تساؤلات حول النهضة الحسينية (1)
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » تساؤلات حول النهضة الحسينية (1)

 البحث  الرقم: 187  التاريخ: 1 ذو الحجّة 1429 هـ  المشاهدات: 5468
قائمة المحتويات

تساؤلات حول النهضة الحسينية (1)

لماذا استجاب الحسين (عليه السلام) لأهل الكوفة وأرسل إليهم سفيره مسلم بن عقيل مع علمه بحالهم ومع نصح بعض أصحابه له بعدم التوجّه إلى هناك؟

الجواب

لو لم يستجب الإمام الحسين (عليه السلام) لدعوات أهل الكوفة لأدانه التاريخ ولقال إنَّ الحسين –والعياذ بالله- قد فرَّط في المسئوليّة الإلهيّة المناطة به وذلك لأنَّ الظروف قد تهيَّأت له بعد أنْ راسله الآلاف مِن أهل الكوفة وجمع كبير مِن الوجهاء ورؤساء العشائر، وأكّدوا له أنّهم على استعداد تامّ لمناصرته وأنَّ الكوفة متهيِّئة لاحتضان ثورته، وأنَّه ليس مِن العسير عليهم طرد الوالي الأموي مِنها، وحينئذ وعندما تسقط الكوفة فإنَّ ذلك يُنتج سقوط القرى والمدن المجاورة لها نظرًا لارتباطها سياسيًّا وأمنيًّا بأمارة الكوفة بل وحتّى بلاد فارس والأهواز وبعض المدن الإيرانيَّة وقراها كانت تابعة سياسيًّا لإمارة الكوفة بل إنَّ سقوط الكوفة بِيَد الثوّار يُنتج سهولة الهيمنة على مدينة البصرة والمدن المجاورة لها، وذلك لأنَّ الثقل العسكري والسياسي في العراق آنذاك كان في مدينة الكوفة، وكلّ مَن له معرفة بالتاريخ يدرك هذه النتيجة.
ومِن هنا يكون إهمال الإمام الحسين (عليه السلام) لدعوات أهل الكوفة يعدُّ تفريطًا وتفويتًا لفرصة استثنائيّة خصوصًا وأنَّ الحسين يُدرك أنَّ الأمّة ما كانت لتستجيب ليزيد لولا قوّته وسطوته، فإذا ما استطاع أنْ يوهن هذه القوّة فإنَّ الحواضر الإسلاميّة سوف تتداعى واحدة تلو الأخرى، إذ ليس ثمّة حاضرة مِن الحواضر الإسلاميّة تكنّ الولاء الحقيقي ليزيد وللنظام الأموي إذا ما استثنَيْنا بلاد الشام، هذا بالإضافة إلى عنصر آخر يؤكّد المسئوليّة التاريخيّة على الحسين (عليه السلام) وهو احترام وتقدير الأمّة له نظرًا لقرابته مِن رسول الله (صلى الله وعليه وآله) ونظرًا لإيمانها بنزاهته وكفاءته وليس مِن عائق يحول دون مؤازرته سوى بطش السلطة الأمويّة الذي أصاب الأمّة بالإحباط واليأس، فلو أنَّ الحسين (عليه السلام) استطاع إدخال الوهن على النظام الأموي فإنَّ الأمّة ستهبُّ لا محالة لمؤازرته. مِن هنا كان سقوط الكوفة مع ملاحظة الاعتبارات الأخرى مساوقًا لضعف النظام الأموي وعجزه عن بسط هيمنته على الحواضر الإسلاميّة. ذلك لأنَّ مركز القوّة للنظام الأموي متمثِّلاً في بلادَيِ الشام والكوفة، لهذا تمكّن الثوّار في المدينة المنوّرة وكذلك مكّة الشريفة مِن طرد بني أميّة بكلّ سهولة أيّام يزيد بن معاوية، ولولا أن بعث إليهم يزيد بن معاوية جيش الشام بعد أنْ رفض ابن زياد واليه على الكوفة الذهاب إليهم لما تمكّن مِن استرجاع هاتَيْن المدينتَيْن مِن يد الثوّار. وهو ما يعبّر عن أنَّ الكوفة والشام هما مركز القوّة للنظام الأموي، وأنَّ سرّ هيمنته وانبساط سلطته هو ما يدركه الناس مِن أنَّ عاقبة التمرُّد هو أنْ يسلّط عليهم النظامُ الأموي جيشَ الشام أو الكوفة.
