بسم الله الرحمن الرحيم كلمة المركز لم تشهد البشرية حدثا تأريخيا هز أعماق الحياة الإنسانية وأحدث نقلة نوعية في مسار التأريخ كحدث الدعوة الإسلامية وبعثة الهادي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) داعيا إلى الله سبحانه ومنقذا للبشرية من ظلم الطواغيت وحكم الطغاة. ظلم الطواغيت وحكم الطغاة: بزغ نور الإسلام في ربوع مكة يحمل إلى الأرض مبادئ الهدى والعدل والسلام. فاستفاق طواغيتها على صوت الداعي منذرا بتحطيم تلك البنية الجاهلية البغيضة التي بنوها على الظلم والكفر، وامتهان كرامة الإنسان، وتكريس الجهل والخرافة والفساد. فتصدوا بكل ما يملكون من قوة ووسائل للمقاومة، لإيقاف الزحف الذي راح يدك معاقلهم، ويحطم كبرياءهم ومصالحهم الآثمة. وكان في طليعة أولئك الطواغيت الوجود الأموي المتمثل بأبرز رموزه في تلك المرحلة (أبو سفيان). لقد كان لهذا الوجود دور خطير في مواجهة الانطلاقة والمسار الإسلامي في مرحلة الدعوة والنبوة، كما واصل دوره هذا في مرحلة الخلافة التي تلت عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). وإنه لمن ضرورات فهم تأريخ الأمة والقوى الفكرية والسياسة والاجتماعية المؤثرة فيها أن يدرس المسار الأموي، وتحلل طبيعة بطريقة علمية ونقد موضوعي على امتداد مواقفه التي مارسها رجاله وقادته، وأن دراسة وتحليل معالم ذلك المسار وممارساته في مرحلتي الدعوة والخلافة والسلطة تتطلب دراسة المواقف الأموية الآتية: 1 - الوقوف بوجه الدعوة ومحاربة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم). 2 - السقوط والتواري. 3 - إعادة تنظيم الصفوف. 4 - التسلل إلى السلطة. 5 - شق الصف وتمزيق وحدة الأمة. 6 - محاربة الخلافة الشرعية. 7 - السيطرة على الدولة والحكم. 8 - العودة إلى محاربة المسار الإسلامي الأصيل المتمثل في علي وآل البيت النبوي (عليهم السلام) وأتباعهم. 9 - تبديل نظام الحكم. 10 - وضع الأحاديث وتحرف السنة. 11 - إدخال الفساد الأخلاقي والاجتماعي إلى السلطة. ولكي تكون لدى القارئ صورة واضحة عن هذا المسار فلنتناول بشئ من التفصيل تلك المواقف التأريخية: 1 - الوقوف بوجه الدعوة ومحاربة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): لقد تناول الشيخ الأميني في موسوعته العلمية الكبرى (الغدير) الدور المعادي للرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي مثلته أبرز الشخصيات الأموية في مرحلة الدعوة وهم: أبو سفيان و عقبة بن أبي معيط و الحكم بن العاص وستجد في ما سجله من مواقف ووقائع وحوادث لتلك الشخصيات الأموية صورة متكاملة للدور الأموي في مواجهة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد كان أبو سفيان أحد أبرز ثلاث شخصيات تصدت لمواجهة الدعوة وهم: أبو لهب وأبو جهل، وقد تولى أبو سفيان قيادة الشرك والجاهلية في مكة، بعد موت أبي لهب ومقتل أبي جهلالحكم بن هشام في معركة بدر حيث اندحرت قوى الشرك والطاغوت، فكان القائد والمخطط والمعبئ لقوى العدوان بعد ذلك في أحد والأحزاب، والصاد لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عام الحديبية عن البيت الحرام (في السنة السادسة من الهجرة)، كما تولى عمليات التعذيب للمستضعفين من المسلمين، وأحد المخططين لاغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ويستمر أبو سفيان في حربه وصراعه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طوال إحدى وعشرين عاما حتى حقق الله النصر لنبيه بفتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة فاضطر تحت ضغط القوة وعزة الإسلام وتعاظم تياره، إلى إعلان إسلامه بعد إقناع من العباس بن عبد المطلب - عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لحقن دمه. 2 - السقوط والتواري: وبفتح مكة سقطت المقاومة الجاهلية وانهار صرح الشرك، ودحر أبو سفيان ومن معه من قادة الضلال، وطهر البيت الحرام من الأصنام والوثنية، وفتح الرسول المنتصر (صلى الله عليه وآله وسلم) آفاق العفو والرحمة وأطلق شعاره المعروف اليوم يوم المرحمة اليوم تحمى الحرمة . لقد جمع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أولئك الأعداء الذين حاربوه وأخرجوه من دياره، وخططوا لقتله. فخاطبهم بقلبه الكبير، وروحه الهادي، وخلقه العظيم، وهدفه الواسع لاستيعاب البشرية، بقوله: ما تظنون وما أنتم قائلون. قال سهيل: نظن خيرا ونقول خيرا، أخ كريم وابن عم كريم (1). ليفتح أمامهم أبواب التوبة ويهئ لهم الأجواء النفسية للتفاعل مع كلمة التوحيد، ومبادئ الهدى، وليشعرهم بعفو الإسلام وعظيم خلقه. وهكذا طوقهم رسول الله بالفضل والمن، وأطلق سراحهم، فحملوا اسم (الطلقاء) كما حملوا اسما آخر هو: (مسلمة الفتح). وهكذا توارى هذا الوجود خلف الستار. إلا أن تلك الفلول المهزومة لم تتفاعل مع روح الرسالة ولم يتغلغل الإسلام في أعماقها فظلت تختزن الماضي، وتحمل الأحقاد على الرسول القائد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى الطليعة التي حققت الانتصار معه (صلى الله عليه وآله وسلم) وحطمت كبرياءهم وسيادتهم، لا سيما ابن عمه، زوج ابنته، علي بن أبي طالب كما حملوا العداء ذاته لذريته من بعده. 3 - إعادة تنظيم الصفوف: بعد مرحلة السقوط والتواري عن مسرح الأحداث والابتعاد عن الأضواء والواجهة الاجتماعية الذي فرضه الأمر الواقع على الخط الأموي والذي استمر إلى ما بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لعدد من السنين، إذ لم يستطع الوجود الأموي أن يسجل أي حضور في أحداث السقيفة والنزاع على الخلافة لسقوطه من الاعتبار الاجتماعي آنذاك، عدا محاولة أبي سفيان مع الإمام علي التي حاول فهيا التأليب ودفع الموقف إلى المواجهة المسلحة بين المسلمين يوم قال لعلي (عليه السلام): إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا الدم... ثم قال لعلي: أبسط يدك أبايعك فوالله لئن شئت لأملأنها عليك خيلا ورجالا فأبى (عليه السلام) (1). ثم زجره قائلا: والله ما أردت بهذا إلا الفتنة، وإنك والله طالما بغيت للإسلام شرا، ولا حاجة لنا في نصيحتك (2). وكان المسلمون الأولون يشعرون بأن الوجود الأموي سيعمل على تنظيم صفوفه وإعادة نشاطه من جديد، جاء ذلك التشخيص واضحا في الحوار الذي دار بين أبي بكر والحباب بن المنذر والذي نصه: أمنا تخاف يا حباب... وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد رأى في منامه أن بني أمية ينزون على منبره... وتلك رؤيا صادقة تكشف عن أن الموقف الأموي المواجه لن ينتهي بهزيمة الفتح، بل سيعود إلى المواجهة بعد تنظيم صفوفه. وقد تحقق ذلك، وبدأ الحزب الأموي بتنظيم أوضاعه الداخلية، والبحث عن مراكز السلطة والنفوذ لاستعادة مركزه المفقود بعد الفتح، فاستغل ظروف الصراع على الخلافة، بعد السقيفة وتألب الكثيرين على علي (عليه السلام) ووضع العقاب أمام تسلمه مقاليد الأمور. علي الخصم العقائدي للوجود الأموي، والسيف الذي حطم قوتهم العسكرية، وهو الذي علا كتف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الفتح