بيان
غرض السورة بيان عموم ربوبيته تعالى للعالمين تجاه قول الوثنية إن لكل شطر من العالم ربا من الملائكة و غيرهم و إنه تعالى رب الأرباب فقط.
و لذا يعد سبحانه كثيرا من نعمه في الخلق و التدبير - و هو في معنى الاحتجاج على ربوبيته - و يفتتح الكلام بتباركه و هو كثرة صدور البركات عنه، و يكرر توصيفه بالرحمن و هو مبالغة في الرحمة التي هي العطية قبال الاستدعاء فقرا و فيها إنذار ينتهي إلى ذكر الحشر و البعث.
و تتلخص مضامين آياتها في الدعوة إلى توحيد الربوبية و القول بالمعاد.
و السورة مكية بشهادة سياق آياتها.
قوله تعالى: «تبارك الذي بيده الملك و هو على كل شيء قدير» تبارك الشيء كثرة صدور الخيرات و البركات عنه.
و قوله: «الذي بيده الملك» يشمل بإطلاقه كل ملك، و جعل الملك في يده استعارة بالكناية عن كمال تسلطه عليه و كونه متصرفا فيه كيف يشاء كما يتصرف ذو اليد فيما بيده و يقلبه كيف يشاء فهو تعالى يملك بنفسه كل شيء من جميع جهاته، و يملك ما يملكه كل شيء.
فتوصيفه تعالى بالذي بيده الملك أوسع من توصيفه بالمليك في قوله: «عند مليك مقتدر»: القمر: 55، و أصرح و آكد من توصيفه في قوله: «له الملك»: التغابن: 1.
و قوله: «و هو على كل شيء قدير» إشارة إلى كون قدرته غير محدودة بحد و لا منتهية إلى نهاية و هو لازم إطلاق الملك بحسب السياق، و إن كان إطلاق الملك و هو من صفات الفعل من لوازم إطلاق القدرة و هي من صفات الذات.
و في الآية مع ذلك إيماء إلى الحجة على إمكان ما سيأتي من أمر المعاد.
قوله تعالى: «الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا و هو العزيز الغفور» الحياة كون الشيء بحيث يشعر و يريد، و الموت عدم ذلك لكن الموت على ما يظهر من تعليم القرآن انتقال من نشأة من نشآت الحياة إلى نشأة أخرى كما تقدم استفادة ذلك من قوله تعالى: «نحن قدرنا بينكم الموت - إلى قوله - فيما لا تعلمون»: الواقعة: 61، فلا مانع من تعلق الخلق بالموت كالحياة.
على أنه لو أخذ عدميا كما عند العرف فهو عدم ملكة الحياة و له حظ من الوجود يصحح تعلق الخلق به كالعمى من البصر و الظلمة من النور.
و قوله: «ليبلوكم أيكم أحسن عملا» غاية خلقه تعالى الموت و الحياة، و البلاء الامتحان و المراد أن خلقكم هذا النوع من الخلق و هو أنكم تحيون ثم تموتون خلق مقدمي امتحاني يمتاز به منكم من هو أحسن عملا من غيره و من المعلوم أن الامتحان و التمييز لا يكون إلا لأمر ما يستقبلكم بعد ذلك و هو جزاء كل بحسب عمله.
و في الكلام مع ذلك إشارة إلى أن المقصود بالذات من الخلقة هو إيصال الخير من الجزاء حيث ذكر حسن العمل و امتياز من جاء بأحسنه فالمحسنون عملا هم المقصودون بالخلقة و غيرهم مقصودون لأجلهم.
و قد ذيل الكلام بقوله: «و هو العزيز الغفور» فهو العزيز لأن الملك و القدرة المطلقين له وحده فلا يغلبه غالب و ما أقدر أحدا على مخالفته إلا بلاء و امتحانا و سينتقم منهم و هو الغفور لأنه يعفو عن كثير من سيئاتهم في الدنيا و سيغفر كثيرا منها في الآخرة كما وعد.
و في التذييل بالاسمين مع ذلك تخويف و تطميع على ما يدعو إلى ذلك سياق الدعوة.
