1- لا مفهوم للحياة دون المعاد: إننا نعتقد أن البشرية تبعث بعد الموت مرة واحدة للحساب، ليلقى كل إنسان جزاء عمله، فمن عمل صالحا فالجنة مثواه ومن عمل سوءاً فالنار مسكنه: (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه) النساء/87. (فأما من طغى*وآثر الحياة الدنيا*فأن الجحيم هي المأوى*وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى*فإن الجنة هي المأوى) النازعات/37-41. إننا نعتقد أن هذه الدنيا هي جسر، وعلى الإنسان أن يجتازه ليصل إلى مقره الأبدي، أو بتعبير آخر هي مدرسة لنا أو مزرعة للعالم الآخر. يقول الإمام علي (عليه السلام) عن دار الدنيا: ((أن الدنيا دار صدق لمن صدقها... ودار غنى لمن تزود منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها؛ مسجد أحباء الله، ومصلى ملائكة الله ومهبط وحي الله، ومتجر أولياء الله)). 2- دلائل المعاد واضحة: إننا نعتقد أن دلائل المعاد في غاية الوضوح، ذلك أنه: أولاً: لا يمكن أن تكون الحياة الدنيا هدفاً نهائياً لخلق الإنسان، ليحل فيها أياما عديدة مليئة بالمشاكل ثم يرحل عنها وينتهي كل شيء: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون) المؤمنون/115. ففي هذه الآية إشارة إلى أن الحياة الدنيا ستصبح عبثاً دون المعاد. ثانياً: يتطلب العدل الإلهي فصل الصالحين عن الطالحين لينال كلٌ جزاءه الذي يستحقه: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم ومماتهم، ساء ما يحكمون) الجاثية/21. ثالثاً: تستوجب الرحمة الإلهية الواسعة ألا ينقطع الفيض الرباني والنعمة بعد موت الإنسان، ويستمر التكامل البشري لدى من يستحقه: (كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه) الأنعام/12. والقرآن الكريم يخاطب من يشك في المعاد: (أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد) ق/15. (وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم*قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) يس/78-79. أضف إلى ذلك أن خلق الإنسان ليس بالأمر الصعب بالقياس إلى خلق السماوات والأرض، فالقادر على إيجاد هذا العالم الواسع بما يحتويه من عجائب وغرائب قادر على أن يحيي الموتى: (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يَعيَ بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى أنه على كل شيء قدير) الأحقاف/33. 3- المعاد الجسماني: إننا نعتقد أن الجسم والروح معاً سيبعثان في الآخرة ليستأنفا حياة جديدة؛ لأن العمل الدنيوي تم من خلال الجسم والروح، ولا بد أن يكافأ، أو يعاقب كلاهما أيضاً. إن معظم الآيات القرآنية التي تتحدث عن المعاد تتطرق إلى المعاد الجسماني، حيث رد القرآن على استغراب المعارضين الذين يتشاءلون عن كيفية عودة هذه العظام النخرة إلى الحياة، وقال: (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) يس/79. (أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه * بلى قادرين على أن نسوي بنانه) القيامة/3و4. هذه الآيات وأمثالها تدل دلالة صريحة على المعاد الجسماني، كما أن الآيات التي تتحدث عن البعث من القبور تكشف بوضوح عن المعاد الجسماني. وتشرح أغلب الآيات الخاصة بالمعاد في القرآن المجيد المعاد الروحاني والجسماني. 4- عالم ما بعد الموت: إننا نعتقد أن خفايا عالم ما بعد الموت والقيامة والجنة والنار هي أكثر بكثير مما نتصوره في عالمنا المحدود هذا، وما نعلمه عن ذلك العالم: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) السجدة/17. وجاء في الحديث النبوي: (إن الله يقول: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر). إننا في هذه الدنيا أشبه ما نكون بالجنين في رحم أمه الذي لا يدرك حقيقة الشمس والقمر والهواء والزهور وهدير البحر، حتى وإن كان له عقل وذكاء؛ فهذا العالم بالنسبة لعالم القيامة هو كعالم الجنين بالنسبة لعالم الدنيا. 5- المعاد والأعمال: إننا نعتقد أن صحائفنا التي تكشف عن أعمالنا ستلقى إلينا يوم القيامة، فيؤتى الصالح كتابه بيمينه، والطالح بيساره، فيفرح يومئذ الصالحون ويأسى المذنبون العاصون: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه * إنني ظننت أني ملاقٍ حسابيه * فهو في عيشة راضية * وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه) الحاقة/19-25. ولكن ليس من الواضح لنا كيف تكتب هذه الصحائف التي ليس بوسع أحد إنكارها، ولا نعلم شكلها أو صورتها، وقد أشرنا آنفاً إلى أن المعاد ينطوي على خصائص لا يستطيع الناس في الدنيا فهمها وإدراكها، غير أن مما لا يمكن إنكاره وجود المعاد. 6- الشهود في القيامة: إننا نعتقد أن الله عز وجل يشهد على جميع أعمالنا، كما أن هناك شهوداً آخرين هم أيدينا وأرجلنا وجلودنا والأرض التي كنا نسكن فوقها وغير ذلك: (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) يس/65. (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا، قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) فصلت/21. (يومئذ تحدث أخبارها * بأن ربك أوحى لها) الزلزلة/4 و5. 