بيان
الآيات في سياق الآيات السابقة و هي متصلة بها و منعطفة على آيات أول السورة إلا قوله: «و إذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق» الآية و الآية التي تليها، فإن ظهور اتصالها دون بقية الآيات، و سيجيء الكلام فيها إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: «و إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك» إلى آخر الآية، قال الراغب: المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة، و ذلك ضربان: ضرب محمود و ذلك أن يتحرى به فعل جميل و على ذلك قال: و الله خير الماكرين، و مذموم و هو أن يتحرى به فعل قبيح قال: و لا يحيق المكر السيىء إلا بأهله.
و إذ يمكر بك الذين كفروا.
فانظر كيف كان عاقبة مكرهم، و قال في الأمرين: و مكروا مكرا و مكرنا مكرا، و قال بعضهم: من مكر الله إمهال العبد و تمكينه من أعراض الدنيا، و لذلك قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: من وسع عليه دنياه و لم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله. انتهى.
و في المجمع،: الإثبات الحبس يقال: رماه فأثبته أي حبسه مكانه، و أثبت الحرب أي جرحه جراحة مثقلة.
انتهى.
و مقتضى سياق الآيات إن يكن قوله: «و إذ يمكر بك الذين كفروا» الآية معطوفة على قوله سابقا: «و إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم» فالآية مسوقة لبيان ما أسبغ الله عليهم من نعمته، و أيدهم به من أياديه التي لم يكن لهم فيها صنع.
و معنى الآية: و اذكر أو و ليذكروا إذ يمكر بك الذين كفروا من قريش لإبطال دعوتك أن يوقعوا بك أحد أمور ثلاثة: إما أن يحبسوك و إما أن يقتلوك و إما أن يخرجوك و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين.
و الترديد في الآية بين الحبس و القتل و الإخراج بيانا لما كانوا يمكرونه من مكر يدل أنه كان منهم شورى يشاور فيها بعضهم بعضا في أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و ما كان يهمهم و يهتمون به من إطفاء نور دعوته، و بذلك يتأيد ما ورد من أسباب النزول أن الآية تشير إلى قصة دار الندوة على ما سيجيء في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: «و إذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا» إلى آخر الآية الأساطير الأحاديث جمع أسطورة و يغلب في الأخبار الخرافية، و قوله حكاية عنهم: «قد سمعنا» و قوله: «لو نشاء لقلنا» و قوله: «مثل هذا» و لم يقل: مثل هذه أو مثلها كل ذلك للدلالة على إهانتهم بآيات الله و إزرائهم بمقام الرسالة، و نظيرها قولهم: «إن هذا إلا أساطير الأولين».
و المعنى: و إذا تتلى عليهم آياتنا التي لا ريب في دلالتها على أنها من عندنا و هي تكشف عن ما نريده منهم من الدين الحق لجوا و اعتدوا بها و هونوا أمرها و أزروا برسالتنا و قالوا قد سمعنا و عقلنا هذا الذي تلي علينا لا حقيقة له إلا أنه من أساطير الأولين، و لو نشاء لقلنا مثله غير أنا لا نعتني به و لا نهتم بأمثال هذه الأحاديث الخرافية.
قوله تعالى: «و إذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك» إلى آخر الآيتين.
الإمطار هو إنزال الشيء من فوق، و غلب في قطرات الماء من المطر أو هو استعارة إمطار المطر لغيره كالحجارة و كيف كان فقولهم: أمطر علينا حجارة من السماء بالتصريح باسم السماء للدلالة على كونه بنحو الآية السماوية و الإهلاك الإلهي محضا.
فإمطار الحجارة من السماء عليهم على ما سألوا أحد أقسام العذاب و يبقى الباقي تحت قولهم: «أو ائتنا بعذاب أليم» و لذلك نكر العذاب و أبهم وصفه ليدل على باقي أقسام العذاب، و يفيد مجموع الكلام: أن أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب آخر غيره يكون أليما، و إنما أفرد إمطار الحجارة من بين أفراد العذاب الأليم بالذكر لكون الرضخ بالحجارة مما يجتمع فيه عذاب الجسم بما فيه من تألم البدن و عذاب الروح بما فيه من الذلة و الإهانة.
ثم قوله: «إن كان هذا هو الحق من عندك» يدل بلفظه على أن الذي سمعوه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بلسان القال أو الحال بدعوته هو قوله: «هذا هو الحق من عند الله» و فيه شيء من معنى الحصر، و هذا غير ما كان يقوله لهم: هذا حق من عند الله فإن القول الثاني يواجه به الذي لا يرى دينا سماويا و نبوة إلهية كما كان يقوله المشركون و هم الوثنية: ما أنزل الله على بشر من شيء، و أما القول الأول فإنما يواجه به من يرى أن هناك دينا حقا من عند الله و رسالة إلهية يبلغ الحق من عنده ثم ينكر كون ما أتى به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بعض ما أتى به هو الحق من عند الله تعالى فيواجه بأنه هو الحق من عند الله لا غيره ثم، يرد بالاشتراط في مثل قوله.
اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.
فالأشبه أن لا يكون هذا حكاية عن بعض المشركين بنسبته إلى جميعهم لاتفاقهم في الرأي أو رضا جميعهم بما قاله هذا القائل بل كأنه حكاية عن بعض أهل الردة ممن أسلم ثم ارتد أو عن بعض أهل الكتاب المعتقدين بدين سماوي حق فافهم ذلك.
و يؤيد هذا الآية التالية لهذه الآية: «و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون» أما قوله: «و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم» فإن كان المراد به نفي تعذيب الله كفار قريش بمكة قبل الهجرة و النبي فيهم كان مدلوله أن المانع من نزول العذاب يومئذ هو وجود النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بينهم، و المراد بالعذاب غير العذاب الذي جرى عليهم بيد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من القتل و الأسر كما سماه الله في الآيات السابقة عذابا و قال في مثلها: «قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين و نحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا:» التوبة: - 52، بل عذاب الاستئصال بآية سماوية كما جرى في أمم الأنبياء الماضين لكن الله سبحانه هددهم بعذاب الاستئصال في آيات كثيرة كقوله تعالى: «فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد و ثمود:» حم السجدة: - 13، و كيف يلائم أمثال هذه التهديدات قوله: «و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم» لو كان المراد بالمعذبين هم كفار قريش و مشركو العرب ما دام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة.
