بيان
آيات في أغراض متفرقة يجمعها غرض واحد مرتبط بغرض الآيات السابقة فإنها تتكلم حول القتال فمنها ما يمدح المؤمنين و يعدهم وعدا جميلا على جهادهم في سبيل الله و منها ما ينهى عن التودد إلى المشركين و الاستغفار لهم، و منها ما يدل على توبته تعالى للثلاثة المخلفين عن غزوة تبوك، و منها ما يفرض على أهل المدينة و من حولهم من الأعراب أن يخرجوا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أراد الخروج إلى قتال و لا يتخلفوا عنه، و منها ما يفرض على الناس أن يلازم بعضهم البيضة للتفقه في الدين ثم تبليغه إلى قومهم إذا رجعوا إليهم و منها ما يقضي بقتال الكفار ممن يلي بلاد الإسلام.
قوله تعالى: «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة» إلى آخر الآية، الاشتراء هو قبول العين المبيعة بنقل الثمن في المبايعة.
و الله سبحانه يذكر في الآية وعده القطعي للذين يجاهدون في سبيل الله بأنفسهم و أموالهم بالجنة، و يذكر أنه ذكر ذلك في التوراة و الإنجيل كما يذكره في القرآن.
و قد قلبه سبحانه في قالب التمثيل فصور ذلك بيعا، و جعل نفسه مشتريا و المؤمنين بائعين، و أنفسهم و أموالهم سلعة و مبيعا، و الجنة ثمنا، و التوراة و الإنجيل و القرآن سندا للمبايعة، و هو من لطيف التمثيل ثم يبشر المؤمنين ببيعهم ذلك، و يهنئهم بالفوز العظيم.
قوله تعالى: «التائبون العابدون الحامدون السائحون» إلى آخر الآية، يصف سبحانه المؤمنين بأجمل صفاتهم، و الصفات مرفوعة بالقطع أي المؤمنون هم التائبون العابدون إلخ، فهم التائبون لرجوعهم من غير الله إلى الله سبحانه العابدون له و يعبدونه بألسنتهم فيحمدونه بجميل الثناء، و بأقدامهم فيسيحون و يجولون من معهد من المعاهد الدينية و مسجد من مساجد الله إلى غيره، و بأبدانهم فيركعون له و يسجدون له.
هذا شأنهم بالنسبة إلى حال الانفراد و أما بالنسبة إلى حال الاجتماع فهم آمرون بالمعروف في السنة الدينية و ناهون عن المنكر فيها ثم هم حافظون لحدود الله لا يتعدونه في حالتي انفرادهم و اجتماعهم خلوتهم و جلوتهم، ثم يأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يبشرهم و قد بشرهم تعالى نفسه في الآية السابقة، و فيه من كمال التأكيد ما لا يقدر قدره.
و قد ظهر بما قررنا أولا: وجه الترتيب بين الأوصاف التي عدها لهم فقد بدأ بأوصافهم منفردين و هي التوبة و العبادة و السياحة و الركوع و السجود ثم ذكر ما لهم من الوصف الخاص بهم المنبعث عن إيمانهم مجتمعين و هو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و ختم بما لهم من جميل الوصف في حالتي انفرادهم و اجتماعهم و هو حفظهم لحدود الله، و في التعبير بالحفظ مضافا إلى الدلالة على عدم التعدي دلالة على الرقوب و الاهتمام.
و ثانيا: أن المراد بالسياحة - و معناه السير في الأرض - على ما هو الأنسب بسياق الترتيب هو السير إلى مساكن ذكر الله و عبادته كالمساجد، و أما القول بأن المراد بالسياحة الصيام أو السياحة في الأرض للاعتبار بعجائب قدرة الله و ما جرى على الأمم الماضية مما تحكيه ديارهم و آثارهم أو المسافرة لطلب العلم أو المسافرة لطلب الحديث خاصة فهي وجوه غير سديدة.
أما الأول: فلا دليل عليه من جهة اللفظ البتة، و أما الوجوه الأخر فإنها و إن كانت ربما استفيد الندب من مثل قوله تعالى: «أ فلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم:» المؤمن: - 82، و قوله: «فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين:» الآية - 122 من السورة إلا أن إرادتها من قوله: «السائحون» تبطل جودة الترتيب بين الصفات المنضودة.
