بيان
قوله تعالى: «أ و من كان ميتا فأحييناه و جعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها» الآية واضحة المعنى و هي بحسب ما يسبق إلى الفهم البسيط الساذج مثل مضروب لكل من المؤمن و الكافر يظهر بالتدبر فيه حقيقة حاله في الهدى و الضلال.
فالإنسان قبل أن يمسه الهدى الإلهي كالميت المحروم من نعمة الحياة الذي لا حس له و لا حركة فإن آمن بربه إيمانا يرتضيه كان كمن أحياه الله بعد موته، و جعل له نورا يدور معه حيث دار يبصر في شعاعه خيره من شره و نفعه من ضره فيأخذ ما ينفعه و يدع ما يضره و هكذا يسير في مسير الحياة.
و أما الكافر فهو كمن وقع في ظلمات لا مخرج له منها و لا مناص له عنها ظلمة الموت و ما بعد ذلك من ظلمات الجهل في مرحلة تمييز الخير من الشر و النافع من الضار، و نظير هذه الآية في معناها بوجه قوله تعالى: «إنما يستجيب الذين يسمعون و الموتى يبعثهم الله»: الأنعام: 36 و قال تعالى: «من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة»: النحل: 97.
ففي الكلام استعارة الموت للضلال و استعارة الحياة للإيمان أو الاهتداء و الإحياء للهداية إلى الإيمان و النور للتبصر بالأعمال الصالحة، و الظلمة للجهل كل ذلك في مستوى التفهيم و التفهم العموميين لما أن أهل هذا الظرف لا يرون للإنسان بما هو إنسان حياة وراء الحياة الحيوانية التي هي المنشأ للشعور باللذائذ المادية و الحركة الإرادية نحوها.
فهؤلاء يرون أن المؤمن و الكافر لا يختلفان في هذه الموهبة و هي فيهما شرع سواء فلا محالة عد المؤمن حيا بحياة الإيمان ذا نور يمشي به في الناس، و عد الكافر ميتا بميتة الضلال في ظلمات لا مخرج منها ليس إلا مبتنيا على عناية تخييلية و استعارة تمثيلية يمثل بها حقيقة المعنى المقصود.
لكن التدبر في أطراف الكلام و التأمل فيما يعرفه القرآن الكريم يعطي للآية معنى وراء هذا الذي يناله الفهم العامي فإن الله سبحانه ينسب للإنسان الإلهي في كلامه حياة خالده أبدية لا تنقطع بالموت الدنيوي هو فيها تحت ولاية الله محفوظ بكلاءته مصون بصيانته لا يمسه نصب و لا لغوب، و لا يذله شقاء و لا تعب، مستغرب في حب ربه مبتهج ببهجة القرب لا يرى إلا خيرا، و لا يواجه إلا سعادة و هو في أمن و سلام لا خوف معه و لا خطر، و سعادة و بهجة و لذة لا نفاذ لها و لا نهاية لأمدها.
و من كان هذا شأنه فإنه يرى ما لا يراه الناس، و يسمع ما لا يسمعونه، و يعقل ما لا يعقلونه، و يريد ما لا يريدونه و إن كانت ظواهر أعماله و صور حركاته و سكناته تحاكي أعمال غيره و حركاتهم و سكناتهم و تشابهها فله شعور و إرادة فوق ما لغيره من الشعور و الإرادة فعنده من الحياة التي هي منشأ الشعور و الإرادة ما ليس عند غيره من الناس فللمؤمن مرتبة من الحياة ليست عند غيره.
فكما أن العامة من الإنسان في عين أنها تشارك سائر الحيوان في الشعور بواجبات الحياة و الحركة الإرادية نحوها، و يشاركها الحيوان لكنا مع ذلك لا نشك أن الإنسان نوع أرقى من سائر الأنواع الحيوانية و له حياة فوق الحياة التي فيها لما نرى في الإنسان آثاره العجيبة المترشحة من أفكار الكلية و تعقلاته المختصة به، و لذلك نحكم في الحيوان إذا قسناه إلى النبات و في النبات إذا قسناه إلى ما قبله من مراتب الكون أن لكل منهما كعبا أعلى و حياة هي أرقى من حياة ما قبله.
فلنقض في الإنسان الذي أوتي العلم و الإيمان و استقر في دار الإيقان و اشتغل بربه و فرغ و استراح من غيره و هو يشعر بما ليس في وسع غيره و يريد ما لا يناله سواه أن له حياة فوق حياة غيره، و نورا يستمد به في شعوره، و إرادة لا توجد إلا معه و في ظرف حياته.