ومِن هنا نؤكّد أنَّ سقوط الكوفة بِيَد الثوّار معناه أنَّ النظام الأموي يصبح أمام قوّة مكافئة لقوّته، وهو ما كنّا نقصده مِن دخول الوهن على النظام الأموي المستوجب لتداعي الحواضر الإسلاميّة بعد أنْ لم يكن خضوعها له ناشئًا عن ولائها وإيمانها بجدارته واستحقاقه، وإنّما كان ناشئًا عن خوفها مِن بطشه وشدّة بأسه.
وبما ذكرنا اتّضح المنشأ لاستجابة الحسين (عليه السلام) لدعوات أهل الكوفة فقد تواترت عليه كتبهم حتّى تجاوزت الاثني عشر كتابًا كلّ كتاب مختوم مِن اثنين أو ثلاثة أو أكثر، وكتب إليه رؤساء العشائر والوجهاء وأوفدوا إليه الرسل، ورغم كلّ ذلك بعث إليهم مسلم بن عقيل ليقف على واقع حالهم، فجاءه كتاب مسلم بن عقيل أنْ أقدم فإنَّ الكوفة مهيّئة لاحتضان نهضتك، فما كان يسعه التخلُّف ولم يكن يسعه الاعتذار عن المصير إليهم بدعوى أنَّ لهم سوابق توجب عدم الوثوق بجدّيّة دعواتهم بعد أن بايعوا مسلم بن عقيل وأبدَوْا جدّيّتهم وصدق نواياهم، وأمَّا عدم رجوع الحسين بعد علمه بمقتل مسلم بن عقيل فلأنَّ الخيار الذي اتّخذه الإمام الحسين هو الاستشهاد وذلك حينما ينكشف للأمّة وللتاريخ أنَّ المسلمين لم يكونوا حينذاك مؤهّلين للجهاد ولمقارعة النظام الأموي، فقد عقد العزم على أنْ يقدِّم نفسه قربانًا لله عزّ وجلّ مِن أجل أنْ تستفيق الأمّة مِن سباتها، وتدرك أنَّ النظام الأموي مريدٌ لتقويض بُنَى الإسلام، وأنّه لا يرعى حرمة لرسول لله (صلى الله وعليه وآله) وأنّه على استعداد لفعل كلّ عظيم مِن أجل أن يبقى سلطانه وتبقى هيمنته، وأنّه لا يهمّه كثيرًا أنْ يعصى الله في الأرض بل يمارس هو دور التضليل والإفساد.
وإذا ما أدركت الأمّة كلّ ذلك واستفاقت على وقع فاجعة هي بحجم قتل الحسين (عليه السلام)، وقتل ذرِّيّته وسبي بنات رسول الله (صلى الله وعليه وآله) فإنّ مِن المفترض أنْ تنبعث فيها روح جديدة قادرة ولو بعد حين على أنْ تجهز على هذا النظام الفاسد.
أراد الحسين بنهضته وتضحيته أنْ يكسر حاجز الخوف وأنْ يبدّد حالة اليأس والخنوع الذي أصاب الأمّة نتيجة البطش والتعسّف اللذين مارستهما السلطة الأمويّة معها، وأراد أنْ يؤسّس لفهم إسلامي أصيل هو شرعيّة المواجهة للسلطان الجائر، وشرعيّة السعي لتقويض سلطانه ذلك لأنّ النظام الأموي عمل وفي غضون عقدَيْن مِن الزمن على ترويج دعوى هي حرمة الخروج على النظام الحاكم حتّى ولو كان فاسدًا جائرًا، وسخّر لذلك المأجورين ممّن ينسبون لصاحبة رسول الله وغيرهم ليضعوا مِن عند