بيان
شروع فيما هو الغرض من السورة بعد ما مر من التمهيد و التوطئة و هو الندب إلى الإنفاق في سبيل الله و الصبر على ما يصيبهم من المصائب في خلال المجاهدة في الله سبحانه.
و قدم ذكر المصيبة و الإشارة إلى الصبر عليها ليصفو المقام لما سيندب إليه من الإنفاق و ينقطع العذر.
قوله تعالى: «ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله و من يؤمن بالله يهد قلبه و الله بكل شيء عليم» المصيبة صفة شاع استعمالها في الحوادث السوء التي تصحب الضر، و الإذن الإعلام بالرخصة و عدم المانع و يلازم علم الإذن بما أذن فيه، و ليس هو العلم كما قيل.
فظهر بما تقدم أولا أن إذنه تعالى في عمل سبب من الأسباب هو التخلية بينه و بين مسببيه برفع الموانع التي تتخلل بينه و بين مسببه فلا تدعه يفعل فيه ما يقتضيه بسببيته كالنار تقتضي إحراق القطن مثلا لو لا الفصل بينهما و الرطوبة فرفع الفصل بينهما و الرطوبة من القطن مع العلم بذلك إذن في عمل النار في القطن بما تقتضيه ذاتها أعني الإحراق.
و قد كان استعمال الإذن في العرف العام مختصا بما إذا كان المأذون له من العقلاء لمكان أخذ معنى الإعلام في مفهومه فيقال: أذنت لفلان أن يفعل كذا و لا يقال: أذنت للنار أن تحرق، و لا أذنت للفرس أن يعدو، لكن القرآن الكريم يستعمله فيما يعم العقلاء و غيرهم بالتحليل كقوله: «و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله»: النساء: 64،.
و قوله: «و البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه»: الأعراف: 58، و لا يبعد أن يكون هذا التعميم مبنيا على ما يفيده القرآن من سريان العلم و الإدراك في الموجودات كما قدمناه في تفسير قوله: «قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء»: حم السجدة: 21.
و كيف كان فلا يتم عمل من عامل و لا تأثير من مؤثر إلا بإذن من الله سبحانه فما كان من الأسباب غير تام له موانع لو تحققت منعت من تأثيره فإذنه تعالى له في أن يؤثر رفعه الموانع، و ما كان منها تاما لا مانع له يمنعه فإذنه له عدم جعله له شيئا من الموانع فتأثيره يصاحب الإذن من غير انفكاك.
و ثانيا: أن المصائب و هي الحوادث التي تصيب الإنسان فتؤثر فيه آثارا سيئة مكروهة إنما تقع بإذن من الله سبحانه كما أن الحسنات كذلك لاستيعاب إذنه تعالى صدور كل أثر من كل مؤثر.
و ثالثا: أن هذا الإذن إذن تكويني غير الإذن التشريعي الذي هو رفع الحظر عن الفعل فإصابة المصيبة تصاحب إذنا من الله في وقوعها و إن كانت من الظلم الممنوع فإن كون الظلم ممنوعا غير مأذون فيه إنما هو من جهة التشريع دون التكوين.
و لذا كانت بعض المصائب غير جائزة الصبر عليها و لا مأذونا في تحملها و يجب على الإنسان أن يقاومها ما استطاع كالمظالم المتعلقة بالأعراض و النفوس.
و من هنا يظهر أن المصائب التي ندب إلى الصبر عندها هي التي لم يؤمر المصاب عندها بالذب و الامتناع عن تحملها كالمصائب العامة الكونية من موت و مرض مما لا شأن لاختيار الإنسان فيها، و أما ما للاختيار فيها دخل كالمظالم المتعلقة نوع تعلق بالاختيار من المظالم المتوجهة إلى الأعراض فلإنسان أن يتوقاها ما استطاع.
و قوله: «و من يؤمن بالله يهد قلبه» كان ظاهر سياق قوله: «ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله» يفيد أن لله سبحانه في الحوادث التي تسوء الإنسان علما و مشية فليست تصيبه مصيبة إلا بعد علمه تعالى و مشيته فليس لسبب من الأسباب الكونية أن يستقل بنفسه فيما يؤثره فإنما هو نظام الخلقة لا رب يملكه إلا خالقه فلا تحدث حادثة و لا تقع واقعة إلا بعلم منه و مشية فلم يكن ليخطئه ما أصابه و لم يكن ليصيبه ما أخطأه.