يقول الله سبحانه: «فلنحيينه حياة طيبة»: النحل: 97 فلهم الحياة لكنها بطبعها طيبة وراء مطلق الحياة «و يقول: «لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون»: الأعراف: 179 فيثبت لهم أمثال القلوب و الأعين و الآذان التي في المؤمنين لكنه ينفي كمال آثارها التي في المؤمنين، و لم يكتف بذلك حتى أثبت لهم روحا خاصا بهم فقال: «أولئك كتب في قلوبهم الإيمان و أيدهم بروح منه»: المجادلة: 22.
فتبين بذلك أن للحياة و كذا للنور حقيقة في المؤمن واقعية و ليس الكلام جاريا على ذاك التجوز الذي لا يتعدى مقام العناية اللفظية فما في خاصة الله من المؤمنين من الصفة الخاصة بهم أحق باسم الحياة مما عند عامة الناس من معنى الحياة كما أن حياة الإنسان كذلك بالنسبة إلى حياة الحيوان، و حياة الحيوان كذلك بالنسبة إلى حياة النبات.
فقوله: «أ و من كان ميتا فأحييناه» أي ضالا من حيث نفسه أو ضالا كافرا قبل أن يؤمن بربه و هو نوع من الموت فأحييناه بحياة الإيمان أو الهداية - و المال واحد - و جعلنا له نورا أي علما متولدا من إيمانه كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما رواه الفريقان: «من عمل بما علم رزقه الله علم ما لم يعلم أو علمه الله ما لم يعلم».
فإن روح الإيمان إذا تمكنت من نفس الإنسان و استقرت فيها حولت الآراء و الأعمال إلى صور تناسبها و لا تخالفها و كذلك سائر الملكات أعم من الفضائل و الرذائل إذا استقرت في باطن الإنسان لم تلبث دون أن تحول آراءه و أعماله إلى أشكال تحاكيها.
و ربما قيل: إن المراد بالنور هو الإيمان أو القرآن و هو بعيد من السياق.
و هذا النور أثره في المؤمن أنه «يمشي به في الناس» أي يتبصر به في مسير حياته الاجتماعية المظلمة ليأخذ من الأعمال ما ينفعه في سعادة حياته، و يترك ما يضره.
فهذا هو حال المؤمن في حياته و نوره فهل هو «كمن مثله» و وصفه أنه «في الظلمات ظلمات الضلال و فقدان نور الإيمان «ليس بخارج منها» لأن الموت لا يستتبع آثار الحياة البتة فلا مطمع في أن يهتدي الكافر إلى أعمال تنفعه في أخراه و تسعده في عقباه.
و قد ظهر مما تقدم أن قوله: «كمن مثله في الظلمات» إلخ، في تقدير: هو في الظلمات ليس بخارج منها، ففي الكلام مبتدأ محذوف هو الضمير العائد إلى الموصول، و قيل: التقدير: كمن مثله مثل من هو في الظلمات، و لا بأس به لو لا كثرة التقدير.
قوله تعالى: «كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون» ظاهر سياق صدر الآية أن يكون التشبيه في قوله: «كذلك» من قبيل تشبيه الفرع بالأصل بعناية إعطاء القاعدة الكلية كقوله تعالى: «كذلك يضرب الله الحق و الباطل» و قوله: «كذلك يضرب الله الأمثال»: الرعد: 17 أي اتخذ ما ذكرناه من المثل أصلا و قس عليه كل ما عثرت به من مثل مضروب فمعنى قوله: «كذلك زين» إلخ، على هذا المثال المذكور أن الكافر لا مخرج له من الظلمات، زين للكافرين أعمالهم فقد زينت لهم أعمالهم زينة تجذبهم إليها و تحبسهم و لا تدعهم يخرجوا منها إلى فضاء السعادة و فسحة النور أبدا و الله لا يهدي القوم الظالمين.
و قيل: إن وجه التشبيه في قوله: «كذلك زين» إلخ، أنه زين لهؤلاء الكفر فعملوه مثل ما زين لأولئك الإيمان فعملوه.
فشبه حال هؤلاء في التزيين بحال أولئك فيه انتهى و هو بعيد من سياق الصدر.
قوله تعالى: «و كذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها» إلى آخر الآية، كأن المراد بالآية أنا أحيينا جمعا و جعلنا لهم نورا يمشون به في الناس، و آخرين لم نحيهم فمكثوا في الظلمات فهم غير خارجين منها و لا أن أعمالهم المزينة تنفعهم و تخلصهم منها كذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها بالدعوة الدينية و النبي و المؤمنين لكنه لا ينفعهم فإنهم في ظلمات لا يبصرون بل إنما يمكرون بأنفسهم و لا يشعرون.