و اعلم أن مضمون الآية ليس مجرد دعوى خالية عن الحجة يراد به التلقين كما ربما يتوهم بل هي مقدمة قريبة من الضرورة - أو هي ضرورية - تستدعي الحكم بضرورة البعث للجزاء فإن الإنسان المتلبس بهذه الحياة الدنيوية الملحوقة للموت لا يخلو من أن يحصل له وصف حسن العمل أو خلافه و هو مجهز بحسب الفطرة بما لو لا عروض عارض السوء لساقه إلى حسن العمل، و قلما يخلو إنسان من حصول أحد الوصفين كالأطفال و من في حكمهم.
و الوصف الحاصل المترتب على وجود الشيء الساري في أغلب أفراده غاية في وجوده مقصودة في إيجاده فكما أن الحياة النباتية لشجرة كذا إذ كانت تؤدي في الغالب إلى أثمارها ثمرة كذا يعد ذلك غاية لوجودها مقصودة منها كذلك حسن العمل و الصلاح غاية لخلق الإنسان، و من المعلوم أيضا أن الصلاح و حسن العمل لو كان مطلوبا لكان مطلوبا لغيره لا لنفسه، و المطلوب بالذات الحياة الطيبة التي لا يشوبها نقص و لا يعرضها لغو و لا تأثيم فالآية في معنى قوله: «كل نفس ذائقة الموت و نبلوكم بالشر و الخير فتنة»: الأنبياء: 35.
قوله تعالى: «الذي خلق سبع سماوات طباقا» إلخ، أي مطابقة بعضها فوق بعض أو بعضها يشبه البعض - على ما احتمل - و قد مر في تفسير حم السجدة بعض ما يمكننا من القول فيها.
و قوله: «ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت» قال الراغب: الفوت بعد الشيء عن الإنسان بحيث يتعذر إدراكه، قال تعالى: «و إن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار».
قال: و التفاوت الاختلاف في الأوصاف كأنه يفوت وصف أحدهما الآخر أو وصف كل واحد منهما الآخر، قال تعالى: «ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت» أي ليس فيها ما يخرج عن مقتضى الحكمة.
انتهى.
فالمراد بنفي التفاوت اتصال التدبير و ارتباط الأشياء بعضها ببعض من حيث الغايات و المنافع المترتبة على تفاعل بعضها في بعض، فاصطكاك الأسباب المختلفة في الخلقة و تنازعها كتشاجر كفتي الميزان و تصارعهما بالثقل و الخفة و الارتفاع و الانخفاض فإنهما في عين أنهما تختلفان تنفقان في إعانة من بيده الميزان فيما يريده من تشخيص وزن السلعة الموزونة.
فقد رتب الله أجزاء الخلقة بحيث تؤدي إلى مقاصدها من غير أن يفوت بعضها غرض بعض أو يفوت من بعضها الوصف اللازم فيه لحصول الغاية المطلوبة.
و الخطاب في «ما ترى» خطاب عام لكل من يمكنه الرؤية و في إضافة الخلق إلى الرحمن إشارة إلى أن الغاية منه هي الرحمة العامة، و تنكير «تفاوت» و هو في سياق النفي و إدخال «من» عليه لإفادة العموم.
و قوله: «فارجع البصر هل ترى من فطور» الفطور الاختلال و الوهي، و المراد بإرجاع البصر النظر ثانيا و هو كناية عن المداقة في النظر و الإمعان فيه.
قوله تعالى: «ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا و هو حسير» الخاسىء من خسأ البصر إذا انقبض عن مهانة كما قال الراغب، و قال أيضا: الخاسر المعيا لانكشاف قواه، و يقال للمعيا: حاسر و محسور: أما الحاسر فتصور أنه بنفسه قد حسر قوته، و أما المحسور فتصور أن التعب قد حسره، و قوله عز و جل: «ينقلب إليك البصر خاسئا و هو حسير» يصح أن يكون بمعنى حاسر و أن يكون بمعنى محسور.
انتهى.
و قوله: «كرتين» الكرة الرجعة و المراد بالتثنية التكثير و التكرير، و المعنى: ثم ارجع البصر رجعة بعد رجعة أي رجعات كثيرة ينقلب إليك البصر منقبضة مهينة و الحال أنه كليل معيا لم يجد فطورا.
فقد أشير في الآيتين إلى أن النظام الجاري في الكون نظام واحد متصل الأجزاء مرتبط الأبعاض.