أنفسهم روايات تؤكّد على عدم شرعيّة الخروج والثورة على السلطان وإنْ كان فاسقًا مستحلاًّ لحرمات الله عزّ وجلّ، وأنَّ وظيفة المسلم هي النصيحة والدعاء له بالهداية، فإن ثاب إلى رشده وإلاّ فعلى كلّ مكلّف الصبر، وإنْ جلد السلطان ظهره وأخذ ماله. وهذه الثقافة الخطيرة التي سادتْ وتجذّرت بفعل السياسة الأمويّة لم يكن مِن الممكن تصحيحها لو لم يتصدَّ لذلك رجل هو بحجم الحسين (عليه السلام) ولم يكن التصدّي بنحو التضحية، فالحسين قدّم نفسه قربانًا لله عزّ وجلّ مِن أجل أن يعيد الأمّة إلى المسار الصحيح، يقول (عليه السلام): أيّها الناس إنّ رسول الله (صلى الله وعليه وآله) قال: مَنْ رأى منكم سلطانًا جائرًا مستحلاًّ لِحُرَمِ الله ناكثًا عهده مخالفًا لسنَّة رسول الله (صلى الله وعليه وآله)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيِّر عليه بفعل ولا قول كان حقًّا على الله أنْ يدخله مدخله، ألا وإنَّ هؤلاء قد لزموا الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطَّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلُّوا حرام الله وحرَّموا حلاله وأنا أحقُّ مَنْ غيَّر... .
وأمّا نصيحة بعض أصحابه له بعدم الخروج على يزيد أو بعدم التوجّه إلى الكوفة فلأنّ حساباتهم كانت سياسيّة، ولأنّهم أنفسهم ممّن شملهم الداء وأصابهم الوهن واستبدّ بهم اليأس والإحباط، لذلك فهم لا يفهمون لغة الحسين (عليه السلام) ولا يدركون أبعاد خروجه ونهضته.
فهذا ابن عبّاس الذي لا نشكّ في إخلاصه للإمام الحسين (عليه السلام) يتمنّى لو كان يتمكّن مِن حبس الحسين (عليه السلام) والحيلولة دون خروجه، ذلك لأنّه لم يكن قادرًا على استيعاب معنى التضحية والاستشهاد، إذ هي لغة لا يفهما إلاّ أهل البصائر ولا يقف على أبعادها إلاّ مَن تجرّدت روحه عن كلّ علائق الدنيا، فكم هو غريب قول الحسين: إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما فهو يأنس بالموت والآخرون تؤنسهم الحياة. وقد تمكّن الإمام الحسين (عليه السلام) مِن تحقيق غايته ولم يتمكّن النظام الأموي مِن إرغام الحسين على خياره رغم ما بذله مِن وسع، وما اعتمده مِن وسائل لا تصمد أمامها أقوى الإرادات، وهذا هو معنى انتصار الدم على السيف.
وهكذا تبخّر النظام الأموي وتلاشت أطروحته الرامية لتقويض بُنَى الإسلام وخلد الحسين وخلدت مبادؤه.
والحمد لله ربِّ العالمين
من كتاب تساؤلات حول النهضة الحسينية

الروابط
المقالات: حقيقة النهضة الحسينية،
تساؤلات حول النهضة الحسينية (2)
الأشخاص: الشيخ محمد صنقور [المترجم]
مواقع الإنترنيت: الموقع العالمي للدراسات الشيعية
مفاتيح البحث: مسلم بن عقيل بن أبي طالب،
الإمام الحسين (عليه السلام)،
أبو سلمة الخلال،
عبد الله المحض،
أبو العباس السفاح،
خراسان،
...
الواحات: الواحة الحسينية

الفهرسة