و هذه هي الحقيقة التي بينها بلسان آخر في قوله: «ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير»: الحديد: 22.
فالله سبحانه رب العالمين و لازم ربوبيته العامة أنه وحده يملك كل شيء لا مالك بالحقيقة سواه، و النظام الجاري في الوجود مجموع من أنحاء تصرفاته في خلقه فلا يتحرك متحرك و لا يسكن ساكن إلا عن إذن منه، و لا يفعل فاعل و لا يقبل قابل إلا عن علم سابق منه و مشية لا يخطىء علمه و مشيته و لا يرد قضاؤه.
فالإذعان بكونه تعالى هو الله يستعقب اهتداء النفس إلى هذه الحقائق و اطمئنان القلب و سكونه و عدم اضطرابه و قلقه من جهة تعلقه بالأسباب الظاهرية و إسناده المصائب و النوائب المرة إليها دون الله سبحانه.
و هذا معنى قوله تعالى: «و من يؤمن بالله يهد قلبه».
و قيل: معنى الجملة: و من يؤمن بتوحيد الله و يصبر لأمر الله يهد قلبه للاسترجاع حتى يقول: إنا لله و إنا إليه راجعون، و فيه إدخال الصبر في معنى الإيمان.
و قيل: المعنى: و من يؤمن بالله يهد قلبه إلى ما عليه أن يفعل فإن ابتلي صبر و إن أعطي شكر و إن ظلم غفر، و هذا الوجه قريب مما قدمناه.
و قوله: «و الله بكل شيء عليم» تأكيد للاستثناء المتقدم، و يمكن أن يكون إشارة إلى ما يفيده قوله: «ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها»: الحديد: 22.
قوله تعالى: «و أطيعوا الله و أطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين» ظاهر تكرار «أطيعوا» دون أن يقال: أطيعوا الله و الرسول اختلاف المراد بالإطاعة، فالمراد بإطاعة الله تعالى الانقياد له فيما شرعه لهم من شرائع الدين و المراد بإطاعة الرسول الانقياد له و امتثال ما يأمر به بحسب ولايته للأمة على ما جعلها الله له.
و قوله: «فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين» التولي الإعراض، و البلاغ التبليغ، و المعنى: فإن أعرضتم عن إطاعة الله فيما شرع من الدين أو عن إطاعة الرسول فيما أمركم به بما أنه ولي أمركم، فلم يكرهكم رسولنا على الطاعة فإنه لم يؤمر بذلك، و إنما أمر بالتبليغ و قد بلغ.
و من هنا يظهر أن أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما وراء الأحكام و الشرائع من تبليغ رسالة الله فأمره و نهيه فيما توليه من أمر الله و نهيه، و طاعته فيهما من طاعة الله تعالى كما يدل عليه إطلاق قوله تعالى: «و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله»: النساء: 64.
الظاهر في أن طاعة الرسول فيما يأمر و ينهى مطلقا مأذون فيه بإذن الله، و إذنه في طاعته يستلزم علمه و مشيته لطاعته، و إرادة طاعة الأمر و النهي إرادة لنفس الأمر و النهي فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و نهيه من أمر الله و نهيه و إن كان فيما وراء الأحكام و الشرائع المجعولة له تعالى.
و لما تقدم من رجوع طاعة الرسول إلى طاعة الله التفت من الغيبة إلى الخطاب في قوله: «رسولنا» و فيه مع ذلك شيء من شائبة التهديد.
قوله تعالى: «الله لا إله إلا هو و على الله فليتوكل المؤمنون» في مقام التعليل لوجوب إطاعة الله على ما تقدم أن طاعة الرسول من طاعة الله، توضيح ذلك أن الطاعة بمعنى الانقياد و الائتمار للأمر و الانتهاء عن النهي من شئون العبودية حيث لا أثر لملك المولى رقبة عبده إلا مالكيته لإرادته و عمله فلا يريد إلا ما يريد المولى أن يريده و لا يعمل إلا ما يريد المولى أن يعمله فالطاعة نحو من العبودية كما يشير إليه قوله: «أ لم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان»: يس: 60، يعاتبهم بعبادة الشيطان و إنما أطاعوه.