و لو كان المراد بالمعذبين جميع العرب أو الأمة، و المراد بقوله: «و أنت فيهم» حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و المعنى: و لا يعذب الله هذه الأمة و أنت فيهم حيا كما ربما يؤيده قوله بعده: «و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون» كان ذلك نفيا للعذاب عن جميع الأمة و لم يناف نزوله على بعضهم كما سمي وقوع القتل بهم عذابا كما في الآيات السابقة، و كما ورد أن الله تعالى عذب جمعا منهم كأبي لهب و المستهزءين برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، و على هذا لا تشمل الآية القائلين: «اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك» إلى آخر الآية و خاصة باعتبار ما روي أن القائل به أبو جهل كما في صحيح البخاري أو النضر بن الحارث بن كلدة كما في بعض روايات أخر و قد حقت عليهما كلمة العذاب و قتلا يوم بدر فلا ترتبط الآية: «و ما كان الله ليعذبهم» الآية، بهؤلاء القائلين: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية مع أنها مسوقة سوق الجواب عن قولهم.
و يشتد الإشكال بناء على ما وقع في بعض أسباب النزول أنهم قالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزل قوله تعالى: «سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع» و سيجيء الكلام فيه و في غيره من أسباب النزول المروية في البحث الروائي التالي إن شاء الله.
و الذي تمحل به بعض المفسرين في توجيه مضمون الآية بناء على حملها على ما مر من المعنى أن الله سبحانه أرسل محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة للعالمين و نعمة لهذه الأمة لا نقمة و عذابا.
فيه أنه ليس مقتضى الرحمة للعالمين أن يهمل مصلحة الدين، و يسكت عن مظالم الظالمين و إن بلغ ما بلغ و أدي إلى شقاء الصالحين و اختلال نظام الدنيا و الدين، و قد حكى الله سبحانه عن نفسه بقوله: «و رحمتي وسعت كل شيء «و لم يمنع ذلك من حلول غضبه على من حل به من الأمم الماضية و القرون الخالية كما ذكره في كلامه.
على أنه تعالى سمى ما وقع على كفار قريش من القتل و الهلاك في بدر و غيره عذابا و لم يناف ذلك قوله: «و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين:» الأنبياء: - 107، و هدد هذه الأمة بعذاب واقع قطعي في سور يونس و الإسراء و الأنبياء و القصص و الروم و المعارج و غيرها و لم يناف ذلك كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة للعالمين فما بال نزول العذاب على شرذمة تفوهت بهذه الكلمة: «اللهم إن كان هذا هو الحق» إلخ، ينافي قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نبي الرحمة مع أن من مقتضى الرحمة أن يوفى لكل ذي حق حقه، و أن يقتص للمظلوم من الظالم و أن يؤخذ كل طاغية بطغيانه.
و أما قوله تعالى: «و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون» فظاهره النفي الاستقبالي على ما هو ظاهر الصفة: «معذبهم» و كون قوله: «يستغفرون» مسوقا لإفادة الاستمرار و الجملة حالية، و المعنى: و لا يستقبلهم الله بالعذاب ما داموا يستغفرونه.
و الآية كيفما أخذت لا تنطبق على حال مشركي مكة و هم مشركون معاندون لا يخضعون لحق و لا يستغفرون عن مظلمة و لا جريمة، و لا يصلح الأمر بما ورد في بعض الآثار أنهم قالوا ما قالوا ثم ندموا على ما قالوا فاستغفروا الله بقولهم: «غفرانك اللهم».
و ذلك - مضافا إلى عدم ثبوته - أنه تعالى لا يعبأ في كلامه باستغفار المشركين و لا سيما أئمة الكفر منهم، و اللاغي من الاستغفار لا أثر له، و لو لم يكن استغفارهم لاغيا و ارتفع به ما أجرموه بقولهم: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الآية لم يكن وجه لذمهم و تأنيبهم بقوله تعالى: «و إذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق» في سياق هذه الآيات المسوقة لذمهم و لومهم و عد جرائمهم و مظالمهم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و المؤمنين.
على أن قوله تعالى بعد الآيتين: «و ما لهم ألا يعذبهم الله و هم يصدون عن المسجد الحرام» الآية لا يلائم نفي العذاب في هاتين الآيتين فإن ظاهر الآية أن العذاب المهدد به هو عذاب القتل بأيدي المؤمنين كما يدل عليه قوله بعده: «فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون» و حينئذ فلو كان القائلون: «اللهم إن كان هذا هو الحق» الآية مشركي قريش أو بعضهم و كان المراد من العذاب المنفي العذاب السماوي لم يستقم إنكار وقوع العذاب عليهم بالقتل و نحوه فإن الكلام حينئذ يئول إلى معنى التشديد: و محصله: أنهم كانوا أحق بالعذاب و لهم جرم آخر وراء ما أجرموه و هو الصد عن المسجد الحرام، و هذا النوع من الترقي أنسب بإثبات العذاب لهم لا لنفيه عنهم.
و إن كان المراد بالعذاب المنفي هو القتل و نحوه كان عدم الملاءمة بين قوله: «و ما لهم ألا يعذبهم الله» و قوله: «فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون» و بين قوله: «و ما كان الله ليعذبهم» إلخ، أوضح و أظهر.
و ربما وجه الآية بهذا المعنى بعضهم بأن المراد بقوله: «و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم» عذاب أهل مكة قبل الهجرة، و بقوله: «و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون» عذاب الناس كافة بعد هجرته (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة و إيمان جمع و استغفارهم و لذا قيل: إن صدر الآية نزلت قبل الهجرة، و ذيلها بعد الهجرة!.
و هو ظاهر الفساد فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما كان فيهم بمكة قبل الهجرة كان معه جمع ممن يؤمن بالله و يستغفره، و هو (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد الهجرة كان في الناس فما معنى تخصيص صدر الآية بقوله: «و أنت فيهم» و ذيلها بقوله: «و هم يستغفرون».
و لو فرض أن معنى الآية أن الله لا يعذب هذه الأمة ما دمت فيهم ببركة وجودك، و لا يعذبهم بعدك ببركة استغفارهم لله و المراد بالعذاب عذاب الاستئصال لم يلائم الآيتين التاليتين: «و ما لهم ألا يعذبهم الله» إلخ مع ما تقدم من الإشكال عليه.
