مأساة كربلاء كانت مأساة عميقة وواسعة وفي كل بعد، ومن هنا نلاحظ انه حينما يتحدث الخطباء عن أي شيء عن التاريخ، عن الماضي، عن الحاضر.. فبإستطاعة المتحدث أن يتحدث عن أي شيئ ثم كربلاء لها علاقة بكل شيء في الحياة. واذا ما أردنا أن نتحدث عن المرأة.. أو الرجل.. أو الطفل.. أو الصغير.. أو الكبير.. أو الوفاء.. أو البطولة.. أو الشجاعة.. أو الارهاب.. أو عن أي صفة حسنة، وعن أي صفة رذيلة. الصفات الحسنة تجدها عند أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) في أروع صورها. فالوفاء يتمثل في أبي الفضل العباس خاصة في تلك اللحظات المريرة قبيل الشهادة، حينما رمى الماء على الماء ولم يشرب حتى جرعة واحدة بعدما تذكر عطش الإمام الحسين (عليه السلام). رغم ان هذا ليس حقاً من حقوق الإمام الحسين (عليه السلام) ولكن هنا تتوضح بجلاء رفرفة الروح في سماء الرفعة والوفاء، هذا مشهد من أرض كربلاء ملهم للانسانية، وهذا أيضاً درس من دروس كربلاء. وفاء القاسم (عليه السلام) كان باستطاعة القاسم أن ينسحب عن الميدان، ومن المعركة بأسرها، فالقاسم لم يكن قد بلغ الحلم والقتال ساقط عنه، ولكن ترى ان روحه روح زكية. وروح زينب الرفيعة تشبثت بالسماء وقدمت مع أخيها الى كربلاء، من أجل أن يبقى دين الله تعالى، ولكن أي شجاعة تلك، انها الشجاعة في طريق الحق.. شجاعة تجللها روح التضحية من أجل الله تعالى. وسمو النفس وهكذا شجاعة سائرالاصحاب (عليه السلام). من هنا كانت كربلاء صيحة في ضمير الانسان الذي سوف يتدرج في الانحراف فجاءت هذه الصيحة وهزت الامة الاسلامية، ولا أستطيع أن أتخيل لو لم تكن واقعة عاشوراء موجودة في الساحة الاسلامية في المجتمع الاسلامي.
هل كان هناك مسلم؟
وهل كان هناك مجتمع اسلامي؟ انني شخصياً لا أستطيع أن أتصور اسلاماً كان يبقى من دون هذه المأساة التي صنعها الإمام الحسين (عليه السلام) بدمه الزكي، وبدماء أصحابه وبسبي نساءه. ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) تجسيد لرسالات الله
مميزات الحركة الالهية
ان كل حركة، وكل ثورة في التاريخ تنطلق من أرضية ثقافية هي قاعدتها ومنطلقها وهدفها، وأبرز ما تتميز به حركة الانبياء عن غيرها انها تنطلق من قاعدة التوحيد، وبعبارة أخرى، انها حركات الهية تستمد شريعتها من الرسالة الالهية، وتستوحي برامجها من تلك الرسالة، ولكن تبقى هذه الكلمة عائمة من دون معرفة جوهر تلك الرسالات السماوية. ان جوهر الرسالات الالهية هي الاتصال بالله تعالى، أي التسليم لله، ثم الايمان به ومعرفته، ومن ثم الاتصال بنوره تعالى. ان أصحاب هذه الرسالات هم قياداتها الشرعية المتمثلة في الانبياء (عليه السلام) والائمة (عليه السلام) وأما قاعدتها فمتمثلة في المؤمنين الصادقين الذين تتصل أرواحهم بنور الله حتى لا تعدوا الدنيا بما فيها من بهارج وزخارف واغراءات وشهوات تثيرهم، فينظرون الى الدنيا نظرة خاصة بهم تختلف عن نظرات