7- الصراط وميزان الأعمال: إننا نعتقد بوجود الصراط والميزان يوم القيامة، والصراط هو الجسر الذي ينصب على جهنم ليعبر عليه جميع أبناء البشر. أجل، فطريق الجنة يمر عبر جهنم: (وأن منكم إلا واردها كان ذلك على ربك حتماً مقضيا * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) مريم/71 و72. والعبور من هذا الممر الخطير له علاقة بعمل الإنسان نفسه، فقد جاء في الحديث: (منهم من يمر مثل البراق، ومنهم من يمر مثل عدو الفرس، ومنهم من يمر حبواً، ومنهم من يمر مشياً، ومنهم من يمر متعلقاً، قد تأخذ النار منه شيئاً). أما الميزان فهو كما يظهر من اسمه وسيلة لوزن عمل الإنسان؛ ففي يوم القيامة توزن كل أعمالنا لتقيم ونحاسب عليها واحدة فواحدة: (ونضع الموازين بالقسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها، وكفى بنا حاسبين) الأنبياء/47. (فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية) القارعة/6-9. أجل، إننا نعتقد بأن نجاة المرء في ذلك العالم رهينة بعمله، وليس أوهامه وآماله هي التي تخلصه من جهنم، ولا فائدة ترتجى من كل الطرق دون طريق التقوى والورع: (كل نفس بما كسبت رهينة) المدثر/38. ما ذكرناه كان شرحاً مختصراً عن الصراط والميزان، وأما التفاصيل فهي مجهولة عنا، وقد خفيت علينا؛ لأن الآخرة عالم أوسع بكثير من هذا العالم الدنيوي، ومن المشكل أو المستحيل إدراك جميع المفاهيم التي يتضمنها ذلك العالم. 8- الشفاعة في القيامة: إننا نعتقد أن الأنبياء والأئمة المعصومين وأولياء الله يشفعون بإذن الله لبعض المذنبين ليشملهم العفو الإلهي، وهذا الإذن يخصص فقط لمن لم يقطع أواصر علاقته بالله وأوليائه؛ وعليه فإن الشفاعة ليست مطلقة وإنما هي مقيدة بشروط ترتبط نوعاً ما بأعمالنا ونياتنا: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) الأنبياء/28. والشفاعة - كما أشرنا سابقاً - أسلوب تربوي، ووسيلة لمنع الإنسان من الاستغراق في ذنوبه وقطع جميع أواصره وجسوره مع أولياء الله، ولحثه على ترك المعاصي والعودة إلى الله. ولا شك في أن مقام (الشفاعة العظمى) هو لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويأتي بعده سائر الأنبياء والأئمة المعصومون، وحتى العلماء والشهداء والمؤمنون، بل حتى القرآن والعمل الصالح يشفعان لبعض المذنبين. وورد عن الإمام الصادق عليه السلام: (ما من أحد من الأولين والآخرين إلا وهو يحتاج إلى شفاعةمحمد صلى الله عليه وآله وسلميوم القيامة). وجاء في حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الشفعاء خمسة: القرآن والرحم والأمانة ونبيكم وأهل بيت نبيكم). وفي حدث آخر عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (إذا كان يوم القيامة بعث الله العالم والعابد، فإذا وقفا بين يدي الله عز وجل قيل للعابد انطلق إلى الجنة، وقيل للعالم قف تشفع للناس بحسن تأديبك لهم). وفي هذا الحديث أيضاً إشارة لطيفة إلى فلسفة الشفاعة. 9- عالم البرزخ: إننا نعتقد بوجود عالم ثالث بين الدنيا والآخرة يسمى (البرزخ) تذهب إليه روح الإنسان بعد الموت حتى حلول يوم القيامة: (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) المؤمنون/ 100. ولا معلومات كثيرة لدينا عن هذا العالم، سوى أن أرواح الصالحين تستقر في درجاته العليا، وتتنعم بنعم كثيرة: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) آل عمران/ 169. وأن أرواح الظالمين والطواغيت وأنصارهم معذبة كما قال تعالى في حق فرعون وآل فرعون: (النار يعرضون عليها غدواً وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) المؤمنون/46. وهناك طائفة ثالثة بين هذه وتلك، لا يشملها أي من الجزأين، يبدو أنها تدخل في حالة شبيهة بالسبات في عالم البرزخ حتى تبعث يوم القيامة: (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة… وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون) الروم/55 و56. وجاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران). 10- الجزاء المعنوي والمادي: إننا نعتقد أن الجزاء يوم القيامة ينطوي على بعدين مادي ومعنوي، لأن المعاد أيضاً مادي ومعنوي. وما جاء في القرآن المجيد والأحاديث الشريفة عن الجنان: (جنات تجري من تحتها الأنهار) التوبة/89، ودوام الأكل والظل: (أكلها دائم وظلها) الرعد/35، (والأزواج المطهرة) آل عمران/15. وأمثال ذلك من النعيم، وسعير النار في جهنم وعذابها الأليم؛ يقصد منه البعد المادي للجزاء في يوم القيامة. إلا أن الأهم من ذلك هو الجزاء المعنوي الذي يتجسد في أنواء المعرفة الإلهية والقرب الروحي من الخالق وتجليات جماله وجلاله تعالى، حيث يهب الله المؤمنين لذة ما بعدها لذة مما لا يمكن وصفه بلسان أو بيان. وقد ذكرت بعض الآيات القرآنية بعد بيان عدد من النعم المادية للجنان عبارة: (ورضوان من الله اكبر) ثم تلتها جملة: (ذلك هو الفوز العظيم) التوبة/72. أجل، فليس هناك أعظم من لذة أن يدرك المرء أن معبوده قد رضي عنه. ففي حديث للإمام علي بن الحسين (عليه السلام) قال: (يقول الله تبارك وتعالى: رضاي عنكم ومحبتي لكم خير وأعظم مما انتم فيه…). حقاً، ما ألذ أن يخاطب الإنسان: (يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي) الفجر/27-30.
حول المقال
آية الله الشيخ مكارم الشيرازي http: //www. 14masom. com/aqaeed/etarat/68/68. htm