و ثالثا: أن هذه الصفات الشريفة هي التي يتم بها إيمان المؤمن المستوجب للوعد القطعي بالجنة المستتبع للبشارة الإلهية و النبوية و هي الملازمة للقيام بحق الله المستلزمة لقيام الله سبحانه بما جعله من الحق على نفسه.
قوله تعالى: «ما كان للنبي و الذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين و لو كانوا أولي قربى» إلى آخر الآيتين، معنى الآية ظاهر غير أنه تعالى لما ذكر في الآية الثانية التي تبين سبب استغفار إبراهيم لأبيه مع كونه كافرا أنه تبرأ منه بعد ذلك لما تبين له أنه عدو لله، فدل ذلك على أن تبين كون المشركين أصحاب الجحيم إنما يرشد إلى عدم جواز الاستغفار لكونه ملازما لكونهم أعداء لله فإذا تبين للنبي و الذين آمنوا أن المشركين أعداء لله كشف ذلك لهم عن حكم ضروري و هو عدم جواز الاستغفار لكونه لغوا لا يترتب عليه أثر و خضوع الإيمان مانع أن يلغو العبد مع ساحة الكبرياء.
و ذلك أنه تارة يفرض الله تعالى عدوا للعبد مبغضا له لتقصير من ناحيته و سوء من عمله فمن الجائز بالنظر إلى سعة رحمة الله أن يستغفر له و يسترحم إذا كان العبد متذللا غير مستكبر، و تارة يفرض العبد عدوا لله محاربا له مستكبرا مستعليا كأرباب الجحود و العناد من المشركين، و العقل الصريح حاكم بأنه لا ينفعه حينئذ شفاعة بمسألة أو استغفار إلا أن يتوب و يرجع إلى الله و ينسلخ عن الاستكبار و العناد و يتلبس بلباس الذلة و المسكنة فلا معنى لسؤال الرحمة و المغفرة لمن يأبى عن القبول، و لا للاستعطاء لمن لا يخضع للأخذ و التناول إلا الهزء بمقام الربوبية و اللعب بمقام العبودية و هو غير جائز بضرورة من حكم الفطرة.
و في الآية نفي الجواز بنفي الحق بدليل قوله: «ما كان للنبي و الذين آمنوا» أي ما كانوا يملكون الاستغفار بعد ما تبين لهم كذا و كذا، و قد تقدم في ذيل قوله تعالى: «ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله:» الآية - 17 من السورة أن حكم الجواز مسبوق في الشرع بجعل الحق.
و المعنى أن النبي و الذين آمنوا بعد ما ظهر و تبين بتبيين الله لهم أن المشركين أعداء لله مخلدون في النار لم يكن لهم حق يملكون به أن يستغفروا للمشركين و لو كانوا أولي قربى منهم، و أما استغفار إبراهيم لأبيه المشرك فإنه ظن أنه ليس بعدو معاند لله و إن كان مشركا فاستعطفه بوعد وعدها إياه فاستغفر له فلما تبين له أنه عدو لله معاند على شركه و ضلاله تبرأ منه.
و قوله: «إن إبراهيم لأواه حليم» تعليل لوعد إبراهيم و استغفاره لأبيه بأنه تحمل جفوة أبيه و وعده وعدا حسنا لكونه حليما و استغفر له لكونه أواها، و الأواه هو الكثير التأوه خوفا من ربه و طمعا فيه.
قوله تعالى: «و ما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إلى آخر الآيتين الآيتان متصلتان بالآيتين قبلهما المسوقتين للنهي عن الاستغفار للمشركين.
أما الآية الأولى أعني قوله: «و ما كان الله ليضل» إلخ ففيه تهديد للمؤمنين بالإضلال بعد الهداية إن لم يتقوا ما بين الله لهم أن يتقوه و يجتنبوا منه، و هو بحسب ما ينطبق على المورد أن المشركين أعداء لله لا يجوز الاستغفار لهم و التودد إليهم فعلى المؤمنين أن يتقوا ذلك و إلا فهو الضلال بعد الهدى، و عليك أن تذكر ما قدمناه في تفسير قوله تعالى: «اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم و اخشون:» المائدة: - 3 في الجزء الخامس من الكتاب و في تفسير آيات ولاية المشركين و أهل الكتاب الواقعة في السور المتقدمة.