الآخرين، فاذا نظر الناس الى الدنيا باعتبارها شيئاً ثابتاً، فهم ينظرون اليها باعتبارها معبّراً خاطفاً وجسراً لهم الى الآخرة، والدنيا بالنسبة اليهم مزرعة الآخرة -كما جاء في حديث الشريف- وكما ان الانسان لا ينوي البقاء في المزرعة، وإنما ينوي أن يزرع فيها شيئاً ثم يحصده ويذهب الى بيته، كذلك هم يريدون أن يجمعوا شيئاً من حصاد أعمالهم في هذه الدينا لتلك الرحلة الطويلة الشاقة التي يجب عليهم أن يسلكوها في الآخرة.. قال الله العظيم: ((وتزودوا فان خير الزاد التقوى)) (197/البقرة). فالدنيا بالنسبة اليهم سويعات تمر بالنسبة الى عمر الزمان. وقال تعالى: ((وان الدار الآخرة لهي الحيوان)) (64/العنكبوت). ولقد حوّلوا التصرف فيما يمتلكون من الدنيا الى أن يأتيهم الموت، فلا ينظرون الى أموالهم تلك النظرة الانانية والذاتية، وإنما المال في أيديهم أمانة، والاهل والاولاد ابتلاء وفتنة، والنعم بالنسبة اليهم بلاء كما النقم بلاء، وكل شيء في الحياة بالنسبة اليهم امتحان وابتلاء واختبار لمدى إرادتهم وصمودهم، فهم لا يقسرون أنفسهم على هذه النظرة قسراً ولا يكرهون عليها ليقبلوها، إنما هي نظرة نابعة من عمق شعورهم ووجدانهم الحي وضميرهم المتيقظ ومعرفتهم بحقيقة الدنيا وحقيقة الآخرة، وهذا الشعور وهذه المعرفة بدورها ناشئة باتصال أرواحهم بنور الله سبحانه وتعالى. حينما نقول اتصال أرواحهم بنور الله، فان هذه الكلمة لا تفي بما تريد أن تعبر عنه، لان هذا الموضوع بالذات ليس مما يعبر عنه بكلمات أو بألفاظ، كيف نعبر عن النور لمن لم يجد النور، بل كيف نعبر عن النور لمن وجد النور، وأكتشفه ووصل الى كنهه. ان أية كلمة لا تستطيع أن تكون أوضح تعبيراً من وصول هذا الانسان الى النور ذاته، أما الذي لم يصل الى النور ولم يهتد اليه فانه كالاعمى، كلما فسّرت له كلمة النور كلما ازداد غموضاً عنده. وابتعاداً عن فهم حقيقة النور، ويسأل ما هو النور؟ وكذلك حينما نقول الاتصال بالله فان كل انسان قد وجد لحظات من الاتصال النوراني في حياته لا أقل لحظات العسر الشديد.. أو لحظات الانقطاع عن الدنيا.. أو لحظات التبتل.. وفي تلك اللحظات عرفنا ونعرف ماذا يعني الاتصال بالله. ماذا يعني الاتصال بالله؟ ان الاتصال بالله يعني، ان الانسان في تلك اللحظات لا يجد شيئاً أفضل عنده من الله سبحانه وتعالى، يحبه حباً عميقاً، وهو لا يستطيع أن يسأل نفسه لماذا؟ لانه ينسى نفسه في تلك اللحظات التي تتصل روح البشر بنور الله سبحانه وتعالى. ان الانبياء (عليه السلام) والأئمة والاولياء والصالحون، في أغلب أوقاتهم-ان لم تكن كل أوقاتهم-يعيشون هذه الحالة، فقلوبهم بين أصابع الرحمن، ونفوسهم معلقة بعرش الله، فتراهم يعيشون مع الناس ولكنهم في الواقع يعشون مع الله. يقو ل الإمام علي (عليه السلام): ((ما رأيت شيئاً، إلّا ورأيت الله قبله ومعه وبعده)). ((والله لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً)).