فطاعة المطيع بالنسبة إلى المطاع نوع عبادة له، و إذ لا معبود إلا الله فلا طاعة إلا لله عز اسمه أو من أمر بطاعته فالمعنى: أطيعوا الله سبحانه إذ لا طاعة إلا لمعبود و لا معبود بالحق إلا الله فيجب عليكم أن تعبدوه و لا تشركوا به بطاعة غيره و عبادته كالشيطان و هوى النفس و هذا معنى كون الجملة في مقام التعليل.
و بما مر يظهر وجه تخصيص صفة الألوهية التي تفيد معنى المعبودية، بالذكر دون صفة الربوبية فلم يقل: الله لا رب غيره.
و قوله: «و على الله فليتوكل المؤمنون» تأكيد لمعنى الجملة السابقة أعني قوله: «الله لا إله إلا هو».
توضيحه: أن التوكيل إقامة الإنسان غيره مقام نفسه في إدارة أموره و لازم ذلك قيام إرادته مقام إرادة موكلة و فعله مقام فعله فينطبق بوجه على الإطاعة فإن المطيع يجعل إرادته و عمله تبعا لإرادة المطاع فتقوم إرادة المطاع مقام إرادته و يعود عمله متعلقا لإرادة المطاع صادرا منها اعتبارا فترجع الإطاعة توكيلا بوجه كما أن التوكيل إطاعة بوجه.
فإطاعة العبد لربه اتباع إرادته لإرادة ربه و الإتيان بالفعل على هذا النمط و بعبارة أخرى إيثار إرادته و ما يتعلق بها من العمل على إرادة نفسه و ما يتعلق بها من العمل.
فطاعته تعالى فيما شرع لعباده و ما يتعلق بها نوع تعلق من التوكل عليه، و طاعته واجبة لمن عرفه و آمن به فعلى الله فليتوكل المؤمنون و إياه فليطيعوا، و أما من لم يعرفه و لم يؤمن به فلا تتحقق منه طاعة.
و قد بان بما تقدم أن الإيمان و العمل الصالح نوع من التوكل على الله تعالى.
قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم و أولادكم عدوا لكم فاحذروهم» إلخ «من» في «أزواجكم» للتبعيض، و سياق الخطاب بلفظ «يا أيها الذين آمنوا» و تعليق العداوة بهم يفيد التعليل أي إنهم يعادونهم بما أنهم مؤمنون، و العداوة من جهة الإيمان لا تتحقق إلا باهتمامهم أن يصرفوهم عن أصل الإيمان أو عن الأعمال الصالحة كالإنفاق في سبيل الله و الهجرة من دار الكفر أو أن يحملوهم على الكفر أو المعاصي الموبقة كالبخل عن الإنفاق في سبيل الله شفقة على الأولاد و الأزواج و الغصب و اكتساب المال من غير طريق حله.
فالله سبحانه يعد بعض الأولاد و الأزواج عدوا للمؤمنين في إيمانهم حيث يحملونهم على ترك الإيمان بالله أو ترك بعض الأعمال الصالحة أو اقتراف بعض الكبائر الموبقة و ربما أطاعوهم في بعض ذلك شفقة عليهم و حبا لهم فأمرهم الله بالحذر منهم.
و قوله: «و إن تعفوا و تصفحوا و تغفروا فإن الله غفور رحيم» قال الراغب: العفو القصد لتناول الشيء يقال: عفاه و اعتفاه أي قصده متناولا ما عنده - إلى أن قال - و عفوت عنه قصدت إزالة ذنبه صارفا عنه، و قال: الصفح ترك التثريب و هو أبلغ من العفو، و لذلك قال تعالى: «فاعفوا و اصفحوا حتى يأتي الله بأمره» و قد يعفو الإنسان و لا يصفح، و قال: الغفر البأس ما يصونه عن الدنس، و منه قيل: اغفر ثوبك في الوعاء و اصبغ ثوبك فإنه أغفر للوسخ، و الغفران و المغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب قال: «غفرانك ربنا» و «مغفرة من ربكم» «و من يغفر الذنوب إلا الله» انتهى.