و الآية بوجه في معنى قوله تعالى: «ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم:» الأنفال: - 53 و ما في معناه من الآيات، و هي جميعا تهتف بأن من السنة الإلهية أن تستمر على العبد نعمته و هدايته حتى يغير هو ما عنده بالكفران و التعدي فيسلب الله منه النعمة و الهداية.
و أما الآية الثانية أعني قوله: «إن الله له ملك السموات و الأرض يحيي و يميت و ما لكم من دون الله من ولي و لا نصير» فذيلها بيان لعلة الحكم السابق المدلول عليه بالآية السابقة و هو النهي عن تولي أعداء الله أو وجوب التبري منهم إذ لا ولي و لا نصير حقيقة إلا الله سبحانه و قد بينه للمؤمنين فعليهم بدلالة من إيمانهم أن يقصروا التولي عليه تعالى أو من أذن في توليهم له من أوليائه و ليس لهم أن تعتدوا ذلك إلى تولي أعدائه كائنين من كانوا.
و صدر الآية بيان لسبب هذا السبب و هو أن الله سبحانه هو الذي يملك كل شيء و بيده الموت و الحياة فإليه تدبير كل أمر فهو الولي لا ولي غيره.
و قد ظهر من عموم البيان و العلة في الآيات الأربع أن الحكم عام و هو وجوب التبري أو حرمة التولي لأعداء الله سواء كان التولي بالاستغفار أو بغير ذلك و سواء كان العدو مشركا أو كافرا أو منافقا أو غيرهم من أهل البدع الكافرين بآيات الله أو المصرين على بعض الكبائر كالمرابي المحارب لله و رسوله.
قوله تعالى: «لقد تاب الله على النبي و المهاجرين و الأنصار الذين» إلى آخر الآيتين، الساعة مقدار من الزمان فساعة العسرة الزمان الذي تعسر فيه الحياة لابتلاء الإنسان بما تشق معه العيشة عليه كعطش أو جوع أو حر شديد أو غير ذلك، و الزيغ هو الخروج من الطريق و الميل عن الحق، و إضافة الزيغ إلى القلوب و ذكر ساعة العسرة و سائر ما يلوح من سياق الكلام دليل على أن المراد بالزيغ الاستنكاف عن امتثال أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و الخروج عن طاعته بالتثاقل عن الخروج إلى الجهاد أو الرجوع إلى الأوطان بقطع السير تحرجا من العسرة و المشقة التي واجهتهم في مسيرهم.
و التخليف - على ما في المجمع، - تأخير الشيء عمن مضى فأما تأخير الشيء عنك في المكان فليس بتخليف، و هو من الخلف الذي هو مقابل لجهة الوجه يقال خلفه أي جعله خلفه فهو مخلف.
انتهى و الرحب هو السعة التي تقابل الضيق، و بما رحبت أي برحبها فما مصدرية.
و الآيتان و إن كانت كل واحدة منهما ناظرة إلى جهة دون جهة الأخرى فالأولى تبين التوبة على النبي و المهاجرين و الأنصار و الثانية تبين توبة الثلاثة المخلفين مضافا إلى أن نوع التوبة على أهل الآيتين مختلف فأهل الآية الأولى أو بعضهم تاب الله عليهم من غير معصية منهم و أهل الآية الثانية تيب عليهم و هم عاصون مذنبون.
و بالجملة الآيتان مختلفتان غرضا و مدلولا غير أن السياق يدل على أنهما مسوقتان لغرض واحد و متصلتان كلاما واحدا تبين فيه توبته تعالى للنبي و المهاجرين و الأنصار و الثلاثة الذين خلفوا، و من الدليل عليه قوله: «لقد تاب الله على النبي إلى أن قال: «و على الثلاثة» إلخ فالآية الثانية غير مستقلة عن الأولى بحسب اللفظ و إن استقلت عنها في المعنى، و ذلك يستدعي نزولهما معا و تعلق غرض خاص بهذا الاتصال و الامتزاج.
و لعل الغرض الأصلي بيان توبة الله سبحانه لأولئك الثلاثة المخلفين و قد ضم إليها ذكر توبته تعالى للمهاجرين و الأنصار حتى للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لتطيب قلوبهم بخلطهم بغيرهم و زوال تميزهم من سائر الناس و عفو أثر ذلك عنهم حتى يعود الجميع على نعت واحد و هو أن الله تاب عليهم برحمته فهم فيه سواء من غير أن يرتفع بعضهم عن بعض أو ينخفض بعضهم عن بعض.