فقد ظهر من جميع ما تقدم - على طوله - أن الآيتين أعني قوله: «و إذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة» إلى آخر الآيتين لا تشاركان الآيات السابقة و اللاحقة المسرودة في الكلام على كفار قريش في سياقها الواحد فهما لم تنزلا معها.
و الأقرب أن يكون ما حكي فيهما من قولهم و الجواب عنه بقوله: «و ما كان الله ليعذبهم» غير مرتبط بهم و إنما صدر هذا القول من بعض أهل الكتاب أو بعض من آمن ثم ارتد من الناس.
و يتأيد بذلك بعض ما ورد أن القائل بهذا القول الحارث بن النعمان الفهري، و قد تقدم الحديث نقلا عن تفسيري الثعلبي و المجمع في ذيل قوله تعالى: «يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك» الآية: المائدة: - 67 في الجزء السادس من الكتاب.
و على هذا التقدير فالمراد بالعذاب المنفي العذاب السماوي المستعقب للاستئصال الشامل للأمة على نهج عذاب سائر الأمم، و الله سبحانه ينفي فيها العذاب عن الأمة ما دام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم حيا، و بعده ما داموا يستغفرون الله تعالى.
و يظهر من قوله تعالى: «و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون» بضمه إلى الآيات التي توعد هذه الأمة بالعذاب الذي يقضي بين الرسول و بينهم كآيات سورة يونس: «و لكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط و هم لا يظلمون»: يونس: - 47 إلى آخر الآيات أن في مستقبل أمر هذه الأمة يوما ينقطع عنهم الاستغفار و يرتفع من بينهم المؤمن الإلهي فيعذبون عند ذاك.
قوله تعالى: «و ما لهم ألا يعذبهم الله و هم يصدون عن المسجد الحرام و ما كانوا أولياءه» إلى آخر الآية استفهام في معنى الإنكار أو التعجب، و قوله: «و ما لهم» بتقدير فعل يتعلق به الظرف و يكون قوله: «ألا يعذبهم» مفعوله أو هو من التضمين نظير ما قيل في قوله: «هل لك إلى أن تزكى:» النازعات: - 18.
و التقدير على أي حال نحو من قولنا: «و ما الذي يثبت و يحق لهم عدم تعذيب الله إياهم و الحال أنهم يصدون عن المسجد الحرام و يمنعون المؤمنين من دخوله و ما كانوا أولياءه».
فقوله: «و هم يصدون» إلخ حال عن ضمير «يعذبهم» و قوله: «و ما كانوا أولياءه» حال عن ضمير «يصدون».
و قوله: «إن أولياؤه إلا المتقون» تعليل لقوله: «و ما كانوا أولياءه» أي ليس لهم أن يلوا أمر البيت فيجيزوا و يمنعوا من شاءوا لأن هذا المسجد مبني على تقوى الله فلا يلي أمره إلا المتقون و ليسوا بهم.
فقوله: «إن أولياؤه إلا المتقون» جملة خبرية تعلل القول بأمر بين يدركه كل ذي لب، و ليست الجملة إنشائية مشتملة على جعل الولاية للمتقين، و يشهد لما ذكرناه قوله بعد: «و لكن أكثرهم لا يعلمون» كما لا يخفى.
و المراد بالعذاب العذاب بالقتل أو الأعم منه على ما يفيده السياق باتصال الآية بالآية التالية، و قد تقدم أن الآية غير متصلة ظاهرا بما تقدمها أي أن الآيتين: «و إذ قالوا اللهم» إلخ «و ما كان الله ليعذبهم» إلخ خارجتان عن سياق الآيات، و لازم ذلك ما ذكرناه.
قال في المجمع،: و يسأل فيقال: كيف يجمع بين الآيتين و في الأولى نفي تعذيبهم، و في الثانية إثبات ذلك؟ و جوابه على ثلاثة أوجه: أحدها: أن المراد بالأول عذاب الاصطلام و الاستئصال كما فعل بالأمم الماضية، و بالثاني عذاب القتل بالسيف و الأسر و غير ذلك بعد خروج المؤمنين من بينهم.
و الآخر: أنه أراد: و ما لهم أن لا يعذبهم الله في الآخرة، و يريد بالأول عذاب الدنيا.
عن الجبائي.
و الثالث: أن الأول استدعاء للاستغفار.
يريد أنه لا يعذبهم بعذاب دنيا و لا آخرة إذا استغفروا و تابوا فإذا لم يفعلوا عذبوا ثم بين أن استحقاقهم العذاب بصدهم عن المسجد الحرام.
انتهى.
و فيه: أن مبنى الإشكال على اتصال الآية بما قبلها و قد تقدم أنها غير متصلة.
هذا إجمالا.
و أما تفصيلا فيرد على الوجه الأول: أن سياق الآية و هو كما تقدم سياق التشدد و الترقي، و لا يلائم ذلك نفي العذاب في الأولى مع إثباته في الثانية و إن كان العذاب غير العذاب.
و على الثاني أن سياق الآية ينافي كون المراد بالعذاب فيها عذاب الآخرة، و خاصة بالنظر إلى قوله في الآية الثالثة - و هي في سياق الآية الأولى - «فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون».
و على الثالث: أن ذلك خلاف ظاهر الآية بلا شك حيث إن ظاهرها إثبات الاستغفار لهم حالا مستمرا لاستدعائه و هو ظاهر.
قوله تعالى: «و ما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء و تصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون» المكاء بضم الميم الصفير، و المكاء بصيغة المبالغة طائر بالحجاز شديد الصفير، و منه المثل السائر: بنيك حمري و مكئكيني.
و التصدية التصفيق بضرب اليد على اليد.
و قوله: «و ما كان صلاتهم» الضمير لهؤلاء الصادين المذكورين في الآية السابقة و هم المشركون من قريش، و قوله: «فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون» بيان إنجاز العذاب الموعد لهم بقرينة التفريع بالفاء.
و من هنا يتأيد أن الآيتين متصلتان كلاما واحدا و قوله: «و ما كان» إلخ جملة حالية و المعنى: و ما لهم أن لا يعذبهم الله و الحال أنهم يصدون العباد من المؤمنين عن المسجد الحرام و ما كان صلاتهم عند البيت إلا ملعبة من المكاء و التصدية فإذا كان كذلك فليذوقوا العذاب بما كانوا يكفرون، و الالتفات في قوله: «فذوقوا العذاب» عن الغيبة إلى الخطاب لبلوغ التشديد.
