بيان
تتضمن الآيات هلاك القوم و تتمة دعاء نوح (عليه السلام) عليهم.
قوله تعالى: «مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا» إلخ «من» لابتداء الغاية تفيد بحسب المورد التعليل و «ما» زائدة لتأكيد أمر الخطايا و تفخيمه، و الخطيئات المعاصي و الذنوب، و تنكير النار للتفخيم.
و المعنى: من أجل معاصيهم و ذنوبهم أغرقوا بالطوفان فأدخلوا - أدخلهم الله - نارا لا يقدر عذابها بقدر، و من لطيف نظم الآية الجمع بين الإغراق بالماء و إدخال النار.
و المراد بالنار نار البرزخ التي يعذب بها المجرمون بين الموت و البعث دون نار الآخرة، و الآية من أدلة البرزخ إذ ليس المراد أنهم أغرقوا و سيدخلون النار يوم القيامة، و لا يعبأ بما قيل: إن من الجائز أن يراد بها نار الآخرة.
و قوله: «فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا» أي ينصرونهم في صرف الهلاك و العذاب عنهم.
تعريض لأصنامهم و آلهتهم.
قوله تعالى: «و قال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا» الديار نازل الدار، و الآية تتمة دعائه (عليه السلام) عليهم، و كان قوله: «مما خطيئاتهم أغرقوا» إلخ معترضا واقعا بين فقرتي الدعاء للإشارة إلى أنهم أهلكوا لما عد نوح من خطيئاتهم و لتكون كالتمهيد لسؤاله الهلاك فيتبين أن إغراقهم كان استجابة لدعائه، و أن العذاب استوعبهم عن آخرهم.
قوله تعالى: «إنك إن تذرهم يضلوا عبادك و لا يلدوا إلا فاجرا كفارا» تعليل لسؤال إهلاكهم عن آخرهم مفاده أن لا فائدة في بقائهم لا لمن دونهم من المؤمنين فإنهم يضلونهم، و لا فيمن يلدونه من الأولاد فإنهم لا يلدون إلا فاجرا كفارا - و الفجور الفسق الشنيع و الكفار المبالغ في الكفر.
و قد استفاد (عليه السلام) ما ذكره من صفتهم من الوحي الإلهي على ما تقدم في تفسير قصة نوح من سورة هود.
قوله تعالى: «رب اغفر لي و لوالدي و لمن دخل بيتي مؤمنا و للمؤمنين و المؤمنات» «إلخ» المراد بمن دخل بيته مؤمنا المؤمنون به من قومه، و بالمؤمنين و المؤمنات عامتهم إلى يوم القيامة.
و قوله: «و لا تزد الظالمين إلا تبارا» التبار الهلاك، و الظاهر أن المراد بالتبار ما يوجب عذاب الآخرة و هو الضلال و هلاك الدنيا بالغرق، و قد تقدما جميعا في دعائه، و هذا الدعاء آخر ما نقل من كلامه (عليه السلام) في القرآن الكريم.
|