و بهذا تظهر النكتة في تكرار ذكر التوبة في الآيتين فإن الله سبحانه يبدأ بذكر توبته على النبي و المهاجرين و الأنصار ثم يقول: «ثم تاب عليهم» و على الثلاثة الذين خلفوا ثم يقول: «ثم تاب عليهم ليتوبوا» فليس إلا أن الكلام مسوق على منهج الإجمال و التفصيل ذكر فيه توبته تعالى على الجميع إجمالا ثم أشير إلى حال كل من الفريقين على حدته فذكرت عند ذلك توبته الخاصة به.
و لو كانت كل واحدة من الآيتين ذات غرض مستقل من غير أن يجمعها غرض جامع لكان ذلك تكرارا من غير نكتة ظاهرة.
على أن في الآية الأولى دلالة واضحة على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن له في ذلك ذنب و لا زيغ و لا كاد أن يزيغ قلبه فإن في الكلام مدحا للمهاجرين و الأنصار باتباع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يزغ قلبه و لا كاد أن يزيغ حتى صار متبعا يقتدى به و لو لا ما ذكرناه من الغرض لم يكن لذكره (صلى الله عليه وآله وسلم) مع سائر المذكورين وجه ظاهر.
فيئول معنى الآية إلى أن الله - أقسم لذلك - تاب و رجع برحمته رجوعا إلى النبي و المهاجرين و الأنصار و الثلاثة الذين خلفوا فأما توبته و رجوعه بالرحمة على المهاجرين و الأنصار فإنهم اتبعوا النبي في ساعة العسرة و زمانها و هو أيام مسيرهم إلى تبوك - اتبعوه من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم و يميل عن الحق بترك الخروج أو ترك السير فبعد ما اتبعوه تاب الله عليهم إنه بهم لرءوف رحيم.
و أما الثلاثة الذين خلفوا فإنهم آل أمرهم إلى أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت و وسعت - و كان ذلك بسبب أن الناس لم يعاشروهم و لا كلموهم حتى أهلهم فلم يجدوا أنيسا يأنسون به - و ضاقت عليهم أنفسهم - من دوام الغم عليهم - و أيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه بالتوبة و الإنابة فلما كان ذلك كله تاب الله عليهم و انعطف و رجع برحمته إليهم ليتوبوا إليه فيقبل توبتهم أنه هو التواب - كثير الرجوع إلى عباده يرجع إليهم بالهداية و التوفيق للتوبة إليه ثم بقبول تلك التوبة - و الرحيم بالمؤمنين.
و قد تبين بذلك كله أولا: أن المراد بالتوبة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) محض الرجوع إليه بالرحمة، و من الرجوع إليه بالرحمة، الرجوع إلى أمته بالرحمة فالتوبة عليهم توبة عليه فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) الواسطة في نزول الخيرات و البركات إلى أمته.
و أيضا فإن من فضله تعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن: كلما ذكر أمته أو الذين معه بخير أفرده من بينهم و صدر الكلام بذكره تشريفا له كما في قوله: «آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه و المؤمنون:» البقرة: - 285 و قوله: «ثم أنزل الله سكينته على رسوله و على المؤمنين:» التوبة «- 26، و قوله: «لكن الرسول و الذين آمنوا معه جاهدوا:» التوبة - 88 إلى غير ذلك من الموارد.
و ثانيا: أن المراد بما ذكر ثانيا و ثالثا من التوبة بقوله: «ثم تاب عليهم» في الموضعين هو تفصيل ما ذكره إجمالا بقوله: «لقد تاب الله».
و ثالثا: أن المراد بالتوبة في قوله: «ثم تاب عليهم» في الموضعين رجوعه تعالى إليهم بالهداية إلى الخير و التوفيق فقد ذكرنا مرارا في الأبحاث السابقة أن توبة العبد محفوفة بتوبتين من الرب تعالى، و أنه يرجع إليه بالتوفيق و إفاضة رحمة الهداية و هو التوبة الأولى منه فيهتدي العبد إلى الاستغفار و هو توبته فيرجع تعالى إليه بقبول توبته و غفران ذنوبه و هو التوبة الثانية منه تعالى.
