بيان
الآيات تختم السورة، و يرجع معناها نوع رجوع إلى ما افتتحت به السورة و فيها إيجاب الموالاة بين المؤمنين إلا إذا اختلفوا بالمهاجرة و عدمها و قطع موالاة الكافرين.
قوله تعالى: «إن الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا» إلى قوله: «أولياء بعض» المراد بالذين آمنوا و هاجروا: الطائفة الأولى من المهاجرين قبل نزول السورة بدليل ما سيذكر من المهاجرين في آخر الآيات، و المراد بالذين آووا و نصروا: هم الأنصار الذين آووا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و المؤمنين المهاجرين و نصروا الله و رسوله، و كان ينحصر المسلمون يومئذ في هاتين الطائفتين إلا قليل ممن آمن بمكة و لم يهاجر.
و قد جعل الله بينهم ولاية بقوله: «أولئك بعضهم أولياء بعض» و الولاية أعم من ولاية الميراث و ولاية النصرة و ولاية الأمن، فمن آمن منهم كافرا كان نافذا عند الجميع فالبعض من الجميع ولي البعض من الجميع كالمهاجر هو ولي كل مهاجر و أنصاري، و الأنصاري ولي كل أنصاري و مهاجر، كل ذلك بدليل إطلاق الولاية في الآية.
فلا شاهد على صرف الآية إلى ولاية الإرث بالمواخاة التي كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جعلها في بدء الهجرة بين المهاجرين و الأنصار و كانوا يتوارثون بها زمانا حتى نسخت.
قوله تعالى: «و الذين آمنوا و لم يهاجروا» إلى آخر الآية، معناه واضح و قد نفيت فيها الولاية بين المؤمنين المهاجرين و الأنصار و بين المؤمنين غير المهاجرين إلا ولاية النصرة إذا استنصروهم بشرط أن يكون الاستنصار على قوم ليس بينهم و بين المؤمنين ميثاق.
قوله تعالى: «و الذين كفروا بعضهم أولياء بعض» أي إن ولايتهم بينهم لا تتعداهم إلى المؤمنين فليس للمؤمنين أن يتولوهم، و ذلك أن قوله هاهنا في الكفار: «بعضهم أولياء بعض» كقوله في المؤمنين: «أولئك بعضهم أولياء بعض» إنشاء و تشريع في صورة الإخبار، و جعل الولاية بين الكفار أنفسهم لا يحتمل بحسب الاعتبار إلا ما ذكرناه من نفي تعديه عنهم إلى المؤمنين.
قوله تعالى: «إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض و فساد كبير» إشارة إلى مصلحة جعل الولاية على النحو الذي جعلت، فإن الولاية مما لا غنى عنها في مجتمع من المجتمعات البشرية سيما المجتمع الإسلامي الذي أسس على اتباع الحق و بسط العدل الإلهي كما أن تولي الكفار و هم أعداء هذا المجتمع يوجب الاختلاط بينهم فيسري فيه عقائدهم و أخلاقهم، و تفسد سيرة الإسلام المبنية على الحق بسيرهم المبنية على اتباع الهوى و عبادة الشيطان، و قد صدق جريان الحوادث في هذه الآونة ما أشارت إليه هذه الآية.
قوله تعالى: «و الذين آمنوا و هاجروا» إلى آخر الآية إثبات لحق الإيمان على من اتصف بآثاره اتصافا حقا، و وعد لهم بالمغفرة و الرزق الكريم.
قوله تعالى: «و الذين آمنوا من بعد و هاجروا و جاهدوا معكم فأولئك منكم» خطاب للمهاجرين الأولين و الأنصار و إلحاق من آمن و هاجر و جاهد معهم بهم فيشاركونهم في الولاية.
قوله تعالى: «و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله» إلى آخر الآية.
جعل للولاية بين أولي الأرحام و القرابات، و هي ولاية الإرث فإن سائر أقسام الولاية لا ينحصر فيما بينهم.
و الآية تنسخ ولاية الإرث بالمواخاة التي أجراها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بين المسلمين في أول الهجرة، و تثبت الإرث بالقرابة سواء كان هناك ذو سهم أو لم يكن أو كان عصبة أو لم يكن فالآية مطلقة كما هو ظاهر.
بحث روائي
في المجمع، عن الباقر (عليه السلام): أنهم كانوا يتوارثون بالمواخاة.
أقول: و لا دلالة فيه على أن الآية نزلت في ولاية الإخوة.
في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الخال و الخالة يرثان إذا لم يكن معهما أحد إن الله يقول: «و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض - في كتاب الله»:. أقول: و رواه العياشي عن أبي بصير عنه مرسلا. و في تفسير العياشي، عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): في قول الله: «و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله» إن بعضهم أولى بالميراث من بعض لأن أقربهم إليه أولى به. ثم قال أبو جعفر (عليه السلام)، إنهم أولى بالميت، و أقربهم إليه أمه و أخوه و أخته لأمه و أبيه أ ليس الأم أقرب إلى الميت من إخوانه و أخواته؟ و فيه، عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما اختلف علي بن أبي طالب (عليه السلام) و عثمان بن عفان في الرجل يموت و ليس له عصبة يرثونه و له ذوو قرابة لا يرثونه: ليس له بينهم مفروض، فقال علي (عليه السلام) ميراثه لذوي قرابته لأن الله تعالى يقول: و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله» و قال عثمان أجعل ميراثه في بيت مال المسلمين و لا يرثه أحد من قرابته.
أقول: و الروايات في نفي القول بالعصبة و الاستناد في ذلك إلى الآية كثيرة من أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
و في الدر المنثور، أخرج الطيالسي و الطبراني و أبو الشيخ و ابن مردويه عن ابن عباس قال: آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين أصحابه و ورث بعضهم من بعض حتى نزلت هذه الآية «و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله» فتركوا ذلك و توارثوا بالنسب. و في المعاني، بإسناده فيه رفع عن موسى بن جعفر (عليه السلام): فيما جرى بينه و بين هارون و فيه: قال هارون: فلم ادعيتم أنكم ورثتم رسول الله و العم يحجب ابن العم، و قبض رسول الله و قد توفي أبو طالب قبله و العباس عمه حي إلى أن قال فقلت: إن النبي لم يورث من لم يهاجر و لا أثبت له ولاية حتى يهاجر فقال: ما حجتك فيه؟ قلت: قول الله تبارك و تعالى: «و الذين آمنوا و لم يهاجروا - ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا» و إن عمي العباس لم يهاجر فقال: إني سائلك يا موسى هل أفتيت بذلك أحدا من أعدائنا أم أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشيء؟ فقلت: اللهم لا و ما سألني عنها إلا أمير المؤمنين: الحديث. أقول: و رواه المفيد في الإختصاص،.
|