قوله تعالى: «و لقد زينا السماء الدنيا بمصابيح» إلى آخر الآية، المصابيح جمع مصباح و هو السراج سمي الكواكب مصابيح لإنارتها و إضاءتها و قد تقدم كلام في ذلك في تفسير سورة حم السجدة.
و قوله: «و جعلناها رجوما للشياطين» أي و جعلنا الكواكب التي زينا بها السماء رجوما يرجم بها من استرق السمع من الشياطين كما قال تعالى: «إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين»: الحجر: 18، و قال: «إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب»: الصافات: 10.
قيل: إن الجملة دليل أن المراد بالكواكب المزينة بها السماء مجموع الكواكب الأصلية و الشهب السماوية فإن الكواكب الأصلية لا تزول عن مستقرها و الكواكب و النجم يطلقان على الشهب كما يطلقان على الأجرام الأصلية.
و قيل: تنفصل من الكواكب شهب تكون رجوما للشياطين أما الكواكب أنفسها فليست تزول إلا أن يريد الله إفناءها.
و هذا الوجه أوفق للأنظار العلمية الحاضرة، و قد تقدم بعض الكلام في معنى رمي الشياطين بالشهب.
و قوله: «و أعتدنا لهم عذاب السعير» أي و هيأنا للشياطين و هم أشرار الجن عذاب النار المسعرة المشتعلة.
قوله تعالى: «و للذين كفروا بربهم عذاب جهنم و بئس المصير» لما أورد بعض آيات ربوبيته تعالى عقبها بالوعيد على من كفر بربوبيته على ما هو شأن هذه السورة من تداخل الحجج و الوعيد و الإنذار.
و المراد بالذين كفروا بربوبيته أعم من الوثنيين النافين لربوبيته لغير أربابهم القائلين بأنه تعالى رب الأرباب فقط، و النافين لها مطلقا و المثبتين لربوبيته مع التفريق بينه و بين رسله كاليهود و النصارى حيث آمنوا ببعض رسله و كفروا ببعض.
و الآية مع ذلك متصلة بقوله: «الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا و هو العزيز الغفور» لما فيها من الإشارة إلى البعث و الجزاء متصلة بما قبلها كالتعميم بعد التخصيص.
قوله تعالى: «إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا و هي تفور تكاد تميز من الغيظ» قال الراغب: الشهيق طول الزفير و هو رد النفس و الزفير مدة انتهى، و الفوران كما في المجمع، ارتفاع الغليان، و التميز: التقطع و التفرق، و الغيظ: شدة الغضب، و المعنى: إذا طرح الكفار في جهنم سمعوا لها شهيقا - أي تجذبهم إلى داخلها كما يجذب الهواء بالشهيق إلى داخل الصدر - و هي تغلي بهم فترفعهم و تخفضهم تكاد تتلاشى من شدة الغضب.
قوله تعالى: «كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها أ لم يأتكم نذير» الفوج - كما قاله الراغب - الجماعة المارة المسرعة، و في قوله: «كلما ألقي فيها فوج» إشارة إلى أن الكفار يلقون في النار جماعة جماعة كما يشير إليه قوله: «و سيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا»: الزمر: 71، و إنما يلقون كذلك بلحوق التابعين لمتبوعيهم في الضلال كما قال تعالى: «و يجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم»: الأنفال: 37، و قد تقدم بعض توضيحه في ذيل الآية من سورة الأنفال.
و الخزنة جمع خازن و هو الحافظ على الشيء المدخر و المراد بهم الملائكة الموكلون على النار المدبرون لأنواع عذابها قال تعالى: «عليها ملائكة غلاظ شداد»: التحريم: 6، و قال: «و ما أدراك ما سقر - إلى أن قال - عليها تسعة عشر و ما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة»: المدثر: 31.
و المعنى: كلما طرح في جهنم جماعة من جماعات الكفار المسوقين إليها سألهم الملائكة الموكلون على النار الحافظون لها - توبيخا - أ لم يأتكم نذير؟ و هو النبي المنذر.
قوله تعالى: «قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا» إلى آخر الآية حكاية جوابهم لسؤال الخزنة، و فيه تصديق أنهم قد جاءهم نذير فنسبوه إلى الكذب و اعتراف.