فحطم أصنامهم، وطهر البيت الحرام منها. لقد استغلوا تلك الفترة فجمعوا فلولهم ليواصلوا البحث عن أهدافهم، وكانت البداية تنطق من معاوية بن أبي سفيان حين ولاه عمر على الشام، فهو كما وصفه المؤرخون داهية ومخطط، وبلا تورع عما نهى الله عنه، راح يبني الوجود الأموي في الشام، ويستقطب العناصر الموالية، ويركز وجوده. ثم، أتت الفرصة سانحة لبناء القوة الأموية في خلافة عثمان بن عفان وبشكل لم يسبق لم مثيل. 4 - التسلل إلى السلطة: لقد كان في تسلم معاوية لولاية الشام، وهي من أهم الولايات في الدولة الإسلامية، فرصة كبيرة للحزب الأموي لأن يركز وجوده، ويبث أفكاره وآراءه، وأن يبني له قوة عسكرية وقاعدة وأنصارا تناسب المرحلة الجديدة، فالشام بعيدة عن مركز الخلافة، وحديثة عهد بالإسلام فلم يطلع أهلها على مرحلة النبوة، ولا على بناة الإسلام والسابقين من الصحابة، كعلي وأبي ذر وعمار وغيرهم، كما كانت بلدا غنيا مكتفيا بموارده، فاستغل معاوية كل ذلك لتنفيذ المخطط والأهداف. وحين ولي الخلافة عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس استغل الحزب الأموي ذلك، فتسللوا إلى أجهزة الدولة بتعيينه إياهم ولاة وأمراء وقادة جيوش ومتنفذين، ومن خلال ما أعاده لهم من اعتبار، وما آثرهم به من بيت المال على بقية المسلمين، تحول الأمويون إلى حزب حاكم وطبقة رأسمالية مستغلة مستبدة، بعد أن كانوا فئة منبوذة تحمل راية الحرب ضد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان صلى الله عليه وآله يلعن بعض قادتهم ويطرد بعضهم الآخر وينفيه من المدينة، كالحكم بن أبي العاص، كان الرسول يفعل ذلك، ويقول: لكل أمة آفة، وآفة هذه الأمة بنو أمية . وسنجد في دراسة العلامة الأميني رضي الله عنه لسياسة عثمان، وإعادته للاعتبار الأموي توثيقا كافيا لإيضاح التسلل الأموي إلى أجهزة الدولة وسيطرتهم على مقاليد الأمور في تلك الفترة، مما أثار حفيظة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، لا سيما طلائعهم التي ساهمت في حمل الدعوة، وقتال المشركين، وفي مقدمتهم بني أمية في بدر وأحد والأحزاب ويوم الفتح. ومما يعكس شدة رفض جيل الصحابة والتابعين للتسلط الأموي هو الثورة على عثمان وقتله، والمنع من دفنه، وللمزيد من الإيضاح تراجع كتب التاريخ، كتاريخ الطبري واليعقوبي، وتاريخ المدينة والأخبار الطوال للدينوري والكامل لابن الأثير والإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري وغيرها. 5 - شق الصف وتمزيق وحدة الأمة: من الكوارث المأساوية الكبرى التي أحدثها الأمويون في الأمة الإسلامية هي تمزيق وحدة المسلمين وشق الصف الإسلامي. فقد تبنى الأمويون أمثال مروان بن الحكمومعاوية بن أبي سفيان تصعيد الموقف في المدينة المنورة بين الخليفة عثمان بن عفان، وبين الصحابة الذي عارضوا سياسة التي اعتمدت الحزب الأموي في السلطة والنفوذ، إضافة إلى الممارسات المالية والقضائية والسلوكية الأخرى التي استنكرها الصحابة، وذكرها المؤرخون من مختلف الاتجاهات والمذاهب في كتبهم، فأدى هذا التصعيد إلى الحيلولة دون إصلاح الأوضاع من قبل الذين سعوا في الإصلاح، وفي مقدمتهم الإمام علي (عليه السلام) حيث طلب من عثمان العدول عن سياسة والتمسك بالكتاب والسنة، والاستجابة لنداءات الاصلاح والتغيير، والتخلي عمن حوله كمروان بن الحكم وسعيد والوليد، والتوقف عن اضطهاد الصحابة كعمار بن ياسروعبد الله بن مسعود، وغيرهم كما اضطهد أبو ذر الغفاري من قبل. لقد أجج مروان بن الحكم