الحكم الشرعي لزيارة الحسين (عليه السلام): الشيخ محمد البحراني: هل ترون وجوب زيارة الحسين (عليه السلام) أم استحبابها؟ السيد الأمجد: أما وجوب زيارة الحسين (عليه السلام) فالظاهر عدمه، وما ورد بلفظ الوجوب (1)، محمول على الثُّبوت وتأكد الاستحباب، لمعارضتها للروايات الكثيرة الدّالة على جواز التَّرك. والاحتياط في الدين لا ينبغي تركه خصوصاً في زيارة هذا السيد الطاهر (عليه السلام)، لا سيَّما بالنسبة إلى أهل اليسار، ولو في العمر مرة. أفضل الزيارات له (عليه السلام): محمد خان: زيارة الحسين (عليه السلام)، أي من الزيارات عندكم أفضل؟ الشيخ الأوحد: الذي عندي، أنّ الزيارة بجميع الأئمة المعصومين (عليه السلام) من القرب والبُعد سواء، بكل زيارة. وصلاة الزيارة في جميع ذلك متأخرة عن الزيارة. ولكن من أراد الأفضل فيحتاط، كما قيل في زيارةعاشوراء من بُعد: أنّ الزائر يصلي قبل الزيارة ركعتين، ثم يزور، فإذا وصل اللعن صلى ركعتين قبل اللعن والتسليم، فإذا أتى بهما صلى ركعتين بعد الفراغ من الزيارة كلها قبل السجود، فإذا سجد صلى ركعتين، ولا باس بهذا. ولكن المعروف في البُعد والقرب، إذا فرغ من الزيارة كلها - قبل أن يسجد - صلى ركعتين، ثم يسجد ويقرأ الدعاء. نظره (عليه السلام) إلى زواره من تحت العرش: الشيخ محمد البحراني: ما يقول سيدنا في الضرائح المقدسة. هل هي قبورهم أو حفرهم، كما ورد في شأن الحسين (عليه السلام): (أنه لم يبقَ إلا ثلاثة أيام، ثم صعد إلى الملأ الأعلى تحت العرش، ينظر إلى زواره) السيد الأمجد: لا شك أنّ الضرائح المقدسة والمشاهد المنورة هي قبورهم ومحل أبدانهم وأجسامهم، ومجل نظر أرواحهم وأشباحهم، وإنّ الزوار يقصدونهم فيها كل مكان. وأنه ينزل على قبر الحسين (عليه السلام) كل يوم سبعون ألف ملك، لِيَزورونه ثم يصعدون وينزل فوج آخر (2). وأنّ الأنبياء يزورونه بشهده في كربلاء، ولا سيّما ليلة النصف من شعبان. ويأتي لزيارته مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي، فيهم أولوا العزم، ويصافحون زواره (3). فلو كان الحسين (عليه السلام) بجسده في السماء، كان نزول الملائكة وأرواح الأنبياء في كربلاء لزيارته (عليه السلام) عبثاً، لتمكنهم منه في الملأ الأعلى. وهذا ليس إلا لأن مقره (عليه السلام) في قبره، مع أن الحديث الوارد في هذا المعنى ليس خاصاً بالحسين (عليه السلام) - وإن ورد فيه أيضاً - بل هذا الحكم لكل نبي وشهيد وصدّيق، حتى المَلِل العادل. مع أنك سمعت أن نوحاً أتى بعظام آدم من مكة المشرفة إلى النجف الأشرف، ودفنه فيها. وأن موسى (عليه السلام) أخرج بدن يوسف من شاطئ النيل، ودفنه في بيت المقدس، وبينهما سنون عديدة، مع أن الوارد أنه لا يبقى في قبره أكثر من ثلاثة أيام، أو أربعين يوماً (5)، والواقع بخلافه. فمراده (عليه السلام) من عدم بقائهم في القبر، وأنه يصعد بهم إلى السماء، أمر آخر، وهو أن الإمام أو النبي عليهم السلام لما ظهروا في الدنيا، ما ظهروا بالصورة التي خلقهم الله عليها، لأن الرعية لا يمكنهم النظر إليهم، وهم عليهم السلام إنما أتوا لانتفاع الخلق منهم. فتلبّسوا بلباس الرعية، وتصوروا بالصورة اللائقة لمشاعرهم وعقولهم، حتى يتمكن الرعية من الاستفادة بنورهم، فهم عليهم السلام ما داموا في هذه الدنيا، متلبسين ذلك اللباس ومتصورين بتلك الصورة العرضية المناسبة لأهل الأرض. فلما ارتحلوا وانتقلوا من هذه الدار، فلا فائدة لتلك الصورة، والتلبس بذلك اللّباس، لأنها أمر عَرَضي للغير، فلما صاروا في القبر، خلعوا ذلك اللّباس عنهم، وارتفعوا عمّا كانوا ظاهرين به للناس. وذلك الارتفاع (بنزع ذلك اللّباس) هو السماء، التي ورد أنهم يصعدون إليها، وإلا فهم في قبورهم وحفرهم، لكنهم لا يشاهدهم أبصار أهل الدنيا، لارتفاعهم عن مداركهم وأبصارهم، إلا في بعض المقامات، لإظهارهم المعجزات والكرامات، فإنهم يظهرون لهم، إما بتقوية ابصار الناظرين، أو بتصوّرهم عليهم السلام بصورهم.
