ماذا نستلهم من شهادة الحسين (عليه السلام)؟
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » ماذا نستلهم من شهادة الحسين (عليه السلام)؟

 البحث  الرقم: 165  التاريخ: 5 ذو القعدة 1429 هـ  المشاهدات: 5288
قائمة المحتويات

ماذا نستلهم من شهادة الحسين (عليه السلام)؟

فإذا كانت الشهادات أوسمة رفيعة على صدور أصحابها يعلوها جميعاً وسام الإمام الحسين الأوّل، ترى ما الذي نستفيده ونستلهمه ونستوحيه من معانيها؟
إن من رام في حياته تحقيق أهداف سامية، وبلوغ نتائج عظيمة لابد له من بذل الجهود، وترويض النفس على الإيمان كي تتهيأ بذلك مقدمات بمستوى تلك الأهداف والنتائج السامية؛ فمن رام بلوغ القمم السامقة لابد أن يوجد في نفسه العزيمة والحيوية الكافيتين، وبدون ذلك لا يمكن تحقيق النتائج العظمى.
والذي أريد تأكيده هنا فيما يتعلق بنا -نحن المسلمين- في جميع أنحاء العالم، هو إننا لا ينبغي أن نركز ونؤكد فقد على تلك اللحظات الأخيرة من حياة سيد الشهداء (عليه السلام)، فعلينا اليوم أن نفهم وندرك معاني حركة الإمام الحسين (عليه السلام) وحياته وأهدافه، ونعي معها تلك البصائر التي وضع ورسم خطوطها أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) بدمه وجهاده ورسالته الثورية، فلابد لنا من التركيز على هذه البصائر وامتداداتها وأبعادها الواسعة. فنحن حينما نسأل الله وندعوه أن يرزقنا حسن العاقبة، ويوفقنا إلى عاقبة كعاقبة الحسين (عليه السلام) فعلينا أن نهتم بالبداية الحسنة، والبادرة الطيبة، وإلا فإن الهدف ليس سهل المنال كما قد يتصور أحياناً.

تربية الجيل الحسيني

وبمعنى آخر: إذا أردنا أن نبني مجتمعاً حسيني السمة والمنهج والمسيرة، ويتحدى الظلم، ويقارع الإرهاب، ويقاوم الاستبداد، ويقف متحدياً كل المؤامرات والدسائس الاستعمارية، فليس لنا طريق إلى ذلك غير أن ننشأ ونربي جيلاً حسينياً من كل جوانبه، متسلحاً بمبادئ الرسالة والثقافة الحسينية، ومستلهماً منها. فثقافة الحسين (عليه السلام) هي ثقافة القرآن أيضاً، وثقافة أبيه وجدهh، وهي تجسيد حي للثقافة التي تضمنها نهج الجهاد والرسالة والحياة.
ونحن اليوم إذا وجدنا أن هناك في بلد ما نظاماً طاغوتياً متسلطاً، فلنعلم أن من المحال أن يكون هذا البلد قرآنياً، فلابد أن تكون قد حدثت قطيعة بين شعب هذا البلد وبين القرآن الذي تراه مصفوفاً على الرفوف يرقد عليه الغبار والتراب؛ وهذا الواقع المأساوي المرفوض ليس ببعيد عنا، أفلا يكفي أن يكون القرآن في متناول أيدينا وأسماعنا ثم بعد ذلك كله تجد ثقافاتنا بعيدة كل البعد عن ثقافة القرآن؟ أفلا عدنا من جديد إلى ألف باء الإسلام، وإلى تلاوة جزء عمّ وتبارك؟ فالذي يقود حركة الشعوب ونهضتها نحو التحرر والاستقلال والكرامة هو البصائر والرؤى والثقافات التاريخية العريقة التي بنت أمجاد الأمم والتي لا نراها غير البصائر والثقافات القرآنية.
بعد هذا كله دعونا نعود إلى البداية وننطلق منها ثانية، هلموا بنا نربي وننشأ أجيالنا وأطفالنا على تلك الرؤى والبصائر القرآنية؛ على نهج النبي الأكرم وأهل بيته وما رسموه لنا من خطوط في العمل والمواقف والسياسات.
إذن لابد لنا من أن ننهض نهضة قرآنية حسينية حقيقية تتجسد في واقع حياتنا المعاش، فعندما نتلو القرآن يجب أن نتلوه تلك التلاوة التي تحوّله إلى جزء من حياتنا وواقعنا. فهذا هو كله ما يجب أن نتخذه محوراً في حياتنا كمسلمين حقيقيين، ومؤمنين رساليين، وبذلك تتحول مجتمعاتنا إلى مجتمعات حسينية.