و الدليل على أن المراد بها في الموضعين ذلك أما في الآية الأولى فلأنه لم يذكر منهم فيها ذنبا يستغفرون له حتى تكون توبته عليهم توبة قبول، و إنما ذكر أنه كان من المتوقع زيغ قلوب بعضهم و هو يناسب التوبة الأولى منه تعالى دون الثانية، و أما في الآية الثانية فلأنه ذكر بعدها قوله: «ليتوبوا» و هو الاستغفار، أخذ غاية لتوبته تعالى فتوبته تعالى قبل توبتهم ليست إلا التوبة الأولى منه.
و ربما أيد ذلك قوله تعالى في مقام تعليل توبته عليهم: «إنه بهم رءوف رحيم» حيث لم يذكر من أسمائه ما يدل بلفظه على قبول توبتهم كما لم يذكر منهم توبة بمعنى الاستغفار.
و رابعا: أن المراد بقوله في الآية الثانية: «ليتوبوا» توبة الثلاثة الذين خلفوا المترتب على توبته تعالى الأولى عليهم، فالمعنى ثم تاب الله على الثلاثة ليتوب الثلاثة فيتوب عليهم و يغفر لهم إنه هو التواب الرحيم.
فإن قلت: فالآية لم تدل على قبول توبتهم و هذا مخالف للضرورة الثابتة من جهة النقل أن الآية نزلت في توبتهم.
قلت: القصة ثابتة نقلا غير أنه لا توجد دلالة في لفظ الآية إلا أن الآية تدل بسياقها على ذلك فقد قال تعالى في مقام الإجمال: «لقد تاب الله» و هو أعم بإطلاقه من التوبة بمعنى التوفيق و بمعنى القبول، و كذا قوله بعد: «إن الله هو التواب الرحيم» و خاصة بالنظر إلى ما في الجملة من سياق الحصر الناظر إلى قوله: «و ظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه» فإذا كانوا أقدموا على التوبة ليأخذوا ملجأ من الله يأمنون فيه و قد هداهم الله إليه بالتوبة فتابوا فمن المحال أن يردهم الله من بابه خائبين و هو التواب الرحيم، و كيف يستقيم ذلك؟ و هو القائل عز من قائل: «إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم:» النساء: - 17.
و ربما قيل: إن معنى «ثم تاب عليهم ليتوبوا» ثم سهل الله عليهم التوبة ليتوبوا.
و هو سخيف.
و أسخف منه قول من قال: إن المراد بالتوبة في «ليتوبوا» الرجوع إلى حالتهم الأولى قبل المعصية.
و أسخف منه قول آخرين: «إن الضمير في «ليتوبوا» راجع إلى المؤمنين و المعنى ثم تاب على الثلاثة و أنزل توبتهم على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليتوب المؤمنون من ذنوبهم لعلمهم بأن الله قابل التوب.
و خامسا: أن الظن يفيد في الآية مفاد العلم لا لدلالة لفظية بل لخصوص المورد.
قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين» الصدق بحسب الأصل مطابقة القول و الخبر للخارج، و يوصف به الإنسان إذا طابق خبره الخارج ثم لما عد كل من الاعتقاد و العزم - الإرادة - قولا توسع في معنى الصدق فعد الإنسان صادقا إذا طابق خبره الخارج و صادقا إذا عمل بما اعتقده و صادقا إذا أتى بما يريده و يعزم عليه على الجد.
و ما في الآية من إطلاق الأمر بالتقوى و إطلاق الصادقين و إطلاق الأمر بالكون معهم - و المعية هي المصاحبة في العمل و هو الاتباع - يدل على أن المراد بالصدق هو معناه الوسيع العام دون الخاص.
فالآية تأمر المؤمنين بالتقوى و اتباع الصادقين في أقوالهم و أفعالهم و هو غير الأمر بالاتصاف بصفتهم فإنه الكون منهم لا الكون معهم و هو ظاهر.
قوله تعالى: «ما كان لأهل المدينة و من حولهم من الأعراب» إلى آخر الآيتين الرغبة ميل خاص نفساني و الرغبة في الشيء الميل إليه لطلب منفعة فيه، و الرغبة عن الشيء الميل عنه بتركه و الباء للسببية فقوله: «و لا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه» معناه و ليس لهم أن يشتغلوا بأنفسهم عن نفسه فيتركوه عند مخاطر المغازي و في تعب الأسفار و دعثائها و يقعدوا للتمتع من لذائذ الحياة، و الظمأ العطش، و النصب التعب و المخمصة المجاعة، و الغيظ أشد الغضب، و الموطأ الأرض التي توطأ بالأقدام.