زيارته (عليه السلام) تزيد في الأعمار والأرزاق
قال الشيخ الأوحد في شرح الزيارة الجامعة ج4/ص296: أن زيارة الإمام (عليه السلام) تزيد في العمر والرزق، ففي كامل الزيارات، لجعفر بن محمد قولويه، بسنده إلى محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: مُروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين بن علي (عليهم السلام)، فإن إتيانه يزيد الرزق، ويمدّ في العمر، ويدفع مدافع السوء، وإتيانه مفروض عل كل مؤمن، يقرّ للحسين (عليه السلام) بالإمامة من الله. (5) وفيه بسند عن منصور بن حازم قال، سمعناه يقول: من أتى عليه حول لم يأت قبر الحسين عليه السلام، أنقص الله من عمره حولاً، ولو قلت: أن أحدكم ليموت قبل أجله بثلاثين سنة. لكنت صادقاً، وذلك لأنكم تتركون زيارة الحسين، فلا تدعوا زيارته، يمد الله في أعماركم، ويزيد في أرزاقكم. وإذا تركتم زيارته، نقّص الله من أعماركم وأرزاقكم، فتنافسوا في زيارته، ولا تدعوا ذلك، فأن الحسين شاهد لكم عند الله، وعند أمير المؤمنين، وفاطمة (عليهم السلام). (6) والزيادة فيهما، على حسب مصلحة الزائر، فربما يزور الحسين (عليه السلام) ويموت، وذلك لأنه ربما علم الله أن رزقه انقطع، وانتهى أجله، فلما عَزِمَ على زيارته (عليه السلام) مدَّ الله تعالى فيهما له، على حسب مصلحة العبد. فقد يكونان إلى أثناء الطريق، وقد يكونان إلى أن يصل، أو قبلهما، أو بعدهما، وفي جميع الأحوال، يُكتب له ثواب نيته، إن عَزِم على مرة أو مرّات، أو أبداً ما حيي. ومن ترك زيارته، نقص من عمره ورزقه، فإذا وجدت تاركاً لزيارته وعمره طويل ورزقه كثير، فهو: آثار ترك زيارته (عليه السلام): الاحتمال الأول: إما أن يكون المكتوب له في اللوح - بحسب خلقته - كثيرا في الرزق، طويلا في العمر، وهو ما قال تعالى في كتابه: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ} (الأعراف: 37)، وهذا النصيب هو المكتوب لهم بمقتضى الكون. وأما ما يحتمل الزيادة والنقصان فيهما، فهو ما كان بمقتضى الأعمال، وزيارته (عليه السلام) من أعظم الأعمال المقتضية لذلك، ولو زاره (عليه السلام) هذا لطال عمره وزاد رزقه أعظم من حين ترك. والاحتمال الثاني: إما أن يكون قد عمل بعض العمال الصالحة الموجبة لزيادتهما، كصلة الأرحام مثلا، وربما يكون تركه لزيارته (عليه السلام) عذرا، فلا يكون موجباً للنقص فيهما. والاحتمال الثالث: إما أن يكون إنما ترك لعُذرٍ، وإنْ لم يطَّلِع عليه غيره من الناس، وأمثال ذلك. وهذا الذي ذكرناه - من أنّ زيارة الحسين (عليه السلام) كذلك - لم يكن مختصاً به، بحيث لا تكون زيارة فبور الأئمة (عليهم السلام)، بل كلما جرى لأولهم يجري لآخرهم، وقد ورد في زيارةالرضا (عليه السلام) ما يقرب من ذلك. نعم.. إنما الأسباب الخارجة لها في شأنهم صلى الله عليهم تأثير بزيادة الأجر والجزاء، وتفاوتهم في الزيادة لا يستلزم النفي، لأنّ الأصل التساوي، فافهم. الشيخ محمد البحراني: ما معنى (أيام زائريه (عليه السلام) لا تعدُّ من آجالهم) (7)، وإنّا وجدنا من يموت في أيام الزيارة. السيد الأمجد: اعلم أنّه يظهر من فحوى بعض الأخبار، بأنّ زيارة الحسين (عليه السلام) تزيد في العمر ثلاثين سنة (8). وجوابه، أن مقتضى الزيارة كذلك - أي: أن يكون يزاد في عمر زائريه ثلاثين سنة،