حالات العارفين
جاء رجل شاب الى النبي (ص)، واذ به أصفر اللون، غائر العينين، ووجده في حالة غريبة، قال: ياهذا مابك؟ قال: يارسول الله: انني لا أستطيع أن أنام، لاني أسمع دائماً حسيس النار، وأرى نعيم الجنة وأجد نفسي دائماً أمام ربّي، فحينما ذهب الشاب، قال: النبي (ص) لاصحابه: ((هذا عارف فعلاً.. وصدق هذا الفتى)). وفي احدى الحروب الاسلامية، أسر المسلمون جندياً من جنود العدو، فاستعبدوه فجلس بينهم قال: الى ما تدعون؟ قالوا: ندعوا الى ربّ العالمين خالق السموات والارضين والذي فطرهن وهو بكل شيء عليم، قال: ومن ربّ العالمين؟ قالوا: ان علمه وقدرته وتدبيره محيطة بكل شيء، فحينما وصفوا الله له تجلى ربه لقلبه فغمر قلبه نور الايمان. واتصل بالرفيق الاعلى. فاتصل قلبه قبل أن يتصل جسده، وتغيرت حالاته، قال اعطوني برامج دينكم ومناهجه وشرائعه وأحكامه قالوا له، الصلاة، القرآن، فأخذ يصلي، وحين الطعام دعوه للغذاء رفض أن يأتي، ولم ينم الليل وهو جالس في حالة غريبة، قالوا له: نم وارتح، قال وهل يستطيع أحد أن ينام أمام الله جبار السموات والارض خالق كل شيء، لا أستطيع أن أنام، ولا أستطيع أن آكل، فبقى ثلاثة أيام دون أن يأكل أو يشرب أو يرتاح الى أن توفاه الله برحمته. هذه حالات العارفين بالله حق معرفته، فهل نحن منهم؟! يقول الإمام علي (عليه السلام): ((لولا أن المؤمنين قد قدّر الله لهم آجالاً محددة تحلقت أرواحهم الى الله شوقاً اليه، وخوفاً من ناره، ورغبة في جناته))
طبيعة العرفان
هذه هي طبيعة العرفان، المعرفة بالله حق المعرفة وأؤكد على كلمة المعرفة، وكذلك الاتصال بالله تعالى، التي عبرت بها عن هذه الحالة لا تستطيع أن تكشف من حقيقة ما أريد أن أقول، لذلك يصبح هؤلاء مشتاقين الى لقاء الله سبحانه وتعالى، في كل ساعة، وكل يوم، وفي كل حين، وفي أي مكان، متى ما ينتهي وقت الاختبار في الدنيا وننقل الى الآخرة. حيث نعيم الله وجنانه، فهم ليسوا واثقين من أنفسهم، لانهم يتهمونها دائماً، ولكنهم واثقون من رحمة الله ومغفرته لانهم عرفوا الله، وعرفوا ان الله لا يخيب ظنهم، وعرفوا انّ الله سيغفر لهم ذنوبهم حينما يتوفاهم. ((الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة)) فالملائكة تستبشر بأرواح الصديقين، وأرواح الشهداء، وأرواح الاولياء، فتستقبلهم في أول لحظة من لحظات انتقالهم من الدنيا الى الآخرة، ولذلك جاء في الدعاء: ((واجعل خير أيامي يوم ألقاك)). ذلك اليوم هو خير أيام حياتهم لانهم أنهوا الامتحان وانتهت الصعاب وجاء وقت الجزاء، الذي لا ينتهي، وهل هناك جزاءٌ أفضل من رضى الخالق سيدنا والهنا وحبيب قلوبنا الذي ننتقل اليه، ان هذه الحالة، وهذا الاتصال يعطيهم الامل والاستقامة.
ماذا تعني الاستقامة
ان الاستقامة صعبة على أولئك الذين ليسوا متصلين بروح الله، ولا بنروه، أما بالنسبة الى المؤمنين فيضحكون ويستبشرون بما أتاهم، ولا يعني الضغط بجميع أشكاله وألوانه شيئاً بالنسبة اليهم، فيتمثل أحدهم أمام الحجاج بن يوسف الثقفي، ويقول: كيف أقتلك؟ فيجيبه: ياهذا أنظر لنفسك واختر أنت كيف تريدني أن اقتلك في يوم القيامة!! فتجاوز كل عقبات الخوف والارهاب، وقال ورأى المستقبل في يوم القيامة، لان يعلم أن الحجاج لا يملك شيئاً، وان هذا الظالم إنما يقضي في هذه الحياة الدنيا، كما قال السحرة التائبون الذين كانوا حول فرعون: قال الله تعالى: ((فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا)) (72/طه). ان هذه هي حقيقة الاتصال بالله، ولهذا فترى أصاحب الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، كما