و الآية تسلب حق التخلف عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل المدينة و الأعراب الذين حولها ثم تذكر أن الله قابل هذا السلب منهم بأنه يكتب لهم في كل مصيبة تصيبهم في الجهاد من جوع و عطش و تعب و في كل أرض يطئونها فيغيطون به الكفار أو نيل نالوه منهم عملا صالحا فإنهم محسنون و الله لا يضيع أجر المحسنين، و هذا معنى قوله: «ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ» إلخ.
ثم ذكر أن نفقاتهم صغيرة يسيرة كانت أو كبيرة خطيرة و كذا كل واد قطعوه فإنه مكتوب لهم محفوظ لأجلهم ليجزوا به أحسن الجزاء.
و قوله: «ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون» غاية متعلقه بقوله: «كتب لهم أي غاية هذه الكتابة هي أن يجزيهم بأحسن أعمالهم، و إنما خص جزاء أحسن الأعمال بالذكر لأن رغبة العامل عاكفة عليه، أو لأن الجزاء بأحسنها يستلزم الجزاء بغيره، أو لأن المراد بأحسن الأعمال الجهاد في سبيل الله لكونه أشقها و قيام الدعوة الدينية به.
و هاهنا معنى آخر و هو أن جزاء العمل في الحقيقة إنما هو نفس العمل عائدا إلى الله فأحسن الجزاء هو أحسن العمل فالجزاء بأحسن الأعمال في معنى الجزاء بأحسن الجزاء و معنى آخر و هو أن يغفر الله سبحانه سيئاتهم المشوبة بأعمالهم الحسنة و يستر جهات نقصها فيكون العمل أحسن بعد ما كان حسنا ثم يجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون فافهم ذلك و ربما رجع المعنيان إلى معنى واحد.
قوله تعالى: «و ما كان المؤمنون لينفروا كافة فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين» السياق يدل على أن المراد بقوله: «لينفروا كافة» لينفروا و ليخرجوا إلى الجهاد جميعا، و قوله: «فرقة منهم» الضمير للمؤمنين الذين ليس لهم أن ينفروا كافة، و لازمه أن يكون النفر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم.
فالآية تنهى مؤمني سائر البلاد غير مدينة الرسول أن ينفروا إلى الجهاد كافة بل يحضضهم أن ينفر طائفة منهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للتفقه في الدين و ينفر إلى الجهاد غيرهم.
و الأنسب بهذا المعنى أن يكون الضمير في قوله «رجعوا» للطائفة المتفقهين، و في قوله: «إليهم» لقومهم و المراد إذا رجع هؤلاء المتفقهون إلى قومهم، و يمكن العكس بأن يكون المعنى: إذا رجع قومهم من الجهاد إلى هؤلاء الطائفة بعد تفقههم و رجوعهم إلى أوطانهم.
و معنى الآية لا يجوز لمؤمني البلاد أن يخرجوا إلى الجهاد جميعا فهلا نفر و خرج إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طائفة من كل فرقة من فرق المؤمنين ليتحققوا الفقه و الفهم في الدين فيعملوا به لأنفسهم و لينذروا بنشر معارف الدين و ذكر آثار المخالفة لأصوله و فروعه قومهم إذا رجعت هذه الطائفة إليهم لعلهم يحذرون و يتقون.
و من هنا يظهر أولا: أن المراد بالتفقه تفهم جميع المعارف الدينية من أصول و فروع لا خصوص الأحكام العملية و هو الفقه المصطلح عليه عند المتشرعة، و الدليل عليه قوله: «لينذروا قومهم» فإن ذلك أمر إنما يتم بالتفقه في جميع الدين و هو ظاهر.
و ثانيا: أن النفر إلى الجهاد موضوع عن طلبة العلم الديني بدلالة من الآية.
و ثالثا: أن سائر المعاني المحتملة التي ذكروها في الآية بعيدة عن السياق كقول بعضهم: إن المراد بقوله: «لينفروا كافة» نفرهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للتفقه، و قول بعضهم في «فلو لا نفر» أي إلى الجهاد، و المراد بقوله: «ليتفقهوا» أي الباقون المتخلفون فينذروا قومهم النافرين إلى الجهاد إذا رجعوا إلى أولئك المتخلفين.
فهذه و نظائرها معان بعيدة لا جدوى في التعرض لها و الإطناب في البحث عنها.
قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار و ليجدوا فيكم غلظة و اعلموا أن الله مع المتقين» أمر بالجهاد العام الذي فيه توسع الإسلام حتى يشيع في الدنيا فإن قتال كل طائفة من المؤمنين من يليهم من الكفار لا ينتهي إلا باتساع الإسلام اتساعا باستقرار سلطنته على الدنيا و إحاطته بالناس جميعا.
و المراد بقوله: «و ليجدوا فيكم غلظة» أي الشدة في ذات الله و ليس يعني بها الخشونة و الفظاظة و سوء الخلق و القساوة و الجفاء فجميع الأصول الدينية تذم ذلك و تستقبحه، و لحن آيات الجهاد ينهى عن كل تعد و اعتداء و جفاء كما مر في سورة البقرة.
و في قوله: «و اعلموا أن الله مع المتقين» وعد إلهي بالنصر بشرط التقوى، و يئول معناه إلى إرشادهم إلى أن يكونوا دائما مراقبين لأنفسهم ذاكرين مقام ربهم منهم، و هو أنه معهم و مولاهم فهم الأعلون إن كانوا يتقون.
بحث روائي
في الدر المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو في المسجد: «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم» الآية فكبر الناس في المسجد فأقبل رجل من الأنصار ثانيا طرفي ردائه على عاتقه فقال: يا رسول الله أ نزلت هذه الآية؟ قال: نعم. فقال الأنصاري: بيع ربيح لا نقيل و لا نستقيل. و في الكافي، بإسناده عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لقي عباد البصري علي بن الحسين (عليهما السلام) في طريق مكة فقال له: يا علي بن الحسين تركت الجهاد و صعوبته و أقبلت على الحج و لينته إن الله يقول: «إن الله اشترى» إلخ، فقال علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج.
أقول: يريد (عليه السلام) ما في الآية الثانية: «التائبون العابدون» الآية من الأوصاف.
و عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: سياحة أمتي في المساجد.
أقول: و روي عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أن السائحين هم الصائمون. و عن أبي أمامة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله، و قد تقدم الكلام فيه.
و في المجمع،: «التائبين العابدين» إلى آخرها بالياء عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام). و في الدر المنثور،: في قوله: «ما كان للنبي و الذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين»: أخرج ابن أبي شيبة و أحمد و البخاري و مسلم و النسائي و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه و البيهقي في الدلائل عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و عنده أبو جهل و عبد الله بن أبي أمية فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله فقال أبو جهل و عبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أ ترغب عن ملة عبد المطلب؟ و جعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرضها عليه و أبو جهل و عبد الله يعانوانه بتلك المقالة فقال أبو طالب آخر ما كلمهم هو: على ملة عبد المطلب، و أبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت: «ما كان للنبي و الذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين» الآية، و أنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء».
أقول: و في معناه روايات أخرى من طرق أهل السنة، و في بعضها أن المسلمين لما رأوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يستغفر لعمه و هو مشرك استغفروا لآبائهم المشركين فنزلت الآية، و قد اتفقت الرواية عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنه كان مسلما غير متظاهر بإسلامه ليتمكن بذلك من حماية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و فيما روي بالنقل الصحيح من أشعاره شيء كثير يدل على توحيده و تصديقه النبوة، و قد قدمنا نبذة منها.
و في الكافي، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر قال: الأواه الدعاء. و في المجمع،: في قوله تعالى: «و ما كان الله ليضل قوما» الآية قيل: مات قوم من المسلمين على الإسلام قبل أن تنزل الفرائض فقال المسلمون: يا رسول الله إخواننا المسلمون ماتوا قبل الفرائض ما منزلتهم؟ فنزل: «و ما كان الله ليضل قوما» الآية: عن الحسن. و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن ابن عباس: في الآية قال: نزلت حين أخذوا الفداء من المشركين يوم الأسارى قال: لم يكن لكم أن تأخذوه حتى يؤذن لكم و لكن ما كان الله ليعذب قوما بذنب أذنبوه حتى يبين لهم ما يتقون. قال: حتى ينهاهم قبل ذلك.
أقول: ظاهر الروايتين أنهما من التطبيق دون النزول بمعناه المصطلح عليه، و اتصال الآية بالآيتين قبلها و دخولها في سياقهما ظاهر، و قد تقدم توضيحه.
