هو الافراط في حب المال، والاستكثار منه دون ان يكتفي بقدر محدود، وهو معنى راتب في النفس، باعثٌ على جميع ما لا يحتاج إليه ولا يفيده من الاموال، من دون أن ينتهي إلى حدٍّ يكتفي به، وهو أقوى شُعَب حبَّ الدنيا وأشهر انواعه، وهو من الصفات الذميمة، والخصال السيئة الباعثة على الوان المساوئ والآثام، وحسب الحريص ذمّاً أنّه كلما ازداد حرصاً ازداد غباءً وغمّاً. ولا ريب في كون الحرص ملكة مهلكة وصفة مضلة، بل بادية مظلمة الأرجاء والأطراف، وهاوية غير متناهية الأعماق والأكناف، مَنْ وقَع فيها ضلَّ وباد، ومَنْ سقط فيها هلك وما عاد، والتجربة والاعتبار والأخبار والآثار متظاهرة على ان الحريص لا ينتهي إلى حدّ يقف دونه، بل لا يزال يخوض في غمرات الدنيا إلى أن يغرق، وتطرحه ارضٌ إلى ارض حتّى يهلك. قال رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله): «لو كان لابن آدم واديان من ذهب، لابتغى وراءهما ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب، ويتوب الله على مَنْ تاب» [جامع السعادات: 1/356]. وقال الإمام الباقر (عليه السّلام): «رُبَّ حريصٍ على أمرٍ قد شقى به حين اتاه، ورُبَّ كارهٍ لأمرٍ قد سَعِدَ به حين اتاه» [جامع السعادات: 1/357]. وأيِّ خسران أشدّ مِن أنْ يسعى الانسان في طلبٍ به هلاكه؟ وأيّ تأمّل في أن كلّما يحرص عليه الانسان من اموال الدنيا يكون مهلكاً له؟!
مساوئ الحرص
من البديهيّ ان الحرص متى ما استبدّ بالإنسان، استرقه وسبّب له العناء والشقاء، فلا يهم الحريص ولا يُشبع جشعه إلاّ استكثار الاموال واكتنازها، دون أن ينتهي إلى حدٍّ محدود، فكلما أدرك مأرباً طمح إلى الآخر، وهكذا يلج به الحرص وتستعبده الأطماع، حتّى يوافيه الموت، فيغدو ضحية الفناء والخسران. والحريص أشدَّ الناس جهداً في المال، وأقلّهم انتفاعاً واستمتاعاً به، يشقى بكسبه وادّخاره، وسرعان ما يفارقه بالموت، فيهنأ به الوارث، في حين شقى هوَ به وحُرمَ من لذته. والحرص بعد هذا وذاك، كثيراً ما يزجّ بصاحبه في مزالق الشبهات والمحرمات، والتورط في آثامها ومشاكلها الأخروية، كما يعيق صاحبه عن أعمال الخير وكسب المثوبات، كصلة الأرحام وإعانة البؤساء والمعوزين، وفي ذلك ضرر بالغ وحرمان جسيم.
علاج الحرص
بعد عرض مساوئ الحرص، علينا ان نعرض مجملاً الوسائل التي يتم بها علاجه، والمعالجة في إزالة الحرص وتحصيل القناعة كالآتي: (1) أن يتذكر اولاً ما في القناعة من المدح والثناء والشرافة وعز النفس، وفضيلة الحرية، وان يتأمل في فضائل القناعة ومحاسنها، مستجلياً سيرة العظماء والأفذاذ، من الانبياء والاوصياء والأولياء، في زهدهم في الحياة، وقناعتهم باليسير منها. (2) ان يتذكر الحريص مساوئ الحرص، وغوائله الدنيية والدنيوية، وإنّ الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وفي الشبهات عتاب، وان يتذكر ما في الحرص من الذم والمهانة وتحمّل الذّلة ومتابعة الشهوة، ويعرف أنَّ مَنْ لا يؤثر عزَّ النفس على شهوة البطن، فهو قليل العقل ناقص الأيمان. (3) أن يتذكر ما في جمع المال من الآفات الدنيوية والعقوبات الآخروية، وان يترك النظر والتطلع إلى مَنْ يفوقه ثراءاً وتمتعاً بزخارف الحياة، والنظر إلى من دونه فيهما، فذلك من دواعي القناعة وكبح جماح الحرص. (4) أن يُكثر التأمل فيما مضى عليه عظماء الخلق وأعزَّ اصنافهم، كالأنبياء والأوصياء ومَنْ سار بسيرتهم من السلف الأتقياء، من صبرهم على القليل وقناعتهم باليسير، وفيما يجري عليه الكفار من الهندوس واليهود والنصارى واراذل الناس واغنيائهم وامثالهم، ومن التنعم وجمع المال الكثير. (5) الأقتصاد المعاشي، فأنّه من أهم العوامل في تخفيف حدّة الحرص، إذ الاسراف في الإنفاق يستلزم وفرة المال والأفراط في كسبه والحرص عليه. قال الإمام الصادق (عليه السّلام): «ضمنتُ لمن أقتصد أنْ لا يفتقر» [بحار الأنوار: 2/199، عن الخصال للشيخ الصدوق].