ومعاوية وفئة أخرى من الأمويين نار الموقف حتى قتل عثمان، ووقعت الفتنة، فرفعوا شعار الثأر لدم عثمان، ورأى معاوية في ذلك فرصة سانحة للتمرد على الخلافة الشرعية والانفصال عن الدولة الإسلامية ومحاربة الإمام علي (عليه السلام) الذي لجأت إليه الأمة، وبايعته بالخلافة بعد مقتل عثمان، ووقف الصحابة من المهاجرين والأنصار يتقدمهم البدريون في ذلك إلى جانبه، واستطاع معاوية أن يعبئ بلاد الشام ضد الخلافة الشرعية لبعدها عن المدينة المنورة مركز الوحي والوعي الإسلامي وعدم تفاعل أهلها مع مرحلة الدعوة، والتعريف على طلائع الإسلام ورجالاته، وجهلهم بمكانة الإمام علي (عليه السلام) ودوره الفريد من بين جميع الصحابة في تركيز دعائهم الإسلام والدفاع عنه، فاستطاع معاوية أن يضللهم، ويشوه في نفوسهم صورة الإمام علي الناصعة. لقد أقدم معاوية وهو يقود الحزب الأموي، على شق المسلمين، وإقامة كيان سياسي للأمويين في الشام. وهكذا استأنف الأمويون الصراع والحرب الدعائية المضللة ضد آل البيت النبوي (عليهم السلام) تترس معاوية بن أبي سفيان في بلاد الشام، وكرس كل جهوده لتضليل الرأي العام، واعتمد المال والإغراء بالمناصب والإرهاب أسلوبا لمواجهة الإمام علي (عليه السلام) فكانت صفين المعركة المسلحة سنة (36 هـ) التي انتهت بالتحكيم والخداع، وتثبيت معاوية وانشقاق جيش الإمام علي (عليه السلام)، وتكون فرقة الخوارج التي اغتالت الإمام عليا في ما بعد، وفشلت في قتل معاوية وعمرو بن العاص. وبعد استشهادالإمام علي (عليه السلام) تولى الإمام السبط الحسن بن علي (عليه السلام) الإمامة بعده، فرأى معاوية في استشهادالإمام علي (عليه السلام) فرصة للإجهاز على الخلافة الشرعية، والاستيلاء على الدولة الإسلامية، فجهز جيشه، وتقدم نحو العراق لمحاربة الإمام الحسن (عليه السلام) وانتهت هذه المرحلة بصلحالإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية، وتسليم الخلافة له وفق شروط لم يف معاوية بها. 6 - الاستيلاء على الدولة الإسلامية: استولى معاوية على السلطة وخلا الجو للحزب الأموي، وهكذا بدأ فصل جديد في تأريخ الأمة وأسست الدولة الأموية سنة (41 هـ). وامتدت حتى سنة (132 هـ) وولي الخلافة فيها معاوية وابنه يزيد ثم معاوية بن يزيد الذي رفض تسلم الخلافة، ورأى أنها حق لآل البيت (عليهم السلام) وبتنازله انتهت خلافة آل أبي سفيان لتبدأ خلافة آل مروان أخلاف طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي استمرت حتى عام (132 هـ). 7- العودة إلى الصراع: وما إن تمكن الأمويون من فرض وجودهم على الدولة والأمة حتى ألغى معاوية كل شرط اشترطه الإمام الحسن (عليه السلام). ومن تلك الشروط عدم ملاحقة أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، وترك سبالإمام علي (عليه السلام) فقد شن معاوية حربا شعواء على آل البيت وأتباعهم ومن شايعهم، ومنع التحدث بفضائل علي (عليه السلام) ومناقبه التي لم يحظ أحد من الصحابة بمثلها، ولم يكتف بذلك، بل أصدر أمرا بسب علي (عليه السلام) على المنابر في جميع البلاد الإسلامية، ومن فوق مآذنهم. فمعاوية هو أول من سبب الصحابة على المنابر والمآذن، وتبعه الأمويون على ذلك حتى عام (99 هـ) في خلافة عمر بن عبد العزيز الذي أوقف السب واستبدله بقوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي). والحديث عن الحرب التي شنها الأمويون ضد آل البيت وأشياعهم حديث مفعم بالدم والأسى والشجون. فبعد حروب معاوية مع الإمام علي (عليه السلام) وولده