و على هذا فقوله: «كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون» مسوق لبيان أن أعمالهم المزينة لهم لا تنفعهم في استخلاصهم من الظلمات التي هم فيها، و قوله: «و كذلك جعلنا في كل قرية» إلخ، مسوق لبيان أن أعمالهم و مكرهم لا يضر غيرهم إنما وقع مكرهم على أنفسهم و ما يشعرون لمكان ما غمرهم من الظلمة.
و قيل: معنى التشبيه في الآية أن مثل ذلك الذي قصصنا عليك زين للكافرين عملهم، و مثل ذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها، و جعلنا ذا المكر من المجرمين كما جعلنا ذا النور من المؤمنين فكل ما فعلنا بهؤلاء فعلنا بهم إلا أن أولئك اهتدوا بحسن اختيارهم و هؤلاء ضلوا بسوء اختيارهم لأن في كل واحد منهما الجعل بمعنى الصيرورة إلا أن الأول باللطف و الثاني بالتمكين من المكر انتهى.
و لا يخلو من بعد من السياق.
و الجعل في قوله: «جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها» كالجعل في قوله: «و جعلنا له نورا» فالأنسب أنه بمعنى الخلق، و المعنى: خلقنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها و كون مكرهم غاية للخلقة و غرضا للجعل نظير كون دخول النار غرضا إلهيا في قوله: «و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الإنس»: الأعراف: 179 و قد مر الكلام في معنى ذلك في مواضع من هذا الكتاب.
و إنما خص بالذكر أكابر مجرميها لأن المطلوب بيان رجوع المكر إلى ما كره، و المكر بالله و آياته إنما يصدر منهم، و أما أصاغر المجرمين و هم العامة من الناس فإنما هم أتباع و أذناب.
و أما قوله: «و ما يمكرون إلا بأنفسهم و ما يشعرون» فذلك أن المكر هو العمل الذي يستبطن شرا و ضرا يعود إلى الممكور به فيفسد به غرضه المطلوب و يضل به سعيه و يبطل نجاح عمله، و لا غرض لله سبحانه في دعوته الدينية، و لا نفع فيها إلا ما يعود إلى نفس المدعوين فلو مكر الإنسان مكرا بالله و آياته ليفسد بذلك الغرض من الدعوة و يمنع عن نجاح السعي فيها فإنما مكر بنفسه من حيث لا يشعر: و استضر بذلك هو نفسه دون ربه.
قوله تعالى: «و إذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن - إلى قوله - رسالته» قولهم: «لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله» يريدون به أن يؤتوا نفس الرسالة بما لها من مواد الدعوة الدينية دون مجرد المعارف الدينية من أصول و فروع و إلا كان اللفظ المناسب له أن يقال: «مثل ما أوتي أنبياء الله» أو ما يشاكل ذلك كقولهم: «لو لا يكلمنا الله أو تأتينا آية»: البقرة: 118 و قولهم: «لو لا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا»: الفرقان: 21.
فمرادهم أنا لن نؤمن حتى نؤتى الرسالة كما أوتيها الرسل، و فيه شيء من الاستهزاء فإنهم ما كانوا قائلين بالرسالة فهو بوجه نظير قولهم: «لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم»: الزخرف: 31 كما أن جوابه نظير جوابه و هو قوله تعالى: «أ هم يقسمون رحمة ربك»: الزخرف: 32 كقوله: «الله أعلم حيث يجعل رسالته،».
و مما تقدم يظهر أن الضمير في قوله: «و إذا جاءتهم آية قالوا» إلخ، عائد إلى «أكابر مجرميها» في الآية السابقة، إذ لو رجع إلى عامة المشركين لغا قولهم: «حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله» إذ لا معنى لرسالة جميع الناس حيث لا أحد يرسلون إليه، و لم يقع قوله: «الله أعلم حيث يجعل رسالته» موقعه بل كان حق الجواب أنه لغو من القول كما عرفت.
و يؤيده الوعيد الذي في ذيل الآية: «سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله و عذاب شديد بما كانوا يمكرون» حيث وصفهم بالإجرام و علل الوعيد بمكرهم، و لم ينسب المكر في الآية السابقة إلا إلى أكابر مجرميها، و الصغار الهوان و الذلة.