و في الكافي، بإسناده عن حمزة بن محمد الطيار عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله: «و ما كان الله ليضل قوما - بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون» قال: يعرفهم ما يرضيه و ما يسخطه. الحديث: أقول: و رواه أيضا عن عبد الأعلى عنه (عليه السلام)، و رواه البرقي أيضا في المحاسن. و في تفسير القمي،: «لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين و الأنصار - الذين اتبعوه في ساعة العسرة» قال الصادق (عليه السلام): هكذا نزلت و هم أبو ذر و أبو خيثمة و عمير بن وهب الذين تخلفوا ثم لحقوا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
أقول: و قد استخرجناه من حديث طويل أورده القمي في تفسيره في قوله تعالى: «و لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة:» الآية: - 46 من السورة، و روى قراءة «بالنبي» في المجمع، عنه و عن الرضا (عليه السلام).
و في المجمع،: في قوله: «و على الثلاثة الذين خلفوا» و قرأ علي بن الحسين زين العابدين و محمد بن علي الباقر و جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) و أبو عبد الرحمن السلمي. خالفوا. و فيه،: في قوله: «لقد تاب الله على النبي و المهاجرين و الأنصار» الآية نزلت في غزاة تبوك و ما لحق المسلمين فيها من العسرة حتى هم قوم بالرجوع ثم تداركهم لطف الله سبحانه قال الحسن: كان العشرة من المسلمين يخرجون على بعير يعتقبونه بينهم يركب الرجل ساعة ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك، و كان زادهم الشعير المسوس و التمر المدود و الإهالة السنخة و كان النفر منهم يخرجون ما معهم من التميرات بينهم فإذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها ثم يعطيها صاحبه فيمصها ثم يشرب عليها جرعة من ماء كذلك حتى يأتي على آخرهم فلا يبقى من التمرة إلا النواة. و فيه،: في قوله: «و على الثلاثة الذين خلفوا» الآية نزلت في شأن كعب بن مالك و مرارة بن الربيع و هلال بن أمية، و ذلك أنهم تخلفوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لم يخرجوا معه لا عن نفاق و لكن عن توان ثم ندموا فلما قدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة جاءوا إليه و اعتذروا فلم يكلمهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و تقدم إلى المسلمين بأن لا يكلمهم أحد منهم فهجرهم الناس حتى الصبيان، و جاءت نساؤهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلن له: يا رسول الله نعتزلهم؟ فقال: و لكن لا يقربوكن. فضاقت عليهم المدينة فخرجوا إلى رءوس الجبال، و كان أهاليهم يجيئون لهم بالطعام و لا يكلمونهم فقال بعضهم لبعض: قد هجرنا الناس و لا يكلمنا أحد منهم فهلا نتهاجر نحن أيضا؟ فتفرقوا و لم يجتمع منهم اثنان، و بقوا على ذلك خمسين يوما يتضرعون إلى الله تعالى و يتوبون إليه، فقبل الله تعالى توبتهم و أنزل فيهم هذه الآية.
أقول: و قد تقدمت القصة في حديث طويل نقلناه من تفسير القمي في الآية 46 من السورة، و رويت القصة بطرق كثيرة.
و في تفسير البرهان، عن ابن شهرآشوب من تفسير أبي يوسف بن يعقوب بن سفيان حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله» قال: أمر الله الصحابة أن يخافوا الله. ثم قال: «و كونوا مع الصادقين» يعني مع محمد و أهل بيته (عليهم السلام).
أقول: و في هذا المعنى روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) و قد روي في الدر المنثور، عن ابن مردويه عن ابن عباس، و أيضا عن ابن عساكر عن أبي جعفر: في قوله: «و كونوا مع الصادقين» قالا: مع علي بن أبي طالب. و في الكافي، بإسناده عن يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إذا حدث على الإمام حدث كيف يصنع الناس؟ قال: أين قول الله عز و جل: «فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين - و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون» قال: هم في عذر ما داموا في الطلب، و هؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر حتى يرجع إليهم أصحابهم.
أقول: و في هذا المعنى روايات كثيرة عن الأئمة (عليهم السلام)، و هو مما يدل على أن المراد بالتفقه في الآية أعم من تعلم الفقه بالمعنى المصطلح عليه اليوم.
و اعلم أن هناك أقوالا أخرى في أسباب نزول بعض الآيات السابقة تركناها لظهور ضعفها و وهنها.
|