ففي قوله: «فاعفوا و اصفحوا و اغفروا» ندب إلى كمال الإغماض عن الأولاد و الأزواج.
إذا ظهر منهم شيء من آثار المعاداة المذكورة - مع الحذر من أن يفتتن بهم.
و في قوله: «فإن الله غفور رحيم» إن كان المراد خصوص مغفرته و رحمته للمخاطبين أن يعفوا و يصفحوا و يغفروا كان وعدا جميلا لهم تجاه عملهم الصالح كما في قوله تعالى: «و ليعفوا و ليصفحوا أ لا تحبون أن يغفر الله لكم»: النور: 22.
و إن أريد مغفرته و رحمته العامتان من غير تقييد بمورد الخطاب أفاد أن المغفرة و الرحمة من صفات الله سبحانه فإن عفوا و صفحوا و غفروا فقد اتصفوا بصفات الله و تخلقوا بأخلاقه.
قوله تعالى: «إنما أموالكم و أولادكم فتنة و الله عنده أجر عظيم» الفتنة ما يبتلى و يمتحن به، و كون الأموال و البنين فتنة إنما هو لكونهما زينة الحياة تنجذب إليهما النفس انجذابا فتفتتن و تلهو بهما عما يهمها من أمر آخرته و طاعة ربه، قال تعالى: «المال و البنون زينة الحياة الدنيا»: الكهف: 46.
و الجملة كناية عن النهي عن التلهي بهما و التفريط في جنب الله باللي إليهما و يؤكده قوله: «و الله عنده أجر عظيم».
قوله تعالى: «فاتقوا الله ما استطعتم» إلخ، أي مبلغ استطاعتكم - على ما يفيده السياق فإن السياق سياق الدعوة و الندب إلى السمع و الطاعة و الإنفاق و المجاهدة في الله - و الجملة تفريع على قوله: «إنما أموالكم» إلخ، فالمعنى: اتقوه مبلغ استطاعتكم و لا تدعوا من الاتقاء شيئا تسعه طاقتكم و جهدكم فتجري الآية مجرى قوله: «اتقوا الله حق تقاته»: آل عمران: 102، و ليست الآية ناظرة إلى نفي التكليف بالاتقاء فيما وراء الاستطاعة و فوق الطاقة كما في قوله: «و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به»: البقرة: 286.
و قد بان مما مر: أولا: أن لا منافاة بين الآيتين أعني قوله: «فاتقوا الله ما استطعتم» و قوله: «اتقوا الله حق تقاته» و أن الاختلاف بينهما كالاختلاف بالكمية و الكيفية، فقوله: «فاتقوا الله ما استطعتم» أمر باستيعاب جميع الموارد التي تسعها الاستطاعة بالتقوى، و قوله: «اتقوا الله حق تقاته» أمر بالتلبس في كل من موارد التقوى بحق التقوى دون شبحها و صورتها.
و ثانيا: فساد قول بعضهم: إن قوله: «فاتقوا الله ما استطعتم» ناسخ لقوله: «اتقوا الله حق تقاته» و هو ظاهر.
و قوله: «و اسمعوا و أطيعوا و أنفقوا خيرا لأنفسكم» توضيح و تأكيد لقوله: «فاتقوا الله ما استطعتم» و السمع الاستجابة و القبول و هو في مقام الالتزام القلبي، و الطاعة الانقياد و هو في مقام العمل، و الإنفاق المراد به بذل المال في سبيل الله.
و «خيرا لأنفسكم» منصوب بمحذوف - على ما في الكشاف، - و التقدير آمنوا خيرا لأنفسكم، و يحتمل أن يكون «أنفقوا» مضمنا معنى قدموا أو ما يقرب منه بقرينة المقام، و في قوله: «لأنفسكم» دون أن يقال: خيرا لكم زيادة تطييب لنفوسهم أي إن الإنفاق خير لكم لا ينتفع به إلا أنفسكم لما فيه من بسط أيديكم و سعة قدرتكم على رفع حوائج مجتمعكم.
و قوله: «و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون» تقدم تفسيره في تفسير سورة الحشر.