قوله تعالى: «فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام» الشرح هو البسط و قد ذكر الراغب في مفرداته، أن أصله بسط اللحم و نحوه، و شرح الصدر الذي يعد في الكلام وعاء للعلم و العرفان هو التوسعة فيه بحيث يسع ما يصادفه من المعارف الحقة و لا يدفع كلمة الحق إذا ألقيت إليه كما يدل عليه ما ذكر في وصف الإضلال بالمقابلة و هو قوله: «يجعل صدره ضيقا حرجا» إلخ.
فمن شرح الله صدره للإسلام و هو التسليم لله سبحانه فقد بسط صدره و وسعه لتسليم ما يستقبله من قبله تعالى من اعتقاد حق أو عمل ديني صالح فلا يلقي إليه قول حق إلا وعاه و لا عمل صالح إلا أخذ به و ليس إلا أن لعين بصيرته نورا يقع على الاعتقاد الحق فينوره أو العمل الصالح فيشرقه خلاف من عميت عين قلبه فلا يميز حقا من باطل و لا صدقا من كذب قال تعالى: «فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور»: الحج: 46.
و قد بين تعالى شرح الصدر بهذا البيان في قوله أ فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله» فوصفه فعرفه بأن صاحبه راكب نور من الله يشرق قدامه في مسيره ثم عرفه بالمقابلة بلينة في القلب يقبل به ذكر الله و لا يدفعه لقسوة ثم قال: «الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و قلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء و من يضلل الله فما له من هاد»: الزمر: 23 فذكر لين القلب إلى ذكر الله و طوعه للحق و أفاد أن ذلك هو الهدى الإلهي الذي يهدي به من يشاء، و عند ذلك يرجع الآيتان أعني آية الزمر و الآية التي نحن فيها إلى معنى واحد و هو أن الله سبحانه عند هدايته عبدا من عباده يبسط صدره فيسع كل اعتقاد حق و عمل صالح و يقبله بلين و لا يدفعه بقسوة و هو نوع من النور المعنوي الذي ينور القول الحق و العمل الصالح و ينصر صاحبه فيمسك بما نوره فهذا معرف يعرف به الهداية الإلهية.
و من هنا يظهر أن الآية أعني قوله: «فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام» بمنزلة بيان آخر لقوله: «أ و من كان ميتا فأحييناه و جعلنا له نورا يمشي به في الناس» و التفريع الذي في قوله.
«فمن يرد الله» إلخ.
من قبيل تفريع أحد البيانين على الآخر بدعوى أنه نتيجته كأن التصادق بين البيانين يجعل أحدهما نتيجة مترتبة و فرعا متفرعا على الآخر، و هو عناية لطيفة.
و المعنى: فإذا كان من أحياه الله بعد ما كان ميتا على هذه الصفة و هي أنه على نور من ربه يستضيء به له واجب الاعتقاد و العمل فيأخذ به فمن يرد الله أن يهديه يوسع صدره لأن يسلم لربه و لا يستنكف عن عبادته فالإسلام نور من الله، و المسلمون لربهم على نور من ربهم.
قوله تعالى: «و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا» إلى آخر الآية، الإضلال مقابل الهداية، و لذا كان أثره مقابلا لأثرها و هو التضييق المقابل للشرح و التوسعة و أثره أن لا يسع ما يتوجه إليه من الحق و الصدق، و يتحرج عن دخولهما فيه، و لذا أردف كون الصدر ضيقا بكونه حرجا.
و الحرج على ما في المجمع، أضيق الضيق، و قال في المفردات:، أصل الحرج و الحراج مجتمع الشيء و تصور منه ضيق ما بينهما فقيل للضيق حرج و للإثم حرج.
انتهى.
فقوله: «حرجا كأنما يصعد في السماء» في محل التفسير لقوله: «ضيقا» و إشارة إلى أن ذلك نوع من الضيق يناظر بوجه التضيق و التحرج الذي يشاهد من الظروف و الأوعية إذا أريد إدخال ما هو أعظم منها و وضعه فيها.
و قوله: «كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون» إعطاء ضابط كلي في إضلال الذين لا يؤمنون أنهم يفقدون حال التسليم لله و الانقياد للحق، و قد أطلق عدم الإيمان و إن كان مورد الآيات عدم الإيمان بالله سبحانه و هو الشرك به لكن الذي سبق من البيان في الآية يشمل عدم الإيمان بالله و هو الشرك، و عدم الإيمان بآيات الله و هو رد بعض ما أنزله الله من المعارف و الأحكام فقد دل على ذلك كله بقوله: «يشرح صدره للإسلام» إلخ، و بقوله سابقا: «و جعلنا له نورا يمشي به» إلخ، و قوله: «يجعل صدره ضيقا حرجا» إلخ، و بقوله سابقا: «في الظلمات ليس بخارج منها».