و يستفاد من الآيتين أن الكعبة المشرفة لو تركت بالصد استعقب ذلك المؤاخذة الإلهية بالعذاب قال علي (عليه السلام) في بعض وصاياه: «الله الله في بيت ربكم فإنه إن ترك لم تنظروا».
قوله تعالى: «إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله» إلى آخر الآية يبين حال الكفار في ضلال سعيهم الذي يسعونه لإبطال دعوة الله و المنع عن سلوك السالكين لسبيل الله، و يشرح ذلك قوله: «فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون» إلخ.
و بهذا السياق يظهر أن قوله: «و الذين كفروا إلى جهنم يحشرون» بمنزلة التعليل، و محصل المعنى أن الكفر سيبعثهم - بحسب سنة الله في الأسباب - إلى أن يسعوا في إبطال الدعوة و الصد عن سبيل الحق غير أن الظلم و الفسق و كل فساد لا يهدي إلى الفلاح و النجاح فسينفقون أموالهم في سبيل هذه الأغراض الفاسدة فتضيع الأموال في هذا الطريق فيكون ضيعتها موجبة لتحسرهم، ثم يغلبون فلا ينتفعون بها، و ذلك أن الكفار يحشرون إلى جهنم و يكون ما يأتون به في الدنيا من التجمع على الشر و الخروج إلى محاربة الله و رسوله بحذاء خروجهم محشورين إلى جهنم يوم القيامة.
و قوله: «فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون» إلى آخر الآية من ملاحم القرآن و الآية من سورة الأنفال النازلة بعد غزوة بدر فكأنها تشير إلى ما سيقع من غزوة أحد أو هي و غيرها، و على هذا فقوله: «فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة» إشارة إلى غزوة أحد أو هي و غيرها، و قوله: «ثم يغلبون» إلى فتح مكة، و قوله: «و الذين كفروا إلى جهنم يحشرون» إلى حال من لا يوفق للإسلام منهم.
قوله تعالى: «ليميز الله الخبيث من الطيب و يجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون» الخباثة و الطيب معنيان متقابلان و قد مر شرحهما و التمييز إخراج الشيء عما يخالفه و إلحاقه بما يوافقه بحيث ينفصل عما يخالفه، و الركم جمع الشيء فوق الشيء و منه سحاب مركوم أي مجتمع الأجزاء بعضها إلى بعض و مجموعها و تراكم الأشياء تراكب بعضها بعضا.
و الآية في موضع التعليل لما أخبر به في الآية السابقة من حال الكفار بحسب السنة الكونية، و هو أنهم يسعون بتمام وجدهم و مقدرتهم إلى أن يطفئوا نور الله و يصدوا عن سبيل الله فينفقون في ذلك الأموال و يبذلون في طريقه المساعي غير أنهم لا يهتدون إلى مقاصدهم و لا يبلغون آمالهم بل تضيع أموالهم و تحبط أعمالهم و تضل مساعيهم، و يرثون بذلك الحسرة و الهزيمة.
و ذلك أن هذه الأعمال و التقلبات تسير على سنة إلهية و تتوجه إلى غاية تكوينية ربانية، و هي أن الله سبحانه يميز في هذا النظام الجاري الشر من الخير و الخبيث من الطيب و يركم الخبيث بجعل بعضه على بعض، و يجعل ما اجتمع منه و تراكم في جهنم و هي الغاية التي تسير إليها قافلة الشر و الخبيث يحلها الجميع و هي دار البوار كما أن الخير و الطيب إلى الجنة، و الأولون هم الخاسرون كما أن الآخرين هم الرابحون المفلحون.
و من هنا يظهر أن قوله: «ليميز الله الخبيث من الطيب» إلخ قريب المضمون من قوله تعالى في مثل ضربه للحق و الباطل: «أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا و مما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق و الباطل فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض: الرعد: - 17 و الآية تشير إلى قانون كلي إلهي و هو إلحاق فرع كل شيء بأصله.
قوله تعالى: «قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف» إلى آخر الآية الانتهاء الإقلاع عن الشيء لأجل النهي، و السلوف التقدم، و السنة هي الطريقة و السيرة.
أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبلغهم ذلك و في معناه تطميع و تخويف و حقيقته دعوة إلى ترك القتال و الفتنة ليغفر الله لهم بذلك ما تقدم من قتلهم و إيذائهم للمؤمنين فإن لم ينتهوا عما نهوا عنه فقد مضت سنة الله في الأولين منهم بالإهلاك و الإبادة و خسران السعي.
قوله تعالى: «و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير» الآية و ما بعدها يشتملان على تكليف المؤمنين بحذاء ما كلف به الكفار في الآية السابقة، و المعنى: قل لهم أن ينتهوا عن المحادة لله و رسوله يغفر لهم ما قد سلف و إن يعودوا إلى مثل ما عملوا فقد علموا بما جرى على سابقتهم قل لهم كذا و أما أنت و المؤمنون فلا تهنوا فيما يهمكم من إقامة الدين و تصفية جو صالح للمؤمنين، و قاتلوهم حتى تنتهي هذه الفتن التي تفاجئكم كل يوم، و لا تكون فتنة بعد فإن انتهوا فإن الله يجازيهم بما يرى من أعمالهم، و إن تولوا عن الانتهاء فأديموا القتال و الله مولاكم فاعلموا ذلك و لا تهنوا و لا تخافوا.
و الفتنة ما يمتحن به النفوس و تكون لا محالة مما يشق عليها، و غلب استعمالها في المقاتل و ارتفاع الأمن و انتقاض الصلح، و كان كفار قريش يقبضون على المؤمنين بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الهجرة و بعدها إلى مدة في مكة و يعذبونهم و يجبرونهم على ترك الإسلام و الرجوع إلى الكفر، و كانت تسمى فتنة.
و قد ظهر بما يفيده السياق من المعنى السابق أن قوله: «و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة» كناية عن تضعيفهم بالقتال حتى لا يغتروا بكفرهم و لا يلقوا فتنة يفتتن بها المؤمنون و يكون الدين كله لله لا يدعو إلى خلافه أحد، و أن قوله: «فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير» المراد به الانتهاء عن القتال و لذلك أردفه بمثل قوله: «فإن الله بما يعملون بصير» أي عندئذ يحكم الله فيهم بما يناسب أعمالهم و هو بصير بها، و أن قوله: «و إن تولوا» إلخ أي إن تولوا عن الانتهاء، و لم يكفوا عن القتال و لم يتركوا الفتنة فاعلموا أن الله مولاكم و ناصركم و قاتلوهم مطمئنين بنصر الله نعم المولى و نعم النصير.