جاء في الاحاديث لم يكونوا يشعرون بحر الحديد، وفي الواقع ان أجسامهم لم تتبدل الى أجسام أخرى تحس بتعذيب الظالمين، ولكن شوقهم الى الجنة، واتصال أرواحهم بنور الله تعالى، جعلهم لا يتأثرون بثقل الحديد، ولا بالقتل الشنيع. أحدهم كان في أتون المعركة وفي حر الصحراء الشديد، والاعداء محيطون به يرشقونه بالنبال كوابل المطر، وجراحاته تنزف وتقطر دماً، ومع ذلك ينظر الى السماء ثم يقول يا أبا عبد الله هذا وقت الصلاة وأريد أن أصلّي آخر صلاة لي وراءك يا أبا عبد الله.. ما هي هذه الروح؟ في أشد لحظات حياته لا ينسى الصلاة، بل ولا ينسى مستحباتها، ويريد أن يصلي الصلاة جماعة، فيقول له الإمام الحسين: أحسنت ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين، فبشره بأنه يحتسب عند الله تعالى من المصلين، فوقف الإمام الحسين في يوم عاشوراء بعد أن قتل أصحابه يصلي صلاة الظهر. هؤلاء هم الصفوة الذين اتصلت أرواحهم بنور الله، فمنحهم الله الاستقامة، والحركات الاسلامية اليوم الذين يريدون تحرير بلادهم وشعوبهم بل وسائر الجماهير من رجس الطغاة والانظمة الفاسدة، عليهم أن يحرروا الانسان من الجبت والانحرافات العقائدية، ومن الغفلة، والنسيان، ومن حب الدنيا، ومن التورط في الشهوات. والحركات الرسالية تتحمل صعوبات أكبر، لان أهدافها أكبر، ولانها لا تريد فقط تحرير الارض، بالرغم من ان تحرير الارض شيء عظيم، ولكنه ليس الهدف الاساسي، وإنما الهدف هو تحرير الانسان، وهذا الهدف لا يتحقق الا بعد ازالة الطغاة، ولكن لا يعني ذلك ان هذا هو الهدف الاول والاخير، فيحررون الارض ويحررون الانسان، بل وقبل ذلك وأهم من ذلك أن يحرروا أنفسهم من ضغط الشهوات، ومن أغلال النفس وقيود الجبت. ان الجهاد في سبيل الله تعالى، والصراع مع الاعداء ينعكس على النفس البشرية، فالانسان الذي يجاهد في سبيل الله تعالى مخلصاً يكون الجهاد بالنسبة اليه معراجاً يعرج بروحه الى الله تعالى. ((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)) (69/العنكبوت). ان الذين يجاهدون في سبيل الله، يعرفون الطرق المؤدية الى الله سبحانه وتعالى، وهذا هو هدف الانبياء (عليه السلام)، وفي كربلاء نجد نماذج من هذه الاستقامة، ومن هذا النوع الجهاد، وأبعاد استقامة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء من خلال قراءة دعاء عرفة والتدبر فيه، وخصوصاً في كلمته التي يقول فيها: ((فان لم تكن غضبت عليّ فلا أبالي سبحانك غيرك ان عافيتك أوسع لي)). والعافية أحسن من المرض، والسلم أفضل من الحرب، والامن أفضل من الخوف، ولكن ليس هذا هو الهدف الأساسي، إنما الهدف الاساسي هو الرضا، جاء رجل للامام جعفر الصادق (عليه السلام) وقد سأله الإمام: كيف أصبحت؟ فقال: ((يابن رسول الله أصبحت والمرض أحبّ اليّ من الصحة والفقر أحبّ اليّ من الغنى، والخوف أحبّ اليّ من الامن)) فقال له الإمام (عليه السلام): (أما نحن فلسنا كذلك) فقال الرجل: كيف؟ قال الإمام (عليه السلام): (نحن اذا أراد لنا الله الخوف، فالخوف أحب الينا من الامن، واذا أراد لنا الامن، فالامن أحب الينا من الخوف، واذا أراد لنا العافية، فالعافية أرضى لنا، واذا أراد لنا المرض، فالمرض أرضى لنا، ما يريده الله نحن نريده، أو نحبه). هذا معنى كلام الإمام الحسين في دعاء عرفة، وهو هدف يجب أن نضعه نصب أعنييا دائماً. الإمام الحسين (عليه السلام) القدوة والمثال الرسالي. ان الذي يقرأ دعاء عرفة ويتدبر فيه، ويقرأ خطاب الإمام الحسين (عليه السلام) في مكة المكرمة، وفي المدينة، ورسائله الى العلماء التي بعثها، ربما يكتشف