الإمام الحسن السبط (عليه السلام) الذي انتهى بالصلح. وبعدما دس السم الذي أدى إلى استشهاده (عليه السلام) تتبع معاوية بن أبي سفيان شيعة علي وأتباعه فقتلهم حيثما وجدهم، فقتلحجر بن عدي الذي وصفه الحاكم في المستدرك بقوله: إنه راهب أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (1)، كما قتل: شريك بن شداد الحضرمي، وصيفي بن شداد الشيباني، وعمرو بن الحمق الخزاعي، ورشيد الهجري، وعبد الله بن يحيى الحضرمي، وعبد الرحمن بن حسان العنزي وغيرهم. وجاء بعد معاوية ابنه يزيد ليواصل الحرب على آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحاب رسول الله، فكانت فاجعة كربلاء التي أدمت قلوب المسلمين، فقد قتل فيها الحسين بن علي (عليه السلام) سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسبعة عشر من أهل بيته وستون رجلا من أصحابه، استشهدوا جميعا في كربلاءيوم العاشر من محرم الحرام عام (61 هـ) مما فجر براكين الثورات ضد الحكم الأموي، فثارت المدينة المنورة فقمعها يزيد بن معاوية واستأصل البدرين، فلم يبق بدري واحد بعد تلك الواقعة المروعة، قال ابن قتيبة الدينوري: وذكروا أنه قتل يوم الحرة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمانون رجلا، ولم يبق بدري بعد ذلك، ومن قريش والأنصار سبعمئة... (1). وحدثت ثورات أخرى كثورة التوابين وثورة المختار. وتواصل الارهاب الأموي ضد آل البيت (عليهم السلام)فقتلهشام بن عبد الملكزيد بن علي ابن السبط الحسين بن علي بن أبي طالب سنة (121 هـ) ثم قتل ابنه يحيى. وهكذا تواصل العداء الأموي لآل البيت (عليهم السلام) حتى سقوط دولتهم سنة (132 ه). 8 - تبديل نظام الحكم: لقد فهم الأمويون أن الدولة والسلطة في الأمة هي ملك لهم، بل وبنوا سياستهم على أساس استعباد الأمة، فقد فرض يزيد بن معاوية على المسلمين أن يبايعوه على أنهم عبيد له (1) ورفض أن يبايعوه على كتاب الله وسنة ورسوله، وابتدعوا نظرية الوراثة، وحولوا نظام الحكم إلى نظام ملكي وراثي تمتهن فيه الأمة وتسحق إرادتها، سجل السيوطي هذه الحقيقة عن سعيد بن طهمان عن سفينة قال: قلت لسفينة: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم، قال: كذبوا بنو الزرقاء بل هم ملوك من أشد الملوك، وأول الملوك معاوية (2). ولذلك شجب الصحابة والتابعون النظام الأموي هذا ورفضوه، كما شجبه الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) ورفضه بشدة عندما قرر معاوية بن أبي سفيان جعل الحكم وراثيا وفرض يزيد حاكما على المسلمين، مما دعاه إلى الثورة على السلطة عندما تسلمها يزيد بعد أبيه وكانت ثورته عام (61 هـ). وكان هذا التغيير مصادرة كبرى لإرادة الأمة ومخالفة لأصول الشريعة، وفرض الحكام الأمويون عليها الواحد تلو الآخر، فقاومتهم الأمة بالقوة والسلاح حتى سقطت دولتهم عام (132 هـ). 9 - إدخال الفساد والانحراف الأخلاقي إلى مؤسسة الخلافة: لقد أجمع المؤرخون والمختصون على أن الحكام الأمويين هم الذين أدخلوا الخلاعة والمجون والفجور وشرب الخمر وممارسة المحرمات الشاذة إلى مؤسسة الخلافة، حتى أصبحت دار الخلافة مركزا للهو والعبث والفساد، ففقدت الخلافة هيبتها الروحية ومكانتها في النفوس. فكان الخليفة منهم يذكر باللهو والغناء وشرب الخمر والفجور والظلم وجمع الأموال وامتهان الأمة وسلبها حقوقها ومصادرة إرادتها. أخرج الواقدي من طرق أن عبد الله بن حنظلة الغسيل قال: والله ما خرجنا على يزيد حتى ظننا أن نرمى بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد، والبنات، والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة (1). وقال الذهبي: ولما فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل، مع شربه الخمر والتباعه المحرمات اشتد عليه الناس وخرجه عليه غير واحد (2). ووصفه عبد الملك بن مروان بالخليفة المأفون بقوله: ألست بالخليفة المأفون، يعني يزيد (3). قالت أم الدرداء لعبد الملك بن مروان مرة بلغني يا أمير المؤمنين أنك شربت الطلاء بعد النسك والعبادة؟ قال: إي والله والدماء قد شربتها (4). ووصف الذهبي الوليد بن يزيد بن عبد الملك بقوله: اشتهر بالخمر والتلوط فخرجوا عليه لذلك... (1). وقال ابن الأثير: إن عبد الملك بن مروان أول من نهى عن الأمر بالمعروف، فإنه قال في خطبته بعد قتل ابن الزبير: ولا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه (2). من تلك اللقطات والمئات من الممارسات المحرمة التي ارتكبها الحكام الأمويون في قصور الخلافة يتضح لنا الدور الأموي في إسقاط الأخلاقية الإسلامية في مؤسسة الخلافة التي أراد لها الله أن تكون قدوة ومنارا للهدى والإصلاح. 10 - وضع الحديث: وفي هذه المرحلة - مرحلة الحكم الأموي - كثر وضع الحديث: والتشجيع عليه من قبل معاوية وبشكل رسمي، كما كثر دخول الإسرائيليات في الحديث والتفسير والعقائد. ويذكر الباحثون في تاريخ الوضع والوضاع أن الكذب قد بدأ في عصر رسول الله، ولكنه كان عملا فرديا وممارسة من أناس كذابين، أما الوضع بشكله المتبني فقد بدأ عام (41 هـ) بدأه معاوية بن أبي سفيان، وأن الوثائق التاريخية التي وردت إلينا تؤكد ذلك، قال أبو جعفر الإسكافي المعتزلي: إن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (عليه السلام) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله فاختلفوا ما أرضاه، منهم: أبو هريرةوعمرو بن العاصوالمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير (1). وقال ابن عرفة: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم (2). إن دراسة الحوادث والوقائع والمواقف التأريخية التي مارسها حكام أمويون تكشف لنا بوضوح حقيقة الصراع الأموي ضد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وامتداده المتمثل في علي وآله (عليهم السلام) وسترى وضوح ذلك من خلال الدراسة التي أجراها الشيخ الأميني في شخصيات أموية شملت أبا سفيان ومعاوية ومروان والحكم بن العاص والوليد بن عقبة وغيرهم من العناصر الأموية. وإذن فلنقرأ ما كتبه العلامة الأميني في ذلك لتتشكل أمامنا معالم الصورة الحقيقية للمسار الأموي. قراءة في المسار الأموي أبو سفيان - الحكم - مروان - الوليد بن عقبة من كتاب الغدير للشيخ الأميني إعداد: مروان خليفات مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية الطبعة الأولى: 1419 ه - 1998 م المطبعة: محمد. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 60. (*) (2 - 3) الكامل في التاريخ: 2 / 326. (*) (4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 468. (*) (5) الإمامة والسياسة: 1 / 185. (*) (6) الإمامة والسياسة: 1 / 185. (7) تاريخ الخلفاء: 195. (*) (8) تاريخ الخلفاء: 195. (9) المصدر السابق: 204. (10) الصدر السابق: 204. (11) الكامل في التاريخ: 3 / 522. (*) (12) الكامل في التاريخ: 3 / 233. (13) المصدر السابق. (*) (14) شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد: 1 / 12 - 16. (15) المصدر السابق: 1 / 358. (*)