و قد ظهر أن قوله: «و يكون الدين كله لله» لا ينافي إقرار أهل الكتاب على دينهم إن دخلوا في الذمة و أعطوا الجزية فلا نسبة للآية مع قوله تعالى: «حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون:» التوبة: - 29.
بالناسخية و المنسوخية.
و لبعض المفسرين وجوه في معنى الانتهاء و المغفرة و غيرهما من مفردات الآيات الثلاث لا كثير جدوى في التعرض لها تركناها.
و قد ورد في بعض الأخبار كون «نعم المولى و نعم النصير» من أسماء الله الحسنى و المراد بالاسم حينئذ لا محالة غير الاسم بمعناه المصطلح بل كل ما يخص بلفظه شيئا من المصاديق كما ورد نظيره في قوله تعالى: «لا تأخذه سنة و لا نوم» و قد مر استيفاء الكلام في الأسماء الحسنى في ذيل قوله تعالى: «و لله الأسماء الحسنى:» الأعراف - 180 في الجزء الثامن من الكتاب.
بحث روائي
في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و إذ يمكر بك الذين كفروا» الآية أنها نزلت بمكة قبل الهجرة. و في الدر المنثور، أخرج ابن جرير و أبو الشيخ عن ابن جريح رض: «و إذ يمكر بك الذين كفروا» قال: هي مكية.
أقول: و هو ظاهر ما رواه أيضا عن عبد بن حميد عن معاوية بن قرة، لكن عرفت أن سياق الآيات لا يساعد عليه.
و فيه، أخرج عبد الرزاق و أحمد و عبد بن حميد و ابن المنذر و الطبراني و أبو الشيخ و ابن مردويه و أبو نعيم في الدلائل و الخطيب عن ابن عباس رضي الله عنهما: في قوله: «و إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك» قال: تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثائق يريدون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال بعضهم: بل اقتلوه، و قال بعضهم بل أخرجوه فأطلع الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك فبات علي رضي الله عنه على فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى لحق بالغار، و بات المشركون يحرسون عليا رضي الله عنه يحسبونه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما أصبحوا ثاروا عليه فلما رأوه عليا رضي الله عنه رد الله مكرهم فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري فاقتصوا أثره فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا في الجبل فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث ثلاث ليال.
و في تفسير القمي،: كان سبب نزولها أنه لما أظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الدعوة بمكة قدمت عليه الأوس و الخزرج فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): تمنعوني و تكونون لي جارا حتى أتلو كتاب الله عليكم و ثوابكم على الله الجنة؟ فقالوا: نعم خذ لربك و لنفسك ما شئت فقال لهم: موعدكم العقبة في الليلة الوسطى من ليالي التشريق فحجوا و رجعوا إلى منى و كان فيهم ممن قد حج بشر كثير. فلما كان اليوم الثاني من أيام التشريق قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا كان الليل فاحضروا دار عبد المطلب على العقبة، و لا تنبهوا نائما، و لينسل واحد فواحد فجاء سبعون رجلا من الأوس و الخزرج فدخلوا الدار فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): تمنعوني و تجيروني حتى أتلو عليكم كتاب ربي و ثوابكم على الله الجنة. فقال أسعد بن زرارة و البراء بن معرور و عبد الله بن حرام نعم يا رسول الله اشترط لربك و نفسك ما شئت. فقال: أما ما أشترط لربي فأن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا، و ما أشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون أنفسكم و تمنعون أهلي مما تمنعون أهليكم و أولادكم. فقالوا فما لنا على ذلك؟ فقال: الجنة في الآخرة، و تملكون العرب، و يدين لكم العجم في الدنيا، و تكونون ملوكا في الجنة فقالوا: قد رضينا. فقال: أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا يكونون شهداء عليكم بذلك كما أخذ موسى من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا فأشار إليهم جبرائيل فقال: هذا نقيب و هذا نقيب تسعة من الخزرج و ثلاثة من الأوس: فمن الخزرج أسعد بن زرارة و البراء بن معرور و عبد الله بن حرام أبو جابر بن عبد الله و رافع بن مالك و سعد بن عبادة و المنذر بن عمر و عبد الله بن رواحة و سعد بن ربيع و عبادة بن صامت و من الأوس أبو الهيثم بن التيهان و هو من اليمن و أسيد بن حصين و سعد بن خيثمة. فلما اجتمعوا و بايعوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صاح إبليس: يا معشر قريش و العرب هذا محمد و الصباة من أهل يثرب على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم فأسمع أهل منى، و هاجت قريش فأقبلوا بالسلاح، و سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) النداء فقال للأنصار: تفرقوا فقالوا: يا رسول الله إن أمرتنا أن نميل عليهم بأسيافنا فعلنا. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لم أومر بذلك و لم يأذن الله لي في محاربتهم. قالوا: فتخرج معنا؟ قال: أنتظر أمر الله. فجاءت قريش على بكرة أبيها قد أخذوا السلاح و خرج حمزة و أمير المؤمنين (عليه السلام) بالسلاح و معهما السيوف فوقفا على العقبة فلما نظرت قريش إليهما قالوا: ما هذا الذي اجتمعتم له؟ فقال حمزة: ما اجتمعنا و ما هاهنا أحد و الله لا يجوز هذه العقبة أحد إلا ضربته بسيفي. فرجعوا إلى مكة و قالوا: لا نأمن أن يفسد أمرنا و يدخل واحد من مشائخ قريش في دين محمد فاجتمعوا في دار الندوة، و كان لا يدخل دار الندوة إلا من أتى عليه أربعون سنة فدخلوا أربعين رجلا من مشائخ قريش، و جاء إبليس في صورة شيخ كبير فقال له البواب، من أنت؟ فقال: أنا شيخ من أهل نجد لا يعدمكم مني رأي صائب إني حيث بلغني اجتماعكم في أمر هذا الرجل جئت لأشير عليكم فقال: ادخل فدخل إبليس. فلما أخذوا مجلسهم قال أبو جهل: يا معشر قريش إنه لم يكن أحد من العرب أعز منا نحن أهل الله تفد إلينا العرب في السنة مرتين و يكرموننا، و نحن في حرم الله لا يطمع فينا طامع فلم نزل كذلك حتى نشأ فينا محمد بن عبد الله فكنا نسميه الأمين لصلاحه و سكونه و صدق لهجته حتى إذا بلغ ما بلغ و أكرمناه ادعى أنه رسول الله و أن أخبار السماء تأتيه فسفه أحلامنا، و سب آلهتنا، و أفسد شباننا، و فرق جماعتنا، و زعم أنه من مات من أسلافنا ففي النار، و لم يرد علينا شيء أعظم من هذا، و قد رأيت فيه رأيا. قالوا: و ما رأيت؟ قال: رأيت أن ندس إليه رجلا منا ليقتله فإن طلبت بنو هاشم بديته أعطيناهم عشر ديات. فقال الخبيث: هذا رأي خبيث قالوا: و كيف ذلك؟ قال: لأن قاتل محمد مقتول لا محالة فمن هذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم؟ فإنه إذا قتل محمدا تعصبت بنو هاشم و حلفاؤهم من خزاعة، و إن بني هاشم لا ترضى أن يمشي قاتل محمد على الأرض فتقع بينكم الحروب في حرمكم و تتفانون. فقال آخر منهم: فعندي رأي آخر. قال: و ما هو؟ قال: نثبته في بيت و نلقي عليه قوته حتى يأتي عليه ريب المنون فيموت كما مات زهير و النابغة و إمرؤ القيس. فقال إبليس: هذا أخبث من الآخر. قالوا: و كيف ذاك؟ قال: لأن بني هاشم لا ترضى بذلك فإذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم فاجتمعوا عليكم فأخرجوه. قال آخر منهم: لا و لكنا نخرجه من بلادنا و نتفرغ لعبادة آلهتنا. قال إبليس: هذا أخبث من ذينك الرأيين المتقدمين، قالوا: و كيف؟ قال: لأنكم تعمدون إلى أصبح الناس وجها، و أتقن الناس لسانا و أفصحهم لهجة فتحملوه إلى بوادي العرب فيخدعهم و يسحرهم بلسانه فلا يفجئوكم إلا و قد ملأها خيلا و رجلا. فبقوا حائرين. ثم قالوا لإبليس: فما الرأي يا شيخ؟ قال: ما فيه إلا رأي واحد. قالوا: و ما هو؟ قال: يجتمع من كل بطن من بطون قريش فيكون معهم من بني هاشم رجل فيأخذون سكينا أو حديدة أو سيفا فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة حتى يتفرق دمه في قريش كلها فلا يستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه فقد شاركوه فيه فإن سألوكم أن تعطوكم الدية فأعطوهم ثلاث ديات. قالوا: نعم و عشر ديات. قالوا: الرأي رأي الشيخ النجدي فاجتمعوا فيه، و دخل معهم في ذلك أبو لهب عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فنزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره أن قريشا قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك فأنزل الله عليه في ذلك: «و إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك - أو يخرجوك و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين». و اجتمعت قريش أن يدخلوا عليه ليلا فيقتلوه، و خرجوا إلى المسجد يصفرون و يصفقون و يطوفون بالبيت فأنزل الله: «و ما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء و تصدية فالمكاء التصفير و التصدية صفق اليدين و هذه الآية معطوفة على قوله: «و إذ يمكر بك الذين كفروا قد كتبت بعد آيات كثيرة. فلما أمسى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جاءت قريش ليدخلوا عليه فقال أبو لهب: لا أدعكم أن تدخلوا عليه بالليل فإن في الدار صبيانا و نساء و لا نأمن أن يقع بهم يد خاطئة فنحرسه الليلة فإذا أصبحنا دخلنا عليه فناموا حول حجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). و أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يفرش له فرش فقال لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): أفدني بنفسك قال: نعم يا رسول الله قال: نم على فراشي و التحف ببردتي فنام علي (عليه السلام) على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و التحف ببردته. و جاء جبرئيل فأخذ بيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخرجه على قريش و هم نيام و هو يقرأ عليهم: «و جعلنا من بين أيديهم سدا و من خلفهم سدا - فأغشيناهم فهم لا يبصرون» و قال له جبرئيل: خذ على طريق ثور و هو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور فدخل الغار و كان من أمره ما كان. فلما أصبحت قريش و أتوا إلى الحجرة و قصدوا الفراش فوثب علي (عليه السلام) في وجوههم فقال: ما شأنكم؟ قالوا: أين محمد؟ قال: أ جعلتموني عليه رقيبا؟ أ لستم قلتم نخرجه من بلادنا؟ فقد خرج عنكم فأقبلوا على أبي لهب يضربونه و يقولون: أنت تخدعنا منذ الليل. فتفرقوا في الجبال، و كان فيهم رجل من خزاعة يقال له: أبو كرز يقفو الآثار فقالوا: يا أبا كرز اليوم اليوم فوقف بهم على باب حجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال لهم: هذه قدم محمد و الله إنها لأخت القدم التي في المقام، و كان أبو بكر بن أبي قحافة استقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فرده معه فقال أبو كرز: و هذه قدم ابن أبي قحافة أو أبيه ثم قال: و هاهنا غير ابن أبي قحافة، و لا يزال يقف بهم حتى أوقفهم على باب الغار. ثم قال: ما جاوزوا هذا المكان إما أن يكونوا صعدوا إلى السماء أو دخلوا تحت الأرض، و بعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار، و جاء فارس من الملائكة ثم قال: ما في الغار أحد فتفرقوا في الشعاب، و صرفهم الله عن رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم أذن لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) في الهجرة.
أقول: و روي ما يقرب من هذا المعنى ملخصا في الدر المنثور عن ابن إسحاق و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبي نعيم و البيهقي معا في الدلائل عن ابن عباس لكن نسب فيه إلى أبي جهل ما نسب في هذه الرواية إلى الشيخ النجدي ثم ذكر أن الشيخ النجدي صدق أبا جهل في رأيه و اجتمع القوم على قوله.
و قد روي دخول إبليس عليهم في دار الندوة في زي شيخ نجدي في عدة روايات من طرق الشيعة و أهل السنة.