و قد سمي في الآية الضلال الذي يساوق عدم الإيمان رجسا و الرجس هو القذر غير أنه اعتبر فيه نوعا من الاستعلاء الدال عليه قوله: «على الذين لا يؤمنون» كأن الرجس يعلوهم و يحيط بهم فيحول بينهم و بين غيرهم فيتنفر منهم الطباع كما يتنفر من الغذاء الملطخ بالقذر.
و قد استدل بالآية على أن الهدى و الضلال من الله لا صنع فيهما لغيره تعالى و هو خطأ فإن الآية - كما عرفت - في مقام بيان حقيقة الهدى و الضلال اللذين من الله و نوع تعريف لهما و تحديد لا في مقام بيان انحصارهما فيه و انتفائهما عن غيره كما هو المدعى و هو ظاهر.
و نظير ذلك ما ذكره بعضهم: أن الآية كما تدل بلفظها على قولنا: إن الهداية و الضلال من الله، كذلك تدل بلفظها على الدليل العقلي القاطع في هذه المسألة.
بيانه: أن العبد قادر على الإيمان و الكفر معا على حد سواء فيمتنع صدور أحدهما عنه بدلا من الآخر إلا إذا اقترن بمرجح يستدعي صدور ما يرجح به و هو الداعي القلبي الذي ليس إلا العلم أو الاعتقاد أو الظن بكون الفعل مشتملا على مصلحة زائدة و منفعة راجحة من غير ضرر زائد أو مفسدة راجحة، و قد بينا بالدليل أن حصول هذه الدواعي في القلب إنما يكون من الله تعالى، و أن مجموع القدرة و الداعي يوجب العمل.
إذا ثبت هذا فنقول: يستحيل صدور الإيمان من العبد إلا إذا خلق الله في قلبه اعتقاد رجحان الإيمان، و معه يحصل من القلب ميل إليه و من النفس رغبة فيه و هذا هو انشراح الصدر، و يمتنع الكفر إلا بخلقه ما يقابل ذلك في القلب، و يحصل حينئذ النفرة عنه و الاشمئزاز منه و هو المراد بجعل القلب ضيقا حرجا فصار تقدير الآية: أن من أراد الله منه الإيمان قوي دواعيه إليه، و من أراد منه الكفر قوي صوارفه عن الإيمان و قوي دواعيه إلى الكفر، و لما ثبت بالدليل العقلي أن الأمر كذلك ثبت أن لفظ القرآن مشتمل على هذه الدلائل العقلية.
انتهى ملخصا.
و فيه أولا: أن انتساب الشيء إليه تعالى من جهة خلقه أسباب وجوده و مقدماته لا يوجب انتفاء نسبته إلى غيره تعالى و إلا أوجب ذلك بطلان قانون العلية العام و ببطلانه يبطل القضاء العقلي من رأس فمن الممكن أن تستند الهداية و الضلال إلى غيره تعالى استنادا حقيقيا في حين أنهما يستندان إليه تعالى استنادا حقيقيا من غير تناقض.
و ثانيا: أن الذي ذكرته الآية من صنعه تعالى في موردي هدايته و إضلاله هو سعة القلب و ضيقه، و هما غير رغبة النفس و نفرته البتة فالآية أجنبية عما ذكره أصلا، و مجرد استلزام إرادة الفعل من العبد رغبته و كراهته نفرته منه لا يوجب أن يكون المراد من سعة القلب و ضيقه الإرادة و الكراهة بالنسبة إلى الأعمال، ففيه مغالطة من باب أخذ أحد المقارنين مكان الآخر و من عجيب الكلام قوله: إن انطباق الدليل العقلي الذي أقامه بزعمه على الآية يوجب دلالة لفظ الآية عليه.
و ثالثا: أنك عرفت أن الآية إنما هي في مقام تعريف ما يصنع الله بعبده إذا أراد هدايته أو ضلالته، و أما أن كل هداية أو ضلالة فهي من الله تعالى دون غيره فذلك أمر أجنبي عن غرض الآية فالآية لا دلالة لها على أن الهداية و الضلال من الله سبحانه و إن كان ذلك هو الحق.