الشعارات وحدها لا تكفي

إن أولئك الذين يريدون أن تبرز الثورات إلى الوجود بمجموعة من الشعارات والتظاهرات، فإن هؤلاء يتصفون بنوع من السذاجة السياسية وتجاهل الحقائق، وقد آثروا نوعاً من العودة إلى حالة الراحة والاسترخاء، في حين أن الثورة هي مسيرة صعبة وعرة، لأن الذي يتصدى لمسؤوليتها، وينطلق في ركابها إنما يريد أن يحدث تغييراً وانقلاباً كبيرين.
إن العالم الإسلامي يعيش اليوم صحوة إسلامية، وهو مستعد اليوم للقيام بالثورات، لكن هذا الاستعداد كما يبدو لي يشبه الذي حدث في سنة (1920) من هذا القرن، فقد كانت هناك أيضاً صحو إسلامية وربما على نطاق عالمي، لكن هذه الصحوة لا تبقى دائماً ولا تتوَّج بالانتصار في جميع الحالات.
فلابد -إذن- أن يكثف علماء ومفكروا الأمة الإسلامية من جهودهم، ولابد أن يخططوا بكل ثقة وجدية وإخلاص، ويحشدوا طاقاتهم الفكرية في صياغة وبناء استراتيجيات ثقافية ثابتة لهذه الأمة، أما إذا كانت المسيرة كلاسيكية منسجمة مع واقع تاريخ الأمس فإننا لن نجني إلا ما جنوا؛ أي إن الواقع السلبي سيتكرر بطريقة أو بأخرى.
علينا -إذن- أن نطوي ذلك الماضي، ونبدأ من جديد نهضة وانطلاقة جديدة من هذا المضمار، فها هي البصائر الإلهية التي يجب أن تترسخ في قلوبنا، وتتكرس في نفوسنا وأرواحنا، وإن ما يجري ويدور اليوم هنا وهناك من محاولات، وما يبذل من جهود لترقيع ولملمة الساحة دون الالتفات إلى ضرورة إيجاد محاور حقيقية تفجر الساحة، وتحولها إلى ميدان حسيني، كل ذلك لا أراه إلا تضييعاً للجهود والفرص، وأعمالاً عابرة لا تجدي نفعاً، وهي إن أثمرت فإن ثمارها لا تُسمن ولا تغني من جوع.
إننا لا نستطيع أن نستجدي نصراً، أو نسترد حقوقاً من خلال اتكالنا على منظمات حقوق الإنسان وغيرها.. وهل تتوقع خيراً وفرجاً يحققه لنا أولئك الذين فعلوا ما فعلوا بنا بالأمس القريب، أولئك الذين قتلونا وعذبونا، وأبعدونا عن ديارنا وأوطاننا، ومزقونا كل ممزق، ثم بعد ذلك كله نطلب العون ونستجدي المناصرة منهم؟!
إنها سذاجة أن نفعل ذلك، وإنها لتعاسة نحن نعيش فيها عندما غدونا نتشبث بهؤلاء الشراذم فنهرب منهم إليهم، ونعوذ من غضبهم برحمتهم، وقد نسينا أن ربنا تعالى هو الأحق بالهرب منه إليه.
إن الموضوع المهم الذي أريد الإشارة إليه هنا أن الحق يؤخذ ولا يعطى. فنحن لا ننال الحق إلى بوعينا وتخطيطنا الهادف وإستراتيجيتنا الحكيمة من خلال تفجير ثورة حقيقية.
إذن فنحن بحاجة إلى عودة لتلك الجذور والأصول الخيرة، كما أن المسيرة بحاجة إلى جهود وطاقات لا تنضب ولا تكل من الحركة المستمرة، والعطاء المتواصل.

الروابط
الأشخاص: آية الله السيد محمد تقي المدرسي [المترجم]
مواقع الإنترنيت: الموقع العالمي للدراسات الشيعية
مفاتيح البحث: الثورة الحسينية،
الإمام الحسين (عليه السلام)،
أهداف الثورة الحسينيه،
كربلاء وحقوق الانسان،
المجتمع الإسلامي

الفهرسة