أيام زيارته (عليه السلام) لا تعدُّ من الآجال
وأن أيام زائريه لا تُعَدُّ من آجالهم - لأنه بزيارته (عليه السلام) قابل فوارة النور، واستنار بظاهره وباطنه، وسره وعلانيته، مع كثرة الأنوار المشرقة من تلك الرّوضة المشرَّفة، من الكرامات الإلهية، وأنوار الأنبياء - من زواره - ونور نبينا صلى الله عليه وآله، وأهل بيته عند زيارته (عليه السلام)، ونور الملائكة المقربين، والصّلحاء والشهداء والصدّيقين. فتحفُّ به الأنوار من كل جانب، فتزول بذلك ظلمة معاصيه، وظلمة الفساد في مزاجه، إذ مع هذه الأنوار القوية العظيمة، لا يبقى للظلمة قرار، إذا كانت عرضية، وأما الذاتية فلا. فتقوى بذلك بنيته وتصلح سريرته، ويرفع دواعي النقصان من كل جهة، ويأتي أسباب الكمال. فيجب في الحكمة تقوية البنية، وتطويل العمر، كما إذا أكل الأسير، ومعجون المفرح الياقوتي. وتأثير هذا لورودٍ في تقوية البنية، ودفع الغرائب، لا يقاس بالمعاجين المقوِّية، المصنوعة من أنواع الجواهر والمرِّحات والمقوِّيات. فحينئذ، يجب ما ورد في الأحاديث، من طول العمر، وقوة القلب، وظهور جوامع الكمال والجمال. ولكن يعرض أمران، كل واحد منهم مستقلّ في قِصَرِ عمر الزائر: أحدهما، أنه بذلك يكون حبيباً لله سبحانه، وقد ورد عنهم عليهم السلام: أحبُّ الأعمال إلى الله زيارة الحسين (عليه السلام) (9)، ولأنه بزيارة الحسين تَطَهَّرَ عن كل خبيثة وكل رديئة، فهو متطهِّر، والله يحب المتطهرين (10)، والحبيب لا يحب لحبيبه إلا الكون في جواره، والخلاص عن دار الزحمة والمشقة والتعب والنّجاسة والرّجاسة، ويحب أن ينقله إلى دار الكرامة، ومحلّ الأمن والسلامة، ومقام الفرح والسرور، وقام النور، والنور على النور. فينقل الله سبحانه الزَّائر إلى دار الآخرة، دار الكرامة، ويبقى هناك متنعّماً مسروراً، إلى أن يرجع إمامه وسيِّده، ويُطَهِّر الأرض من الأنجاس والأرجاس، وتصفوا الأرض لأهلها، فيرجع محبوراً، وينقلب إلى أهله مسروراً، وهذه كله من بركة الزيارة. وفقنا الله سبحانه للتّشرف بالقبول، إنه أكرم مسؤول، وأعظم مأمول. وثانيهما، أنّ الزائر بعد ما أعدّ الله سبحانه له من جوامع الخيرات، في الدنيا والآخرة، وعَلِم من حاله أنه إذا بقي في الدنيا، يصيبه ما يحرمه عن هذه الخيرات، أو يبليه بأنواع الفتن والمحن والبليّات، ويقترف معصية يستحق بها العقوبات، ينقله الله سبحانه برحمته وكرمه وكرامته، لزيارة ذلك السيد الطاهر، إلى جواره لِيّسْلّم مما يوجب عقابه، ويشمله ما أعدّه له من الثواب. ولذا يموت الزائر حسب ما يرى المصلحة، إما بعد الزيارة بلا فصل، أو في أيام الزيارة أو بعدها، كل ذلك لأجل الزيارة، فافهم راشداً موفقاً مغبوطاً. المصادر: رؤى حول الأسرار الحسينية في مدرسة الشيخ الأحسائي. للشيخ راضي ناصر السلمان. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كشف الغمة 2/41. (2) كامل الزيارات 159. (3) الإقبال 710. (4) تهذيب الأحكام 6/106. (5) كامل الزيارات 150 (6) كامل الزيارات 151 (7) كامل الزيارات 136 (8) كامل الزيارات 151 (9) كامل الزيارات 146 (10) قال تعالى في سورة البقرة، الآية: 22 {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ.} صدق الله العلي العظيم