قوله تعالى: «و هذا صراط ربك مستقيما» إلى آخر الآية، الإشارة إلى ما تقدم بيانه في الآية السابقة من صنعه عند الهداية و الإضلال و قد تقدم معنى الصراط و استقامته، و قد بين تعالى في الآية أن ما ذكره من شرح الصدر للإسلام إذا أراد الهداية و من جعل الصدر ضيقا حرجا عند إرادة الإضلال هو صراطه المستقيم و سنته الجارية التي لا تختلف و لا تتخلف فما من مؤمن إلا و هو منشرح الصدر للإسلام بالله و غير المؤمن بالعكس من ذلك.
فقوله: «و هذا صراط ربك مستقيما» بيان ثان و تأكيد لكون المعرف المذكور في الآية السابقة معرفا جامعا مانعا للهداية و الضلالة ثم أكد سبحانه البيان بقوله: «قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون» أي إن القول حق بين عند من تذكر و رجع إلى ما أودعه الله في نفسه من المعارف الفطرية و العقائد الأولية التي بتذكرها يهتدي الإنسان إلى معرفة كل حق و تمييزه من الباطل، و البيان مع ذلك لله سبحانه فإنه هو الذي يهدي الإنسان إلى النتيجة بعد هدايته إلى الحجة.
قوله تعالى: «لهم دار السلام عند ربهم و هو وليهم بما كانوا يعملون» المراد بالسلام هو معناه اللغوي - على ما يعطيه ظاهر السياق - و هو التعري من الآفات الظاهرة و الباطنة، و دار السلام هي المحل الذي لا آفة تهدد من حل فيه من موت و عاهة و مرض و فقر و أي عدم و فقد آخر و غم و حزن، و هذه هي الجنة الموعودة و لا سيما بالنظر إلى تقييده بقوله: «عند ربهم».
نعم أولياء الله تعالى يجدون في هذه النشأة ما وعدهم الله من إسكانهم دار السلام لأنهم يرون الملك لله فلا يملكون شيئا حتى يخافوا فقده أو يحزنوا لفقده قال تعالى: «ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون»: يونس: 62 و هم لا شغل لهم إلا بربهم خلوا به في حياتهم فلهم دار السلام عند ربهم - و هم قاطنون في هذه الدنيا - و هو وليهم بما كانوا يعملون و هو سيرهم في الحياة بنور الهداية الإلهية الذي جعله في قلوبهم، و نور به أبصارهم و بصائرهم.
و ربما قيل: المراد بالسلام هو الله، و داره الجنة، و السياق يأباه و ضمائر الجمع في الآية راجعة إلى القوم في قوله: «لقوم يذكرون» - على ما قيل - لأنه أقرب المراجع لرجوعها إليها غير أن التدبر في الآيات يؤيد رجوعها إلى المهتدين بالهداية المذكورة بما أن الكلام فيهم و الآيات مسوقة لبيان حسن صنع الله بهم فالوعد الحسن المذكور يجب أن يعود إليهم، و أما القوم المتذكرون فإنما ذكروا و دخلوا في غرض الكلام بالتبع.
كلام في معنى الهداية الإلهية
الهداية بالمعنى الذي نعرفه كيفما اتخذت هي من العناوين التي تعنون بها الأفعال و تتصف بها، تقول: هديت فلانا إلى أمر كذا إذا ذكرت له كيفية الوصول إليه أو أريته الطريق الذي ينتهي إليه، و هذه هي الهداية بمعنى إراءة الطريق، أو أخذت بيده و صاحبته في الطريق حتى توصله إلى الغاية المطلوبة، و هذه هي الهداية بمعنى الإيصال إلى المطلوب.
فالواقع في الخارج في جميع هذه الموارد هو أقسام الأفعال التي تأتي بها من ذكر الطريق أو إراءته أو المشي مع المهدي و أما الهداية فهي عنوان للفعل يدور مدار القصد كما أن ما يأتيه المهدي من الفعل في أثره معنون بعنوان الاهتداء فما ينسب إليه تعالى من الهداية و يسمى لأجله هاديا و هو أحد الأسماء الحسنى من صفات الفعل المنتزعة من فعله تعالى كالرحمة و الرزق و نحوهما.
و هدايته تعالى نوعان: أحدهما الهداية التكوينية و هي التي تتعلق بالأمور التكوينية كهدايته كل نوع من أنواع المصنوعات إلى كماله الذي خلق لأجله و إلى أفعاله التي كتبت له، و هدايته كل شخص من أشخاص الخليقة إلى الأمر المقدر له و الأجل المضروب لوجوده قال تعالى: «الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى»: طه: 50 و قال: «الذي خلق فسوى، و الذي قدر فهدى»: الأعلى: 3.