و أما ما في الرواية من قول أبي كرز لما اقتفى أثر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «هذه قدم محمد، و هذه قدم ابن أبي قحافة، و هاهنا غير ابن أبي قحافة» فقد ورد في الروايات أن ثالثهما هند بن أبي هالة ربيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أمه خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
و قد روى الشيخ في أماليه، بإسناده عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه و عبد الله بن أبي رافع جميعا عن عمار بن ياسر و أبي رافع و عن سنان بن أبي سنان عن ابن هند بن أبي هالة، و قد دخل حديث عمار و أبي رافع و هند بعضه في بعض، و هو حديث طويل في هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و فيه: و استتبع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا بكر بن أبي قحافة و هند بن أبي هالة فأمرهما أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه إلى الغار، و ثبت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكانه مع علي يأمره في ذلك بالصبر حتى صلى العشاءين ثم خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في فحمة العشاء و الرصد من قريش قد أطافوا بداره ينتظرون أن ينتصف الليل و تنام الأعين. فخرج و هو يقرأ هذه الآية «و جعلنا من بين أيديهم سدا و من خلفهم سدا - فأغشيناهم فهم لا يبصرون» و كان بيده قبضة من تراب فرمى بها في رءوسهم فما شعر القوم به حتى تجاوزهم و مضى حتى أتى إلى هند و أبي بكر فنهضا معه حتى وصلوا إلى الغار. ثم رجع هند إلى مكة بما أمره به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، و دخل رسول الله و أبو بكر الغار. قال بعد سوق القصة الليلة: حتى إذا اعتم من الليلة القابلة انطلق هو يعني عليا (عليه السلام) و هند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هندا أن يبتاع له و لصاحبه بعيرين فقال أبو بكر قد كنت أعددت لي و لك يا نبي الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب فقال: إني لا آخذهما و لا أحدهما إلا بالثمن قال: فهي لك بذلك فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) فأقبضه الثمن ثم وصاه بحفظ ذمته و أداء أمانته. و كانت قريش قد سموا محمدا في الجاهلية: الأمين، و كانت تودعه و تستحفظه أموالها و أمتعتها، و كذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم، و جاءت النبوة و الرسالة و الأمر كذلك فأمر عليا (عليه السلام) أن يقيم صارخا بالأبطح غدوة و عشيا: من كان له قبل محمد أمانة أو دين فليأت فلنؤد إليه أمانته. قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه حتى تقدم علي فأد أمانتي على أعين الناس ظاهرا ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي و مستخلف ربي عليكما و مستحفظه فيكما فأمر أن يبتاع رواحل له و للفواطم و من أزمع الهجرة معه من بني هشام. قال أبو عبيدة: فقلت لعبيد الله يعني ابن أبي رافع: أ و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجد ما ينفقه هكذا؟ فقال: إني سألت أبي عما سألتني و كان يحدث لي هذا الحديث. فقال: و أين يذهب بك عن مال خديجة (عليها السلام). قال عبيد الله بن أبي رافع: و قد قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) يذكر مبيته على الفراش و مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار ثلاثا نظما: وقيت بنفسي خير من وطىء الحصى. و من طاف بالبيت العتيق و بالحجر. محمد لما خاف أن يمكروا به. فوقاه ربي ذو الجلال من المكر. و بت أراعيهم متى ينشرونني. و قد وطنت نفسي على القتل و الأسر. و بات رسول الله في الغار آمنا. هناك و في حفظ الإله و في ستر. أقام ثلاثا ثم زمت قلائص. قلائص يفرين الحصى أينما تفري و قد روي الأبيات عنه (عليه السلام) بتفاوت يسير في الدر المنثور عن الحاكم عن علي بن الحسين (عليهما السلام).
و في تفسير العياشي، عن زرارة و حمران عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام): قوله: «خير الماكرين» قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كان لقي من قومه بلاء شديدا حتى أتوه ذات يوم و هو ساجد حتى طرحوا عليه رحم شاة فأتته ابنته و هو ساجد لم يرفع رأسه فرفعته عنه و مسحته ثم أراه الله بعد ذلك الذي يحب. أنه كان ببدر و ليس معه غير فارس واحد ثم كان معه يوم الفتح اثنا عشر ألفا حتى جعل أبو سفيان و المشركون يستغيثون الحديث.
و في الدر المنثور، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: كان النضر بن الحارث يختلف إلى الحيرة فيسمع سجع أهلها و كلامهم فلما قدم إلى مكة سمع كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و القرآن فقال: قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين.
أقول: و هناك بعض روايات أخر في أن القائل بهذا القول كان هو النضر بن الحارث و قد قتل يوم بدر صبرا.
و فيه، أخرج البخاري و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه و البيهقي في الدلائل عن أنس بن مالك رض قال: قال أبو جهل بن هشام: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم» فنزلت: «و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم - و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون».
أقول: و روى القمي هذا المعنى في تفسيره، و روى السيوطي أيضا في الدر المنثور، عن ابن جرير الطبري و ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير و عن ابن جرير عن عطاء: أن القائل: «اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك» الآية النضر بن الحارث و قد تقدم في البيان السابق ما يقتضيه سياق الآية.
و فيه، أخرج ابن جرير عن يزيد بن رومان و محمد بن قيس قالا: قالت قريش بعضها لبعض: محمد أكرمه الله من بيننا؟ اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك - فأمطر علينا حجارة من السماء الآية فلما أمسوا ندموا على ما قالوا فقالوا: غفرانك اللهم فأنزل الله: «و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون إلى قوله لا يعلمون. و فيه، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ عن ابن أبزى رض قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة فأنزل الله: «و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم» فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة فأنزل الله: «و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون» فلما خرجوا أنزل الله: «و ما لهم ألا يعذبهم الله» الآية فأذن في فتح مكة فهو العذاب الذي وعدهم. و فيه، أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ عن عطية رض: في قوله: «و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم» يعني المشركين حتى يخرجك منهم «و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون» قال: يعني المؤمنين. ثم أعاد المشركين فقال: «و ما لهم ألا يعذبهم الله - و هم يصدون عن المسجد الحرام». و فيه، أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رض: في قوله: «و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون» يقول: لو استغفروا و أقروا بالذنوب لكانوا مؤمنين، و في قوله: «و ما لهم ألا يعذبهم الله - و هم يصدون عن المسجد الحرام» يقول: و كيف لا أعذبهم و هم لا يستغفرون. و فيه، أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و أبو الشيخ عن مجاهد رض: في قوله: «و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم» قال: بين أظهرهم «و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون» قال: يسلمون. و فيه، أخرج عبد بن حميد و ابن جرير عن أبي مالك رض: «و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم» يعني أهل مكة «و ما كان الله معذبهم» و فيهم المؤمنون يستغفرون. و فيه، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن عكرمة و الحسن رضي عنهما: في قوله: «و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون» قالا: نسختها الآية التي تليها: «و ما لهم ألا يعذبهم الله» فقوتلوا بمكة فأصابهم فيها الجوع و الحصر.