قوله تعالى: «إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم و يغفر لكم و الله شكور حليم» المراد بإقراض الله الإنفاق في سبيله سماه الله إقراضا لله و سمي المال المنفق قرضا حسنا حثا و ترغيبا لهم فيه.
و قوله: «يضاعفه لكم و يغفر لكم» إشارة إلى حسن جزائه في الدنيا و الآخرة.
و الشكور و الحليم و عالم الغيب و الشهادة و العزيز و الحكيم خمسة من أسماء الله الحسنى تقدم شرحها، و وجه مناسبتها لما أمر به في الآية من السمع و الطاعة و الإنفاق ظاهر.
بحث روائي
في تفسير القمي، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله تعالى: «إن من أزواجكم و أولادكم عدوا لكم فاحذروهم» و ذلك أن الرجل إذا أراد الهجرة تعلق به ابنه و امرأته و قالوا: ننشدك الله أن تذهب عنا فنضيع بعدك فمنهم من يطيع أهله فيقيم فحذرهم الله أبناءهم و نساءهم و نهاهم عن طاعتهم، و منهم من يمضي و يذرهم و يقول: أما و الله لئن لم تهاجروا معي ثم جمع الله بيني و بينكم في دار الهجرة لا أنفعكم بشيء أبدا. فلما جمع الله بينه و بينهم أمر الله أن يتوق بحسن وصله فقال: «و إن تعفوا و تصفحوا و تغفروا فإن الله غفور رحيم»:. أقول: و روي هذا المعنى في الدر المنثور، عن عدة من أصحاب الجوامع عن ابن عباس.
و في الدر المنثور،: في قوله تعالى: «إنما أموالكم و أولادكم فتنة»: عن ابن مردويه عن عبادة بن الصامت و عبد الله بن أبي أوفى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لكل أمة فتنة و فتنة أمتي المال:. أقول: و روي مثله أيضا عنه عن كعب بن عياض عنه (صلى الله عليه وآله وسلم).
و فيه، أخرج ابن أبي شيبة و أحمد و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و الحاكم و ابن مردويه عن بريدة قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب فأقبل الحسن و الحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من المنبر فحملهما واحدا من ذا الشق و واحدا من ذا الشق ثم صعد المنبر فقال: صدق الله قال: «إنما أموالكم و أولادكم فتنة»، إني لما نظرت إلى هذين الغلامين يمشيان و يعثران لم أصبر إن قطعت كلامي و نزلت إليهما.
أقول: و الرواية لا تخلو من شيء و أنى تنال الفتنة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو سيد الأنبياء المخلصين معصوم مؤيد بروح القدس.
و أفظع لحنا من هذا الحديث ما رواه عن ابن مردويه عن عبد الله بن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بينما هو يخطب الناس على المنبر خرج الحسين بن علي فوطأ في ثوب كان عليه فسقط فبكى فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن المنبر. فلما رأى الناس أسرعوا إلى الحسين يتعاطونه يعطيه بعضهم بعضا حتى وقع في يد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: قاتل الله الشيطان إن الولد لفتنة، و الذي نفسي بيده ما دريت أني نزلت عن منبري.
و مثله ما عن ابن المنذر عن يحيى بن أبي كثير قال: سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكاء حسن أو حسين فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الولد فتنة لقد قمت إليه و ما أعقل.
فالوجه طرح الروايات إلا أن تؤول.
و في تفسير البرهان، عن ابن شهرآشوب عن تفسير وكيع حدثنا سفيان بن مرة الهمداني عن عبد خير سألت علي بن أبي طالب عن قوله تعالى: «اتقوا الله حق تقاته» قال: و الله ما عمل بها غير أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). نحن ذكرنا الله فلا ننساه و نحن شكرناه فلن نكفره، و نحن أطعناه فلم نعصه. فلما نزلت هذه قالت الصحابة: لا نطيق ذلك فأنزل الله: «فاتقوا الله ما استطعتم». الحديث.
و في تفسير القمي، حدثني أبي عن الفضل بن أبي مرة قال: رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يطوف من أول الليل إلى الصباح و هو يقول: اللهم و قني شح نفسي فقلت: جعلت فداك ما رأيتك تدعو بغير هذا الدعاء فقال: و أي شيء أشد من شح النفس؟ إن الله يقول: «و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون».
|