و النوع الثاني: الهداية التشريعية و هي التي تتعلق بالأمور التشريعية من الاعتقادات الحقة و الأعمال الصالحة التي وضعها الله سبحانه للأمر و النهي و البعث و الزجر و وعد على الأخذ بها ثوابا و أوعد على تركها عقابا.
و من هذه الهداية ما هي إراءة الطريق كما في قوله تعالى: «إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا»: الدهر: 3.
و منها ما هي بمعنى الإيصال إلى المطلوب كما في قوله تعالى: «و لو شئنا لرفعناه بها و لكنه أخلد إلى الأرض و اتبع هواه»: الأعراف: 176 و قد عرف الله سبحانه هذه الهداية تعريفا بقوله: «فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام»: الآية: 125 فهي انبساط خاص في القلب يعي به القول الحق و العمل الصالح من غير أن يتضيق به، و تهيؤ مخصوص لا يأبى به التسليم لأمر الله و لا يتحرج عن حكمه.
و إلى هذا المعنى يشير تعالى بقوله: «أ فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه - إلى أن قال - ذلك هدى الله يهدي به من يشاء»: الزمر: 23 و قد وصفه في الآية بالنور لأنه ينجلي به للقلب ما يجب عليه أن يعيه من التسليم لحق القول و صدق العمل عما يجب عليه أن لا يعيه و لا يقبله و هو باطل القول و فاسد العمل.
و قد رسم الله سبحانه لهذه الهداية رسما آخر و هو ما في قوله عقيب ذكره هدايته أنبياءه الكرام و ما خصهم به من النعم العظام: «و اجتبيناهم و هديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده»: الأنعام: 88 فقد أوضحنا في تفسير الآية أن الآية تدل على أن من خاصة الهداية الإلهية أنها تورد المهتدين بها صراطا مستقيما و طريقا سويا لا تخلف فيه و لا اختلاف.
فلا بعض أجزاء صراطه الذي هو دينه بما فيه من المعارف و الشرائع يناقض البعض الآخر لما أن الجميع يمثل التوحيد الخالص الذي ليس إلا حقيقة ثابتة واحدة، و لما أن كلها مبنية على الفطرة الإلهية التي لا تخطىء في حكمها و لا تتبدل في نفسها و لا في مقتضياتها.
و لا بعض الراكبين عليه السائرين فيه يألفون بعضا آخر فالذي يدعو إليه نبي من أنبياء الله هو الذي يدعو إليه جميعهم، و الذي يندب إليه خاتمهم و آخرهم هو الذي يندب إليه آدمهم و أولهم من غير أي فرق إلا من حيث الإجمال و التفصيل.
بحث روائي
في الكافي، بإسناده عن زيد قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: في قول الله تبارك و تعالى: «أ و من كان ميتا فأحييناه - و جعلنا له نورا يمشي به في الناس» فقال: ميت لا يعرف شيئا «نورا يمشي به في الناس» إماما يأتم به «كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها» قال: الذي لا يعرف الإمام.
أقول: و هو من قبيل الجري و الانطباق فسياق الآية يأبى إلا أن تكون الحياة هو الإيمان و النور هو الهداية الإلهية إلى القول الحق و العمل الصالح.
و قد روى السيوطي في الدر المنثور، عن زيد بن أسلم: أن الآية نزلت في عمار بن ياسر:، و روي أيضا عن ابن عباس و زيد بن أسلم: أنها نزلت في عمر بن الخطاب و أبي جهل بن هشام و السياق يأبى كون الآية خاصة.
و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و ابن أبي الدنيا و ابن جرير و أبو الشيخ و ابن مردويه و الحاكم و البيهقي في الشعب من طرق عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين نزلت هذه الآية: «فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام» قال: إذا أدخل الله النور القلب انشرح و انفسح. قالوا: فهل لذلك آية يعرف بها؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود و التجافي عن دار الغرور و الاستعداد للموت قبل نزول الموت:. أقول: و رواه أيضا عدة من المفسرين عن جمع من التابعين كأبي جعفر المدائني و الفضل و الحسن و عبد الله بن السور عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
و في العيون، بإسناده عن حمدان بن سليمان النيشابوري قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: «فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام» قال: فمن يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا و إلى جنته و دار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله و الثقة به و السكون إلى ما وعد من ثوابه حتى يطمئن إليه، و من يرد أن يضله عن جنته و دار كرامته في الآخرة لكفره به و عصيانه له في الدنيا يجعل صدره ضيقا حرجا حتى يشك في كفره و يضطرب عن اعتقاده حتى يصير كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون.