جانباً بسيطاً من شخصيه الايمانية ويعرف لماذا كان الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء يفقد أعزّ أصحابه، وأعز أنصاره وهو يحبهم ويشفق عليهم ولكن مع ذلك حينما فقد كل أصحابه ومعظم أهل بيته وحتى طفله الرضيع، حمل على القوم يقول حميد بن مسلم: (فو الله ما رأيت مكسوراً قط قتل أصحابه وأبناؤه وأهل بيته أربط جأشاً منه). فقد كل شيء في الحياة ولكنه لم يفقد شيئاً واحداً هو أهم الاشياء، وهو الله سبحانه وتعالى، فدخل الإمام الحسين (عليه السلام) المعركة وكلما قتل أحد يقول: ((الله أكبر)) ويرفع صوته بالتكبير لكي تعرف نساؤه وأهل بيته من الخيام أنه لا يزال حياً، لانه أمل النساء والاطفال والأرامل واليتامى الذين لم يكونوا-آنئذ-يملكون أحداً غير الإمام الحسين وكل من كان يقتل ويستشهد في المعركة كانت تقول زوجته الارملة، وأولاده اليتامى، لابأس ان قتل أبونا أوقتل أخونا وقتل أزواجنا مادام الإمام الحسين (عليه السلام) موجود، هو سبيلنا الفريد والعماد الذي نأوي اليه، لذلك كان يرفع صوته لهم بالتكبير وهو يخوض تلك اللجج من جيوش الاعداء الذين أحاطوا به من كل جانب، والبعض قال ان عددهم (30 ألف مقاتل، وقال البعض ان عددهم نصف مليون) ولكن حينما تتصور (30 ألف فارس مسلح) أمام رجل واحد هو الذي يحاربهم، وينكشفون أمامه انكشاف المعزى عن الاسد، انه لشيء عجيب!!. وهنا لا نريد أن نبحث كل الجوانب المأساوية في قضية الإمام الحسين (عليه السلام) وكيف رضخ بالحجارة، ورمي بالسهام، وضرب بالسيوف، وقد قاموا بكل الاعمال غير الانسانية، والجرائم بحق الإمام الحسين (عليه السلام) ومع ذلك كشف القوم حتى دخل المشرعة، يقول الرواة: (كان هو عطشاناً فأدخل الفرس رأسه في الماء ليشرب الماء فقال الإمام الحسين (عليه السلام) أنت عطشان وأنا عطشان فاشرب الماء، وكأن الفرس أحس بذكاءه الخاص ونباهته وخصوصاً الفرس العربي الاصيل، وفرس الإمام الحسين (عليه السلام) كان فرس النبي (ص)، فرفع الفرس رأسه من الماء، والذي اغترف الإمام الحسين- (عليه السلام) -مقداراً من الماء ليشرب، فقال له رجل: يا أبا عبد الله أتشرب الماء والخيل أحاطت بحرمك!! رمى الماء، وعاد ليتأكد من سلامة حرمه، فكشفهم عن حرمه ثم عاد الى المعركة، وعادوا مرة أخرى، وهكذا كلما انهزموا أمامه عادوا الى حرمه، ليهددوه بأسرهم، فيعود الى حرمه لا يعرف هل يحارب أم يدافع عن حرمه وهو يمنى الارامل واليتامى في مخيمه بالماء. عندها رضخوه بالحجارة فأصابت حجارة جبهته الكريمة كما أصاب السهم مرة جبهته، ثم أصيب اصابات بالغة). يقول الرواة: (في اللحظات الاخيرة من حياة الإمام الحسين- (عليه السلام) -تعرض جسده بما لا يقل عن مائة ضربة من مختلف الاسلحة، وجسمه الشريف أصبح كالقنفذ من كثرة نبت السهام عليه، لكن مع كل ذلك وفي كل تلك اللحظات يقول: ((هوّن عليّ ما نزل بي بعين الله). ان الإمام الحسين (عليه السلام) حينما يقول ((الله أكبر)) فان قلبه يتجدد استقامة وصبراً وصموداً، وحينما هوى الى الارض لا يجد كلمة يعبر بها عن واقعه إلا تلك الكلمة التي تكشف طبيعته وشخصيته وتصبغ حركته كلها بصبغة الايمان قال: ((رضاً برضاك، لا معبود سواك)). هذه هي الكلمة الوحيدة التي قالها الإمام الحسين- (عليه السلام) -في تلك اللحظات يقول المؤرخون: حينما وقع الإمام الحسين (عليه السلام) وبه تلك الجراحات الكثيرة وحوله الاعداء، جمع حفنة من التراب جعلها كالوسادة، ووضع رأسه عليها وأخذ يناجي ربه وكأنه في طرف والدنيا كلها في طرف آخر، ولا يهمه إلا كسب رضا الله سبحانه وتعالى.. ليؤكد مسيرته الالهية الخاصة.