و قوله: «ما نزل الله من شيء» بيان لتكذيبهم، و كذا قوله: «إن أنتم إلا في ضلال كبير» و قيل: قوله: «إن أنتم» إلخ، كلام الملائكة يخاطبون به الكفار بعد جوابهم عن سؤالهم بما أجابوا، و هو بعيد من السياق، و كذا احتمال كونه من كلام الرسل الذين كذبوهم تحكيه الملائكة لأولئك الكفار.
قوله تعالى: «و قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير» يطلق السمع و يراد به إدراك الصوت و القول بالجارحة و ربما يراد به ما هو الغاية منه عند العقلاء و هو الالتزام بمقتضاه من الفعل و الترك، و يطلق العقل على تمييز الخير من الشر و النافع من الضار، و ربما يراد به ما هو الغاية منه و هو الالتزام بمقتضاه من طلب الخير و النفع و اجتناب الشر و الضر، قال تعالى: «لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل»: الأعراف: 179.
و أكثر ما ينتفع بالسمع عامة الناس لقصورهم عن تعقل دقائق الأمور و إدراك حقيقتها و الاهتداء إلى مصالحها و مفاسدها و إنما ينتفع بالعقل الخاصة.
فقوله: «لو كنا نسمع أو نعقل» أريد بالسمع استجابة دعوة الرسل و الالتزام بمقتضى قولهم و هم النصحاء الأمناء، و بالعقل الالتزام بمقتضى ما يدعون إليه من الحق بتعقله و الاهتداء العقلي إلى أنه حق و من الواجب أن يخضع الإنسان للحق.
و إنما قدم السمع على العقل لأن استعماله من شأن عامة الناس و هم الأكثرون و العقل شأن الخاصة و هم آحاد قليلون.
و المعنى: لو كنا في الدنيا نطيع الرسل في نصائحهم و مواعظهم أو عقلنا حجة الحق ما كنا اليوم في أصحاب السعير و هم مصاحبو النار المخلدون فيها.
و قيل: إنما جمع بين السمع و العقل لأن مدار التكليف على أدلة السمع و العقل.
قوله تعالى: «فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير» كانوا إنما قالوا: «لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير» ندامة على ما فرطوا في جنب الله و فوتوا على أنفسهم من الخير فاعترفوا بأن ما أتوا به كان تبعته دخول النار و كان عليهم أن لا يأتوا به، و هذا هو الذنب فقد اعترفوا بذنبهم.
و إنما أفرد الذنب بناء على إرادة معنى المصدر منه و هو في الأصل مصدر.
و قوله: «فسحقا لأصحاب السعير» السحق تفتيت الشيء كما ذكره الراغب و هو دعاء عليهم.
قوله تعالى: «إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة و أجر كبير» لما ذكر حال الكفار و ما يجازون به على كفرهم قابلة بحال المؤمنين بالغيب لتمام التقسيم و ذكر من وصفهم الخشية لأن المقام مقام الإنذار و الوعيد.
و عد خشيتهم خشية بالغيب لكون ما آمنوا به محجوبا عنهم تحت حجب الغيب.
قوله تعالى: «و أسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور» رفع شبهة يمكن أن تختلج في قلوبهم مبنية على الاستبعاد و ذلك أنه تعالى ساق الكلام في بيان ربوبيته لكل شيء المستتبعة للبعث و الجزاء و ذكر ملكه و قدرته المطلقين و خلقه و تدبيره و لم يذكر علمه المحيط بهم و بأحوالهم و أعمالهم و هو مما لا يتم البعث و الجزاء بدونه.
و كان من الممكن أن يتوهموا أن الأعمال على كثرتها الخارجة عن الإحصاء لا يتأتى ضبطها و خاصة ما تكنه الصدور منها فإن الإنسان يقيس الأشياء بنفسه و يزنها بزنة نفسه و هو غير قادر على إحصاء جزئيات الأعمال التي هي حركات مختلفة متقضية و خاصة أعمال القلوب المستكنة في زواياها.
فدفعه بأن إظهار القول و إخفاءه سواء بالنسبة إليه تعالى فإنه عليم بذات الصدور، و السياق يشهد أن المراد استواء خفايا الأعمال و جلاياها بالنسبة إليه، و إنما ذكر أسرار القول و جهره من حيث ظهور معنى الخفاء و الظهور فيه بالجهر و الإسرار.