أقول: و في الحديث نكات حسنة تشير إلى ما شرحناه في البيان المتقدم.
و في الكافي، بإسناده عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: إن الله عز و جل إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور، و فتح مسامع قلبه، و وكل به ملكا يسدده و إذا أراد بعبد سوء نكت في قلبه نكتة سوداء و سد مسامع قلبه، و وكل به شيطانا يضله ثم تلا هذه الآية: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام - و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا - كأنما يصعد في السماء:. أقول: و رواه العياشي في التفسير مرسلا و الصدوق في التوحيد مسندا عنه (عليه السلام). و في الكافي، بإسناده عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن القلب يتلجلج في الجوف يطلب الحق فإذا جاء به اطمأن و قر ثم تلا: «فمن يرد الله أن يهديه إلى قوله في السماء»: أقول: و رواه العياشي في تفسيره عن أبي جميلة عن عبد الله بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام).
و في تفسير العياشي، عن أبي بصير عن خيثمة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن القلب يتقلب من لدن موضعه إلى حنجرته ما لم يصب الحق فإذا أصاب الحق قر ثم ضم أصابعه ثم قرأ هذه الآية: «فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام - و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا»:. قال: و قال أبو عبد الله (عليه السلام) لموسى بن أشيم: أ تدري ما الحرج؟ قال: قلت: لا فقال بيده و ضم أصابعه؟ كالشيء المصمت لا يدخل فيه شيء و لا يخرج منه شيء.
أقول: و روى ما يقرب منه في تفسير البرهان، عن الصدوق و روى صدر الحديث البرقي في المحاسن، عن خيثمة عن أبي جعفر (عليه السلام) و ما فسر به الحرج يناسب ما تقدم نقله من الراغب.
و في الاختصاص، بإسناده عن آدم بن الحر قال: سأل موسى بن أشيم أبا عبد الله (عليه السلام) و أنا حاضر عن آية في كتاب الله فخبره بها فلم يبرح حتى دخل رجل فسأله عن تلك الآية بعينها فخبره بخلاف ما خبر به موسى بن أشيم. ثم قال ابن أشيم: فدخلني من ذلك ما شاء الله حتى كأن قلبي يشرح بالسكاكين و قلت: تركنا أبا قتادة لا يخطىء في الحرف الواحد: الواو و شبهها، و جئت لمن يخطىء هذا الخطأ كله فبينا أنا في ذلك إذ دخل عليه رجل آخر فسأله عن تلك الآية بعينها فخبر بخلاف ما خبرني و خلاف الذي خبر به الذي سأله بعدي فتجلى عني و علمت أن ذلك بعمد فحدثت نفسي بشيء. فالتفت إلي أبو عبد الله (عليه السلام) فقال: يا بن أشيم لا تفعل كذا و كذا فبان حديثي عن الأمر الذي حدثت به نفسي ثم قال: يا بن أشيم إن الله فوض إلى سليمان بن داود فقال: «هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب» و فوض إلى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد فوض إلينا يا بن أشيم فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام - و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا، أ تدري ما الحرج: فقلت لا، فقال بيده و ضم أصابعه: هو الشيء المصمت الذي لا يخرج منه شيء و لا يدخل فيه شيء.
أقول: مسألة التفويض إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و الأئمة من ولده و إن وردت في تفسيره عدة أحاديث لكن الذي يدل عليه هذا الحديث معناه إنباؤهم من العلم بكتاب الله ما لا ينحصر في وجه و وجهين و تسليطهم عليه بالإذن في بث ما شاءوا منها، يستفاد ذلك من تطبيق ما ذكره (عليه السلام) في أمر سليمان بن داود من التفويض المستفاد من الآية الكريمة، و لا يبعد أن يكون المراد من تلاوة الآية الإشارة إلى ذلك، و إن كان الظاهر أن المراد به بيان حال القلوب بمناسبة ما ابتلي به موسى بن أشيم من اضطراب القلب و قلقه.
و في تفسير القمي،: في الآية قال: قال: مثل شجرة حولها أشجار كثيرة فلا تقدر أن تلقي أغصانها يمنة و يسرة فتمر في السماء و يستمر حرجه.
أقول: و ذلك أيضا يناسب ما فسر به الراغب معنى الحرج.
و في تفسير العياشي، عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قوله: «كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون» قال هو الشك.
أقول: و هو من قبيل التطبيق و بيان بعض المصاديق.
|