بيان
قوله تعالى: «و لوطا إذ قال لقومه أ تأتون الفاحشة» إلى آخر الآية.
ظاهره أنه من عطف القصة على القصة أي عطف قوله: «لوطا» على «نوحا» في قوله في القصة الأولى: «و لقد أرسلنا نوحا» فيكون التقدير و لقد أرسلنا لوطا إذ قال لقومه إلخ، لكن المعهود من نظائر هذا النظم في القرآن أن يكون بتقدير «اذكر» بدلالة السياق، و على ذلك فالتقدير: و اذكر لوطا الذي أرسلناه إذ قال لقومه إلخ و الظاهر أن تغيير السياق من جهة أن لوطا من الأنبياء التابعين لشريعة إبراهيم (عليه السلام) لا لشريعة نوح (عليه السلام)، و لذلك غير السياق في بدء قصته عن السياق السابق في قصص نوح و هود و صالح فغير السياق في بدء قصته ثم رجع إلى السياق في قصة شعيب (عليه السلام).
و قد كان لوط - على ما سيأتي إن شاء الله من تفصيل قصته في سورة هود - مرسلا إلى أهل سدوم و غيره يدعوهم إلى دين التوحيد و كانوا مشركين عبدة أصنام.
و قوله: «أ تأتون الفاحشة» يريد بالفاحشة اللواط بدليل قوله: «إنكم لتأتون الرجال شهوة» و في قوله: «ما سبقكم بها من أحد من العالمين» أي أحد من الأمم و الجماعات دلالة على أن تاريخ ظهور هذه الفاحشة الشنيعة تنتهي إلى قوم لوط، و سيأتي جل ما يتعلق به من الكلام في تفصيل قصته في سورة هود.
قوله تعالى: «إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء» الآية، إتيان الرجال كناية عن العمل بهم بذلك، و قوله «شهوة» قرينة عليه، و قوله «من دون النساء» قرينة أخرى على ذلك، و يفيد مضافا إلى ذلك أنهم كانوا قد تركوا سبيل النساء و اكتفوا بالرجال، و لتعديهم سبيل الفطرة و الخلقة إلى غيره عدهم متجاوزين مسرفين فقال: «بل أنتم قوم مسرفون».
و لكون عملهم فاحشة مبتدعة لم يسبقهم إليها أحد من العالمين استفهم عن ذلك مقارنا ب «أن» المفيدة للتحقيق فأفاد التعجب و الاستغراب، و التقدير: «إنكم لتأتون» الآية.
قوله تعالى: «و ما كان جواب قومه إلا أن قالوا» إلى آخر الآية.
أي لم يكن عندهم جواب فهددوه بالإخراج من البلد فإن قولهم: «أخرجوهم من قريتكم» الآية.
ليس جوابا عن قول لوط لهم: «أ تأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد» الآية.
فجواب الكلام في ظرف المناظرة إما إمضاؤه و الاعتراف بحقيته و إما بيان وجه فساده، و ليس في قولهم: «أخرجوهم» إلى آخره شيء من ذلك فوضع ما ليس بجواب في موضع الجواب كناية عن عدم الجواب و دلالة على سفههم.
و قد استهانوا أمر لوط إذ قالوا: «أخرجوهم من قريتكم» الآية أي إن القرية أي البلدة لكم و هم نزلاء ليسوا منها و هم يتنزهون عما تأتونه و يتطهرون، و لا يهمنكم أمرهم فليسوا إلا أناسا لا عدة لهم و لا شدة.
قوله تعالى: «فأنجيناه و أهله إلا امرأته كانت من الغابرين» فيه دلالة على أنه لم يكن آمن به إلا أهله، و قد قال تعالى في موضع آخر: «فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين»: الذاريات: 36.
و قوله: «كانت من الغابرين» أي الماضين من القوم، و هو استعارة بالكناية عن الهلاك و الباقي ظاهر.
قوله تعالى: «و أمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين» ذكر الأمطار في مورد ترقب ذكر العذاب يدل على أن العذاب كان به و قد نكر المطر للدلالة على غرابة أمره و غزارة أثره، و قد فسره الله تعالى في موضع آخر بقوله: «و أمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك و ما هي من الظالمين ببعيد»: هود: 83.
و قوله: «فانظر كيف كان عاقبة المجرمين» توجيه خطاب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليعتبر به هو و أمته.
|