قوله تعالى: «أ لا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير» استفهام إنكاري مأخوذ حجة على علمه تعالى بأعمال الخلق ظاهرها و باطنها و سرها و جهرها و ذلك أن أعمال الخلق - و من جملتها أعمال الإنسان الاختيارية - و إن نسبت إلى فواعلها لكن الله سبحانه هو الذي يريدها و يوجدها من طريق اختيار الإنسان و اقتضاء سائر الأسباب فهو الخالق لأعيان الأشياء و المقدر لها آثارها كيفما كانت و الرابط بينها و بين آثارها الموصل لها إلى آثارها، قال تعالى: «الله خالق كل شيء و هو على كل شيء وكيل»: الزمر: 62، و قال: «الذي خلق فسوى و الذي قدر فهدى»: الأعلى: 3، فهو سبحانه محيط بعين من خلقه و أثره و من أثره أعماله الظاهرة و الباطنة و ما أسره و ما جهر به و كيف يحيط به و لا يعلمه.
و في الآية إشارة إلى أن أحوال الأشياء و أعمالها غير خارجة عن خلقها لأنه تعالى استدل بعلمه بمن خلق على علمه بخصوصيات أحواله و أعماله و لو لا كون الأحوال و الأعمال غير خارجة عن وجود موضوعاتها لم يتم الاستدلال.
على أن الأحوال و الأعمال من مقتضيات موضوعاتها و الذي ينتسب إليه وجود الشيء ينتسب إليه آثار وجوده.
و قوله: «و هو اللطيف الخبير» أي النافذ في بواطن الأشياء المطلع على جزئيات وجودها و آثارها، و الجملة حالية تعلل ما قبلها و الاسمان الكريمان من الأسماء الحسنى ذيلت بهما الآية لتأكيد مضمونها.
بحث روائي
في الكافي، بإسناده عن سفيان بن عيينة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: «ليبلوكم أيكم أحسن عملا» قال: ليس يعني أكثركم عملا و لكن أصوبكم عملا، و إنما الإصابة خشية الله و النية الصادقة و الخشية. ثم قال: الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل. ألا و العمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله، و النية أفضل من العمل ألا و إن النية هي العمل. ثم تلا قوله: «قل كل يعمل على شاكلته» يعني على نيته.
و في المجمع، قال أبو قتادة: سألت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قوله تعالى: «أيكم أحسن عملا» ما عنى به؟ فقال: يقول: أيكم أحسن عقلا. ثم قال: أتمكم عقلا و أشدكم لله خوفا، و أحسنكم فيما أمر الله به و نهى عنه نظرا و إن كان أقلكم تطوعا.
و فيه، عن ابن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه تلا قوله تعالى: «تبارك الذي بيده الملك إلى قوله أيكم أحسن عملا» ثم قال: أيكم أحسن عقلا، و أورع عن محارم الله و أسرع في طاعة الله.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «الذي خلق سبع سماوات طباقا» قال: بعضها طبق لبعض.
و فيه،: في قوله تعالى: «من تفاوت» قال: من فساد.
و فيه،: في قوله تعالى: «ثم ارجع البصر» قال: انظر في ملكوت السماوات و الأرض.
و فيه،: في قوله تعالى: «بمصابيح» قال: بالنجوم.
و فيه،: في قوله تعالى: «سمعوا لها شهيقا» قال: وقعا.
و فيه،: في قوله تعالى: «تكاد تميز من الغيظ» قال: على أعداء الله.
و فيه،: في قوله تعالى: «و قالوا لو كنا نسمع أو نعقل - ما كنا في أصحاب السعير» قال: قد سمعوا و عقلوا و لكنهم لم يطيعوا و لم يقبلوا، و الدليل على أنهم قد سمعوا و عقلوا و لم يقبلوا، قوله: «فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير».
أقول: يعني (عليه السلام) أنه يدل على أن المراد من عدم السمع و العقل عدم الإطاعة و القبول بعد السمع و العقل أنه تعالى سمى قولهم ذلك اعترافا بالذنب، و لا يعد فعل ذنبا من فاعله إلا بعد العلم بجهة مساءته بسمع أو عقل.
|