما لا يلائم التصديق بالجزاء.
و السورة تحتمل المكية و المدنية، و قيل: نصفها مكي و نصفها مدني.
قوله تعالى: «أ رأيت الذي يكذب بالدين» الرؤية تحتمل الرؤية البصرية و تحتمل أن تكون بمعنى المعرفة، و الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما أنه سامع فيتوجه إلى كل سامع، و المراد بالدين الجزاء يوم الجزاء فالمكذب بالدين منكر المعاد و قيل المراد به الدين بمعنى الملة.
قوله تعالى: «فذلك الذي يدع اليتيم» الدع هو الرد بعنف و جفاء، و الفاء في «فذلك» لتوهم معنى الشرط و التقدير أ رأيت الذي يكذب بالجزاء فعرفته بصفاته اللازمة لتكذيبه فإن لم تعرفه فذلك الذي يرد اليتيم بعنف و يجفوه و لا يخاف عاقبة عمله السيىء و لو لم يكذب به لخافها و لو خافها لرحمه.
قوله تعالى: «و لا يحض على طعام المسكين» الحض الترغيب، و الكلام على تقدير مضاف أي لا يرغب الناس على إطعام طعام المسكين قيل: إن التعبير بالطعام دون الإطعام للإشعار بأن المسكين كأنه مالك لما يعطى له كما في قوله تعالى: «و في أموالهم حق للسائل و المحروم»: الذاريات: 19 و قيل: الطعام في الآية بمعنى الإطعام.
و التعبير بالحض دون الإطعام لأن الحض أعم من الحض العملي الذي يتحقق بالإطعام.
قوله تعالى: «فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون» أي غافلون لا يهتمون بها و لا يبالون أن تفوتهم بالكلية أو في بعض الأوقات أو تتأخر عن وقت فضيلتها و هكذا.
و في الآية تطبيق من يكذب بالدين على هؤلاء المصلين لمكان فاء التفريع و دلالة على أنهم لا يخلون من نفاق لأنهن يكذبون بالدين عملا و هم يتظاهرون بالإيمان.
قوله تعالى: «الذين هم يراءون» أي يأتون بالعبادات لمراءاة الناس فهم يعملون للناس لا لله تعالى.
قوله تعالى: «و يمنعون الماعون» الماعون كل ما يعين الغير في رفع حاجة من حوائج الحياة كالقرض تقرضه و المعروف تصنعه و متاع البيت تعيره و إلى هذا يرجع متفرقات ما فسر به في كلماتهم.
بحث روائي
في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «أ رأيت الذي يكذب بالدين» قال: نزلت في أبي جهل و كفار قريش، و في قوله: «الذين هم عن صلاتهم ساهون» قال: عنى به تاركون لأن كل إنسان يسهو في الصلاة قال أبو عبد الله (عليه السلام): تأخير الصلاة عن أول وقتها لغير عذر.
و في الخصال، عن علي (عليه السلام) في حديث الأربعمائة قال: ليس عمل أحب إلى الله عز و جل من الصلاة فلا يشغلنكم عن أوقاتها شيء من أمور الدنيا فإن الله عز و جل ذم أقواما فقال: «الذين هم عن صلاتهم ساهون» يعني أنهم غافلون استهانوا بأوقاتها.
و في الكافي، بإسناده عن محمد بن الفضيل قال: سألت عبدا صالحا (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: «الذين هم عن صلاتهم ساهون» قال هو التضييع.
أقول: و في هذه المضامين روايات أخر.
و في الدر المنثور، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و البيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب «الذين هم يراءون» قال: يراءون بصلاتهم.
و فيه، أخرج أبو نعيم و الديلمي و ابن عساكر عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله «و يمنعون الماعون» قال: ما تعاون الناس بينهم الفأس و القدر و الدلو و أشباهه.
و في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: و قوله عز و جل: «و يمنعون الماعون» هو القرض تقرضه و المعروف تصنعه و متاع البيت تعيره و منه الزكاة.
أقول: و تفسير الماعون بالزكاة مروي من طرق أهل السنة أيضا عن علي (عليه السلام) كما في الدر المنثور، و لفظه: الماعون الزكاة المفروضة يراءون بصلاتهم و يمنعون زكاتهم.
و في الدر المنثور، أخرج ابن قانع عن علي بن أبي طالب قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: المسلم أخو المسلم إذا لقيه حياه بالسلام و يرد عليه ما هو خير منه لا يمنع الماعون قلت: يا رسول الله ما الماعون؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): الحجر و الحديد و الماء و أشباه ذلك.
أقول: و قد فسر (صلى الله عليه وآله وسلم) في رواية أخرى الحديد بقدور النحاس و حديد الفأس و الحجر بقدور الحجارة.
|