أقول: عدم انطباقها على الآية بظاهرها المؤيد بسياقها ظاهر، و إنما دعاهم إلى هذه التكلفات الاحتفاظ باتصال الآية في التأليف بما قبلها و ما قبلها من الآيات المتعرضة لحال مشركي أهل مكة، و من عجيب ما فيها تفسير العذاب في الآية بفتح مكة، و لم يكن إلا رحمة للمشركين و المؤمنين جميعا.
و فيه، أخرج الترمذي عن أبي موسى الأشعري رض قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنزل الله علي أمانين لأمتي «و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم - و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون» فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة.
أقول: مضمون الرواية مستفاد من الآية، و قد روي ما في معناها عن أبي هريرة و ابن عباس عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) و رواها في نهج البلاغة عن علي (عليه السلام).
و في ذيل هذه الرواية شيء و هو أنه لا يلائم ما مر في البيان المتقدم من إيعاد القرآن هذه الأمة بعذاب واقع قبل يوم القيامة، و لازمه أن يرتفع الاستغفار من بينهم قبل يوم القيامة.
و فيه، أخرج أحمد عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله. و في الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مقامي بين أظهركم خير لكم فإن الله يقول. و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم، و مفارقتي إياكم خير لكم. فقالوا: يا رسول الله مقامك بين أظهرنا خير لنا فكيف يكون مفارقتك خير لنا؟ فقال: أما مفارقتي لكم خير لكم فإن أعمالكم تعرض علي كل خميس و اثنين فما كان من حسنة حمدت الله عليها، و ما كان من سيئة أستغفر الله لكم.
أقول: و روى هذا المعنى العياشي في تفسيره و الشيخ في أماليه، عن حنان بن سدير عن أبيه عنه (عليه السلام)، و في روايتهما أن السائل هو جابر بن عبد الله الأنصاري ع، و رواه أيضا في الكافي، بإسناده عن محمد بن أبي حمزة و غير واحد عن أبي عبد الله (عليه السلام).
و في الدر المنثور، أخرج عبد بن حميد و ابن جرير عن سعيد بن جبير رض قال: كانت قريش تعارض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الطواف يستهزءون و يصفرون و يصفقون فنزلت: «و ما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء و تصدية». و فيه، أخرج أبو الشيخ عن نبيط و كان من الصحابة رض: في قوله: «و ما كان صلاتهم عند البيت» الآية قال: كانوا يطوفون بالبيت الحرام و هم يصفرون. و فيه، أخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز و جل: «إلا مكاء و تصدية» قال: المكاء صوت القنبرة و التصدية صوت العصافير و هو التصفيق، و ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا قام إلى الصلاة و هو بمكة كان يصلي قائما بين الحجر و الركن اليماني فيجيء رجلان من بني سهم يقوم أحدهما عن يمينه و الآخر عن شماله، و يصيح أحدهما كما يصيح المكاء، و الآخر يصفق بيده تصدية العصافير ليفسد عليه صلاته. و في تفسير العياشي، عن إبراهيم بن عمر اليماني عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله: «و هم يصدون عن المسجد الحرام و ما كانوا أولياءه» يعني أولياء البيت يعني المشركين «إن أولياؤه إلا المتقون» حيث ما كانوا هم أولى به من المشركين «و ما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء و تصدية» قال: التصفير و التصفيق. و في الدر المنثور، أخرج ابن إسحاق و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و البيهقي في الدلائل كلهم من طريقه قال: حدثني الزهري و محمد بن يحيى بن حيان و عاصم بن عمر بن قتادة و الحصين بن عبد الرحمن بن عمر قال: لما أصيبت قريش يوم بدر و رجع فلهم إلى مكة و رجع أبو سفيان بعيره مشى عبد الله بن ربيعة و عكرمة بن أبي جهل و صفوان بن أمية في رجال من قريش إلى من كان معه تجارة فقالوا: يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم و قتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه فلعلنا أن ندرك منه ثارا ففعلوا ففيهم كما ذكر عن ابن عباس أنزل الله: إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله إلى قوله و الذين كفروا إلى جهنم يحشرون. و فيه، أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما: في قوله: «إن الذين كفروا ينفقون أموالهم - ليصدوا عن سبيل الله» قال نزلت في أبي سفيان بن حرب. و فيه، أخرج ابن سعد و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن عساكر عن سعيد بن جبير: في قوله: «إن الذين كفروا ينفقون أموالهم - ليصدوا عن سبيل الله» الآية قال: نزلت في أبي سفيان بن حرب استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش من بني كنانة يقاتل بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سوى من استجاش من العرب فأنزل الله فيه هذه الآية. و هم الذين قال فيهم كعب بن مالك رضي الله عنه: و جئنا إلى موج من البحر وسطه. أحابيش منهم حاسر و مقنع. ثلاثة آلاف و نحن نصية. ثلاث مئين إن كثرن فأربع أقول: و رواه ملخصا عن ابن إسحاق و ابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير.
و في المجمع،: في قوله تعالى: «و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة - و يكون الدين كله لله» الآية،: قال: روى زرارة و غيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: لم يجيء تأويل هذه الآية و لو قام قائمنا بعد سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية و ليبلغن دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بلغ الليل حتى لا يكون مشرك على ظهر الأرض: أقول: و رواه العياشي في تفسيره عن زرارة عنه (عليه السلام)، و في معناه ما في الكافي، بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)، و روى هذا المعنى أيضا العياشي عن عبد الأعلى الحلبي عن أبي جعفر (عليه السلام) في رواية طويلة.
و قد تقدم حديث إبراهيم الليثي في تفسير قوله: «ليميز الله الخبيث من الطيب» الآية مع بعض ما يتعلق به من الكلام في ذيل قوله: «كما بدأكم تعودون:» الأعراف: - 29 في الجزء الثامن من الكتاب.
|